لا تقبل بأقل ممَّا هو عظيم

هل سمعت من قبل مقولة: "الجيد عدو الممتاز"؟ يبدو أنَّ كثيراً من الناس لم يسمعوا بها، وإلا كيف يمكنك وصف الشعور بالرضى عن النفس والراحة اللذين يبدو أنَّ الناس يشعرون بهما في وظائفهم، ومن ثمَّ في حياتهم؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في السعي وراء تعزيز المرء حياته في الوقت الحالي.

من السهل التوجه نحو المسار الخاطئ في الحياة:

لا يعني ذلك أنَّ معظم الناس يحتقرون حياتهم المهنية؛ بل الأمر أشبه بأنَّ معظم الناس لا يهتمون بحياتهم المهنية، بالتأكيد هم يحبون بعض الأشياء فيها، وهي غالباً ما تبقيهم مستمرين، لكن توجد أيضاً أشياء لا تعجبهم، وبدلاً من اتخاذ إجراءاتٍ لتحسين وضعهم، يفترضون أنَّ "هكذا تسير الأمور"، ويواصلون مسار حياتهم كما لو كان كل شيءٍ عظيماً كما ينبغي أن يكون، لكن في الحقيقة الأمر ليس كذلك.

يبعث هذا الرضى عن الوضع الراهن على القلق؛ إذ يقول الناس عموماً لأنفسهم: "بالتأكيد إنَّ وضعي مثالي بنسبة 60% إلى 70%، وهذا جيدٌ بما يكفي بالنسبة إليَّ"، لكن لماذا هو كافٍ بالنسبة إليك؟

ألا يجب أن تعزز حياتنا قيمة وقتنا اليوم إلى أقصى حد؟

ألا يجب أن نسعى جاهدين إلى تحقيق أقصى ما يمكننا في حياتنا، بحيث نقترب من المثالية قدر الإمكان وبأسرع وقتٍ ممكن؟ ألا يجب أن تكون حياتنا كذلك، بحيث تزداد مثاليةً كلما ازدادت قيمة الوقت، وتنخفض بانخفاضه.

في الوضع المثالي، يجب علينا أن نفعل الأشياء التي نستمتع بها من دون أيِّ تردد حتى نعثر على الأمور التي تلائم شخصياتنا الحقيقية، لنتمكن بعد ذلك من السعي خلف هذه الأشياء بشغف، والمواظبة على تعزيز قيمة الوقت سريعاً، فمن خلال تعزيز قيمة وقتنا والسعي الدؤوب إلى الاستمتاع، نقترب بشكل متزايد من الوصول إلى حياتنا المثالية.

أمَّا في الوضع الطبيعي، فإنَّنا نفعل أشياء نتحملها، ونقول لأنفسنا إنَّ الهدف منها هو "بناء المهارات" أو "دفع مصاريف الحياة"، على أمل أن تتحسن الأمور تدريجياً في المستقبل، لنتمكن من التقاعد، ونعيش حياتنا بمستوى جيدٍ من السعادة والرضى.

المشكلة مع الوضع الطبيعي أنَّه لا توجد أيُّ ضمانات؛ إذ إنَّنا لا نُوعَد بمستقبلٍ من "السعادة والرضى العامِّين"؛ وإنَّما نُمنَح وحسب أملاً بأن نمتلك أحدهما، بالإضافة إلى ذلك، وفي كثيرٍ من الأحيان، فإنَّ مستقبلنا وعلى الرغم من الزيادة في مستوى الرضى، لا يتخطى بشكلٍ عام 80% إلى 90% من حياتنا المثالية؛ لذا إن كان المستقبل وسعادتنا غير مضمونين لنا، فلماذا نقضي وقتنا بالزمن الحاضر في أشياء لا تعزز قيمة حياتنا؟

هل سبق لك أن سمعت رجل الأعمال "وارن بافيت" (Warren Buffet) يقول: "إنَّ العمل في وظيفةٍ ما لبناء سيرتك الذاتية وحسب، يشبه تأجيل المرء زواجه حتى يشيخ"؟

يا لها من كلمات! وبطريقةٍ صادمةٍ بعض الشيء، يتعمق "بافيت" ليصل إلى جوهر الأمر: يجب أن يكون الهدف من عملك، ومن ثمَّ حياتك، يتمثل دوماً في زيادة قيمة تجاربك؛ وبعبارةٍ أخرى، ما هو المغزى من التخلي عن فرصة الذهاب إلى مدينة الملاهي عندما تكون طفلاً، حتى تتمكن من القيام بالعمل الجاد، وتوفير أموالك، والحصول على التصاريح المميَّزة للذهاب إلى مدينة الملاهي نفسها وأنت شخص بالغ؟ ألن تكون هناك قيمةٌ أكبر عند خوض هذه التجربة بصفتك طفلاً؟

على سبيل المثال، إذا تحققت القيمة في حياتك من خلال السفر وبناء العلاقات والمرح والتجارب الإيجابية عموماً، فلماذا تتخلى عن هذه التجارب للحصول على نسخٍ "أفضل" منها لاحقاً في الحياة؟

أليس من الأفضل السفر إلى الخارج الآن، عندما تكون لديك القدرة على السفر، بدلاً من توفير المال لمدة عشر سنوات حتى تتمكن من القيام بنفس الرحلة، لمجرد أن تتمكن من الإقامة في فندقٍ أفخم؟ ألا تستطيع خبرات السفر بناء المهارات التي ستفيدك على الأمد الطويل، وربما أكثر من المهارات التي بنيتها من خلال مسار حياتك "التقليدي" الحالي؟

يمكنني فهم سبب واحد فقط عن إصرار الناس على الاستمرار في العمل بوظيفةٍ أو السير في مسارٍ وظيفي ليسوا سعداء به تماماً: المال أو المكانة، لكن ما هو الهدف من زيادة أموالك أو مكانتك إذا كان كل ما تفعله هو التخلي عن القدرة على تعزيز قيمة حياتك اليوم، على أمل أن تتمكن من شراء السعادة لاحقاً؟ اسأل نفسك: إذا لم تكن سعيداً تماماً، فلماذا ما زلت هنا؟ من الأفضل أن تكون الإجابة جيدةً بما يكفي لتبقى.

شاهد بالفديو: 18 نصيحة لاستثمار الوقت بفاعلية

يظن الأشخاص الذين يعانون ضيق العيش أنَّ مسار حياتهم الحالي هو الفرصة الوحيدة التي يمكن أن تُتاح لهم:

بالنسبة إليَّ، فإنَّ العقلية التي تجعلنا نختار مساراً وظيفياً معيَّناً، أو حياةً معيَّنة، لا تتلاءم معنا بالكامل، تكون ناجمةً عن إحدى عقد النقص؛ إذ يخشى الناس الاستقالة أو فقدان وظائفهم؛ وذلك لأنَّهم يظنون أنَّهم سيتعثرون، أو سيفقدون فرصة جني الأموال، أو سيتلقون أسئلةً عن سبب وجود "فجوةٍ في سيرتهم الذاتية".

فهم يعملون مع شعورٍ كبير بالنقص، ويظنون أنَّهم يفتقرون إلى القدرة على إيجاد الفرص والاستفادة منها بنجاح، ويحتاجون إلى رواتب ودفعات معنوية ليشعروا بالأمان والنجاح، وهذا الكلام بصراحة محض هراء.

إقرأ أيضاً: 10 أفكار لجني المال بسهولة وترك أثر إيجابي في العالم!

يعرف الناس الذين يتوفر لهم كل شيء في حياتهم أنَّ الفرصة موجودة في كل مكان ويركزون على مسار حياتهم المثالي:

الفرص موجودة في كل مكانٍ من حولنا، حرفياً في كل مكان؛ لذا بدلاً من التمسك بعقلية تركز الاهتمام على الأشياء التي تنقصنا، نحتاج إلى تنمية عقلية تركز الاهتمام على الأشياء المتوفرة لنا، بحيث ينظر المرء إلى العالم على أنَّه مليءٌ بفرصٍ غير محدودة، ومن خلال التجارب، علينا أن نسعى إلى تعزيز حياتنا التي تثيرنا وتلائمنا سريعاً، ومن ثمَّ إنشاء فرصةٍ أسرع وأكثر ربحاً ممَّا نحصل عليه بعد اتباع المسار التقليدي و"دفع المستحقات".

إقرأ أيضاً: 8 أسباب تجعل فرصة نجاح الأشخاص الذين يُقْدِمون على المجازفة أكبر

الفرق بين تركيز الاهتمام على الأشياء الناقصة وتركيزه على الأشياء المتوفرة:

لدينا مثلاً رجل وامرأة غير راضيين عن وظيفتيهما، وفي حين أنَّ لدى الرجل في هذا المثال عقلية تركز الاهتمام على الأشياء التي تنقص وظيفته، تتمتع المرأة بعقلية تركز الاهتمام على الأشياء المتوفرة.

يظن الرجل أنَّ أفضل ما يمكن أن يفعله على الإطلاق هو الوظيفة التي يقوم بها حالياً، ومع أنَّه ليس سعيداً تماماً، لكنَّه آمن في الوقت الحالي، وإذا استمر في هذا المسار، فإنَّ مستقبله سيكون "مضموناً" وليس متغيراً بشكلٍ غير معروف؛ إذ يمنحه ذلك شعوراً بالراحة يفوق الخوف من ترك وظيفته والبحث عن فرصةٍ في مكان آخر.

في المساء، من المحتمل أن يتوجه إلى المنزل وهو مُستنزَفٌ عاطفياً من يوم العمل، بحيث يمكنه وحسب أن يستجمع بعض القوة لمشاهدة التلفاز بضع ساعات قبل النوم؛ وبذلك، فهو لا يملك أيَّ خيارات خارجة عن المألوف.

من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ المرأة لديها وجهة نظرٍ مختلفةٍ في الأمور، وتعرف أنَّها ليست سعيدة تماماً، لكن مع أنَّها تحب جوانب عملها ومعظم الأشخاص الذين تعمل معهم، فإنَّها تعلم أنَّها لن تكون راضية تماماً عن حياتها الحالية، وبدلاً من النظر إلى وظيفتها الحالية بوصفها واحدةً من فرصها الوحيدة، فهي تعلم أنَّ الفرص لا حدود لها، وبأخذ هذه المعرفة، توفر المال مدة ستة أشهر، وتؤجر شقتها، وتسافر إلى الخارج مدة ثلاثة أشهر.

لماذا هي قادرة على فعل هذا عقلياً؟ ذلك لأنَّها تعلم أنَّ الفرص موجودة في كل مكان؛ إذ يمكن أن تلتقي بزوجها المستقبلي في الخارج، ويمكنها اكتشاف التوجه المثير القادم وبناء مشروعٍ تجاري استناداً إليه، ويمكنها اكتشاف شغفها، ويمكنها العثور على مدينة جديدة تحب العيش فيها، ويمكنها فعل أيِّ شيء.

تستفيد هذه المرأة من الأفكار التي يجهلها تماماً الشخص الذي يمتلك عقلية تركز الاهتمام على الأشياء التي تنقص حياته؛ فبينما عواطف الرجل مُستنزفة إلى الحد الذي يمنعه من أن يحيا حياةً طبيعية، تمتلئ المرأة بعواطف جياشة تأبى معها إلا أن تحيا حياةً طبيعية.

لذلك، بينما ينظر الشخص الذي يركز الاهتمام على ما ينقص حياته إلى مستقبلٍ غير واضح ويشعر بالخوف، ينظر الشخص الذي يركز الاهتمام على الأشياء المتوفرة له إلى مستقبل غير واضح ويستشعر العظمة؛ إذ يعرف الشخص الذي يركز الاهتمام على الأشياء المتوفرة أنَّ الاحتمالات أوسع من أن يؤدي الشخص عملاً لا يثير اهتمامه إثارةً كاملة، فيجب ألَّا يفعلوا أبداً أيَّ شيءٍ لا يحبونه؛ لأنَّ ما يحبونه أصبح قاب قوسين أو أدنى، وبانتظار الكشف عنه.

لذلك، بالنسبة إلى الشخص الذي يركز الاهتمام على الأشياء المتوفرة، لا يقتصر الأمر على السعي وراء ما يحبه فحسب؛ بل اكتشاف فرص أكبر من تلك التي يمكن أن تُمنَح في وظيفةٍ "لا بأس بها"؛ فيأخذ حياته بيديه، معتمداً على نفسه ليصبح ناجحاً، صدِّقني، لن تكتشف أيَّ فرصٍ ذات قيمة إذا كنت تتبع نفس المسار الذي أوصلك إلى الموقف الذي تقول فيه "لا بأس بذلك"، وقد حان الوقت لتغيير مسارك.

لكنَّ الناس ضعيفون للأسف؛ فبالنسبة إلى الجزء الأكبر، لن ينتهز الناس الفرصة ليعيشوا حياة رائعة؛ وذلك نتيجة الخوف من فقدان الضمان بأن يحيوا حياةً عادية، لكن ما الفائدة من الضمان إذا كان سيقيِّد حياتك عند المستوى الجيد، وليس العظيم أو الرائع؟ لا يوجد أيُّ معنى، وما أحاول قوله إنَّه إذا كنت تريد أن تفعل شيئاً، فافعله؛ فلا شيء يجب أن يحل محل طريقك لتحقيق أقصى ما يمكن أن تبلغه في حياتك.

شاهد بالفديو: تعلم كيف تغتنم الفرص بـ 10 خطوات

في الختام:

ذات مرة سأل رائد الأعمال "بيتر ثيل" (Peter Thiel) مجموعة طلاب خلال محاضراته في جامعة "ستانفورد" (Stanford) عن الآتي: "كيف يمكنك تحقيق أهدافك التي تتطلع إلى تحقيقها بعد عشر سنوات خلال ست أشهر؟"، هذا ما يجب عليك أن تسأله نفسك، وهذه هي العقلية التي تركز الاهتمام على الأمور المتوفرة.

إنَّ السبب الوحيد الذي يجعلك لا تعيش أحلامك اليوم، هو أنَّك اخترت عدم القيام بذلك؛ لذا اختر تعزيز قيمة حياتك، واختر أن تعيش الحياة بتلك العقلية، وستصبح أكثر نجاحاً ممَّا لو بقيت على مسارك الحالي وسلكت الطرق الآمنة، ثِق بي.

المصدر




مقالات مرتبطة