لماذا لم نُبَلِّغ رسالتنا السامية؟

"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه"... صدق الله العظيم. فهل نحن يا تُرى، قد بَلَّغنا الرسالة أم كُنَّا مقصرين؟



لا يكاد يَمُرُّ يومٌ دون أن نسمع أو نرى حادثةً عنصريّةً ضد المسلمين؛ سواءً أَكانوا رجالاً أم نساءً أم أطفالاً. في الواقع؛ عندما نتأمّل في هذه الحوادث، فإنَّنا نستنكرها انطلاقاً من كُرهِنَا للعنصريّة عموماً، وليس لأنَّنا مسلمون ولا نجدُ لها تبريراً فحسب.

إلاّ أنَّني أرى مُبَرّرَاً لهذه العنصرية البغيضة، وخاصةً بعد أن أقدم المتطرّفون على الترويج لأبشع صورةٍ عن الإسلام والمسلمين، وما أكثرَ مقاطع اليوتيوب التي تؤكد ذلك!

إذاً من أين تنبع هذه العنصرية والكراهية ضدّ المسلمين؟

لا نُشَكِّك أبداً في أنّ الحركات المتطرّفة التي أمعنت في التخريب والقتل كانت هي المُحرّك الرئيس لهذه العنصريّة التي نتلقّاها اليوم في مختلف بقاع العالم. كما يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تشويه صورة الإسلام السّمْحَة. بيد أنَّ اللّوم يقع على عاتقنا نحن في المقام الأول؛ فنحنُ من لم نجتهد في تبليغ هذه الرسالة العالمية السامية.

إقرأ أيضاً: التفكير الضال وليس الفكر الضال!

لكن، لماذا يقوم شخصٌ عنصريٌّ متطرّفٌ باعتناق الإسلام؟

في السابع والعشرين من شهر فبراير لعام 2013، أعلن النائب الهولندي أرنود فان دورن اعتناقه الإسلام.

لم يكُ أكثر ما استوقفني في هذه الحادثة هو دخول هذا الشخص في دين الله، وإنَّما هو مقدار العداء الذي كان يُضمره تجاه الإسلام، ومقدار الكره والعنصرية التي أظهرها؛ وهو الذي وقف طويلاً في مؤتمراته الانتخابية ليَنفِثَ سمومَ حِقدِهِ على الإسلام والمسلمين.

وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2018، أعلن نائبٌ هولنديٌّ ثانٍ إسلامه؛ وهو يورام فان كلافيرين الذي لم يكُ أقلَّ عداوةً للإسلام من الأوّل؛ فقد اعتنق هذا الشخص الإسلام في منتصف الطريق خلال كتابته لكتاب يهاجم فيه هذا الدين.

السؤال الأهم الذي أطرحه على نفسي:

  • ماذا وجدوا في الإسلام؟
  • وهل اطلعوا على الإسلام الذي ندّعي إيماننا به، أم أنَّهم اطلعوا على ما هو أعمق وأكبر مما نعرفه نحن؟\
  • وهل وجدوا عالمية الإسلام؟
  • هل أيقنوا أنَّ خلاص الإنسانية هو باتباع دين الله ولا شيء سواه؟

لقد اجتهد مُفَكّرِو الشرق والغرب في دراسة المجتمعات، وبحثوا طويلاً عن طرائق الخلاص والرخاء لهذه البشرية. فها هو المفكر والكاتب "مالك بن نبي" يتنبأ بأنّ هذه البشرية لن تعيش إلا ضمن مجمّع سكنيٍّ واحد، كما جاء في كتابه "حديث في البناء الجديد". وإن شبّت نارٌ في شقّةٍ من هذه الشقق، فلن تكون البقية الباقية في مأمنٍ من هذا الحريق.

كما ذَكَرَ الفيلسوف والمفكر البريطاني "بيرتراند راسل" في كتابه "هل للإنسان مستقبل": أنّ البشرية ستضطر إلى اختيار نظامٍ أو مبدأٍ أو عقيدةٍ جامعةٍ لكلّ البشر، وحدّد سماتها بأنَّها:

  • تَنبُذُ الحروب.
  • تعترف بالآخر.
  • يتعايش فيها الناس في إخاء.
  • تصون كوكب الأرض.
  • يسودها نوعٌ من الإيثار في مسألة الغذاء العالمي.

مُضيفاً بأنَّ البشرية ستُضطَّرُ مُرغَمَةً إلى ابتكار نظامٍ عالميٍ اجتماعيّ لكي تستمر، ولن يكون أمامها سوى الماركسية أو الإسلام. أما الماركسية؛ فقد أسقطها من حسابه لأنَّها تُصادر جزءاً من حرية الفرد، قائلاً بأنَّ الإسلام وحده من يتبقى.

لذا أجد نفسي أعود لأطرحَ سؤالي المثير للجدل: ماذا قد وجد هؤلاء في الإسلام؟ وإن هم عرفوا هذه القيمة العليا، لماذا لم نعرفها نحن؟

أكاد أكون جازماً أنّهم لم ينظروا إلى الإسلام على أنّه مجموعة شعائر دينية نقوم بها فحسب؛ بل نظروا إليه على أنّه رسالةٌ عالميَّةٌ للبشريّة جمعاء؛ بما يحمله من قيمٍ عُليا ومبادئ إنسانيّة رفيعة تصلح لكلّ مكانٍ وزمان. وعلى ذكر العالمية، فلننظر في قوله تعالى:

"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)"، سورة الأنعام.

كُلُّ هذه الآيات التي ذُكِرَت عالميّة وإنسانيّة تصلح للبشرية جمعاء، حيث بدأها الله عزّ وجلّ بقوله: "قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم"، فهي نداءٌ للجميع دون تخصيصٍ لقومٍ أو دينٍ بعينه. ليستكمل هذه الأوامر الربَّانية بعدم قتل الأبناء، وعدم اقتراف الفواحش، وعدم القتل، وتَجَنُّبِ أكل مال اليتيم، والإيفاء بالكيل، والعدل حتى لو كان لشخصٍ قريب.

أليس كلّ ما سبق هي قوانين منصوصٌ عليها في جميع بلدان العالم دون استثناء؟ إذ لا توجد دولة في هذا العالم تُشَرِّعُ قتل الأبناء أو الإخلال بالميزان أو فعل الفواحش في الطرقات.

ولنَعُد إلى الوراء قليلاً، تحديداً إلى الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة؛ حيث ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة حجة الوداع، وبدأها صلوات الله وسلامه عليه بقوله:

"يا أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بَلَّغت".

بالاطلاع على كامل هذه الخطبة، نجد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يوجه الناس نحو قيمٍ إنسانيّةٍ عالميّةٍ وكأنَّه واثقٌ بأنَّنا سنرجع إليها في القرن الحادي والعشرين، لنقرَأها ونكتشف هذا الجانب الإنسانيّ العالميّ العظيم فيها.

إقرأ أيضاً: العنصريّة وآثارها السلبية على المجتمع

والآن أطرح السؤال الأهم: لماذا فشلنا في تبليغ رسالتنا هذه؟

يجب أن نكون واقعيين عقلانيين للإجابة على هذا السؤال، ونُحَيِّدَ عواطفنا ونقول: نعم فشلنا، وكان فشلنا ذريعاً، والأسباب هي كالآتي:

  1. لقد جعلنا القرآن في بيوتنا كتاب بركةٍ فقط، ولم نعي أنَّه كتاب معرفة وعلمٍ يحتوي في طياته على أهمِّ وأفضل وأتَمِّ القيم الإنسانيّة العليا.
  2. نحن لم نتدبر آيات الله كما يجب، ولم نحاول إسقاطها على واقعنا الحالي؛ رُغم أنَّنا جميعاً ودون استثناءٍ؛ نعلم أنّ كتاب الله يصلح لكلّ زمانٍ ومكان، وأنّ الخلاص يكمُنُ فيه.
  3. لقد حصرنا الإسلام العظيم بمجموعة شعائر دينية وسلوكيّات محليّة (كحفِّ الشوارب وإعفاء اللحى للرجال، وغيرها من المظاهر) التي إن أديناها لسادَ فينا اعتقادٌ أنَّنا قد قمنا بكلّ ما ينبغي لنا القيام به؛ متجاهلين أنَّ الإسلام أكبر من ذلك بكثير.
  4. نحن لم نعمل على مراجعة أمّهات الكتب التي وضعها علماء التفسير والفقه، واكتفينا بتطبيق ما سبق، علماً أنّ الواقع المعرفيّ الآن هو أكبر بكثير من ذلك الزمن الذي قد وُضِعَت فيه كتب الفقه وكتب التفسير.
  5. لقد حصرنا عملية الحصول على الثواب بالصلاة والحج والزكاة وإعمار بيوت الله وتأمين مياه السبيل، فترى كثيراً من الأثرياء يخصص مبلغاً ضخماً لبناء مسجدٍ أو حفر بئر ماءٍ يكون ثواباً له، ولا نجد ثرياً أرسل شاباً أو فتاةً في بعثةٍ علميّةٍ على حسابه الشخصيّ لاستكمال بحوثه التي تخدم مجتمعه الذي يعيش فيه.

ما هو الحل، وكيف أكون رسولاً لهذه الرسالة السامية؟

قال الله تعالى في كتابه العظيم: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ":

  • هذا التغيير الذي أمرنا الله به هو أساس عملية الانطلاقة الجديدة. انظر إلى نفسك، هل أنت راضٍ عنها؟ انظر إلى أفكارك، هل أنت راضٍ عنها؟ ابدأ التغيير فيها واعكسها على سلوكياتك، وقسِ الأثر الذي ستجده، والنتائج التي ستحققها.
  • لا تُقَوِّم النّاس على أساس الدين، ليكن تقويمك على أساس القيم الإنسانيّة المشتركة بين جميع الناس.
  • ابتعد عن "النظرة المدرسيّة" في تلقّي معلوماتك، فلا يمكن أن تحقق أيّ قفزةٍ نوعيّةٍ ما لم تبحث بنفسك وتبتعد عن القوالب الجاهزة.
  • انفتح على الجميع ولا تَكُ أسير الحلقات الضيقة؛ الأسرية منها أم المجتمعية أم المناطقية، فهذا الكون رحبٌ ويتسع للجميع.
إقرأ أيضاً: حقوق الإنسان في الإسلام

إنْ لم نغيّر أفكارنا، فلن تتغير نظرة العالم تجاهنا، وسنبقى نسمع ونرى أعمالاً عنصريّة هنا وهناك في هذا العالم الكبير، وهو ما يُذَكّرُنِي بمقولة أينشتاين: "إنَّه لمن الحماقة أن تعتقد أنَّك ستحصل على نتائج مختلفة وأنت تكرر نفس التجربة".

والأهم في كلّ ما سبق وملخّصه: أن نقرأ كتاب الله دون خوفٍ منه ولا خوفٍ عليه، فإنّ الله غالبٌ لا يُهزم أبداً.

 

المراجع:




مقالات مرتبطة