لذا من الأدق أن نصف الحالة بـ"تفكير ضال" لا "فكر ضال" لأن التفكير عملية أولية تحدث كاستجابة لمثير ما! وهنا نتساوى حتى مع المجنون لأنه برغم جنونه فإنه يفكر! فهو ببساطة لديه استجابة غير ناضجة لمثير ما!
إذن الجميع ربما يتعرّض لنفس المثيرات ولكن الاستجابات بيننا تختلف! لأنه ما بين المثير والاستجابة حلقة مهمة وهي مجموعة من الأدوات وأهمها مهارات التفكير الناقد والتحليلي الذي يجعل من الاستجابة أكثر نضوجاً، ولكن عندما لا يكون بين المثير والاستجابة أي مهارات تفكير فإننا ما زلنا في مرحلة تفكير لا فكر!
بمعنى أنّ جميع الأفكار الشاذة والأفعال الضالة هي استجابة مباشرة لمثير ما ولم تخضع لعملية تفكير عميق. ما يجعلنا نواجه ما يمكن وصفه بـ"تفكير ضال" لا "فكر ضال!
ما هو الفكر الضال والتفكير الضال؟
تعريف الفكر الضال
هو الفكر الذي يتبع مساراً خاطئاً في التفكير والتحليل والاستنتاج، فلا يهتم الفرد بالحقائق والأدلة المتاحة إنَّما يلتزم بالمعتقدات والأفكار الموجودة سابقاً في عقله، والتي تدفعه لاتخاذ قرارات شخصية أو مهنية خاطئة دائماً، والفكر الضال قد يكون متعلقاً بمختلف الموضوعات وجوانب الحياة، بما يشمل السياسة والفلسفة والعلوم والعمل والعلاقات الاجتماعية والشخصية وغير ذلك من مجالات الحياة.
تعريف التفكير الضال
التفكير الضال هو الاعتماد على الانطباعات السطحية فقط عند التعرض لموقف معين بدلاً من الاعتماد على التحليل الدقيق والاستنتاج، فيُحكم على أمر ما بناءً على تصور خاطئ.
أظهرت دراسة منشورة على منصة ResearchGate (2023) أن غياب مهارات التفكير الناقد يُؤثر مباشرة على قرارات الفرد، ويجعله عرضة لاعتماد معتقدات غير دقيقة. وقد أشارت الدراسة إلى أن ضعف التحليل المنطقي يؤدي إلى إنتاج أحكام خاطئة تتحول لاحقًا إلى قناعات ذهنية. وهذا ما يدعم التفريق بين "التفكير الضال" كعملية غير ناضجة، و"الفكر الضال" كنتيجة فكرية متجذرة.
النتيجة: الفكر الضال ليس إلا "نتاجًا متجذرًا لتفكير ضال متكرر لم يخضع للتحليل أو النقد".
خصائص الفكر الضال
توجد خصائص عديدة للفكر الضال أهمها ما يأتي:
- الاعتماد على المعتقدات الخاطئة والمعلومات الشخصية بدلاً من الاعتماد على الحقائق والأدلة المتاحة.
- الانحياز الشخصي والتفكير بطريقة تفضيلية تجاه معتقدات أو أفكار معينة دون التحقق والتأكد من صحتها.
- إهمال التفاصيل الصغيرة منها والكبيرة وعدم الاعتماد على التحليل الدقيق.
- الالتزام بالمعتقدات السائدة في المجتمع دون التحقق من صحتها ودقتها بالبحث في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة وغيرها من مصادر العلم والمعرفة.
أسباب الفكر الضال
أسباب الفكر الضال متعددة أهمها ما يأتي:
- الافتقار إلى التعليم والتدريب؛ ومن ثم عدم توفر القدرة على التحليل الدقيق والانتباه للتفاصيل للتأكد من صحة المعلومات.
- تحكيم العواطف والمشاعر عند مواجهة مواقف وتحديات، والانحياز لآراء ومعتقدات شخص مفضل أو جهة معينة.
- الالتزام بالتصورات الخاطئة وعدم البحث عن الحقيقة أو الاعتماد على الخبرة الشخصية فقط.
- التأثر بالضغوطات الخارجية في المجتمع التي تشوش فكر الإنسان.
وفي البيئات التي تعاني من ضعف التعليم وانتشار الضغوط الاجتماعية، خاصة في المجتمعات المتقلبة سياسيًا أو ثقافيًا، يتنامى الفكر الضال بين الشباب. فغياب المهارات التحليلية، مع تأثير الجماعة والانقياد للمعتقدات السائدة دون تفكير ناقد، يُنتج تفكيرًا ضالًا يتكرّر حتى يتحول إلى فكر ضال راسخ يصعب تغييره.
أنواع الفكر الضال
تختلف أنواع الفكر الضال باختلاف المصادر والمراجع التي يعتمد عليها الفرد، ومن الأنواع نذكر ما يأتي:
1. الاستجابة العاطفية الخالصة
حيث تصدر الأحكام بناءً على المشاعر والانفعالات، دون العودة إلى الأدلة أو التحليل العقلاني.
2. الاعتماد المفرط على التجارب الشخصية
أي بناء المواقف والرؤى العامة انطلاقًا من مواقف فردية خاصة، دون إدراك خصوصية السياق.
3. التفكير بالتعميمات المطلقة
كإسقاط قاعدة عامة على حالات فردية دون مراعاة التفاصيل أو الفروقات الجوهرية.
4. الإسقاط الذهني الخاطئ
حين يحمّل الشخص مواقف أو أشخاصًا بدلالات لا تتناسب معهم، نتيجة تراكمات ذهنية أو تصورات مشوهة.
5. سوء الفهم اللغوي أو التأويلي
ويظهر ذلك في تفسير مغلوط لنصوص دينية أو علمية أو لغوية، بسبب ضعف في التحليل أو التأويل.
المهارات السبع لتصبح سلوكاتنا نتاج فكر لا مجرد تفكير
توجد مهارات يساعدنا اعتمادها على جعل سلوكنا ناتج عن فكر صحيح وليس تفكير آني فقط:
1. الاهتمام بالتفاصيل
يجب أن يكون الفرد قادراً على قراءة الموقف أمامه بدقة وتفصيل ليكون التفسير حقيقياً ومنطقياً.
2. التفكير الناقد
التقييم الصحيح للمعلومات المتاحة يكون بالاعتماد على التفكير الناقد الذي يستخدم التحليل الدقيق للوصول إلى الاستنتاجات المعقولة والصحيحة.
شاهد بالفيديو: 10 عادات مميّزة يتبعها الأشخاص الناجحون في التفكير
3. الاستماع الفعال
وهو الاستماع باهتمام شديد لما يقال من آراء ووجهات نظر تجنباً لإساءة فهمها.
4. التفكير المنطقي
والذي يعتمد على البحث عن الأدلة والتحليل الدقيق قبل اتخاذ قرار ما.
5. الابتكار والإبداع
والذي يمكِّن الفرد من الوصول إلى حلول إبداعية لمختلف المشكلات والصعوبات التي تواجهه.
6. الاتصال الفعال
الاتصال الفعال يساعد الفرد على أن يكون الفرد قادراً على التعبير عن رأيه ووجهات نظره بوضوح ودقة لضمان وصولها إلى الآخرين بالشكل المناسب.
7. التعلم المستمر
والذي يساعد الفرد على توسيع آفاقه وزيادة مهاراته ومعلوماته، وهذا يضمن اتخاذه أفضل القرارات مهما كانت الضغوطات الاجتماعية أو المعتقدات السائدة في مجتمعه.
وقد أشارت دراسة حديثة منشورة على ResearchGate (2022) إلى أن مهارات مثل التفكير الناقد، التواصل الفعال، وحل المشكلات تُعد من ركائز الفكر الناضج في القرن الحادي والعشرين، حيث تُمكّن الفرد من التعامل بوعي وتحليل مع المواقف، وتُقلّل من احتمالية الوقوع في أنماط التفكير الخاطئ أو الانحرافات الذهنية.
الفرق بين التفكير الناقد والفكر الضال
الفكر الضال الذي يعتمد على المعتقدات الخاطئة ويهمل التفاصيل والأدلة ويؤدي إلى استنتاجات خاطئة هو نقيض التفكير الناقد الذي يعتمد على الحقائق والأدلة والتفاصيل ويحلل الموضوعات من مختلف جوانبها وينظر للأمور من أبعاد مختلفة، فيصل بالفرد إلى قرارات صحيحة ودقيقة ومنطقية دائماً.
وهو التفكير الذي يجب علينا جميعاً اعتماده في مختلف جوانب حياتنا؛ لأنَّه:
- يشجع على التفكير الذاتي.
- في الوقت نفسه يساعدك على فهم وجهات نظر الآخرين.
- يجعلك أكثر انفتاحاً.
- يعزز العلاقات.
- يجعل المجتمع جيداً ومنظماً وفعالاً.
في الختام
يعتقد الكثيرون أنَّ الفكر والتفكير هما كلمتان تشيران لنفس المفهوم، ومن ثم الفكر الضال والتفكير الضال يشيران لنفس المعنى، ولكن في الحقيقة يوجد اختلاف كبير بينهما؛ فالفكر الضال هو اتباع مسار خاطئ في التحليل والاستنتاج، بينما التفكير الضال هو استجابة العقل لموقف ما.
للفكر الضال خصائص عديدة كاعتماده على المعتقدات الخاطئة والسائدة في المجتمع وإهمال الأدلة والمعلومات المتاحة، ولذلك تعددت أنواع الفكر الضال، فيوجد الفكر الضال الذي يعتمد على العواطف والمشاعر، ويوجد الفكر الضال الذي يعتمد على التجارب الشخصية، أو الذي يعتمد على الإسقاط الخاطئ للمعتقدات.
أما أسباب الفكر الضال فهي كثيرة كالافتقار للتعليم وتحكيم العواطف والمشاعر عند اتخاذ القرارات؛ لذلك يجب التدرب على مهارات التفكير لتدبر القرآن الكريم قبل إصدار حكم أو استنتاج أمر معين، ومنها التطبيق والربط والمقارنة والاستدلال، وللاعتماد على الفكر وليس التفكير عليك التعلم دائماً والتدرب على اعتماد التفكير الناقد والاهتمام بالتفاصيل والاستماع الفعال للمحيطين والتواصل الفعال معهم.
المصدر: صحيفة مكة
أضف تعليقاً