كيفية الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ظروف الحياة المختلفة

يبحث جميع المُقدِمين على الزواج عن الاستقرار، عن الحياة الهادئة الوادعة برفقة شريك مُحبٍّ وأطفال لطفاء يتراكضون ويملؤون البيت ضحكاً، ولكنَّ الزمان لا يؤتمن جانبه، وظروف الحياة قد تقسو وتهدد استقرار سفينة العائلة، مُسلِّمة إياها لأمواج الهموم تتقاذفها يمنة ويسرة.



في خضمِّ هذه المرحلة العصيبة وتقلُّبها بين مدٍّ وجزرٍ يصبح الحفاظ على استقرار العلاقة الزوجيَّة أمراً صعباً، يغيب في طيات الانشغال بحلِّ المشكلات المتلاطمة والتفكير في الاحتياط لما هو قادم منها؛ لذلك قرَّرنا كتابة هذا المقال عن كيفية الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة؛ ليكون طوقَ نجاةٍ لجميع المُبحِرِين في عرض الزواج والحياة المشتركة.

كيفية الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة:

قد يظنُّ بعض الأشخاص أنَّ العلاقة الزوجيَّة المثالية هي تلك التي نراها في الدراما المدبلجة؛ زوج رومنسي وأنيق، وزوجة ممشوقة القوام وذكية، وأطفال مميزون بوصفهم نتيجة طبيعية لتزاوج هذين الكائنين المثاليين يعيشون في قصر أبيض مرتاحي البال.

لكنَّ العلاقة الزوجيَّة المثالية الحقيقية، والتي يمكن أن نراها على أرض الواقع تكون على شكل زوجين ممسكَين بأيدي بعضهما بعضاً مجازاً، يتقاسمان مرارة الحياة وحلاوتها، ويمرَّان كأي مخلوقَين طبيعيَّين بحالات ارتفاع وانخفاض في المزاج واستقرار العلاقة والظروف، ولكنَّهما يبقيان متمسكَين ببعضهما رغم كل شيء، فلا الشدة تفرقهما ولا الرخاء يشتتهما، ولا سبب وراء ذلك إلا الحب وحده والشعور بالاكتمال بقرب الآخر.

من أجل الوصول إلى هذا المستوى من الإيمان بالعلاقة الزوجيَّة لا بد من اتِّباع الطرائق الحياتية الآتية:

1. بناء الثقة:

لا يمكن أن تكون الحياة هانئة بين الزوجين دون أن يثق كلٌّ منهما بالآخر، وفي غياب الثقة تتحوَّل الحياة الزوجيَّة إلى جحيم لا يطاق من الشكوك والمخاوف؛ لذا فإنَّ الثقة عنصر أساسي من أجل الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة.

وجود الثقة بين الزوجين ضروري في السراء والضراء على حدٍّ سواء، ففي السراء من الضروري أن يثق كل من الزوجين بأنَّ شريكه لن يؤخذ بمتع الحياة للانشغال عنه، أو القيام بفعل ما من شأنه أن يدمِّر العلاقة كالخيانة الزوجيَّة مثلاً، وفي الضراء يضمن وجود الثقة إيمان كل من الزوجين بالجهود التي يبذلها الآخر في سبيل النجاة بمركب الأسرة والحياة الزوجيَّة.

إنَّ ظروف الحياة قد تتطلب سفر أحد الزوجين، أو تفويض أحدهما للآخر بالتصرف بممتلكاته، أو اتكال أحد الشريكين على شريكه في أداء مهمة ذات تأثير مصيري في حياة الأسرة، ولن تنجح العلاقة الزوجيَّة في اجتياز هذه الاختبارات الحياتية إذا ما غابت الثقة بين الزوجين.

شاهد بالفيديو: 8 أمور تجلب الاحترام بين الزوجين

2. تقبُّل الآخر:

إنَّ تقبُّل كل من الشريكَين لشريكه يعدُّ من أساليب الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة؛ لأنَّ محاولة تغيير الآخر وفرض تحديثات جديدة على شخصيته من شأنها أن تكون مدمِّرة للعلاقات الزوجيَّة.

على سبيل المثال نورد مشهداً تكرر في الدراما، إذ يتزوج شريكان ينتمي كل منهما إلى طبقة اجتماعية مختلفة، يتناسى العاشقان الاختلافات الجذرية الموجودة بينهما في مرحلة الحب، ليأتي الزواج ويظهر هذه الاختلافات على شكل شروخ عميقة في العلاقة.

في مثل هذه الحالات يكون التصرُّف البديهي عبر ضغط أحد الشريكين على الآخر لسحبه إلى مستواه، كأن يطلب الغني من الفقير أن يتعلَّم إتيكيت الطبقة المخملية، أو أن يفرض الفقير على الغني النزول من برجه العاجي والتطبع بطباع لم يعتد عليها، وهذا الإلحاح على التحول القسري السريع لن تكون عواقبه محمودة على العلاقة، بل سيسبب ضعضعة في بنيانها، والأجدر في مثل هذه الحالات تقبُّل الشريك لشريكه، واحترام المنشأ والجبلة التي نشأ فيها، وترك موضوع التغيُّر اختيارياً بالنسبة إليه.

3. الإيمان بالعلاقة:

من الضروري الإيمان بقوة الشراكة من أجل الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة، فأي نجاح زوجي يُرجى في علاقة تجد من أي مطب حياتي سبباً وجيهاً لانتهائها؟

على الشريكين أن يؤمنا بأنَّ الحياة الزوجيَّة تعني المشاركة في الهموم والأفراح، وأنَّ الصعاب مهما تتالت عليها فلن تستطيع النيل منها، وأنَّ العلاقة تمتلك من المقومات ما يخولها لتجاوز المحنة وكل محنة قادمة.

يجب أن يكون هذا الإيمان موجوداً لدى كل من الشريكين، فلا يبادر أحدهما الآخر بعبارة: "يجب أن نفترق"، عند كل أزمة تمر العلاقة بها، بل على النقيض من ذلك يجب التمسك بها وفتح صفحات جديدة والقيام بمحاولات عديدة من أجل الحفاظ عليها، وخاصة في حال وجود الأطفال، ولكن وفي حال تحولت العلاقة الزوجيَّة إلى علاقة سامة قائمة على استغلال طرف للآخر واضطهاده، فهنا يصبح القول مختلفاً.

4. تقديم الاهتمام:

إنَّ الاهتمام هو لغة هامة من لغات التعبير عن الحب، وهو عنصر ضروري من أجل الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة.

إنَّ للاهتمام أشكالاً عديدة، أبسطها أن يطمئن الشريك على شريكه في حالات المرض أو التعب والضغط النفسي، أو أن يعدَّ له طبقاً يحبه، أو يفعل له شيئاً يجلب له السعادة أو الراحة، وصولاً إلى تذكر الأحداث الهامة التي تخص الشريك مثل ذكرى ميلاده.

لا يجب أن تشغل الأعمال والهموم الحياتية وتربية الأطفال الشريكَين عن تقديم الاهتمام لبعضهما، وسوء الأحوال المادية ليس مبرراً أبداً لتحوُّل الشريك إلى شخص هامشي في الحياة، فلكل شخص طرائق تشعره باهتمام الآخر به عليه أن يوضِّحها له.

على سبيل المثال، أن يخبر الزوج زوجته أنَّ إعداد فنجان من القهوة له في الصباح تعبير عن الاهتمام، وأن تخبر الزوجة زوجها أنَّ قضاءه بعض الوقت بصحبة الأطفال ليتسنى لها الخروج مع صديقاتها دلالة اهتمام بها وبمشاعرها؛ وبذلك تكون لدى الشريك أدوات في تعزيز العلاقة مع شريكه وتقويتها.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد على زيادة الحبّ بين الزوجين

5. التواصل:

الحوار والنقاش والتواصل جميعها أشياء ضرورية جداً من أجل الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة؛ والتواصل يعني أن يفتح الشريك كتاب قلبه أمام شريكه، فيخبره أنَّ أمراً ما يقلقه، أو أنَّ أمراً ما يزعجه أو يحيره، ليكون الشريك بئراً أميناً لأسرار شريكه، وشخصاً حكيماً يستطيع تقديم كافة أنواع الدعم من أجل تجاوز الأمر وحل المشكلة.

إنَّ أكثر ما يعزز عملية التواصل هو حسن الظن بالشريك، الذي لن يكون جلاداً يقرعك على أخطائك، ولا شامتاً لما حدث لك، ولا مستهزئاً بك أو بشعورك وأسبابك، وإنَّ هذا الاحتواء يشجع الآخر على اللجوء إليك والتواصل معك من أجل صنع قرارات مشتركة تصب في مصلحة مؤسستكما الزوجيَّة.

إقرأ أيضاً: هل أنت جاهز لتصغي: مشكلة قلة الإصغاء بين الأزواج

6. الوضوح في التعبير:

الغموض والكتمان يعدَّان من مدمِّرات أي علاقة، وهذا ما يجعل الوضوح عنصراً هاماً للحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة.

إنَّ الوضوح ينطوي على حرية القول بشرط التزامه بمبادئ الاحترام، وهو يمنع انزلاق تفكير الآخر نحو الحيرة والتكهن، وإنَّ الوضوح هو الطريق المستقيم الذي يفضي إلى استقرار العلاقة الزوجيَّة، وأي مواربة أو كتمان يعني دخول الزواج في متاهة مجهولة البداية والنهاية.

لا تدع زوجتك تغرق في ظنونها بشأن تأخُّرك اليومي عن المنزل، أخبرها السبب، ولا تدعي زوجك يضرب الأخماس بالأسداس من أجل اكتشاف سبب جفاف تعاملك معه وصمتك المفاجئ، أخبريه بلباقة ووضوح فقط وضعي حداً لحالة الضباب التي تلف يومكما.

7. الامتنان:

لا شعور يعلو على شعور المرء بالتقدير من قبل الآخرين، إنَّها لحظة لا تُقدَّر بثمن تلك التي يشكر فيها الشريك جهود شريكه ويبارك مساعيه في إنجاح أمر متعلِّق بالعلاقة، وإنَّ الامتنان لجهد الآخر يعدُّ من أساليب الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة.

إذا كان عمل زوجك جيداً ويحقق مدخولاً ممتازاً للأسرة كوني ممتنة له على جهده، وإن كان عمله مضنياً يعود عليكم بمردود قليل بالكاد يسد حوائجكم كوني ممتنة له أيضاً على بذله كل ما بوسعه، وإن عدتَ إلى منزلك ووجدت بيتك نظيفاً وعشاءك جاهزاً وأطفالك مسرعين نحوك ليروك درجاتهم الكاملة كن ممتنَّناً لزوجتك على ما تبذله من جهود، ولو كانت الجهود في كلا الحالتين واجبات.

8. التفاؤل:

إنَّ بعد العسر يسراً، وإنَّ بعد الضيق سيأتي الفرج، هذا ما يجب أن تفكرا به في أثناء مواجهتكما لظروف الحياة الصعبة؛ لأنَّ التفاؤل هو طوق نجاة يأخذ بيد مستقبلكما المشترك ويساعدكما على الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة.

كل مرض يليه شفاء، وكل ضائقة مادية يليها الفرج، هذا ما يجب أن توقنا به، وهذا ما سيساعدكما على تذليل الصعاب للوصول إلى برِّ الأمان، فلا شيء أقسى على الزواج من التشاؤم، إنَّه يشد العلاقة نحو الحضيض؛ لذا أحسنا ثقتكما بالله وقدرته على تدبُّر الأمور واختيار الأفضل لكما وتفاءلا.

إقرأ أيضاً: نصائح لحماية علاقتك من الضغوطات

9. تجنُّب المقارنة:

"زوج صديقتي راتبه أفضل من راتبك"، "زوجة صديقي حافظت على رشاقتها بعد الإنجاب ولم تصبح بدينة مثلك"، إنَّ المقارنة هي أسرع سلاح مدمِّر لعلاقتكما الزوجيَّة فتجنباها، وإنَّ لكل علاقة بين زوجين ميزات وعيوب، وبالتأكيد لن يسعى الأشخاص إلى إظهار عيوب علاقتهم؛ لذا فإنَّ عدم رؤيتكما لها لا يعني غيابها أبداً، وفي علاقتكما التي تتذمران منها أحياناً نقاط إيجابية كثيرة تثير حسد الآخرين وغبطتهم؛ لذا ركِّزا عليها وعلى النصف الممتلئ من الكأس، ودعكما من التركيز على علاقات الآخرين إذا ما أردتما الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من هوس مقارنة نفسك بالآخرين؟

في الختام:

إنَّ الحفاظ على العلاقة الزوجيَّة في ضوء ظروف الحياة المختلفة هو مسؤولية الطرفين، وليست عبئاً ملقى على عاتق أحدهما يُعفى الآخر منه؛ لأنَّ العلاقة الزوجيَّة مبنية على الشراكة في كل تفاصيلها، فحتى النجاة بها هو مسؤولية مدرجة ضمن الشراكة أيضاً.




مقالات مرتبطة