لم تحدث الأمور السيئة عندما تتجاهل علامات التحذير؟

في شهر يناير عام 2002، تنبَّأ رجل وحيد بكارثة طبيعية من شأنها أن تؤثر في حياة مئات الآلاف من الناس؛ فقد كان الخبير المحلي ديودون وافولا (Dieudonne Wafulah) يدرس بركان جبل نيراجونجو (Nyiragongo) في الكونغو لمدة 15 عاماً دون أجر، ويتتبع نشاطه والبركان الصغير الآخر القريب ليسجل علامات التغيير؛ ورغم سرقة معداته وتخريبها على مر السنين، استمر في عمله الدؤوب.



استناداً إلى الأنماط التي شهدها (وافولا)، كان جبل نيراجونجو (Nyiragongo) على وشك الانفجار؛ إذ كانت هناك سلسلة من الهزات الأرضية قبل بضعة أشهر، وقد ارتفع الدخان الأسود من الجبل، وبدأ يرتفع حوض الحمم البركانية داخل الحفرة.

لكن هذه لم تكن أول العلامات، فقد شهد قبل ذلك بسنتين انفجار البركان الأصغر، وبما أنَّ البركانين كانا متصلين بشق صغير، توقع عالم البراكين أنَّ الأمر كان مجرد مسألة وقت قبل أن يرسل بركان نيراجونجو (Nyiragongo) حممه.

أرسل (وافولا) في 8 يناير بريداً إلكترونياً إلى السلطات الدولية لتنبيههم بما يحدث؛ ورداً على ذلك، وافقت الأمم المتحدة على تمويل فريق مسح لأخذ قراءات؛ كما حذر (وافولا) السكان في الصحيفة المحلية من اندلاعٍ وشيكٍ للبركان، وقد لاحظ أنَّ الحمم البركانية كانت أكبر بعشرة أضعاف ممَّا كانت عليه عندما اندلع نيراجونجو (Nyiragongo) في عام 1977 وقتل المئات؛ وبعد بضع زلازل في وقت سابق من الشهر، تنبأ بأنَّ الانفجار كان على بعد أيام فقط، وكان (وافولا) على حق، حيث اندلع جبل نيراجونجو (Nyiragongo) في 17 يناير 2002، وسكب ثلاثة أنهار من الحمم البركانية التي دمرت 14 قرية، وشقت الحمم خلال الأيام القليلة التي تلت هذا طريقها عبر مدينة غوما (Goma).

ولكن للأسف، لم يتلقَ الكثير من الناس أخباراً عن الاندلاع الوشيك للبركان، أو اختاروا تجاهلها، وقد تشرَّد عشرات الآلاف من الأشخاص، وأُجلِي 400 ألف شخص.

علامات التحذير في كل مكان:

ليست البراكين وحدها هي التي تصدر إشارات تحذير، فغالباً ما تكون هناك إشارات في حياتنا اليومية تعمل كسلائف للأحداث المستقبلية، وهي علامات قد تساعدنا في تجنب الكارثة إذا التفتنا إليها.

عندما يتعلق الأمر بصحتنا وعلاقاتنا وعملنا، نختار أحياناً تجاهل تلك التحذيرات الصغيرة حتى فوات الأوان؛ فعلى سبيل المثال:

1. المشكلات الصحية بعيدة المدى: تُظهِر دراسة من جامعة نورث وسترن (Northwestern) أنَّ اختيارات نمط الحياة التي تتخذها في العشرينات من العمر تؤثر في صحة القلب في الأربعينيات وما بعدها، وتبع البحث مجموعة من المشاركين بلغ متوسط ​​أعمارهم 24 عاماً، ثمَّ تواصلوا معهم بعد عشرين عاماً.

تمكن غالبية الأشخاص الذين حافظوا على العوامل الخمسة لنمط حياة صحي، مثل: مؤشر كتلة الجسم النحيف (BMI)، وعدم تناول الكثير من الكحوليات، وعدم التدخين، واتباع نظام غذائي صحي، والحفاظ على نشاط بدني منتظم؛ من الحفاظ على انخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ببلوغهم منتصف العمر؛ أمَّا بالنسبة إلى أولئك الذين لم يتبعوا أيَّاً من أنماط الحياة الصحية، فقد وصل أقلُّ من 5% منهم إلى الأربعينيات بمخاطر قلب وأوعية دموية منخفضة.

2. العلاقات المتدهورة: عندما تنتهي العلاقات من أي نوع، فعادة لا يكون هذا حدثاً مفاجئاً، بل بالأحرى يكون انحرافاً تدريجياً؛ إذ يصبح الشخص الآخر أقل استعداداً لقضاء الوقت معك، أو تفتقد الشعور بالراحة عند مشاركة الأفكار التي كنت تشاركه بها من قبل دون تردد.

هذا ليس واضحاً للغاية، وقد لا تتمكن من اكتشاف السبب؛ ولكنَّ إشارات التحذير موجودة، إذ يمكنك الشعور بتغيُّر تصرفات الشخص أو مزاجه أو لغة جسده؛ ورغم عدم حدوث أي شيء ملموس وعدم طرح أيٍّ منكم لأي شيء، إلَّا أنَّك تشعر بأنَّ شيئاً ما سوف يحدث.

3. الفشل في العمل: لقد وجدت الأبحاث أنَّ معظم المنظمات لا تتعلم بشكل جيد من حالات الفشل؛ ومع ذلك، قد تمنع هذه الأخطاء -التي غالباً ما تكون علامات تحذيرية- الفشل الكارثي إذا جرى معالجتها مبكراً؛ ولكن عندما يختار الناس في مكان العمل تجاهلها، تكون الكارثة.

على سبيل المثال: انكسر مكوك فضاء لوكالة ناسا عندما عاد إلى الأرض في 1 فبراير 2003، ممَّا أسفر عن مقتل جميع رواد الفضاء السبعة على متنه؛ فقد سقطت قطعة كبيرة من "الفوم" من الخزان الخارجي للمكوك، وخرقت جناح المركبة الفضائية، وقد وجدت التحقيقات أنَّ المديرين في وكالة ناسا كانوا على علم بهذه المشكلة لسنوات، لكنَّهم ومع ذلك، قللوا من احتمالية أنَّها مشكلة خطيرة؛ لكن لو أنَّهم اتخذوا إجراءً في وقت مبكر، لكان من الممكن منع هذا الحادث المميت.

إقرأ أيضاً: 6 أفكار لتغيير روتين حياتك

لماذا نتجاهل علامات التحذير؟

الجواب الواضح هو ضرورة القيام بشيء ما؛ فعندما تشعر بكارثة وشيكة، تحدد المشكلة بينما تكون صغيرة، وتصلحها قبل أن تتفاقم وتتحول إلى مشكلة أكبر؛ ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة وراء اختيار تجاهل الأمر بدلاً من ذلك، كعدم تمكننا من فعل أي شيء لحل الموقف في بعض الأحيان؛ فمثلاً: إذا كانت العلاقة تنهار أمام عينيك، فقد يكون من المستحيل تقريباً إنقاذ ما تبقى.

أمَّا في حالة جبل نيراجونجو (Nyiragongo)، فإنَّ نقص البنية التحتية في القرى المجاورة جعل من الصعب إبلاغ السكان المحليين عن البركان الوشيك؛ فحتى لو علمنا أنَّ الأخبار السيئة قادمة، فإنَّ الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به هو إعداد أنفسنا لما لا مفر منه.

كما قد نتظاهر في أحيان أخرى بعدم وجود مشكلة ببساطة؛ وحتى عندما نعترف بوجودها، نرى أنَّها ليست كبيرة بما يكفي لإحداث أي ضرر حقيقي؛ أو قد نحمِّل المسؤولية لأي شيء آخر كما لو أنَّنا لم نلعب أي دور في الأحداث، فمثلاً: رغم أنَّ الموظفين في كارثة وكالة ناسا كانوا يعرفون أنَّه كان هناك مشكلة، فقد رفضوها باعتبار أنَّها ليست هامة.

في مواجهة المشكلات الصارخة، نجد أنَّ الإجابة الأسهل والأفضل هي عدم القيام بأي شيء؛ لكن لماذا؟ لعدة أسباب:

  • نحن نستبعد هذا الشعور الغريزي باعتباره نوعاً من الشك أو الخوف.
  • نحن لا نريد أن نطلق الحكم ونسبب المشكلات أو الفوضى داخل محيط المجموعة.
  • نعتقد أنَّ مقدار العمل المطلوب لإصلاح شيء ما هو أكثر من اللازم بالنسبة إلى خطر الكوارث.
  • نحن لا نريد تدمير سمعتنا من خلال الاعتراف بخطأ سابق؛ لذا، نتظاهر بأنَّ المشكلة الحالية ليست مشكلة فعلية.

وهكذا ننكر أنَّ شيئاً هاماً يحدث أو سيحدث، ونخفي الحقيقة عن أنفسنا وعن الآخرين.

إنَّ الإنكار آلية دفاع قوية، وحتى إذا كان لدينا المعرفة أو الخبرة أو الشعور المزعج بوجود خطر، فإنَّنا نتعامل مع تجاهل الألم؛ فعندما نواجه شيئاً ساحقاً، نختار التكيف من خلال التظاهر بأنَّ كل شيء على ما يرام؛ وهذا أسهل مسار يمكن اتباعه على كل حال.

إقرأ أيضاً: تحديد الأهداف الشخصية... خطّط لكي تعيش كما تريد

كيف تكون سبَّاقاً إلى الوقاية من الكوارث؟

التغيير غير مريح؛ فرغم أنَّ معظمنا يقول أنَّنا نريد التغيير في حياتنا، فإنَّ الواقع هو أنَّ التغيير يأتي عبر مخاضٍ عسير؛ فنحن نخاف من أي شيء غير مألوف، حتى لو كان سيأخذنا نحو الأفضل.

لذلك، عندما يتعلق الأمر بالتغيير نحو الأسوأ، نصبح مقاومين بشكل متزايد؛ ولكن من الهام مواجهة الحقائق بدلاً من الركض والاختباء، وقد يكون هذا صعباً.

إليك ثلاث طرائق يمكنك من خلالها أن تكون أكثر استباقية:

1. إعادة صياغة طريقة تفكيرك في الفشل:

يُنظَر إلى الفشل على أنَّه أمر محرج، ليُحجَب بعيداً ولا يظهر بعدها أبداً؛ فعندما تكون جهودنا دون مستوى التوقعات، فإنَّنا نقلل من خطورة النتائج، ونتجنب إخبار الآخرين خوفاً من حكمهم علينا.

مع هذه التصورات، لا عجب من أنَّنا لا نريد التحدث أو حتى التفكير في الفشل؛ ولكن في المرة التالية التي تفشل فيها في شيء ما، لا تلقي بنتيجتك في سلة المهملات ببساطة وتنسى الأمر، بل حولها إلى فرصة للتعلم واسأل نفسك: "ما الذي كان يجب أن أفعله بشكل مختلف؟ وكيف يمكنني تحسين أدائي في المرة القادمة؟".

ربَّما تكتشف من خطواتك الفاشلة الخطوات اللازمة للتقدم والتحسن؛ ففي نهاية المطاف، تتعلم من إخفاقاتك بقدر ما تتعلم من نجاحاتك، إن لم يكن أكثر من ذلك.

2. تصوُّر ما سيحدث إذا واصلت السير في مسارك الحالي:

إذا اكتسبت عادات غير صحية، فقد تكون الأمور على ما يرام في الوقت الحالي؛ لكنَّها لن تكون كذلك في المستقبل، إذ قد يتحول خطأ صغير اليوم إلى خطأ فادح في النهاية.

إنَّ المسار الذي تسلكه نحو الأمور القادمة أهم ممَّا أنت عليه الآن؛ لذا من الهام أن تتخيل كيف ستبدو الأمور على الأمد الطويل إذا واصلت السير على الطريق الذي تسلكه الآن، هل ستسعد بما ستكون عليه الأمور بعد 20 عاماً من الآن بناءً على ما فعلته اليوم؟ صحيح أنَّه لن يُحدِث القرار البسيط فارقاً كبيراً اليوم، ولكنَّه يتضاعف عندما تتخذ الخيارات نفسها يوماً بعد يوم.

3. النظر إلى العواقب المترتبة على حالات مماثلة:

بغض النظر عن الصعوبات أو الأحداث المجهدة التي تمر بها الآن، فهناك شخص ما قد مر بها من قبلك؛ وسواءً وجدت هذه التجارب عبر الإنترنت، أم في شخص تعرفه، أم حتى في ماضيك، يمكنك معرفة الإجراءات التي اتُخِذت أو التي لم تُتخَذ، ورؤية النتائج التي جرى التوصل إليها.

قد لا تكون العواقب جيدة دائماً، وقد تكون أخطاء الآخرين بمثابة جرس تنبيه أو شرارة للتغييرات الكبيرة.

لقد كان هناك فيلم وثائقي تحكي فيه امرأة مغامرة عمَّا دفعها إلى ترك كل شيء والبدء من جديد، حيث تقول أنَّها كانت تعمل في شركة هندسية بصفتها خريجة حديثة عندما لاحظت أنَّ زميلاً أكبر سناً لديه جهاز توقيت للعد التنازلي؛ وعندما سألته عن السبب، قال أنَّ هذا المؤقت يَعُد تنازلياً للأيام المتبقية له في العمل قبل التقاعد؛ ثمَّ أدركت أنَّها إذا سلكت المسار نفسه، ستقضي معظم حياتها في فعل شيء لم تستمتع به؛ لذا تركت عملها وانتقلت إلى المدينة، وبدأت أعمالها التجارية الخاصة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح مهمة تجنب الإنسان مشكلة تكرار الأخطاء

افهم الماضي، واستعد للمستقبل:

إذا نظرت إلى حياتك مرة أخرى، ستصبح جميع العلامات واضحة، وترى كل الأحداث الصغيرة التي أدت إلى حدث واحد كبير، وتتساءل لماذا لم تلاحظ ذلك من قبل على الفور.

يقول الفيلسوف الدنماركي سورين كيركيغارد (Søren Kierkegaard): "لا يمكن فهم الحياة إلَّا بالعودة إلى الوراء، لكنَّها يجب أن تُعاش بالمضي إلى الأمام".

هناك بعض الدروس التي لا نتعلمها إلَّا بالطرائق الصعبة والقاسية والخدوش والكدمات؛ ولكن أحياناً، يمكنك مع القليل من التبصر أن تأخذ دروساً مؤلمة من الماضي وتطبقها لتخلق نتيجة أفضل في المستقبل.

المصدر




مقالات مرتبطة