لماذا يجب أن تسعى وراء ما تحبُّه في الحياة؟

قررتُ في السابق الاستقالةَ من وظيفتي ذات الأجر الممتاز في إحدى شركات استشارات وأبحاث تكنولوجيا المعلومات، وأتذكر ذلك بوضوحٍ كبير بسبب شعوري بالضيق والسوء؛ لأنَّني كنتُ عالقاً في حياةٍ لم أرغبْ بها أبداً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم الأسباب التي دفعته لترك وظيفته المؤسساتية والتوجُّه إلى ما يحبه في الحياة.

فالحصول على وظيفة يُشبه الدخول في علاقةٍ مع أحدهم، حيث ينقسم الناس في آرائهم المتعلقة بهذا الموضوع إلى مجموعتين:

  1. المجموعة الأولى تؤمن بعدم وجود الشريك المناسب على الإطلاق، وكل ما يهمهم من الحياة هو تركيز الاهتمام على لحظات الحاضر.
  2. المجموعة الثانية هم الأشخاص الرومانسيون الذين يؤمنون بوجود الحب الحقيقي غير المشروط، وهو الحب الذي لا تتخلَّلُه أي كراهيةٍ إطلاقاً.

بالنسبة إلي فأنا أنتمي إلى المجموعة الثانية؛ إذ لم أكُن مُغرَماً بعملي حقاً؛ بل كان مُجرَّد أمر عادي ومقبولٍ في حياتي آنذاك، وقد قبلتُ به في المقام الأول بسبب بعض الميزات الحسنة التي كان يتمتع بها، فقررت إعطاء فرصةٍ لنفسي وتجربته؛ ليتَّضح فيما بعد أنَّها لم تكُن فكرةً جيدة لأنَّ حبي وشغفي الحقيقي هو ريادة الأعمال التي تخليتُ عنها.

بعد سنواتٍ من النضال والكفاح بوصفي رائد أعمال دون إحراز تقدُّم كبير يئستُ واستسلمتُ أخيراً في عام 2014 وحصلتُ على وظيفةٍ في شركة؛ لكنَّ ذلك لم يحدثْ بسهولة؛ فقد مارستُ ريادة الأعمال طوال حياتي، فقد بدأ كلُّ شيء عندما كان عمري 13 عاماً، فكنت أبيع الأقراص المُدمَجة لزملائي في المدرسة، ومن ثمَّ دوماً ما كان لديَّ أشياء لبيعِها أو طريقة لتقديم قيمةٍ لِما أبيعه في السنوات التي تلت ذلك؛ لكنَّني شعرتُ بنوعٍ من الضغط للحصول على وظيفة حقيقية؛ لأنَّني ارتدتُ الجامعة وحصلتُ على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، كما أنَّني جربتُ أيضاً العديد من الوظائف وغالباً ما كنتُ أفشل فيها مراراً وتكراراً.

لكنَّ العمل بوصفك رائد أعمال أو مُوظَّفاً مستقلَّاً ليس سهلاً أيضاً، وعلى الرغم من أنَّ ريادة الأعمال تحظى بكثير من الاهتمام والشعبية في أيامنا هذه إلَّا أنَّ الغالبية العُظمى من الناس ما زالوا مُوظَّفين؛ إذ لا يمتهن الجميع ريادةَ الأعمال، كما أنَّ العديد من الناس لا يكلِّفون أنفسَهم عناء المحاولة بسبب معتقدات راسخة يؤمنون بها من ناحية أخرى.

إقرأ أيضاً: ما هي الصعوبات التي تنطوي عليها ريادة الأعمال؟

يتمثَّل تعريف النجاح في مُعظَم الثقافات باستجماع شتات نفسِك عند عملك في وظيفة حقيقية من خلال الحصول على  رهن عقاري أو شراء منزلك الخاص، إضافة إلى جميع الخُدع الأخرى التي يؤمن بها الناس كامتلاك سيارة للعائلة وكلبٍ أليف، ولا يشمل تعريف النجاح هذا المكافحين من روَّاد الأعمال أو المُوظَّفين المستقلين أو الفنانين.

إلَّا أنَّ جميع الناس يمتلكون وظائف فعلية؛ ممَّا جعل العمل الوظيفي أساس العمل، فتُظهِر الأبحاث في عام 2015 أنَّ 310 من أصل 100,000 من البالغين يبدؤون عملاً تجارياً جديداً كلَّ شهرٍ، وهو ما يشكِّل نسبةً مقدارُها 0.31%؛ لذا لا يجب أن نصدق ما يُقال من أنَّ الجميع يبدأ عملاً تجارياً أو ينبغي عليهم فعلُ ذلك.

أنا أحبُّ الطريقةَ التي يتحدث بها رائدُ الأعمال الأمريكي "غاري فاينرتشوك" (Gary Vaynerchuk) عن ريادة الأعمال، إذ يؤمن بأنَّها أمرٌ وراثيٌّ فطريٌّ متوضع في الحمض النووي للإنسان، فلا يمكن للجميع امتهانُها والنجاح فيها؛ لذا إن كنتَ رائد أعمال، فإنَّ العمل لدى شخصٍ آخر سيكون مستحيلاً بالنسبة إليك؛ إذ ستشعرُ كأنَّ أحداً ما يخنقُك ويهيمن عليك.

هذا ما شعرتُ به تماماً حين عملتُ مُوظَّفاً في شركة؛ لذا أردتُ ترك هذا النوع من العلاقات والمشاعر الآمنة والعودة إلى حالةِ الشك وعدم اليقين التي كنتُ أعيشُها خلال ريادة الأعمال؛ لكنَّني كنتُ مصمِّماً ومُصرَّاً على النجاح في ريادة الأعمال هذه المرة، وكنتُ قد ادخرتُ ما يكفي من المال لتغطية تكاليف معيشتي لمدة عام كامل على الأقل.

لقد كان ذلك كافياً بالنسبة إلي كي أخاطرَ وأُقدمَ على العودة إلى مجال ريادة الأعمال وألتزم بها دون النظر إلى الوراء أو التحسُّر على شيءٍ أبداً، وقد كان هذا القرارَ الذي صاغ حياتي وحدد شكلَها منذ ذلك الوقت، وأستطيع القولَ الآن بعد عامٍ من اتخاذ ذلك القرار: إنَّ الأمرَ لم يكُنْ سهلاً على الإطلاق وقد استغرقتُ أربعة أشهر كي أتمكن من كسب بعض المال؛ لكنَّني سعيدٌ بقراري هذا؛ لأنَّني كنتُ شخصاً بلا هدف يتصرف دون تفكير أو وعي ويستمع إلى كلام الآخرين قبل اتخاذه، في حين أعلم الآن أنَّ لديَّ أمرٌ واحد لأفعله.

لذا أريدك أن تسأل نفسَك عن القرار الذي غير حياتك بعد اتخاذه، فمن المُحتمَل أنَّك تعرف ما عليك فعلُه؛ لكنَّك تعمَدُ لتأجيله كما فعلتُ تماماً، أو ربَّما لا تعرف ما عليك فعلُه بعد.

يميل المُجتمَع إلى التركيز على الشخصيات الباهرة واللافِتة للنظر والمبالغة في احترامها فتصبح تلك الشخصيات أبطالاً في المُجتمَع؛ لذا عند مُقارنة حياة الأشخاص العاديين بحياة كلٍّ من رائد الأعمال الأمريكي "ستيف جوبز" (Steve Jobs) والمُستثمِر "إيلون ماسك" (Elon Musk) ورائد الأعمال "جيف بيزوس" (Jeff Bezos) تتوصل إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّك نكرة؛ لكنَّه عبارة عن كلام فارغ؛ إذ ليس عليك تغييرُ العالم كما فعلَت الشخصيات التاريخية.

شاهد بالفديو: 10 مفاتيح تحتاجها لتكون رائد أعمال ناجح

أهمية تقرير مغزى الحياة بالنسبة إلى البشر:

قررت والدتي أن تكون أفضل صورة ممكنة عن الأم حين اكتشفَت أنَّها حامل، وقد ترتَّبَ على قرارها ذلك العديد من التضحيات، وأستطيع أن أقول بناءً على تجربتي الشخصية إنَّها فعلاً أفضلُ أمٍّ يمكن للمرء أن يحصل عليها.

أنا ألتقي بالعديد من الأشخاص الذين لا يفهمون هذه الفكرة؛ إذ يبدؤون التفكيرَ بأبطال المُجتمَع حالما يسمعون كلماتٍ كهدف الحياة والغاية منها أو الشغَف أو أيٍّ من العبارات التي يحبُّ الناس استخدامَها، ومن ثمَّ يقارنون أنفسَهم بأولئك الأبطال ليجدوا أنَّهم لا يُشبهونهم على الإطلاق؛ فإمَّا ذلك أو أن نجدَ بعضَ الأشخاص الذين يظنُّون بأنَّ كل هذا الحديث عن الحياة ترَّهات بلا معنى، وهؤلاء ليسوا معنيين بهذا المقال.

إقرأ أيضاً: كيف تعثر على معنى الحياة؟

في الختام:

مهما كان ما تفكر به أريدك أن تجيب نفسَك عن سؤالِ: "من أنت؟"، ولا أقصد هنا مُسمَّاك الوظيفي أو لقبك المهني؛ بل أعني ما تدور حياتك حولَه والهدفَ منها؛ لكنَّ مُعظَمنا لا يملك إجابةً لذلك السؤال؛ إذ نعقِّد الأشياء أكثر من اللازم في حين أنَّها بسيطةٌ للغاية في الواقع؛ لذا عليك أن تقرِّرَ ما أنتَ عليه إن لم تكُن تعلم ذلك.

يعبر الممثل الأمريكي "ويل سميث" (Will Smith) عن ذلك بأفضل طريقة في قوله: "ما عليك سوى أن تقرر ما سيبدو عليه الوضع، ومَن تريد أن تكون، وكيفية فعلك لذلك"؛ إذاً قرِّرْ أولاً ومن ثمَّ انطلق لتنفيذ هدفك وتحقيق ما ترغب به، ولا تنظرْ للماضي أبداً.




مقالات مرتبطة