لماذا لا نكمل ما بدأناه؟

لماذا لا نُكْمِل ما بَدَأنَاه؟ إنَّه سؤالٌ يتبادر إلى عقول الكثيرين، وقليلٌ منهم من يجد الإجابة: هل تبحث عن التَميُز؟ هل تسعى إلى هدف ما؟ هل أنت راغبٌ في تحقيق غايةٍ ما؟ وهل بدأت بحماس، ثم توقفت في النهاية؟ سوف تحصل في السطور القليلة القادمة على إجاباتٍ على الأسئلة السابقة.



لكلٍّ منّا في هذه الحياة أمنيات وأهداف وغايات يسعى إلى تحقيقها، هناك من يصل، وهناك من يِضِلُّ الطريق. وكلاهما له أهداف ودوافع، ولكنَّ النهايات لا تتشابه.

تعاني سعاد من السمنة الزائدة، وقد خرجت من آخر زيارةٍ قامت بها إلى خبيرة التغذية وهي تشعر بالإحباط لعدم فقدانها الوزن المطلوب، فامتلأ صدرها كدراً وحزناً، "ماذا أفعل؟"، سألت نفسها. إذ في كلّ مرّةٍ تخرج من العيادة تذهب مباشرةً إلى محلّ الخضروات الكبير الذي يقع في حَيّهَا، وتملأ عربة التسوق بكلّ ما نصحتها به خبيرة التغذية. وتبدأ بالتخطيط لقائمة طعام صحي بعد أن تكون تلك الخبيرة قد أعطتها جميع الدوافع والضمانات التي تَعِدُ بجودة النتائج التي ستحصل عليها، إن التزمت بهذه الحمية الغذائية ومارست الرياضة.

ولكنَّ ذلك لا يحدث أبداً! إذ تبدأ سعاد اليوم الأوّل بحماسٍ منقطع النظير وإصرارٍ عجيب، يليه أيّامٌ مليئة بالتجاوزات الصغيرة حين تمّر يومياً بجانب المطعم المفضل لديها؛ فتضعف إرادتها وتقع في المحظور بتناول وجبةٍ صغيرةٍ منه! "لن يؤثر هذا كثيراً"، تقول سعاد لنفسها. ثم تأتي نهاية الأسبوع وقد فقدت سعاد الحماسة والرغبة في الاستمرار، لتقرر قرارها النهائي الذي لا رجعة فيه: "لا مزيد من الحرمان، لا مزيد من أنظمة غذائيّة فاشلة. فليتوقف كلّ هذا".

يَمُرُّ كثيرون منا بحالةٍ كتلك، فنحن نلقي أحياناً نظرة خاطفة على حياتنا وسلوكياتنا، فتتولّد حينها لدينا الرغبة بالتغيير. ربما نكون قد سمعنا محاضرةً أو التحقنا بدورةٍ ما، أو قرأنا كتاباً يتحدث عن جزئيّةٍ تأثّرنا بها؛ فتملكتنا الرغبة في إحداث التغيير وقررنا البدء وقد رسمنا تلك النهاية الجميلة التي نتمناها. وما إن نبدأ ويمضي أوّل يومين، حتى تخمد جذوة رغبتنا تلك وتنطفئ كُليّاً في نهاية الأسبوع.

تختلف قصّة عبير عن قصّة سعاد، فعبير تحبّ الأكل، ولكنَّها بدأت تلاحظ تأثير ذلك عليها، فقررت قراراً صغيراً شكَّك كلّ من حولها في مدى جدواه، لكنَّها كانت قد اتخذت قرارها وألزمت نفسها فيه أيَّاً تكن الظروف، وجعلت فيه من المرونة ما يدفعها لمواظبة العمل عليه.

لقد قرّرت أن تمشي لمدة نصف ساعة يومياً؛ إمّا على مرحلةٍ واحدة، أو على مرحلتين اثنين، واستغلال مواقف السيارات البعيدة للوصول إلى الهدف بشكلٍ متقطع، ثمّ التقليل من وجبة الغداء -التقليل وليس الحرمان- لتتمتَّع عبير بعد شهرين بقوامٍ أفضل مما كانت عليه. وفي الشهر الثاني، أصبحت عبير تمشي لمدة ساعة دون أن تقرّر ذلك مسبقاً، فلقد استغلّت فترة المشي بالاستماع إلى محاضرات تنموية تستهويها، فكانت أحياناً تضاعف الوقت باستمتاع ورغبة، ودون تكلفة أو عناء.

إقرأ أيضاً: التأمّل أثناء المشي: ما فوائده؟ وكيف تمارسه بنجاح؟

الأسباب التي تجعلنا نتوقف بعد أن نكون قد بدأنا:

  1. البدء بحماسٍ كبيرٍ لمؤثرٍ خارجيٍ طارئ ورغبةٍ غير واضحة الأسباب والدوافع.
  2. نفاذ المخزون التحفيزي في العقل بعد فترةٍ من البدء.
  3. عدم الاستمرار نتيجة فقدان الحماس والكسل والتسويف، وهو ما يؤدي إلى التوقف نهائياً.
  4. العودة مرة أخرى لمنطقة العادة، في انتظار محفز خارجيّ أو دوافع غير واضحة الأسباب.

لكي نحقق النجاح والتوفيق في أمورنا، يجب أن نعي أنَ حياتنا ليست سوى سلسلة من العادات المتواصلة التي نقوم بها دون تفكيرٍ أو وعي. عادات بدأت بسلوك صغير مصحوب بمشاعر ونتائج، ولكنَّه تكرر مرات ومرات فتأصل فيما بعد وثبته العقل تلقائياً، وحوّله إلى عادةٍ لا تحتاج منّا إلى تفكيرٍ أو قرار؛ وهو ما يُعدُّ من قدرات العقل الخارقة التي تساعد على توفير الطاقة، واختصار الوقت لأمور جديدة ومهام أكبر.

لذا يبرمج العقل العادة بشكلٍ تلقائي لتصبح في حياتنا سهلةً لا تحتاج إلى مجهودٍ أو تفكير، فنقوم بها دون أيّ ممانعة أو مقاومة؛ فهل نحن واعون حقاً لأصل تلك العادات في عقولنا؟ وهل بحثنا فيها لنغير ما لا يخدمنا ونضيف ما ينفعنا؟

لكي نحقق ما نريده، ونستمرّ على خططنا التي وضعناها؛ علينا اتباع النقاط التالية:

  • الوعي التام بالمشاعر والدوافع الحقيقة لما نريد تحقيقه.
  • وضع الصورة الذهنية النهائية كاملةً في مخيلتنا.
  • تقسيم الهدف إلى أهداف صغيرة؛ لإنجازها على مراحل.
  • مكافأة أنفسنا على الإنجازات المحققة.
  • جعل الاستمتاع بالتفاصيل والاستكشاف جزءٌ من عمليّة الوصول إلى الهدف، عوضاً عن انتظار النتائج.
  • التحلّي بالمرونة وإيجاد البدائل المناسبة.
  • الاستمرار والمثابرة ثم الانتظام (مرحلة ترسيخ العادة الجديدة).
  • استثمار الوقت لزيادة المعارف وتنمية المهارات، وعدم هدره.
  • إيجاد مساحة للراحة والهدوء والاسترخاء؛ فهي وقود الرحلة.
  • الوعي وإدراك القرارات والأفعال (هل تصب في مصلحة الوصول إلى الهدف؟).
  • حُسن الظن بالله والتَّوكل عليه.

يقول الله تعإلى في سورة الرعد: "إنَّ الله لا يُغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم"، نستنتج من هذه الآية الكريمة أنَّ الإنسان الواعي المدرك لما يدور بداخله، والمتتبع لأسباب تلك المشاعر والانفعالات والأفعال التي تصدر منه؛ هو الأقدر على إحداث التغيير في حياته، وهو القائد والمسيطر الفعليّ فيها. فإن أردت التغيير ورغبت بالإنجاز، تَحتَّم عليك إدراك مكنوناتك، ومعرفة محركها الحقيقي ومراجعة مخزونك الداخليّ بين فترةٍ وأخرى بوعيٍ تام، باحثاً عما يخدمك فتلتزم به وتعمل على تطويره وتجديده، وإلغاء أو ترك كل ما يُعيقك ولا يخدمك.

إقرأ أيضاً: 9 طرق مثبتة علميَّاً للتخلص من العادات السيئة

"بالأمس كُنْتُ ذكياً فأردْتُ تغيير العالم، اليوم أنا حكيم لذلك سأُغير نفسي" - جلال الدين الرومي.

إنَّ كلّ إنسان يسعى للتغيير ويلمس في حياته جوانب لا ترضيه، عليه أن يضيف بوعيٍ عادةً صغيرةً في حياته يمحو بها عادةً أخرى خَزَّنَهَا العقل في اللاوعي، فأصبحت تقف في سبيل تحقيق ما يتمنى. إنَّ المرونة والمثابرة والالتزام؛ ثلاثة أضلاعٍ في مثلث النَّجاح لتحقيق ما ننشده ونتوق إليه.

لذا ابدأ الآن بوعي.

المصادر والمراجع:

  • كتاب 15 قانون لا يقدر بثمن (جون سي. ماكسويل).
  • كتاب قوة العادات (تشارلز دويج).
  • كتاب قوة العقل (جيمس بورج).



مقالات مرتبطة