لماذا يجب أن تركز على الإنتاجية طويلة الأمد؟

نسعى جميعاً لنزيد من إنتاجاتنا، ونتمكَّن من إدارة وقتنا بشكل أفضل، بحيث نستطيع إنجاز مزيد من المهام في وقت أقل، ولكن غالباً ما يؤدي هذا السعي لتحسين الإنتاجية إلى عيش حياة مليئة بالتوتر والإرهاق، والذي ينتهي بنا بانهيارات نفسية وجسدية، فما الذي يمكن أن نقوم به لنكون في نفس الوقت منتجين وكفؤين وسعداء ومرتاحين في حياتنا؟



يكمن الحل الذي يحقق هذا النوع من التوازن في التوقف عن السعي إلى تحسين الإنتاجية على الأمد القصير، والتركيز بدلاً من ذلك على تحسين الإنتاجية على الأمد الطويل، وقد يبدو الأمر صعباً في البداية ولكنَّ النتائج تستحق العناء.

الفرق بين الإنتاجية على الأمد القصير والإنتاجية على الأمد الطويل:

يمكننا القول إنَّ الإنتاجية على الأمد القصير هي قدرتك في الوصول والحفاظ على مستوىً عالٍ من الإنتاجية خلال فترة وجيزة قد تكون أياماً، أو أسابيع، أو حتى أشهر معدودة، فيمكن تشبيه الأمر بالعَدْو لمسافات قصيرة، وفي حين أنَّ الإنتاجية على الأمد الطويل، هي قدرتك على الوصول والحفاظ على مستوىً عالٍ من الإنتاجية خلال فترة طويلة من الزمن، غالباً ما تكون أشهر طويلة أو بضعة سنوات أو ربما عقود من الزمن، ويمكننا تشبيه الأمر بسباق الماراثون.

المشكلة في التركيز على الإنتاجية قصيرة الأمد:

يدفعنا الضغط الاجتماعي الكبير للتركيز على الإنتاجية ذات الأمد القصير، ولنأخذ على سبيل المثال شخصين يعملان في نفس المجال ويأتي أحدهما عادةً إلى العمل في وقت أبكر، كما أنَّه يبقى في المكتب لوقت أطول، ويعمل حتى في عطَل نهاية الأسبوع، وبدلاً من أن يتناول وجبة غداء صحية فإنَّه يكتفي بتناول شطيرة، ومشروب غازي كي يوفِّر الوقت، ولا ينام أكثر من ست ساعات يومياً، وفي حين يصل الشخص الآخر إلى عمله في الوقت المحدد تماماً، ويغادر عندما ينتهي وقت العمل ولا يقوم بأي شيء له علاقة بعمله في أثناء عطلة نهاية الأسبوع، ويتناول وجبات صحية ليس على الغداء فحسب وإنَّما على وجبة الإفطار، والعشاء أيضاً وينام يومياً لثمان ساعات على الأقل.

نحن لا نحتاج كثيراً إلى التفكير حتى نعرف من منهم يُعد في مجتمعنا شخصاً كادحاً ومجتهداً في عمله، ولذلك ليس من الغريب أنَّ معظمنا يركِّزون على الإنتاجية قصيرة الأمد، من دون حتى أن يفكِّروا في سلبياتها، ومع ذلك فعندما تبدأ التفكير في الآثار السلبية لهذا النوع من الإنتاجية على الأمد الطويل، فسيتضح لك أنَّه من الممكن ألا تكون خياراً حكيماً في نهاية المطاف.

قد يبلي الشخص المدمن على العمل في مثالنا السابق بلاءً حسناً لفترة وجيزة، وربما يستمر الأمر على هذا النحو لبضع سنوات قد تصل لحدود العشر سنوات، وتكمن المشكلة في أنَّه لا يدرك ما يتسبب به من إرهاق لنفسه سواء على الصعيد النفسي أم الجسماني، فتتعافى أجسامنا عندما نكون في فترة الشباب بسرعة، وغالباً ما نبذل جهداً يفوق طاقتنا معتقدين أنَّنا سنحافظ على صحتنا على الرغم من الكم الهائل من الإجهاد، هذا ولم نذكر تفويت الوجبات وعدم الحصول على قسط كافٍ من النوم، ناهيك عن تناول الكحول والتدخين وشرب كثير من الكافيين.

ما يحدُث بمجرد أن نتقدم في العمر تصبح أجسادنا عاجزة عن التعافي في فترة زمنية قصيرة، فإنَّ الآثار السلبية لكل هذه العوامل تظهر بشدة وبسرعة، وقد يحافظ الشخص الأول في مثالنا السابق على صحته لعشر سنوات، ولكن بمجرد أن يصبح جسده غير قادر على تحمُّل هذا الإجهاد فإنَّه يُصاب بالانهيار، الذي غالباً ما يظهر كانهيار نفسي أو جسدي.

مما لا شك فيه أنَّه كان شخصاً منتجاً للغاية لعدة سنوات، وربما كسب خلالها كثيراً من المال، ولكن ما هي الفائدة من امتلاكك سيارة فاخرة في حين أنَّك عاجز عن قيادتها بسبب المرض؟ وما هي الحكمة من الحفاظ على مستوى عالٍ جداً من الإنتاجية لعدة سنوات في حين أنَّك ستصبح عاجزاً عن العمل لبقية حياتك؟

هذا هو الجانب الذي يفوتنا عندما نرى أشخاصاً في ريعان الشباب مهووسين بالعمل، وفي المقابل قد لا يحصل الشخص الآخر في مثالنا السابق على الترقية بنفس سرعة حصول الشخص الأول عليها، ولكنَّه هو من سيحقق النجاح على الأمد الطويل، طبعاً هذا إذا ما افترضنا أنَّه يعيش نمط الحياة هذه بقرار واعٍ وليس بدافع من الكسل أو الافتقار للطموح.

في حين أنَّ جميع الأشخاص من حوله يفوِّتون بعض الوجبات، ولا يحصلون على ما يكفي من النوم، ويعملون خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلا أنَّه يهتم بصحته بشكل جيد وهو أمر له نتائجه أيضاً، فعندما يبدأ زملاؤه بالمعاناة من الانهيارات والمشكلات الصحية، فإنَّه سيكون بصحة جيدة وقادراً على الحفاظ على نفس الوتيرة من العمل التي كان عليها خلال السنوات الماضية، في حين لن يكون زملاؤه قادرين على القيام بنفس الشيء ويعزون ذلك إلى التقدُّم في العمر.

قد لا يكون هذا الشخص هو الناجح بمقياس الإنتاجية قصيرة الأمد، ولكنَّه سيكون قادراً على تحقيق مستوىً عالٍ من الإنتاجية خلال عشرات السنوات المقبلة وهي مدة كافية ليبلغ أعلى مستوىً من النجاح في مجاله.

إذا ما فكرنا بالأمر بهذه الطريقة فإنَّنا سنجد أنَّ الشخص الثاني والذي غالباً ما نَصِفُهُ بالكسول هو من كان يركِّز على الإنتاجية أكثر من الشخص الأول في مثالنا السابق، وليس من الحكمة أن تعدو بسرعة، وتستهلك كل طاقتك عندما تخوض سباق ماراثون، وهذه هي نفس المشكلة في التركيز على الإنتاجية ذات الأمد القصير، فيرغب الناس بالحصول على النتائج بسرعة دون أن يدركوا أنَّهم يضرُّون بصحتهم على الأمد الطويل، ولا تشبه الحياة سباق العدو السريع بل تشبه سباقات الماراثون، ولذلك من الحكمة أن تستخدم استراتيجية تراعي الإنتاجية على الأمد الطويل وليس على الأمد القصير.

شاهد بالفيديو: 9 عادات يومية للأشخاص ذوو الإنتاجية الفائقة

الإنتاجية على الأمد الطويل وعلاقتها بالصحة:

صحتك هي أحد العوامل الرئيسة عندما يتعلق الأمر في إنتاجيتك، وغالباً ما يغفل الناس عن هذه الحقيقة معتقدين أنَّ الإنتاجية تتعلق فقط بإنجاز أكبر قدر ممكن من العمل بأسرع وقت ممكن ولا علاقة لها بأي جانب آخر، لكن عندما تكون صحتك في حالة سيئة، فلن تكون قادراً على إنجاز المهام بسرعة، أو تحديد الأولويات، أو اتخاذ قرارات حكيمة، فلا يمكنك أن تكون منتجاً فعلاً من دون التمتع بصحة جيدة.

لا تعني عادات مثل تفويت الوجبات، أو تناول الوجبات السريعة الضارة، أو التضحية بالنوم، أنَّك شخص متحمس، بل تعني أنَّك متهور، ولن يجعلك الإفراط بالشرب شخصاً رائعاً في نظر الآخرين، بل سيجعلك شخصاً مدمناً على الكحول، وبالطبع ما من حاجة لتوضيح أضرار التدخين التي لا تُعدُّ ولا تحصى، لأنَّه وبصرف النظر عما يُشاع عن فوائد النيكوتين، إلا أنَّك تدفع المال مقابل قتل نفسك ببطء؛ لذلك خذ وقتاً لتتعلم مزيد من الأمور عن نمط الحياة الصحي وابدأ في إجراء تغييرات بطيئة، ولكن ثابتة في هذا الاتجاه.

قد تبدو غريباً بالنسبة إلى كثير من الناس، لكن الفوائد ستستمر في الظهور لعشرات السنين؛ لذلك تذكر الرجل "الكسول" من المثال السابق، فالوقت الذي تقضيه في تطوير عادات صحية هو استثمار ناجح للوقت، وليس هدراً له البتة؛ لذلك تجاهل رأي أي شخص يدفعك إلى القيام بخلاف ذلك.

اقرأ أيضا: 11 تعديلاً على روتينك اليومي سيجعل يومك أكثر إنتاجية

الإنتاجية على الأمد الطويل وعلاقتها بالنجاح في الأعمال التجارية:

نرغب جميعاً بكسب كثير من المال في أسرع وقت ممكن، وهذا أمر طبيعي للغاية، وغالباً ما تؤدي هذه الرغبة إلى تغييب وعي الشخص، وتؤدي إلى إهدار سنوات من حياته في حضور دورات، أو قراءة كتب تَعِد بتحقيق الثراء السريع، وهو ما يمنعه من تحقيق مستوىً ثابت الدَّخل، لذلك تجنَّب الوقوع ضحيةً لهذه الخرافة.

إنَّ أكثر الأشياء أهميةً عندما يتعلَّق الأمر بالعمل التجاري هو الاستمرارية في النجاح وليس مجرد الحصول على بضع صفقاتٍ رابحة في وقت قصير، فيسعى معظم الأشخاص بشكل محموم لكسب كثير من المال دون أن يقدِّموا قيمة تعادل ما يطمحون لكسبه في المقابل، وقد يبدو هذا رائعاً لفترة وجيزة، ولكن سيؤدي حتماً إلى فشل مشروعك التجاري على الأمد الطويل.

يمكنك أن تخدع الناس مرة واحدة، ولكنَّهم لن يعودوا للتعامل معك مجدداً، وفي المقابل عندما تُخصص ما يكفي من الوقت للوصول إلى مُنتج رائع، أو تقديم خدمة مميزة وبيعها مقابل سعر منطقي، فإنَّ الناس لن يشتروا منك مجدداً فحسب، وإنَّما سيزكُّونك لدى أصدقائهم، وهكذا تُؤَسَّس المشاريع التجارية الناجحة والمستدامة، وليس من الهام ما إذا كان سيبدأ مشروعك التجاري بالعمل على أرض الواقع بعد عام أو 5 أعوام، فما دام الوقت سيمضي بكافة الأحوال، ما يهم حقاً هو أنَّه سيبدأ بالعمل على أرض الواقع في النهاية.

يمكنك أن تضيِّع وقتك في السعي وراء خرافة تحقيق الثراء بسرعة، وخداع الناس من خلال القيام بأشياء مضللة، أو يمكنك العمل بأمانة وإخلاص وتأسيس مشروع تجاري ناجح ومستدام، والفرق بين كلا النوعين: أنَّ الأول محكوم عليه بالفشل بعد مدة زمنية، بينما سيحقق لك الآخر الفخر والسمعة الطيبة، والخيار يعود لك.

علاقة الإنتاجية على الأمد الطويل بجودة العلاقات:

لا يمكن أن نقلل من أهمية القيم الفردية، ولكنَّ الحقيقة أنَّنا لا نستطيع إنجاز شيء رائع وحدنا، فأنت بحاجة إلى الآخرين ما دمت تعيش في مجتمع، سواء كان هؤلاء الأشخاص هم أحباؤك أم أصدقاؤك أم عملاؤك أم شركاؤك في مشروعك التجاري وغير ذلك، وقد يتيح لك التعرف إلى الأشخاص المناسبين كثيراً من الفرص، ويوفر عليك أشهراً بل ربما سنوات من العمل الجاد.

بالطبع هذا أحد أشكال الإنتاجية، والمشكلة هي أنَّ معظم الناس يركِّزون على بناء علاقات سطحية، أو العلاقات النفعية (التي لا تحتمل سوى أن يكون فيها أحد الطرفين إما خاسراً أو رابحاً)، ومن السهل جداً أن يكون لديك كثيراً من الأصدقاء المزيفين، فتعتقد أنَّك محبوب للغاية، لكن قد يؤدي ذلك إلى خيبة أمل كبيرة بمجرد أن تواجه مشكلة خطيرة ولا تجد أيَّاً من هؤلاء الأصدقاء إلى جانبك.

كما أنَّه من السهل الدخول في علاقات لا تحتمل سوى الربح أو الخسارة لأحد الطرفين، فتكسب أنت في حين يخسر الطرف المقابل، لكن المشكلة أنَّ الطرف المقابل سرعان ما يسأم من هذه العلاقة وعندها لن تتمكن من فعل أي شيء، ومن العار حقاً أنَّ معظم الناس ينظرون لهذا النوع من العلاقات على أنَّها علاقات اجتماعية طبيعية.

من الأفضل على الأمد الطويل أن تركِّز على بناء علاقات حقيقية، وعلاقات نافعة، للطرفين، وقد يتطلب الأمر كثيراً من العمل الشخصي، بخاصة إذا لم تكن لديك مهارات اجتماعية قوية، أو كنتَ معتاداً على معاملة الناس بطريقة فظَّة، أو فوقية، ولكنَّ النتائج في النهاية تستحق منك هذا العناء، كما أنَّ الأمر يتطلب منك كثيراً من الجهد في مختلف المجالات؛ لأنَّه من الواجب عليك أن تتعلم - إذا أردتَ بناء علاقات متينة - كيف تساعد الناس دون أن تتوقع منفعة فورية من ذلك.

يشبه الأمر زراعة الورود، فلا يمكنك توقع نمو الوردة بمجرد زرعك للبذرة داخل التراب، فالأمر يحتاج إلى وقت، ورعاية حتى تنمو تلك البذرة الصغيرة وتصبح في النهاية وردة جميلة، وينطبق نفس الأمر على العلاقات، فهي تتطلب كثيراً من الوقت والجهد، ولكن بمجرد بناء علاقة متينة فإنَّها قد تحقق لك كثيراً من الفوائد ومن ذلك على الصعيد المهني والمادي، ومن المعروف أيضاً أنَّ العلاقات الجيدة تساهم للغاية في سعادة الفرد.

اقرأ أيضا: 10 عادات سيئة عليك التخلّي عنها لتصبح أكثر إنتاجية في عملك

في الختام:

عليك أن تختار بين الإنتاجية على الأمد الطويل وبين الإنتاجية على الأمد القصير، فالحقيقة أنَّك لا تستطيع تحقيق كلا النوعين، فعندما تركِّز على الإنتاجية ذات الأمد الطويل ستتأثر بلا شك إنتاجيك على الأمد القصير إلى حد كبير وخلاف ذلك صحيح؛ لذلك عليك أن تختار بينهما، ومن الواضح أنَّنا ننصح بالتركيز على الإنتاجية ذات الأمد الطويل، ومع ذلك فإنَّ الأمر متروك لقناعاتك.

يجب أن تفكِّر ملياً قبل اتخاذ القرار، ثم فكِّر في آثار سلوكك في حياتك في الأمد الطويل، ومن ثم اتخذ القرار بناءً على النتائج التي ترغب بها، وتخلَّ عن السلوك الذي لا ترغب بنتائجه، ولا تعتقد أنَّ هذه النصيحة بسيطة، فمعظم الناس لا يمنحون أنفسهم الوقت الكافي للتفكير في نتائج سلوكهم على حياتهم؛ لذلك لا تكن أحد هؤلاء الناس ولا تكن مجرد مقلِّد، بل اتخذ القرارات بنفسك.




مقالات مرتبطة