كيفية التعامل مع الصدمات النفسية والتعافي منها

يتعرَّض الإنسان خلال حياته لعقبات كثيرة وتجارب عديدة ومواقف مختلفة، وتترك آثاراً سلبية في نفسيته؛ إذ إنَّ بعضاً منها يشارك في تكوين شخصيته، لكن يُعدُّ ذلك أمراً عادياً، فمن منا لم ينشب خلافاً بينه وبين صديقه أو جاره أو أحد أفراد عائلته أو خسر وظيفة يريدها، وما شابه ذلك من الأحداث التي تسبَّبت له بضيق وحزن؛ لكنَّ الإنسان يستطيع تجاوزها بمساعدة الأشخاص المقربين له، أما الحالات التي لا يستطيع تجاوزها بسهولة، والتي تسمى بالصدمة النفسية، فهي ناتجة عن أحداث سيئة في حياته، مثل تعرضه للاعتداء الجسدي أو الاغتصاب أو لحادث سير أليم، أو الإصابة بمرض خطير أو موت شخص عزيز.



في هذه الحالات يُعدُّ الأمر أشد خطورة ويحتاج الإنسان إلى فترة من الزمن يهتم فيها بنفسه ليتخلص من أعراضها، ومقالنا الحالي يوضح لك كيفية التحسن النفسي بعد التعرض للصدمات لتتمكن من مساعدة نفسك أو الآخرين ممن تعرضوا لصدمات نفسية.

الصدمة النفسية وأعراضها:

الصدمة النفسية هي استجابة جسم الإنسان اللاإرادية لحدث سيئ وقاسٍ ومرهق جداً، وأكبر من قدرة الإنسان على الاستيعاب فلم يسبق أن تعرض له؛ لذلك كثيراً ما نرى حالات الصدمة النفسية خلال الحروب والكوارث الطبيعية، فمثلاً في سوريا في المدة الأخيرة وتحديداً في شهر شباط من عام 2023م تأثَّرت المنطقة بزلزال تسبَّب بخسارة ناس كثيرين لأفراد عائلتها ولمنازلها وعملها، فنتج عن ذلك صدمات نفسية لأشخاص كثيرين من داخل المناطق التي تعرضت للزلزال وخارجها، فكلما حدثت هزات ارتدادية بعد تلك الحادثة نسمع عن أشخاص تأذوا نتيجة وقوعهم من طوابق عالية في أثناء محاولتهم الخروج من البناء فضلاً عن ناس كثيرين، ممَّن يعانون حتى وقتنا الحالي من صعوبة في النوم وقلق وتوتر مستمر.

أما عن أعراض الصدمة النفسية فهي كما يأتي:

1. الأفكار السلبية:

التعرض لصدمة نفسية يؤدي إلى سيطرة الأفكار السلبية والمشاعر السلبية أيضاً على تفكير الفرد، مثل الحزن والغضب والكره والشعور بالذنب.

2. استعادة الأحداث السيئة باستمرار:

الشخص الذي تعرض لحدث مؤلم يستحضر الذكريات ويعيد الحدث في ذهنه باستمرار.

3. تجنُّب الأشياء المزعجة:

بعد التعرض للصدمة النفسية يتجنب الفرد المكان الذي حدثت فيه الصدمة أو الأشخاص أو كل شيء يتعلق بالحادث المؤلم.

4. تغيرات نفسية:

إذ يشعر الفرد بالتوتر باستمرار أو القلق في أثناء النوم ويشعر بأنَّه في حالة تنبه للخطر، وقد يترافق ذلك مع نوبات من الهلع والغضب.

كيفية التعامل مع الصدمات النفسية والتعافي منها:

توجد طرائق عديدة تساعد على التحسن النفسي بعد التعرض للصدمة، أهمها ما يأتي:

1. العلاج النفسي:

المضاعفات التي تحدث بعد التعرض للصدمة النفسية من أوجاع جسدية كالصداع أو آلام المعدة أو القلب تجعل الإنسان في أمسِّ الحاجة إلى العلاج النفسي، ويتم ذلك بعد تشخيص حالته على أنَّها اضطراب ما بعد الصدمة؛ من خلال إجراء فحص بدني وتقييم للحالة النفسية، ومن أنواع العلاج النفسي نذكر ما يأتي:

1. العلاج المعرفي:

يعتمد هذا النوع من العلاج على مناقشة المريض والتحدث عن الأفكار السلبية التي تراوده وتعليمه كيفية الابتعاد عنها واستبدالها بأفكار تبعث السعادة في نفسه.

2. العلاج بالتعرُّض:

ويفيد هذا النوع من العلاج في علاج الأشخاص ممن يعانون كوابيس تتعلق بذكريات الماضي؛ إذ تُستخدم برامج الواقع الافتراضي وتعريض الشخص للموقف الذي تسبَّب له بالصدمة النفسية، لكن في بيئة آمنة فيصبح مستوى الخوف لديه أقل مرة عن مرة.

3. العلاج بالمجموعات:

الإنسان عادة يرتاح بوجوده ضمن مجتمع مشابه له في الأفكار والأمنيات ووجهات النظر؛ لذلك يمكن علاج اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية من خلال مشاركة الشخص للأشياء التي تسبَّبت في تعرضه للصدمة النفسية مع أشخاص مروا بالتجربة نفسها، فلا يشعر أنَّه وحيد لوجود أشخاص شعروا بما يشعر به تماماً.

4. إزالة التحسس وإعادة المعالجة لحركة العينين:

وهذا النوع من العلاج النفسي يجمع بين العلاج بالتعرض وسلسلة من حركات العينين التي تجعل الشخص أكثر قدرة على معالجة الذكريات السلبية.

5. العلاج بالأدوية:

توجد أدوية عديدة تساعد على الخروج من الصدمات النفسية؛ إذ تعالج الاضطرابات المرافقة لها مثل أدوية مضادات الاكتئاب التي تعالج الاكتئاب وتفيد في التخلص من مشكلات التركيز والنوم، والأدوية المضادة للقلق التي توصف عندما يعاني مَن تعرَّض للصدمة النفسية من قلق، إضافة إلى أدوية تساعد على التخلص من الكوابيس، وجميع الأدوية السابقة تؤخذ بموجب وصفة طبية ومع مراقبة الأطباء؛ لأنَّها قد تتسبب بالإدمان في حال أخذها المريض لفترة طويلة.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح للتعافي من الألم العاطفي

2. تجنُّب العزلة:

عند التعرض لصدمة نفسية يفضل الشخص عادةً الابتعاد عن الناس وعزل نفسه في منزله أو غرفته، والامتناع عن القيام بالواجبات والأعمال اليومية لظنِّه أنَّ المحيطين لا يستطيعون مساعدته أو لا يتفهمون ما يشعر به؛ لكنَّ العزلة تزيد الأمر سوءاً، وتؤدي إلى الاكتئاب حتماً؛ لذا فالتصرف الصحيح هو متابعة التواصل مع الآخرين والذهاب إلى العمل بالشكل المعتاد؛ فالعمل يشتت الذهن عن التفكير بالأفكار السلبية.

إقرأ أيضاً: العزلة الاجتماعية: أنواعها، وأسبابها، وأعراضها، وطرق علاجها

3. بذل الجهد البدني:

كشفت دراسات عدة أنَّ بذل الجهد البدني يساعد مساعدة كبيرة على التخلص من الاضطرابات التي يعانيها الفرد بعد التعرض للصدمات النفسية؛ لذلك ينصح من تعرض لصدمة نفسية بممارسة الرياضة يومياً لمدة 30 دقيقة على الأقل؛ إذ تفيد الرياضة بما يأتي:

  • تزيد من إفراز الإندورفينات وهي مواد كيميائية تعطي الإنسان شعوراً بالراحة.
  • تقلِّل من مستوى هرمون التوتر في الجسم وتحسِّن المزاج عامة؛ لأنَّها تسبِّب تغيرات فورية في مستوى الهرمونات وخاصة الدوبامين والسيروتونين.
  • تساعد الإنسان على التخلص من الأرق والحصول على نوم مريح.

في حال كنت لا تحب القيام بالتمرينات الرياضية فيمكن الاكتفاء بالمشي، ويفضل أن يكون في الهواء الطلق أو ركوب الدراجة أو اليوغا.

4. الاعتراف بالمشاعر:

يظن بعض الأشخاص أنَّ تجاهل المشاعر يؤدي إلى نسيانها؛ لكنَّه اعتقاد خاطئ؛ إذ تعود المشاعر للظهور في الأوقات غير المناسبة أو عند التعرض لمواقف مشابهة للمواقف التي تسبَّبت بالصدمة النفسية؛ لذلك يجب الاعتراف بالمشاعر والتحدث عنها عندما تستطيع ذلك، فمن الطبيعي أن يلتزم الإنسان الصمت لفترة قصيرة بعد حدوث الصدمة النفسية، لكن يجب ألا تطول الفترة فالخطوة الأولى للتعافي والعلاج هي الاعتراف بالمشاعر والأفكار السلبية ومواجهتها.

إقرأ أيضاً: 4 ممارسات للاعتراف بالألم والاستمرار في الحياة

5. طلب الدعم من الآخرين:

لا تتردد في طلب المساعدة من صديق أو أحد أفراد العائلة أو شخص تثق به وبمحبته لك وبرغبته في التعافي من صدمتك؛ لأنَّ الإنسان يصبح أقوى بمساندة الآخرين له.

لذلك حاول أن تقضي أكبر وقت ممكن مع أصدقائك، وحاول القيام بنشاطات مسلية معهم مثل الخروج في نزهة أو الذهاب في رحلة إلى أماكن لم تسبق لك زيارتها أو حضور حفلات، وتستطيع الانتساب إلى الجمعيات الخيرية ومساعدة الآخرين؛ فالإنسان يرتاح ويسعد عندما يشعر بأهمية وجوده وبأنَّه فاعل ويستطيع أن يساعد الآخرين؛ فالإنسان لا يسعد عندما يأخذ ما يريد بقدر ما يسعد عندما يعطي ويساعد من يحتاج إلى المساعدة.

6. الابتعاد عن الأشياء الضارة بالصحة:

يلجأ بعض الناس عند تعرضهم لحالات نفسية وصدمات إلى تناول الكحوليات أو المخدرات لينسوا الأحداث السيئة؛ لكنَّ هذه الأشياء تُعدُّ بمنزلة السم بالنسبة إلى الجسم؛ إذ تترك آثاراً سلبية أسوأ من آثار الصدمة النفسية؛ لذلك احذرها جيداً، أو قد يلجأ بعض الناس إلى تناول الطعام بشراهة عند التوتر وخاصة الوجبات الجاهزة أو الحلويات والسكريات المصنعة، والتي تساعد على كسب الوزن بسرعة، وكما نعرف فإنَّ الوزن الزائد يُتعب القلب والمفاصل، ويتسبَّب في ضيق التنفس وغيرها من الأضرار؛ لذلك احرص على تناول الغذاء الصحي المتوازن قدر المستطاع، إضافة إلى محاولة النوم لعدد ساعات كافٍ كي تساعد جسدك على الاسترخاء.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة للحصول على الإسترخاء

7. تقييم حياتك:

يظن الإنسان نفسه بعد التعرض لصدمات نفسية بأنَّه الأكثر تعاسة والأسوأ حظاً على سطح الكرة الأرضية، وللتخلص من هذا الشعور فكِّر بحياتك جيداً، وبما تمتلك من أشياء أو عمل أو أصدقاء وحاول التركيز على الأشياء الإيجابية فقط لتتمكن من الاستفادة منها والتنعم بها.

في الختام:

تنتج الصدمات النفسية عن التعرض لأحداث مؤلمة وقاسية كالحرب أو فقدان شخص عزيز وغيرها من الأحداث المحتمل حدوثها مع أي فرد منا، والتي تتسبَّب بآثار نفسية سيئة جداً مثل القلق والتوتر والاكتئاب؛ لذلك يجب العمل على التخلص منها من خلال العلاج النفسي.

توجد أشكال عديدة للعلاج النفسي مثل العلاج بالتعرُّض أو العلاج المعرفي أو العلاج باستخدام الأدوية، لكن يحدَّد الاختصاصيون فقط نمط العلاج، ويساعدك تجنب العزلة في المنزل والعودة إلى الحياة الطبيعية وطلب المساعدة من الأشخاص المقربين، على التعافي من الاضطرابات النفسية، فلا مانع من الاعتراف لهم بالمشاعر والأفكار السلبية؛ لأنَّ تجاهلها لا يؤدي إلى زوالها كما يظن بعض الناس.

لقد أثبتت الدراسات أنَّ الرياضة تؤدي دوراً كبيراً في تحسين المزاج والحالة النفسية؛ لذلك ينصح بممارستها يومياً؛ إضافة إلى الالتزام بالغذاء الصحي المتوازن والابتعاد عن الوجبات الجاهزة والكحوليات والمخدرات وغيرها من الأشياء الضارة بالصحة، وفكِّر دائماً أنَّ كل إنسان يمتلك جوانب إيجابية في حياته تميزه عن غيره؛ فحاول التركيز على الإيجابيات دائماً مهما حصل.




مقالات مرتبطة