لماذا عليك أن تفضل الحب على الخوف؟

يعتقد الكثيرون أنَّه لا توجد سوى عاطفتان أساسيتان لدى الإنسان؛ وهما الحب والخوف، وأنَّه لا يمكننا أن نشعر بكليهما في وقت واحد، ولكن كما للضوء القدرة على إزاحة الظلام، يمكن للحب أن يزيل الخوف.



يمكن أن يبدو رفض الخوف واختيار الحب وكأنَّه خيار ينطبق فقط على لحظات الأزمة؛ سواءً كنا ننهي زواجاً أم نبدأ عملاً تجارياً جديداً أم نستعد لتسلُّق جبل "إيفرست".

ولكن في الحقيقة، إنَّ فرصة اختيار الحب ورفض الخوف تظهر في أصغر لحظات الحياة، وتحديداً في العلاقات مع أولئك الأقرب إلينا، وفي الحقيقة، نحن نؤذي بعضنا بعضاً في العلاقات الحميمة، عن قصد ودون قصد.

نكتشف في بعض الأحيان - إذا كنا محظوظين - أنَّنا قد أسأنا إلى الشخص الآخر عندما يلجأ إلينا ويشاركنا آلامه، ويعبر عن تجربته، وينفس عن غضبه من شيء قلناه أو فعلناه قد سبب له الألم، ولكن غالباً نكتشف أنَّنا أَذَينا الشخص بطريقة مختلفة، ونعرف ذلك عندما ينتقدوننا أو يخبروننا بما يعتقدون أنَّه خطأ فينا.

في هذه الحالات، نشعر عموماً بأنَّنا مُلامون أو مُعتدى علينا؛ ونتيجة لذلك يمكن أن يكون من الصعب علينا أن نصغي ونرى الموضوع من وجهة نظرهم، وفي كثير من الأحيان يكون من المستحيل التعاطُف مع آلامهم.

نميل في هذه المواقف إلى الرد وتوجيه أصابع الاتهام إليهم، أو بدلاً من ذلك؛ الدفاع عن أنفسنا وإثبات خطأ الشخص الآخر؛ إذ إنَّها غريزة البقاء، وفي الواقع يمكن أن نشعر كما لو أنَّ بقاءنا ذاته على المحك.

ليس بقاؤنا الجسدي ما هو على المحك؛ وإنَّما البقاء على ذاتنا المثالية، فالشخص الذي نتميز به أو المعروف للآخرين، ليس الشخص الذي نعتقد أو نتخيَّل أنفسنا أن نكون عليه؛ وهكذا نحاول حماية هوية الذات الصالحة البريئة مما يتهموننا به.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلّص من السعي إلى المثالية!

من الطبيعي أن تشكك في الاتهامات التي تبدو غير عادلة أو غير مُبرَّرة، ومن الهام أيضاً أن تكون قادراً على وضع حدود تمنع إسقاط توقعات الآخرين وانحرافاتهم عليك.

إذا نُسِبَت إليك أفكار لا تخصك، فمن الهام أن تكون واضحاً بشأن حقيقتك، كما أنَّه أمر طبيعي وضروري لحماية نفسك من الألم الذي يأخذ شكل هجوم عاطفي؛ إذ إنَّ الهجمات العاطفية والشتائم التي تهدف إلى الأذى ليست جيدة، وتحتاج إلى وقفها، وهذا ليس مقالاً عن تعلُّم أن تكون شخصاً خاضعاً وخانعاً في خدمة بعض الأهداف الروحية الكاذبة.

ومع ذلك، توجد فرصة هائلة في هذه اللحظات المرتبطة بالعلاقات؛ إذ عندما يتأذى شخص نهتم به، وعندما يبدو أنَّنا جزء من آلامه، فتوجد فرصة في هذه الحالات لاختيار الاستجابة بالحب بدلاً من الخوف.

عندما نشعر بالهجوم العاطفي أو اللوم أو الانتقاد بطريقة ما، فإنَّنا نشعر بالخوف حتى لو لم نكن واعين بذلك؛ إذ إنَّ غرورنا مهدد، وهويتنا مهددة، وحتى روايتنا عن أنفسنا مهددة.

يشكل الصراع خطورة على بقاء الأنا؛ ونتيجةً لذلك، فإنَّنا نتفاعل بدافع الخوف، وهو ما يعني الدفاع عن غرورنا أو معاودة الهجوم، ومحاولة تعطيل التهديد؛ إذ يمكن أن يجتاحنا الخوف كشعور أول، مثل تسونامي ويتحكم بردود الأفعال دون التفكير أو التشاور مع أنفسنا الأكثر عقلانية ومَحبَّة، وينتج رد فعلنا في كثير من الأحيان عن المواءمة مع ما نشعر به في قلوبنا عن هذا الشخص الآخر.

إذا أردنا اختيار الحب على الخوف كممارسة حياتية، فلا يتعيَّن علينا انتظار حدوث أزمة، يمكننا بسهولة استخدام الفرص المُقدَّمة في تلك اللحظات التي تحدث كل يوم عندما لا يتماشى الشخص الذي نتخيل أنفسنا عليه مع الطريقة التي نبدو بها في تلك اللحظة.

إنَّ اختيار الحب في هذه المواقف يعني التوقف أولاً، ومن ثم أخذ نفس كامل قبل القيام بأي شيء؛ إنَّه التريُّث والهدوء لبذل قصارى جهدنا لسماع ما يقوله الشخص الآخر بالفعل، دون الدفاع عن ذواتنا من نحن أو ما نعتقد أنَّه حدث، كما أنَّ الامتناع عن الرد بنقد للآخرين، أو بشيء فعلوه أو قالوه - مرتبط أو غير ذي صلة - يؤذينا بالتساوي؛ إنَّه الإصغاء فقط دون شروط.

العمل بدافع الحب هو تنحية غرورنا جانباً لفترة كافية للاستماع لتجربة الآخر؛ إذ يجب أن تكون شجاعاً بما يكفي لمحاولة فهم ما يمر به الشخص الآخر، بغضِّ النظر عن مدى اختلافه جذرياً عمَّا كنا ننوي أن نفعل، أو التفكير في حدوثه، أو الاعتقاد بأنَّه سبب ما حدث.

كما أنَّ العمل بدافع الحب هو أن تكون على استعداد للتوقف عن إثبات أنَّك شخص جيد، وأنَّك في الواقع شخص جيد، ويعني امتلاك قوة القلب لفهم وفتح قلوبنا لشعور الألم الذي يحاول الآخر التعبير عنه.

الرد - وليس رد الفعل - الذي يأتي من الحب هو الإصغاء إلى ألم الآخر كما لو كنَّا مجرد آذان تسمع، وآذان فقط، ولسنا آذاناً متصلة برأس، مرتبطة بالأنا، مرتبطة بهوية، مرتبطة بنية الشخص في أن يبقى سليماً وثابتاً.

شاهد بالفيديو: ما هي أسباب الفراغ العاطفي؟

العيش انطلاقاً من الحب وليس الخوف على المستوى العملي؛ هو التحوُّل من هدف حماية غرورنا وكسب الجدل والانتقال إلى أن نكون طيبين ومُحبين في أفعالنا؛ وهو أن تكون على استعداد لوقف إثبات أنَّك شخص جيد، وأن نكون في الواقع الشخص الجيد.

وبشكل مثير للدهشة، في اللحظات التي نمتلك فيها القوة لاختيار الحب على الخوف، فإنَّنا نُكافَأ بهدية تجربة التعامل مع أنفسنا معاملةً مليئةً بالحب، وشيء بلا حدود من مجرد الأنا الصغيرة والهشة التي اعتقدنا أنَّنا كنا بحاجة ماسة إلى حمايتها.

نكتسب الكرامة في معرفة أنَّنا فعلنا شيئاً صعباً وجميلاً بشكلٍ لا يُصدق، فنحن نُكافَأ بحرية تفوق كل الحريات الأخرى.

المصدر




مقالات مرتبطة