لا أحد يستحق التعاطف أكثر من ذاتك

عندما تعاني الفشل أو المشقة أو الاكتئاب؛ فالتَّعاطُف مع الذات هو مهارة عقلية تستطيع أن تساعد على تحسين مرونتك النفسيَّة وتزيد من سعادتك، ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى انخفاض مستويات التوتر والقلق والخوف من الفشل، ويساعدنا التَّعاطُف مع الذات على النظر في المرآة والتعلم من أخطائنا بعيداً عن الأحكام، بدلاً من انتقاد أنفسنا أو تقريعها.



ما هو التَّعاطُف مع الذات؟

التَّعاطُف مع الذات يعني أن تتعامل مع نفسك من خلال التفهم واللين، بدلاً من إطلاق الأحكام والقسوة، وخاصةً عند مواجهة الفشل أو الشعور بعدم الكفاءة أو الإحباط؛ لذا تقول الدكتورة "كريستين نيف" وهي خبيرة في مجال التَّعاطُف مع الذات: "إنَّ التَّعاطُف مع الذات يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسة: اللطف الذاتي والتفهم واليقظة".

اللطف الذاتي هو معاملة أنفسنا بالرعاية التي نتعامل بها مع صديق جيد، ويجب أن نكون لطفاء مع أنفسنا خاصة في اللحظات التي نشعر فيها بالفشل أو بعدم الكفاءة.

التفهم هو الاعتراف بأنَّ كل شخص يمر بلحظات يشعر فيها بالفشل أو بعدم الكفاءة؛ إذ يدعونا هذا المفهوم إلى أن نتذكر أنَّ مع هذه المشاعر التي قد تُشعرنا بالوحدة، فإنَّ أشخاصاً آخرين يشعرون بها أيضاً من وقت إلى آخر.

تتضمن اليقظة فحص الأفكار والمشاعر عندما تأتي وتذهب؛ أي عدم تجاهلها أو قمعها أو الحكم عليها، بل الاعتراف بها والمُضي قُدماً.

الفوائد المحتملة للتعاطف مع الذات:

توجد مجموعة متزايدة من الأبحاث عن فوائد التَّعاطُف مع الذات، فقد وجدت إحدى الدراسات صلة محتملة بينها وبين زيادة الرفاهية، ومنها تحقيق مستويات أعلى من السعادة والتحفيز والتفاؤل ومستويات أقل من القلق والاكتئاب والخوف من الفشل، إضافة إلى ذلك، يقترح مقال في مجلة "بوصلة علم النفس الاجتماعي والشخصي" أنَّ التَّعاطُف مع الذات قد يكون سمة أكثر صحة من احترام الذات؛ لأنَّها تنطوي على قدر أقل من التقييم الذاتي، وقدر أكبر من الدفاع عن الذات وتعزيزها، وعادةً ما ينطوي احترام الذات على مقارنة نفسك بالآخرين، في حين أنَّ التَّعاطُف مع الذات هو ببساطة وسيلة أكثر لطفاً للتواصل مع نفسك.

سبع طرائق لممارسة التَّعاطُف مع الذات:

إنَّها مهارة مثل أي مهارة أخرى وتستطيع بناءها بمرور الوقت بالممارسة والصبر، وفيما يأتي استراتيجيات عدة تستطيع تجربتها:

1. إعادة صياغة الأفكار السلبية:

تُعدُّ إعادة صياغة الأفكار السلبية عن أنفسنا جزءاً أساسياً من التَّعاطُف مع الذات، لكن ربما من الصعوبة القيام بذلك دون أن نكون على دراية بأفكارنا عامة، فملاحظة هذه الأفكار هي الخطوة الأولى نحو تغييرها، مثل تحويل الحديث الذاتي السلبي إلى إيجابي، ويُعدُّ البدء بممارسة اليقظة من الطرائق الفاعلة للقيام بذلك، وربما يكون التأمل الذهني على وجه الخصوص أداة فاعلة.

إقرأ أيضاً: كيف تتجنب دخول الأفكار السلبية إلى عقلك؟

2. مسامحة نفسك:

الجميع يرتكب الأخطاء لأنَّنا جميعنا خطاؤون وغير كاملين، إضافة إلى ذلك، غالباً ما تكون الأخطاء دروساً تعليمية هامة، ومع ذلك، توجد أكثر من طريقة للتعامل مع الخطأ؛ فالطريقة المتعاطفة مع الذات هي مسامحة نفسك والمُضي قُدماً، مع الاستفادة من أي شيء قد تعلمته خلال هذه العملية.

وجدت إحدى الدراسات أنَّ التَّعاطُف مع الذات - وتحديداً مكونات اللطف واليقظة - يرتبط بالتسامح، وقد تساعدك ممارسة جميع العناصر الثلاثة للتعاطف مع الذات على أن تكون قادراً على مسامحة نفسك والآخرين بسهولة أكبر، وقد يساعد التسامح بدوره على تعزيز التَّعاطُف مع الذات أيضاً، وربما تستطيع فتح الباب أمام مجموعة من الفوائد الإيجابية المترابطة بمجرد بدء هذه الدورة.

شاهد بالفيديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟

3. اتِّباع شغفك:

من أنماط التفكير المعيبة التي قد نختبرها عندما نفتقر إلى التَّعاطُف مع الذات هو الاعتقاد بأنَّنا لا نستحق الفرح أو السعادة لأنَّنا غير كاملين وارتكبنا أخطاء، يستحق الجميع تجربة هذه الأشياء السلبية والإيجابية؛ لذا جرِّب استكشاف هوايات جديدة أو خصِّص وقتاً للنشاطات التي اعتدت الاستمتاع بها، سافر أو قابل أشخاصاً جدد أو ابحث عن أشياء تجعلك تشعر بالإثارة والحيوية، إنَّ زراعة الفرح والبحث عنه هي في الواقع جزء لا يتجزأ من التَّعاطُف مع الذات.

4. معاملة نفسك بصفتك صديقاً:

إذا جاء إليك صديق منزعجاً لأنَّه ارتكب خطأ في العمل، أو لم يُقبل في برنامج تقدَّم إليه، أو فشل في التخلص من عادة غير صحية، فكيف سترد؟ على الأرجح، ستقدم له آذاناً مُصغية وبعض كلمات التشجيع، ولن توبخه أبداً أو تخبره بأنَّه فاشل؛ لأنَّك تدرك أنَّ الأخطاء جزء من الحياة وأنَّ جعل شخص ما يشعر بالسوء تجاه أخطائه ليس مفيداً، وأنت تستحق النوع نفسه من اللطف والتفهم عندما تقصر في حياتك.

5. تغذية عقلك وجسمك:

العناية الجيدة بنفسك هي طريقة لممارسة التَّعاطُف مع الذات، من خلال تزويد عقلك وجسمك بكل ما هو مفيد، مثل الطعام المغذي والكلمات المشجعة، فستحصل على الطاقة التي تحتاج إليها لاتخاذ خيارات أكثر إيجابية تجاه نفسك، وبالمثل، فإنَّ تجنُّب العادات غير الصحية والأشخاص السامين يستطيع أن يساهم أيضاً في تحقيق الهدف نفسه.

6. التدرُّب على اللمس الداعم:

تستطيع من خلال القيام بلمسة جسدية لطيفة لنفسك تحفيز الجهاز العصبي السمبتاوي، وهو المسؤول عن مساعدة جسمك على الشعور بالاسترخاء والأمان بعد التعرض للضغط أو الخطر، ففكِّر في كيفية قيام أحد الوالدين أو مُقدِّم الرعاية بوضع ذراعيه حول طفل يستيقظ من حلم سيئ؛ ففي اللمسة الرحيمة والهادئة قوة؛ فقد وجدت إحدى الدراسات أنَّ المرضى الذين قاموا باللمس الداعم قبل الجراحة، كان لديهم قلق أقل عند إجراء العملية.

تستطيع ممارسة اللمس الداعم عن طريق وضع يدك أو يديك كلتيهما على صدرك وأنت تأخذ نفساً عميقاً، وتستطيع أيضاً مداعبة ذراعيك بلطف أو تحريك خدك بيد واحدة، فتوجد خيارات مختلفة عدة؛ لذا قد يكون من المفيد تجربة لمسات مُهدِّئة مختلفة.

7. التواصل مع مُعالِج:

ربما يكون العلاج أداة قوية في تنمية التَّعاطُف مع الذات؛ إذ يستطيع المُعالِج المُدرَّب مساعدتك على تطوير وعي أكبر بأي من أفكارك وردود أفعالك القاسية والحكيمة على تجاربك أو سلوكاتك، ويستطيع أيضاً تزويدك باستراتيجيات لتحويل أنماط تفكيرك نحو أنماط أخرى لطفية وإيجابية.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

تطبيق عملي لفكرة التَّعاطُف مع الذات:

كان حديثي الذاتي في أحيان كثيرة سلبياً لغياب التَّعاطُف مع الذات ومُقوضاً وحتى ساماً، خاصةً في أثناء نوبات الاكتئاب لسنوات، فكَبَتُّ العواطف والأفكار والمشاعر وأخفيت نقاط الضعف؛ لأنَّني لا أريد أن أبدو ضعيفاً، ومن خلال عملي مع مستشار نفسي، كان من أقوى أعمال التَّعاطُف مع الذات التي تعلمت القيام بها هو السماح لنفسي بالبكاء.

قالت مُعالِجتي النفسية: "لا تتفاجأ إذا شعرت برغبة في البكاء في مرحلة ما؛ إذ يتعافى الجسد بعد المرور بتجارب مريرة من خلال البكاء، وعندما يزداد اكتئابك، سيحتاج جسمك إلى التخلص من المشاعر التي كان يحملها لفترة طويلة"، وكان هذا في أوائل العشرينيات من عمري، وغادرت مكتبها نصف ضاحك وأنا أريد الإجهاش بالبكاء.

عُدتُ إلى المنزل وأنا أفكر ملياً في الأمر، ثم ذرفت دمعة ونزلت إلى رقبتي، وسرعان ما أعقب تلك القطرة قطرة أخرى، بقيت في مكان ما بين شفتي وأذني، وشعرت بأنَّني أريد البكاء أكثر، وقد علمت أنَّني بحاجة إلى التعبير أكثر عما في داخلي، ثم بدأت الدموع تنهمر من عينيَّ وانزلقت على وجهي مثل قطرات المطر على زجاج النافذة.

الآن كلما أتتني الرغبة في البكاء، أرى أنَّها واحدة من تلك العلامات الكبيرة الوامضة على جانب الطريق السريع التي تحثني على التباطؤ وتخفيف سرعتي، إنَّها فرصة لأسأل نفسي عما يجري والتواصل مع أفكاري ومشاعري، إنَّها فرصة لتكون مدركاً ومرناً ومتعاطفاً مع الذات.

إقرأ أيضاً: 3 طرق لتحقيق النجاح عن طريق تعزيز التعاطف مع الذات

التشوهات المعرفية عقبة في طريق التَّعاطُف مع الذات:

ربما من المفيد أيضاً التعرف إلى التشوهات المعرفية الشائعة حتى تستطيع البدء في ملاحظة كيفية تأثيرها في أفكارك ومشاعرك، إنَّها ببساطة أنماط فكرية تقدم لنا نظرة مشوهة للموقف، وبينما تستطيع أن تؤثِّر في أي شخص، إلا أنَّها شائعة خاصة لدى المصابين بالاكتئاب.

على سبيل المثال، يستطيع أن يؤدي التشوه المعرفي عند المكتئب إلى الاعتقاد بأنَّه شخص فاشل تماماً إذا حصل على درجة منخفضة في اختبار، أو لم يحصل على الوظيفة التي أجرى مقابلة لأجلها، وعادةً ما ينطوي التشوه المعرفي على حكم قاسٍ على نفسك لعدم كونك مثالياً؛ لذا فالتأمل واليقظة طريقتان لتصبح أكثر انسجاماً مع أفكارك حتى تستطيع ملاحظة مثل هذه التشوهات المعرفية وتصحيحها.

في الختام:

ربما يكون لممارسة التَّعاطُف مع الذات فوائد قيمة لصحتك العقلية وحياتك عامة، وفي حين أنَّ تغيير الأنماط القديمة التي تخص كيفية تعاملك مع نفسك يستغرق وقتاً، فتستطيع تطوير هذه المهارات بمرور الوقت، وستستطيع إحراز تقدم كبير ببعض الصبر والتفاني والنصائح الواردة في هذا المقال.




مقالات مرتبطة