لم لا يتخلى عقلك عن الضغوطات البسيطة؟

تخيَّل أن يدوس جروك على سجادتك بقدميه المتَّسختين، أو أن يفلت منك وعاء المعكرونة ويلوث أرضية المطبخ بأكملها، أو أن يكون هناك حادث على الطريق وأنت في طريقك إلى اجتماع هام وفي عجلة من أمرك، أو أن تتأخر رحلتك ساعة عن موعدها.



تعجُّ الحياة بلحظات سلبية صغيرة كهذه، ويُطلق الباحثون عليها "المتاعب اليومية"، وفي حين تُسبِّب هذه الأحداث إرهاقاً آنيَّاً، إلا أنَّها لن تُسبب تأثيراً على الأمد الطويل ما لم يركز عقلك عليها، وتُقيِّد مزاجك في دوامة من المشاعر السلبية، كما يمكِن أن يخلق هذا مزيداً من التوتر؛ مثل افتعال جدال مع شريكك أو تناول الكثير من الطعام كمحاولة لتخفيف التوتر، لتشعر بتوتر أكبر بعدها بسبب شعورك بالذنب لأنَّك فعلتَ ذلك.

وقد درس الباحثون في "جامعة ميامي" (University of Miami) تأثير الأحداث السلبية في المزاج والعافية على الأمد الطويل.

تأثيرات بقاء مزاجك سلبياً:

لقد ركَّزَت الدراسات السابقة تركيزاً كبيراً على كيفية استجابة دماغك للأحداث السلبية، بينما ألقَت هذه الدراسة الضوء على المدة أو الفترة التي يبقى فيها دماغك غارقاً في دوامة المشاعر السلبية؛ فإذا كانت مراكز العواطف في دماغك تستغرق وقتاً طويلاً في التعافي من المشكلات اليومية التي نصادفها في حياتنا، فذلك يسبب شعوراً بالتوتر يمتد إلى بقية يومك؛ وبالتالي يخلق مزاجاً سلبياً طويل الأمد.

وحلَّل الباحثون بيانات ما يقارب 52 شخصاً في منتصف العمر من المشاركين في دراسة الصحة والعافية في الولايات المتحدة، وكان المشاركون يتحدثون عن التوتر الذي تعرَّضوا له كل ليلة وعن مزاجهم اليومي مهما كان سلبياً أو إيجابياً وذلك على مدار أسبوع تقريباً، وأجروا في الوقت عينه مسحاً لأدمغتهم باستخدام أجهزة الرنين المغناطيسي، والتي تُبرز مناطق في الدماغ عند الاستجابة للأشياء أو الأحداث المختلفة.

شاهد بالفيديو: 25 طريقة لشحن نفسك بالطاقة الإيجابية

بعض أدمغة الناس مُبرمجة لتُركِّز على الأمور السلبية:

تُسلط النتائج الضوء على دور جزء من دماغك العاطفي يسمى "اللوزة الدماغية"، والذي يصبح نشطاً عندما يكون دماغك تحت التهديد، كما يتصل بجزء آخر من دماغك يدعى "منطقة ما تحت المهاد" (hypothalamus) لتوليد رد فعل "الكر أو الفر"، الذي يتضمن إلغاء الناقلات العصبية والهرمونات مثل الكورتيزول؛ وذلك لاتخاذ إجراءات ضد التهديد الحاصل، ثمَّ يهدأ انفعالك متى انتهى هذا التهديد.

وقد وجد الباحثون بعد النظر إلى بيانات الدماغ والاستبيانات والتقارير اليومية أنَّ اللوزة العصبية تؤدي دوراً في إطالة أو تقصير تأثير الأحداث البسيطة السلبية، وقد أفاد الأشخاص الذين تمسكوا بالمحفزات السلبية لفترة أقصر عن شعورهم بأنَّهم أكثر إيجابية، وعن انخفاض المشاعر السلبية في حياتهم اليومية وعن تمتُّعهم بصحة أفضل على الأمد الطويل. ومن ناحية أخرى، أبلغَ أولئك الذين عانوا من بطء في التعافي والتخلي عن التصورات السلبية أنَّ مشاعرهم السلبية تتزايد يوماً بعد يوم.

تشير هذه النتائج إلى اختلاف الناس في درجة تحمُّل الأمور البسيطة أو مثلاً السماح لزحمة المرور بإفساد أمسيتهم، ويستطيع بعضنا أن يترك اللحظات السلبية والأحداث الصغيرة خلف ظهره ويمضي قدماً، بينما لدى الآخرين أدمغة لا تتخلى عنها بهذه البساطة وهي أكثر ارتباطاً وتعلقاً بالسلبيات، ونعرف جميعاً صنفاً من الأشخاص الذين يتوترون عند قيامهم بأبسط الأمور، أو أولئك الذين لديهم وظائف تسبب التوتر، لكنَّهم يتركونه في مكان عملهم دون أن يحملوه معهم إلى منزلهم. وتُبيِّن دراساتٌ أخرى أنَّ التوتر والمزاج السلبي معديان، وكلما طالت فترة بقائك بدوامة التفكير السلبي، فمن المرجح أن تنتقل العدوى إلى أسرتك أو أصدقائك أو زملائك، وأن يتحولوا إلى أشخاص مشحونين بالطاقة السلبية، مما يخلق بيئةً تُسبب إرهاقاً أكبر بصورة عامة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لتتخلص من الطاقة السلبيّة بشكلٍ نهائي

لماذا يمضي بعض الناس قدماً أسرع من الآخرين؟

لم تُقيِّم هذه الدراسة لِمَ كان بعض الناس قادرين على نسيان الأمور في حين يمتلك الآخرون ردود فعل تُسبب التوتر لمدة أطول، ربما يكون للمزاج دور في هذا الأمر، ذلك أنَّنا بالمجمل نمتلك ملاذاً نجد فيه سعادتنا، ونميل إلى العودة إليه مهما جرى معنا، وإذا كنتَ قد عانيتَ من صدمة أو محنة ما في طفولتك، فقد يصبح عقلك أكثر يقظةً للتهديد وأقل قدرةً على الاسترخاء، ذلك أنَّنا نتعلم من أهلنا المبالغة في ردود فعلنا للأحداث السلبية، فإذا كانوا يبالغون في ردة فعلهم في أثناء طفولتك فالأرجح أنَّك ستفعل الشيء ذاته عندما تصبح بالغاً، ويُعَدُّ الاكتئاب عنصراً وراثياً قد يجتاح بعض الأُسَر، إلا أنَّنا غير متأكدين من التفسير الصحيح، وتبقى هذه مجرد احتمالات.

كيف تعيد هيكلة عقلك للمضي قدماً؟

هناك بعض الطرائق لتدريب العقل على التخلص من المزاج السلبي والأفكار السامة، وإليك بعضها:

1.  تجنُّب اجترار الأفكار:

إذا وجدتَ أنَّك تُهوَّل الأحداث السلبية في عقلك دون إحراز أي تقدُّم، فقد تقع في حلقة مفرغة من اجترار الأفكار، حيث إنَّها تُمدد فترة معاناتك من مزاج سلبي؛ ولذا فمن الهام ملاحظة متى يحدث ذلك والتركيز المتعمد على شيء آخر مثل: طوي الغسيل أو التحدث إلى صديق أو قراءة كتاب أو حتى ممارسة التمرينات الرياضية، وتستطيع وضع مطاطات حول معصمك وسحب واحدة منها عندما تلاحظ بدء هذه الحالة.

إقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن اجترار الأفكار؟

2.  التأمل:

وقد ثبتَ أنَّ الممارسة المستمرة لليقظة الذهنية تزيد من النشاط في مناطق الدماغ الأيسر المتعلقة بالمزاج الإيجابي، وتُقلل النشاط في مناطق الدماغ الأيمن المرتبطة بالمزاج السلبي، وتوجَد العديد من التطبيقات التي تساعدك على التأمل على الإنترنت.

3.  توسيع وجهة النظر:

يجعلك الإجهاد والمزاج السلبي تُركز تركيزاً جزئياً على التفاصيل، وقد تفقد الإدراك بالصورة الكبيرة لحياتك، بما في ذلك الأشياء الإيجابية كلها التي تملكها بالفعل، مثل: الأصدقاء، والعائلة، والوظيفة الثابتة، وعلاقاتك، وتعليمك؛ لذا عليك التفكير بالصورة الأشمل.

4. السفر عبر الزمن:

اسأل نفسك ما إذا ستكون مهتماً بهذا الحدث لخمس ساعات قادمة أو خمسة أيام أو حتى لخمسة أشهر أو خمس سنوات، وفي معظم الأحيان خاصة عندما تكون المشكلة يوميةً، سيكون الجواب هو النفي.

الخلاصة:

عليك أن تكون أكثر وعياً بردَّات الفعل السلبية التي تدوم لفترة زمنية طويلة، وينبغي أن تُعيد توجيه عقلك لتتخلَّص من تلك الضغوطات البسيطة، والعمل على تحسين مزاجك وتعزيز قناعتك في هذه الحياة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة