لا تكن ضحيةً: بل تحمَّل المسؤولية

تنتشر عقلية الضحية انتشاراً واسعاً في مجتمعاتنا الحالية، وتعبث بعقول البشر على أوسع نطاق، ولربما نتحدث عنها مشيرين إلى أنَّ الجميع ضحية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يشرح لنا فيه كيفية بناء حياتنا وفق رغباتنا من خلال تغيير طريقة تفكيرنا.

عقلية الضحية:

يعرِّف الإنترنت عقلية الضحية بوصفها سِمة شخصية يميل فيها الفرد إلى عدِّ نفسه ضحيةً لأفعال الآخرين؛ وهذا يجعله يفكر ويتحدث ويتصرف على هذا الأساس، وبعد اعترافي الشخصي بأنَّني ضحية، أعلم كم يسهل الوقوع في هذا الفخ؛ إذ يسهل القول إنَّ "لم أرتكب خطأً؛ بل هو خطأ الآخرين الذين يجعلونني أفكر وأتصرف على هذا النحو".

عند اتخاذ عقلية الضحية، يخبر الإنسان نفسه بأنَّ حياته خارج سيطرته، وأنَّه غير مسؤول عن العوامل الخارجية فيها كتصرفات الآخرين، وبما أنَّ العوامل الخارجية تسبب استجابة عاطفية، وعواطفُه هي مصدر كل قرار يتخذه في حياته، فلذلك لا يمكنه التحكم بمجريات حياته.

تكون عقلية الضحية ملائمة ومريحة عندما تتعقد الأمور، كما أنَّها تبعث على الشعور بالحرية حين يسير كل شيء على ما يُرام، لكنَّها خاطئة ومضلِّلة في جميع المواقف.

والأشخاص الذين يقعون في شباك هذه الطريقة بالتفكير يتعرضون لمواقف الحياة من دون إرادتهم بدلاً من التحكم بها وعيش حياتهم وفق رغباتهم؛ وهذا ما يوضِّحه رائد الأعمال والكاتب "جيم رون" (Jim Rohn) بقوله: "إن لم تصمِّم خطة خاصة بحياتك، فمن المحتمل أنَّك ستعيش وفقاً لمُخطَّط أحد آخر لم يرسم لك دوراً كبيراً فيه".

إن أردنا إحكام السيطرة الكاملة على حياتنا، فعلينا التخلص من عقلية الضحية؛ أي كما يقول الممثل والمؤلف والمخرِج "ديفيد وود" (David Wood) في مدوَّنته الصوتية "حياة مليئة بالمغامرات" (Kickass Life Podcast): "تحمَّل كامل المسؤولية في حياتك عن كل شيءٍ يمكنك تغييره، وما لا يمكنك تغييره أيضاً".

حين سمعت "ديفيد" يقول ذلك للمرة الأولى، لم أشعر بالارتباك وحسب؛ وإنَّما خالفته الرأي من أعماق قلبي؛ فلِم عليَّ تحمُّل مسؤولية الأمور التي لا يمكنني تغييرها؟ لكن عندما تعرَّفت إلى عقلية الضحية، أو بالأصح أدركت وجودها في شخصيتي، أصبحت كلماته منطقية ومفهومة؛ ذلك لأنَّنا عندما نتحمل مسؤولية كل شيء في حياتنا، نشجِّع ونمكِّن أنفسنا لإحداث التغيير، وتصحيح مسارنا في الحياة لإيجاد ما نحبُّه والسعي إلى الحصول عليه؛ وبذلك نقضي على جميع الأعذار.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح ستجعلك شخصاً أكثر مسؤولية في العمل

عقلية الجاني:

بينما يُعَدُّ تحمُّل مسؤولية كل ما في حياتنا إجراءً متطرِّفاً، فهو أيضاً ممارسة جيدة لتغيير طريقة تفكيرنا كي نبدأ التفكير بطرائق طبيعية أخرى، وبدلاً من اتخاذ عقلية الضحية، علينا اتخاذ عقلية الجاني؛ أي علينا أن نفهم أنَّ كل ما يحدث في حياتنا ما هو إلا انعكاسٌ لأفكارنا الخاصة، وإن لم يعجبنا موقف ما أو طريقة تصرفنا فيه، فذلك خطؤنا وحدنا.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات أساسية لتربية الأطفال على المسؤولية

على سبيل المثال الحياة المهنية:

فلا بدَّ أنَّك مارست عملاً لا يعجبك أو كان لديك مدير لا تستطيع تحمُّله، وكل ما أمكنك التفكير فيه بذلك الوقت هو مقدار التأثير السلبي لعملك أو مديرك في حياتك، أو لو استطعتَ الحصول على مهام أخرى في العمل، أو مدير أكثر هدوءاً؛ ومن ثمَّ فإنَّ اتباع تسلسل الأفكار هذا سيقودك إلى جوهر أو صُلب المقارنة بين عقلية الضحية والجاني.

مَن أجبرك على ممارسة هذا العمل أصلاً؟ ومَن يجبرك على البقاء في وظيفتك الحالية؟ والأكثر أهمية، مَن الذي يتسبب في بقائك في بيئة سلبية بالمجمل؟ إن أجبتَ عن كلٍّ من هذه الأسئلة، فستتحرَّر من عقلية الضحية؛ إذ إنَّ القرار يعود لك وحدك بقبول عمل ما، وبطريقة ممارستك له، وبالصبر على مديرك المزعج وتحمُّله، وبالبقاء في ذلك العمل أو مغادرته، فالثمن هو سعادتك وحسب.

كما يعود القرار لك بالاستمرار في التصرف وفق طريقتك التي تتَّبعها؛ فمثلاً، بالنسبة إلى مديرك الذي تكره العمل معه، عليك أن تقوم بتغيير بعض تصرفاتك، وبدلاً من أن تبدي ردود فعلٍ انعكاساً لشخصيته الوقحة وتلومه على كل تجاربك السلبية، كن سبَّاقاً واعمل ضمن القيود التي يفرضها.

وعن نفسي، فقد مررتُ بموقف كهذا؛ إذ حظيت بمدير يرغب في الحصول على تحديثات مستمرة بخصوص العمل، بينما كنت أقدِّم أفضل ما لديَّ عندما أعمل باستقلال ذاتي؛ أولم يكن قادراً على رؤية تأثيره السلبي في كفاءتي؟

لقد استغرقني الأمر ستة أشهر تقريباً من التمرد ضد رغباته إلى أن أدركتُ عدم قدرتي على تغييره، لكنَّني أستطيع تغيير نفسي؛ ولذلك صححتُ سلوكي على الرغم من صعوبة الأمر في البداية، وتابعت تقديم التحديثات إليه، وفي النهاية، حصلت على استقلاليتي وحريتي في العمل؛ إذاً، فالمحصلة النهائية لتحمُّلي مسؤولية علاقتنا وتغيير طريقة تصرفاتي، أدت إلى تغيير سلوكه تجاهي أيضاً.

مثال آخر عن الحياة الاجتماعية:

لا بُدَّ أنَّك مررت بعلاقة سامة ومدمِّرة من قبل، أو أُسيئت معاملتك من قِبل شخص ما باستمرار، فإن كنتَ ضحيةً، فستقوم بإلقاء اللوم على العلاقة أو ذلك الشخص لجعل حياتك صعبة، أمَّا إن كان لديك التحكم والسيطرة على حياتك، فلن تفعل ذلك؛ إذ إنَّك الوحيد الذي تجبِر نفسك على البقاء في هذه العلاقة، وتصرفاتك وحدك هي التي تسمح للآخرين بالإساءة إليك باستمرار.

وكما سبق، ربَّما تستطيع تغيير هذه العلاقة تغييراً كاملاً من خلال تغيير سلوكاتك أو ردود فعلك ضمن حدود علاقتك؛ لذا بدلاً من تسليط الضوء على الأخطاء التي يفعلها الشخص الآخر، ركِّز على ما يمكنك تحسينه من أفعالك، فقد تتمكن من تغيير طريقة معاملة الآخرين لك، وإلا فإنَّ القرار يعود لك وليس لأيِّ أحد آخر بالخروج من هذه العلاقة.

إقرأ أيضاً: 3 خطوات بسيطة لتحمل مسؤولية الوقت والحياة

تصميم طريقة حياتك بنفسك:

قد يصعب سماع الحقيقة، ولا أتعمَّد تصوير عقلية الضحية على أنَّها عارٌ على صاحبها؛ فأنا مخطئ كأيِّ أحد آخر، إلا أنَّه علينا تقوية وتمكين أنفسنا لإحكام كامل السيطرة على حياتنا من خلال تحمُّل مسؤولية أفكارنا وأفعالنا وكذلك أفكار وأفعال الآخرين.

المصدر




مقالات مرتبطة