كيفية الهروب من فخ التفكير الزائد

إنَّ الإنسان العاقل يتمتع بالذكاء الشديد؛ ولكنَّه قد يكون غبياً جداً في بعض الأحيان؛ فنحن الكائنات الوحيدة التي يمكنها التفكير بأشياء لم تحدث بعد أو أشياء قد حدثت منذ مدة طويلة ولا يمكن تغييرها أبداً؛ وهذا ما يمنحنا القدرة على حلِّ المشكلات؛ ولكنَّنا نقلق قلقاً فظيعاً في الوقت نفسه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون مارك رايس أوكسلي (Mark Rice-Oxley)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية الهروب من فخ التفكير الزائد.

إنَّ التفكير هو ما منح البشر الهيمنة؛ ولكنَّ الإفراط في التفكير يسبب لنا الإحباط، فقد أدى التفكير النقدي إلى تطوير قضيتنا وأصبح أحد الأمور الأساسية التي تميزنا بوصفنا بشراً؛ ولكنَّ التفكير الاستبطاني - أي تقييمنا الذاتي شبه المستمر (مَن نحن؟ وإلى أين ننتمي؟ ودرجة تفوقنا على الآخرين) - أصبح أحد أكثر جوانب الحياة الحديثة تدميراً.

إنَّنا مستعبدون للأفكار الصارمة المليئة بالأحكام تجاه أنفسنا، وأسْرَى لتفكيرنا الذي يخبرنا بأنَّنا أقوياء وأذكياء وذو أهمية وغير حازمين ووطنيون ويائسون وكبار في السن وبدينون، أو مظلومون أو أنَّنا منسيون، بينما في الواقع قد نكون عديداً من هذه الصفات مدمجة في شخص واحد؛ إذ تشكل هذه النظرة المحدودة عن أنفسنا توقعات مستحيلة لا تؤدي إلا إلى خيبة الأمل، إنَّها تمتد نحو عواطفنا وسلوكنا.

على سبيل المثال، قد يعتقد بعض الآباء أنَّهم السلطة المطلقة في عائلتهم وإذا تحداهم ابنٌ من أبنائهم قد يؤذونه، أو قد يعتقد بعض الشبان اليافعين أنَّهم أقوياء جداً، وأنَّ ما يميزهم هو رجولتهم المفترضة فقط؛ وهذا يوجه سلوكهم العنيف.

شاهد بالفيديو: التخلص من التفكير الزائد

إذا نظرت إلى الحياة نظرة سلبية ستشعر بالاستياء:

يعاقب الناس أنفسهم في أكثر العصور ثراءً وصحةً وازدهاراً التي عرفناها على الإطلاق، من خلال اجترار الأفكار واكتشاف أنَّ حياتهم لا تضاهي حياة الآخرين فينتقلون من خيبة الأمل إلى اللوم.

يشمل الإفراط في التفكير البؤس الشخصي في عصر نشعر فيه بالإغراء والشجاعة لموازنة أنفسنا بالآخرين، على سبيل المثال، المراهقة التي تشعر بالإحباط لموازنة نفسها بالآخرين على حسابها على إنستغرام (Instagram)، أو الشاب المُحبَط من نجاح الآخرين، أو الموظفة التي تشعر بعدم الأمان، أو الشخص المصاب بالوسواس الذي يعتقد أنَّه سيموت من كلِّ شيء.

بمعنى إذا نظرت إلى الحياة نظرة سلبية فستشعر بالاستياء، وإذا وازنت نفسك بالآخرين فستشعر باليأس؛ لذلك لا عجب أن تتفشَّى الأمراض العقلية، ولقد حان وقت الاستيقاظ؛ فالصوت الذي تسمعه في رأسك لا يمثلك؛ بل إنَّه مجرد معلق منفعل يصف أحداث مباراةٍ تُلعَب في داخلك.

جزء كبير من سلوكنا غير محكوم بما يجري؛ وإنَّما بنظرتنا إلى ما يجري، ولكن هذا التفكير لا يستحق الاهتمام لسببين؛ السبب الأول لأنَّه قد يكون خاطئاً؛ إذ إنَّنا بالكاد ما نكون موضوعيين في تقييم أنفسنا، ونبالغ في تقدير كلِّ مواهبنا وإخفاقاتنا، والسبب الثاني هو سواء أكانت هذه التقييمات الذاتية صحيحة أم خاطئة فهي ببساطة غير مفيدة؛ لأنَّها تشعرنا بشعور أسوأ فقط.

نحن بحاجة إلى تكوين علاقة جديدة مع أفكارنا، وبدلاً من رؤية العالم وتجربتنا كما نعتقد أنَّهما ينبغي أن يكونا، نحتاج إلى معاملتهما كما هما في الواقع ونحتاج إلى أن ندرك أنَّنا نفسد يوماً أو أسبوعاً أو لحظة أو علاقة بأفكار وأحكام كارثية، وأن نفهم أنَّه غالباً ما تكون الفكرة هي التي تشعرنا بالاستياء وليس التجربة بحد ذاتها.

لكن كيف نبتعد عن سيل الأفكار السامة أو غير المفيدة أو الخاطئة تماماً؟  يمكن أن تساعدك الرسائل المرئية؛ إذ يمكنك لصق ورقة على شاشة الكمبيوتر مثل كلمة "تفكير" على سبيل المثال أو كتابتها على شاشة التوقف على الهاتف، وبالنسبة إلي أنا أرتدي سوار معصم أسود لتذكيري لماذا أفعل ذلك ويمكنك أيضاً تكوين عادة؛ أي اعتد على ملاحظة أو قول الأفكار الثلاثة الأولى التي تراودك حالما تستيقظ كلَّ يوم، فهل هي وظيفية، أم عملية، أم عادية، أم أنَّها مليئة بالأحكام أو القلق أو العقاب؟

لحسن الحظ بدأت بعض المدارس في تعليم هذا العنصر الهام من المرونة النفسية، ويجب أن يكون أمراً إلزامياً في المدارس الثانوية؛ فالتطبيقات التي لا تعد ولا تحصى التي تعلم ممارسة الحضور الذهني في اللحظة الراهنة هي نقطة بداية أخرى وتساعدنا على تنمية حس المراقبة بدلاً من تلك التي تبالغ في التفكير.

لذا نحتاج إلى قبول ما نفعله والاحتفاء به بدلاً من الهوس والغضب بشأن الأشياء التي لا نملكها، ونحتاج إلى توجيه انتباهنا إلى الأشياء التي يمكننا التأثير فيها بدلاً من القلق بشأن الأشياء التي لا يمكننا السيطرة عليها - آراء الناس عنا على سبيل المثال - وترك الباقي كما هو.

إقرأ أيضاً: 9 استراتيجيات للتغلب على الانشغال بالتفكير الزائد

في الختام:

دعنا نأخذ الأمور كما هي ببساطة بدلاً من الحكم على بعضنا بعضاً أو على أنفسنا، ودعنا نقبل حقيقة أنَّ بعض الأشياء لن تسير كما نتمنى دائماً بدلاً من إفساد وقتنا القصير من خلال وضع توقعات معينة لسير الأشياء من وظائفنا إلى حياتنا العاطفية وأطفالنا إلى آفاقنا، فأنت أعلى شأناً ممَّا تظن.




مقالات مرتبطة