لماذا يعتبر عدم القيام بأي شيء بدايةً للإنتاجية؟

اسأل أيَّ شخصٍ كيف يحبُّ أن يقضي وقت فراغه، وعلى الأرجح سوف يشير إلى أنشطةٍ مثل: القراءة، أو ممارسة الألعاب، أو مشاهدة بعض برامج التلفاز. لكنَّ الأشياء التي قلَّما تُذكَر هي أفعالٌ مثل: التأمُّل، أو المراجعة، أو إعادة التفكير ملياً، أو مجرد التفكير بالطريقة التقليدية القديمة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن تجربة شخصية للمدوّن "إريك ماك" (Eric Mack)، والذي يخبرنا فيه عن تجربته في الوصول إلى الإنتاجية القصوى.

وجدتْ دراسةٌ صدرت مؤخَّراً في مجلة "النقد الشخصي وعلم النفس الاجتماعي" (Journal of Personality and Social Psychology)، أنَّ الناس في كلِّ مكانٍ يفضِّلون أن يقوموا بأيِّ شيءٍ آخر عدا أن يكونوا لوحدهم مع أفكارهم.

تقول الدراسة: "تحدَّث المشاركون الذين جرى اختيارهم بشكلٍ عشوائيٍّ للقيام بشيءٍ ما عن متعةٍ أكبر من تلك التي تحدَّث عنها المشاركون الذين جرى اختيارهم ليقوموا بالتفكير من أجل المتعة".

كشفت أبحاثٌ سابقةٌ أنَّ الناس الذين لديهم سبل إلهاءٍ كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس لديهم اهتمامٌ كبيرٌ بالتفكير من أجل المتعة، لكنَّ هذه الدراسة الأخيرة -التي كانت بمبادرة من طالب الدراسات العليا نيكولاس بوتريك (Nicholas Buttrick) في قسم علم النفس الاجتماعي في جامعة فيرجينيا- تكرِّر النتائج التي وُجِدت في 11 بلداً مختلفاً: بلجيكا، والبرازيل، وكوستاريكا، واليابان، وكوريا، وماليزيا، والبرتغال، وصربيا، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ذكر باتريك وزملاؤه أنَّ النتائج كانت متَّسقةً في كلِّ البلدان.

في الواقع، ستجد في أيِّ مكانٍ تذهب إليه اليوم، ويمتلك خدمةً خلويةً جيدة؛ أنَّ الجماهير تملأ كلَّ لحظاتها الفارغة بالكثير من التسالي المتاحة عبر الهواتف الذكية.

نقول لأنفسنا بأنَّ قدرتنا المكتشفة حديثاً على ملء جميع اللحظات البينية برسائل نصية، وتغريدات، وعمليات بحث؛ جعلتنا أكثر إنتاجية.

ولكنَّ عدم التوقُّف عن القيام بذلك أيضاً يحثُّ على استخدام الوقت المتاح وقدرة الدماغ في التفكير البسيط، وهو أمرٌ ضروري لمعالجة فيض المعلومات التي نستوعبها كلَّ ساعة.

في الواقع، وجد العلم أنَّ هذا صحيحٌ بالفعل.

تشير مراجعةٌ لبحثٍ من عام 2012 حول ما يسمَّى "الوضع الافتراضي" للدماغ -والذي يكون في الأساس فقط عندما نرتاح ونفكِّر- إلى أنَّه أمرٌ ضروريٌّ لتطوُّر الدماغ وتأديته عمله بالشكل الأمثل؛ كما يُطلِق البحث تحديداً تسمية "مشكلةٍ محتملة" على الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضاً: 6 حلول بسيطة للتخلص من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي

عوضاً عن استغلال الوقت لتجميع المعلومات ومن ثمَّ التوليد الفعلي لنوعٍ من المنتجات الجديدة، يجري تزويدنا بقائمةٍ من الإعجابات المحدَّدة مسبقاً، أو غيرها من ردود الفعل التي لا تضيف شيئاً جديداً أو قيماً جديدةً إلى العالم.

لقد اختبرت بالتأكيد، أو على الأقل سمعت عن العبارة المجازية القديمة: يأتي الإلهام في الحَمَّام. ليس هذا لأنَّ الشامبو يجعل الخلايا العصبية الخاصة بك تعمل بشكلٍ أسرع، بل لأنَّ الاستحمام فعلٌ يجبرنا على أن نكون وحدنا مع أفكارنا.

إقرأ أيضاً: 7 أمور مذهلة تحدث عندما تمضي وقتك وحيداً

يدعم بحثٌ حديثٌ نُشِر في مجلة البحوث النفسية (Psychological Research) هذا الأمر: "تترافق الحلول الناتجة عن الفطنة والأفكار الإبداعية مع الإدراك الداخلي التلقائي، والذي تكون فرصة التعبير عنه أكبر عندما يكون الشخص في فترة راحة، أو في مزاجٍ إيجابي، أو عندما لا يكون الاهتمام منصبَّاً على مهمَّةٍ صعبة، كما يكون الحال في أثناء استراحة العقل".

جعلني كلُّ هذا أفكِّر في نزعةٍ لاحظتها في حياتي، وأنا متأكِّدٌ من وجودها في حياتك أيضاً، وهي أنَّ مواكبة جميع المعلومات الواردة يمكن أن يستهلك وقتاً وطاقةً أكثر بكثيرٍ ممَّا نقضيه في إنتاج أيِّ نوعٍ من المنتجات الخلَّاقة، وقد ازداد اختلال التوازن بشكلٍ كبير على امتداد العقد الماضي.

الخطوة الأولى من أجل إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي هي ببساطة إدراك ما يؤكِّده العلم فيما يخصّ حياتنا، وهو أنَّنا نصبح معتادين أكثر على ملء وقت فراغنا بمحفِّزٍ خارجي. ولكن مثل ما قال أفلاطون قبل آلاف السنين، عندما كان التفكير من أجل المتعة رغبةً عارمة: "إنَّ الحياة غير المدروسة لا تستحق أن تُعاش".

كان الرجل اليوناني العجوز مصيباً؛ لذلك حدَّدتُ على مفكِّرتي في تقويم جوجل Google ساعةً واحدةً على الأقل أسبوعياً للتأمُّل، كما توقَّفت عن وضع سماعات الرأس في أثناء الركض، بالإضافة إلى نزع السماعة في الحمام، حيث أنَّ بعض أفضل الأفكار تُولَد في مثل هذه الأوقات.

وكان الكثير من هذا التفكير ممتعاً بقدر ما هو ممتعٌ ما تفعله أنت والكثير من الآخرين على الانستغرام اليوم. لقد حان الوقت لتترك الهاتف، ولتتوقف أيضاً عن القيام بأيِّ شيء.

 

المصدر




مقالات مرتبطة