لماذا يريد جيل الألفية أن يحقق الشهرة؟

دعونا نتوقَّف برهةً ونفكِّر؛ لماذا يرغب كثير من الناس أن يصبحوا مشهورين؟ ولماذا كثير منهم من جيل الألفية؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يحدِّثنا فيه عن الشهرة وأسباب رغبة جيل الألفية في تحقيقها.

لقد طرحت أمي نقطة مثيرة للاهتمام، وهي أنَّه في عالمنا اليوم من مشاهير تطبيق "فاين" (Vine)، والمؤثرين المشهورين في "إنستغرام" (Instagram)، نشأ جيل الألفية (جيلي) والشهرة في متناول يديه، ففي الماضي، لكي يصبح الشخص مشهوراً، كان يجب أن يكون سياسياً، أو نجم روك، أو نجماً سينمائياً، أو خطيباً، أو رياضياً (وحتى الرياضيون لم يكونوا مشهورين مثلما هم عليه اليوم)؛ إذ لم يكن في تلك الأيام قنوات تلفزيونية تنشر أخبارهم على مدار الساعة.

لذا، فإنَّ الرغبة في الشهرة موجودة منذ القدم، وقد يرغب بعضهم في تحقيق الشهرة بنسب أعلى من غيره، وبالتأكيد من الممكن أن تكون الشهرة بحدِّ ذاتها، هي الدافع وراء طموح أي شخص، لكن ستبقى حقيقة أنَّ الشخص المشهور يبقى عادةً ذا مستوى أعلى في المجتمع، لكن هذا لا يعني أنَّ جميع المشاهير يريدون أن يكون لهم تأثير في المجتمع، ولكنَّنا نُبجِّلهم في كل الأحوال، وذلك لأنَّنا نظنُّ بأنَّنا لا يمكننا الوصول إلى مستواهم أبداً.

من دون المواهب التي يتمتَّع بها بعض المشاهير، لا توجد أي طريقة يمكننا بها تحقيق الشهرة التي حقَّقوها، وهذا الأمر يزيد من تعظيمنا لهم، وحتى الآن، ما زالت الشهرة حلماً يصعب تحقيقه بالنسبة إلى أغلب الأشخاص، لكن في ظلِّ كثرة السُبل التي يمكن تحقيق الشهرة بها، فإنَّ كل ما يتطلَّبه الأمر بالنسبة إلى الذين يطمحون إلى الشهرة هو قليل من الحظ والعمل الجاد.

هل الحصول على الشهرة أمرٌ سهل؟

لقد أثبتنا أنَّ تحقيق الشهرة اليوم أسهل من أي وقت مضى في التاريخ؛ إذ يجب أن يبدأ الشخص الذي يرغب في تحقيق الشهرة بتحديد المجال الذي يريد أن يحقق الشهرة فيه؛ فالشهرة تعني أن يصبح الشخص المشهور "معروفاً" من قِبل المجتمع، ليظن الناس أنَّهم يعرفونه على الرَّغم من أنَّهم لم يقابلوه على أرض الواقع، فيصبح عبارة عن شخصية مميَّزة في الحياة.

تُعَدُّ الشهر في هذه الأيام تجربةً عابرة إلى حدٍّ ما، ويمكن القول إنَّه منذ عدة سنوات، كان المشاهير هم أولئك الذين طوَّروا البشرية تطوُّراً مباشراً، مثل الفيلسوف الروماني "سينيكا" (Seneca)، أو الإمبراطور الروماني السابق "ماركوس أوريليوس" (Marcus Aurelius)، وهذا أيضاً يرجع إلى حدٍّ كبير إلى ما حققوه في فترة شهرتهم؛ إذ كان من الممكن أن يوجد أشخاص أكثر ذكاءً منهم، ويستحقون الشهرة، لكنَّ بعضاً منهم فقط قد استطاع تحقيق الشهرة.

تبقى حقيقة أنَّ الأشخاص الذين حققوا الشهرة في الماضي هم أشخاص قد طوَّروا البشرية، وقد كانت شهرتهم لها تأثير في مجرى التاريخ، مع أنَّ التأثير لم يكن هدفهم المقصود، ومن هؤلاء الأشخاص، الفيلسوف "أفلاطون" (Plato)، و"سقراط" (Socrates)، والكاتب المسرحي الإنجليزي "شكسبير" (Shakespeare)، والرئيس الأول للولايات المتحدة (US) "جورج واشنطن" (George Washington)، ورئيس الوزراء السابق للمملكة المتحدة (UK) "ونستون تشرشل" (Winston Churchill)، والقائمة لا تنتهي.

بعدها بدأت الشهرة في التحول، وبدأت بالانتقال من الخطباء والقادة المشهورين السابقين إلى الفِرق الغنائية والممثلين، وربما السبب في ذلك هو نشأة طرائق للتواصل الفوري، المرئي والمسموع على حدٍّ سواء، وبالطبع، ما يزال القادة المعاصرون يعدُّون مشاهير (مثل: ونستون تشرشل)، لكن حققت الفرق الغنائية الشهرة أكثر من غيرها؛ وهذا الأمر أدى إلى ظهور ما يُعرف الآن بالثقافة الشعبية أو ثقافة البوب (Pop-culture).

مع ظهور الثقافة الشعبية، تحوَّلت الشهرة من القدرة على التأثير إلى القدرة على التميز، واليوم لقد أصبح تحقيق الشهرة أمراً سهلاً جداً، فمجرد ظهورك على التلفاز على سبيل المثال، كفيلٌ بأن يجعلك مشهوراً، ومن المؤسف أنَّ كثيرين من جيل الألفية يثير اهتمامهم هؤلاء الأشخاص الذين يظهرون على التلفاز، بدلاً من الأشخاص المشاهير العظماء الذين أحدثوا تأثيراً في تاريخ البشرية.

إذ إنَّ الرغبة في أن نكون "معروفين" من قِبَل المجتمع هي إحدى أكبر العوامل المحفزة لجيلنا؛ أي "لجيل الألفية"، فقد نشأنا كجيل متشابك مع وسائل التواصل الاجتماعي، ومع سهولة حصولنا على أي شيء نريده عبر الإنترنت بمجرد نقرة واحدة، فالسرعة التي يتحرك بها العالم الآن، والسهولة التي نعيش بها حياتنا، تركت لنا أشياء نرغب فيها، وكل حاجة نرغب فيها تُلبَّى باستثناء حاجة واحدة وهي: الإنجاز.

مع إدراكهم بأنَّ الشهرة هي وسيلة لتلبية تلك الحاجة النهائية التي نريدها، يسعى جيلنا الآن إلى تحقيق النجومية أكثر من أي وقت مضى، فنحن نرغب في أن يُسمع صوتنا، ولأنَّ حياتنا أصبحت صاخبة ومشتتة، فإنَّ الطريقة الوحيدة للتميُّز هي تحقيق الشهرة، لكن، نظراً لأنَّ الشهرة أصبحت الآن تجربةً سريعة الزوال، وأصبحت تستند إلى عدد متابعيك على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من الاستحقاق الفعلي لها، ترى جيل الألفية يسعى إلى بلوغ النوع الخطأ من الإنجازات، وهذا الأمر لا يساعدهم على تحقيق أي شيء.

شاهد بالفديو: 10 حقائق يجب معرفتها عن جيل الألفية

الشهرة ليست غاية:

لقد نشأنا في بيئةٍ تقيس قيمة الإنسان بعدد أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر قد غيَّر الطريقة التي ننظر بها إلى التواصل البشري، فنحن نشعر بالحاجة إلى أهداف أسمى من ذلك، ولأنَّ التطور قد علمنا أنَّ التفاعل البشري والمشاركة يفيان بهذا الغرض، فإنَّنا نبحث في العصر الحديث عن تلك الروابط، باستثناء أنَّ تلك التفاعلات اليوم تضع ثقلاً أقل على قيمة التفاعل، وثقلاً أكبر على مقدار التفاعلات السطحية التي نقوم بها.

هذا يعني، من وجهة نظر خاطئة أنَّ جيل الألفية يعتقد اعتقاداً لا شعورياً أنَّه من خلال زيادة متابعيهم أو عدد أصدقائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، سيجدون السعادة التي يبحثون عنها، لكن، إذا سألوا أي شخص سار في نفس هذا الطريق، سيقول إنَّ هذا الأمر لا يمتُّ للواقع بصلة، وسيتحول الأمر بالنسبة إلى جيل الألفية إلى سعيٍ مستمر إلى نَيل قبول الآخرين لهم، وهذا يؤدي إلى نسيانهم لما هو هامٌّ؛ أي حب الذات والتجارب المؤثرة.

إذ إنَّ الشهرة هي أمرٌ عابرٌ وغير مُرض، حتى "ماركوس أوريليوس" نفسه الذي عاش خلال فترة الشهرة التقليدية، قال: "كم من الأشخاص الذين حققوا الشهرة راودهم النسيان، وكم من الأشخاص الذين فرحوا لشهرة الآخرين توفوا منذ زمن طويل؟".

فإنَّ "ماركوس" يشير إلى جوهر المشكلة، وهي أنَّ الشهرة ليست أبدية، ونحن جيل الألفية، الذين نبحث عن هدف لملء الفراغ الذي خلفته حاجتنا إلى الإنجاز، نسعى إلى سدِّ هذا الفراغ بشيء ما بحيث أن يكون له تأثير قوي جداً، فبمجرد حصولك على المكانة الاجتماعية، سوف تختفي في الحال، وذلك الفراغ سوف يبقى موجود لديك، لكن هذه المرة سيكون الأمر أسوأ، لأنَّك افترضت الهدف، ومن ثمَّ السعادة ستأتي بوصفها نتيجةً لتلك الحالة.

إذناً، جوهرياً، إنَّ جيلنا يسعى إلى لحظة عابرة من السعادة ربما، فقط ليكتشفوا أنَّ المكانة الاجتماعية لا تحقق الذات، وأنَّ أصدقاءهم أو متابعيهم على مواقع التواصل الاجتماعي هم مجرد غرباء بالنسبة إليهم.

إقرأ أيضاً: كيف تترك بصمة إيجابية مع متابعيك؟

متابعة التأثير:

بدلاً من ذلك، يجب أن نهتم بالتأثير أكثر من المكانة؛ إذ يجب أن تفوق قيمة التأثير الإيجابي في حياة شخص واحد، الرغبة في أن يثني عليك 1000 شخص على إنجازٍ ما، وفي نهاية المطاف، هذه هي الأبدية؛ القدرة على تغيير حياة الأشخاص للأفضل.

عندها سيبدأ التأثير المتتالي؛ إذ سيأخذ الشخص الذي تغيَّرت حياته نحو الأفضل نصيحتك، ويمررها إلى الشخص التالي الذي يحتاجها، وهكذا دواليك، وبعد فترة من الزمن، ودون أن تدرك ذلك، ستكون قد أثرت تأثيراً إيجابياً في عدد كافٍ من الأشخاص، ومع أنَّ هذا الأمر لن يجعلك تحقق الشهرة، فإنَّه سيساعدك على ترك إرث يمكن أن يبقى لأجيال متعددة؛ وذلك لأنَّ هذا هو كل ما نريده.

في الختام:

إنَّ بقائنا على قيد الحياة هو أمرٌ مؤقت، ولدينا جميعاً رغبة غريزية في البقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة، وحتى هذه النقطة، لقد أسأنا فهم تفسير هذه الرغبة في البقاء لأطول فترة ممكنة على أنَّها الحاجة إلى أن نحقق الشهرة؛ إذ إنَّ الحاجة إلى وجود الآلاف من الأصدقاء ومئات الإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تخفي حاجتنا الحقيقية وهي أن يبقى لنا أثر.

لذلك، إذا تخلينا عن رغبتنا في أن نحقق الشهرة، وركَّزنا بدلاً من ذلك على التجارب المؤثرة، فيمكن تلبية حاجتنا النهائية؛ لذا فكِّر في مدى شعورك بالرضى عندما تساعد صديقاً محتاجاً، إنَّ هذا الأمر يمدنا بالطاقة فعلاً، وهذا الشعور هو شعورٌ عابر، تماماً مثل الشعور بالشهرة، ولكنَّه إيجابي جداً، وهذا يعني أنَّ تفاعلاً واحداً يتحوَّل إلى تفاعلات إيجابية متعددة، ممَّا يدعم طاقتك.

ولنكن صادقين، إنَّ الشهرة مغرية جداً، لكن إذا وضعت التأثير أولاً، وركَّزت عليه بإصرار شديد، فمن المُرجَّح أن تحقق الشهرة والمكانة الاجتماعية، وسوف تكون مستندة إلى شيء يمكنك أن تفخر به.

عندئذٍ، عندما تحقق الشهرة أو تحقق مكانة اجتماعية رفيعة، فسيكون ذلك بناءً على تأثير خالص، وسيمنحك هذا الأمر منصَّة لنشر رسالتك، وبعد ذلك فقط، ستتوقف الشهرة عن كونها أمرٌ عابر، وستصبح بدلاً من ذلك قاعدة صلبة لبناء هدفك، وعندها سيتحقق الإنجاز، وعندها ستكون هاماً.

المصدر




مقالات مرتبطة