لماذا يرتبط نجاح الثقافة التنظيمية بالنجاح الرقمي؟

لا تعي العديد من الشركات اليوم، معنى "الثقافة التنظيمية" بشكل كامل، أو أنَّها تقلل من قيمتها ضمن بيئة العمل، وفي حين أنَّ جميع الشركات تَعدُّ التعاون وحسن التعامل مع العملاء جزءاً لا يتجزأ من الثقافة التنظيمية بكل تأكيد، إلا أنَّ هذا يمثل نصف القصة فقط؛ حيث نجد معاني أخرى للثقافة التنظيمية ضمن العمليات التجارية الخارجية أيضاً، فالثقافة في العمل، قد تكون السبب الدافع للعاملين حتى يحبُّوا أعمالهم، ويمكن أن تبدو الشركة مكاناً رائعاً للعمل، حسب ما يبدو ظاهرياً، في حين أنَّها تمتلئ بالخلافات والقلق وقلة التعاون بين أطرافها ضمنياً، وعند هذه النقطة يجب الانتباه وتغيير الثقافة التنظيمية المنتشرة.



عندما تنمو الشركات نمواً طبيعياً، فإنَّ هذا النمو يكون مصحوباً بمجموعة من التقنيات المصمَّمة لتمكين الموظفين من اتخاذ قرارات أفضل وبشكل أسرع؛ بعبارة أخرى، ستخلق الشركة التي تمكِّن كادرها من اتخاذ أفضل القرارات استناداً إلى البيانات والمعلومات الرقمية، مكان عمل قائم على التعاون، وأكثر تأثيراً.

لا تجري الأمور بهذه البساطة في الحياة العملية؛ إذ قد تمرُّ أغلب الأعمال التي تزدهر طبيعياً، بظروف لا يمكن التنبؤ بها ولا التخطيط المسبق لها، فمثلاً، اختبرت جائحة كورونا قدرة الشركات على التطور التكنولوجي السريع، ورأينا الفجوات التي نشأت بسببها، ثم مع التحول المتسارع إلى جعل التكنولوجيا أولوية، اضطرت الشركات من جميع الأحجام إلى تطوير ثقافة العمل عن بُعد بين عشيةٍ وضحاها، واستخدام أدوات جديدة، وبرمجة واجهات مستخدم جديدة (API)، وتفعيل منصات جديدة لتحليل البيانات، وما إلى ذلك لتتمكن من الاستمرار. 

أصبح الموظفون الآن، أكثر تمكيناً من أي وقت مضى لاتخاذ قرارات تعتمد على البيانات والمعلومات الرقمية، إلا أنَّ ذلك خلق مفارقة غير متوقعة؛ إذ مع تعدد مصادر البيانات، لم يعُد أحد يستخدم البيانات نفسها، ممَّا جعل الفِرَق تتوصل إلى استنتاجات مختلفة تماماً للمشكلة نفسها، كما أنَّ الشركات تعوق عملية تبادل البيانات الشخصية، حفاظاً على خصوصية بيانات العملاء الفردية أو حتى على نطاق المجموعات، فتواجه الشركات صعوبة في إيجاد أرضية مشتركة تُرضي العملاء وتسهِّل عملية تبادل البيانات.

إقرأ أيضاً: فن متابعة العملاء

هل تتَّبع الشركات نهج النمو السريع أم النمو البطيء؟

عموماً، كان إجبار الشركات على تحقيق قفزات نوعية ودمج التقنية في العمل مفيداً لها؛ إذ كلما تبنَّت الشركات التكنولوجيا، تعزز نموها، وصدر كتاب عام 2014 بعنوان كيف تعمل جوجل (How Google Works)؛ حيث وضَّح فيه المدير التنفيذي السابق لشركة جوجل إريك شميدت (Eric Schmidt) أنَّ نجاح عملاق التكنولوجيا "جوجل" يعتمد إلى حدٍّ كبير على قدرته على التحرك بسرعة من بقية المنافسين، وهي ميزة يحققها جزئياً من خلال مشاركة البيانات عبر المؤسسة بكل أقسامها، لاتخاذ المزيد من القرارات في الوقت المناسب.

ولكن ما المحرك الرئيس لاتخاذ القرارات وفق البيانات الموجودة؟ وما الذي يمكن أن يخدم العميل ويكون بمنزلة حلقة وصل فعَّالة أو محور مركزي للشركة؟ لم يتطرق إيريك شميدت إلى هذه الأمور في كتابه، إلا أنَّ مؤسس موقع أمازون (Amazon)، جيف بيزوس (Jeff Bezos)، تحدَّث عنها قائلاً إنَّ الهدف ينبغي أن يكون دائماً "البدء مع العميل والعمل عملاً عكسياً"؛ حيث تضع تجربة العملاء في أولوية الأهداف المراد تحقيقها، ثم تأتي بقية التحسينات والقرارات وفقاً لذلك.

إنَّ هاتين النقطتين هما سر النجاح الرقمي لشركات عملاقة مثل جوجل وأمازون؛ حيث درسوا سلوكات العملاء لحظة بلحظة، وشاركوا النتائج مع أعضاء الفريق، فعندما يتمكن كل موظف من الوصول إلى البيانات نفسها، يمكن للشركات إعادة تشكيل ثقافتها التنظيمية لتكون قائمة على رؤية واحدة ومشتركة، وهذا يضع المنظمة أمام مزيد من الابتكار والمخاطرة في آنٍ واحد، ولكن بطريقة تفاعلية وخاضعة للرقاب، وما يهم هو القدرة على اتخاذ إجراءات سريعة، والاستجابة لاحتياجات العملاء عند ظهورها مباشرة.

شاهد بالفديو: الاخفاق سرّ النجاح... كيف تحول فشلك إلى نجاح؟

هل تتَّبع الشركات نهجاً مستمراً يركز على العملاء؟

غالباً ما تصطدم فِرَق إدارة الأعمال مع فِرَق تكنولوجيا المعلومات، أو أنَّها لا تتوافق بسبب التعقيد الهائل في الوصول إلى قواعد البيانات، ولكنَّ ما نحتاج إليه هو طريقة لإعادة جمع البيانات معاً وتوحيد القرارات؛ ذلك لأنَّ احتكار كل فريق النجاح لنفسه، يعني ألَّا تتمكن الفِرق من تحقيق النجاح معاً أبداً.

يمكن للشركات معالجة هذه الحواجز الثقافية ذات التعقيد المعلوماتي وصعوبة الوصول إلى قواعد البيانات التي تبطئها، من خلال دمج منهجيات متعددة لخدمة العملاء، مثل التصميم المستمر للمنتجات (CPD)، الذي تعتمد فيه على دراسة سلوكات العملاء في كل خطوة يخطونها في أثناء وجودهم في العالم الرقمي، وتتعاون فِرق الأعمال وتكنولوجيا المعلومات معاً، حتى يتمكنوا من الاتفاق على نسخة حديثة من المنتج تناسب جميع العملاء، فتصبح الثقافات الرقمية سريعة ومتوائمة ومتمحورة حول العملاء بما يزيد ريادة الأعمال، بفضل تمكينها من خلال الفهم الحقيقي لدوافع سلوك العملاء وتحقيق توقعاتهم.

أجبرتنا جائحة فيروس كورونا على إعادة النظر في آلية عملنا، وكيفية التواصل مع عملائنا، وبناء ثقافة الشركة على التواصل الفعَّال، سواء عن بعد أم شخصياً، ويتطلب الوضع أن تخلق الشركة سياستها من الطريقة التي تعمل بها، ولإعطائها معنى، يجب أن تكون سياسة العمل جزءاً من صلب الأعمال التجارية، وهي إعطاء العملاء أفضل تجربة ممكنة وأفضل المنتجات الممكنة. 

من المهم أن تتعمد الشركات الكبرى تحقيق التوازن بين ثقافة الانضباط وروح الإبداع بين موظفيها وعملائها، حتى لا تسحق روح ريادة الأعمال التي تغذي الابتكار؛ إنَّ الشركات التي يمكنها إدارة كل ما ذُكِر آنفاً، ستجد نفسها على استعداد لقيادة صناعاتها إلى عصر جديد، حيث يتم إنشاء منتجات رقمية رائعة بسرعة تتماشى تماماً مع احتياجات العملاء.

المصدر




مقالات مرتبطة