كيفية استثمار الإنترنت والتكنولوجيا في التعلم المستمر

يُعدُّ التعلم المستمر أمراً ضرورياً للنمو الشخصي والمهني في عالم اليوم سريع الخُطا والمتغير باستمرار، ويُعدُّ التعلم الذاتي والقدرة على التعلم وحدك، مهارة هامة تمكِّن الأفراد من التحكم في عملية التعلم الخاصة بهم، ولقد أحدثَ ظهور الإنترنت والتكنولوجيا ثورة في طريقة تعلُّمنا، وفتحَ فرصاً جديدة للتعلم الذاتي.



سنتعرف في هذا المقال إلى مفهوم التعلم الذاتي، وكيفية استثمار الإنترنت والتكنولوجيا في التعلم المستمر، إضافة إلى التحديات والمخاطر التي ينطوي عليها ذلك.

مفهوم التعلم الذاتي:

التعلم الذاتي هو قدرة الفرد على اكتساب المعرفة والمهارات وحده دون أن يُدرِّسها معلم أو اتباع منهج منظم، إنَّه ينطوي على تحمل المسؤولية عن عملية التعلم الخاصة بالفرد، وتحديد الأهداف، والبحث عن الموارد لتحقيق تلك الأهداف، والمتعلم الذاتي هو الشخص الذي يأخذ زمام المبادرة للتعلم ويُحفِّزه الفضول الشخصي أو العاطفة أو الرغبة في تحسين الذات.

خصائص المتعلم الذاتي:

تتمثل إحدى الخصائص الرئيسة للمتعلم الذاتي في قدرته على تحديد احتياجات التعلم الخاصة به وتطوير استراتيجياته الخاصة.

يمتلك عقلية نمو وينظر إلى الأخطاء والفشل على أنَّها فرص للتعلم والاستمرار، ولديه دوافع ذاتية، ومنضبط، وقادر على إدارة وقته بفاعلية والاستمرار في مواجهة التحديات.

فوائد التعلم الذاتي:

توجد فوائد عديدة للتعلم الذاتي، إليك بعضها:

1. يتمتع المتعلمون الذاتيون بقدر أكبر من التحكم في تعلمهم:

ويستطيعون تكييف تجربة التعلم الخاصة بهم وفقاً لاحتياجاتهم واهتماماتهم الفردية، وينتج عن هذا تجربة تعليمية أكثر تخصيصاً وأكثر جاذبية وذات مغزى.

2. يُعزِّز التعلم الذاتي عادات استمرار التعلم مدى الحياة وحب التعلم:

ممَّا قد يؤدي إلى التطوير الشخصي والمهني المستمر.

3. يطوِّر التعلم الذاتي مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات:

إذ يُطلب من المتعلمين الذاتيين أن يكونوا مفكرين مستقلين وأن يجدوا حلولاً للمشكلات بأنفسهم.

مزايا الإنترنت في التعلم الذاتي:

أحدثَ الإنترنت ثورة في طريقة تعلمنا؛ إذ قدَّم ثروة من الموارد والفرص للتعلم الذاتي، ولقد جعل التعليم أكثر سهولة ومرونة وملاءمة من أي وقت مضى، وهذا مكَّن المتعلمين من الوصول إلى المعرفة والتفاعل مع الخبراء والمختصين من جميع أنحاء العالم.

1. الوصول إلى موارد هائلة:

حيث يوفِّر الإنترنت مجموعة لا حصر لها من المعلومات والموارد عن أي موضوع يمكن تخيله تقريباً، ويمكن للمتعلمين الوصول إلى الدورات التدريبية عبر الإنترنت والبرامج التعليمية والمدونات ومقاطع الفيديو والبودكاست والموارد التعليمية الأخرى ببضع نقرات فقط، وهذا يجعل من السهل على المتعلمين العثور على المعلومات التي يحتاجون إليها والتعلم بالسرعة التي تناسبهم.

2. التعلم التفاعلي:

هو ميزة أخرى للإنترنت في التعلم الذاتي، وتوفِّر منصات التعلم وأدواته عبر الإنترنت ميزات تفاعلية، مثل الاختبارات والتقييمات والمحاكاة التي تعزِّز تجربة التعلم، ويمكن للمتعلمين أيضاً التفاعل مع المدربين وزملائهم من خلال المنصات ومنتديات المناقشة عبر الإنترنت، والتي توفر فرصاً للتعاون والتغذية الراجعة.

3. التعلم التعاوني:

أصبح التعلم التعاوني ممكناً أيضاً عن طريق الإنترنت، ويمكن للمتعلمين التواصل مع أقرانهم وخبراء من جميع أنحاء العالم من خلال المجتمعات عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ويتيح ذلك للمتعلمين مشاركة الأفكار والتعاون في المشاريع والتعلم من تجارب ووجهات نظر بعضهم بعضاً.

4. المرونة والراحة:

المرونة والراحة من المزايا الأخرى للتعلم الذاتي على الإنترنت، ويمكن للمتعلمين الوصول إلى الموارد التعليمية في أي وقت وفي أي مكان، إن كان لديهم اتصال بالإنترنت، وهذا يجعل من السهل على المتعلمين ملاءمة التعلم في جداولهم المزدحمة والتعلم بالسرعة التي تناسبهم.

شاهد بالفديو: 7 خطوات لجعل التعلم الذاتي فعالاً

كيفية استثمار الإنترنت والتكنولوجيا في التعلم المستمر:

يمكن استثمار الإنترنت في التعلم المستمر عن طريق الأدوات التي يوفرها، وتشمل أدوات التعلم الذاتي على الإنترنت وموارده الدورات التعليمية، والدروس التعليمية، والكتب الإلكترونية، والكتب الصوتية، والمجتمعات عبر الإنترنت ومنتديات المناقشة، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات عبر الإنترنت.

  • تقدم الدورات والبرامج التعليمية عبر الإنترنت خبرات تعليمية منظمة؛ من خلال محاضرات الفيديو والتقييمات والتعليقات، وتوفر الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية للمتعلمين إمكانية الوصول إلى مكتبة واسعة من المعرفة ويمكن قراءتها في أثناء التنقل.
  • تمكِّن المجتمعات ومنتديات المناقشة عبر الإنترنت المتعلمين من التواصل مع الآخرين ومشاركة الأفكار والمعرفة.
  • توفر وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات عبر الإنترنت فرصاً للتعلم غير الرسمي والتطوير المهني.
إقرأ أيضاً: 4 استراتيجيات للتعلم المستمر

كيفية استثمار التكنولوجيا للتعلم المستمر:

أدت التكنولوجيا أيضاً دوراً هاماً في إحداث ثورة في الطريقة التي نتعلم بها، وهذا جعلها أكثر سهولة من أي وقت مضى، ومن تطبيقات الأجهزة المحمولة إلى محاكاة الواقع الافتراضي، تقدم التكنولوجيا مجموعة واسعة من الأدوات والموارد يمكن استثمارها للتعلم المستمر.

إحدى مزايا التكنولوجيا في التعلم الذاتي هي القدرة على التعلم في أي وقت وفي أي مكان، ويمكن استثمارها في التعلم المستمر من خلال أدواتها، مثلاً:

  • تسمح الأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية للمتعلمين بالوصول إلى الموارد التعليمية في أثناء التنقل وفي أي وقت، وهذا يجعل التعلم أكثر سهولة ويسهل الوصول إليه، وتوفر التطبيقات والبرامج للمتعلمين خبرات تعلم تفاعلية مُصمَّمة خصيصاً لاحتياجاتهم واهتماماتهم الفردية.
  • يُعدُّ التعلم التكيفي ميزة أخرى للتكنولوجيا في التعلم الذاتي، ويستخدم برنامج التعلم التكيفي الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التعلم الآلي لتخصيص تجربة التعلم لكل متعلم ذاتي، ويتيح ذلك للمتعلمين التقدم وفقاً لسرعتهم الخاصة وتلقي التعليقات والدعم المُصمَّم خصيصاً لاحتياجات التعلم الفردية الخاصة بهم.
  • تُعدُّ الألعاب طريقة أخرى قد تُعزِّز بها التكنولوجيا التعلم الذاتي، وتستخدم خبرات التعلم المبنية على الألعاب آليات اللعبة وعناصرها لجعل التعلم أكثر جاذبية ومتعة، وقد يزيد هذا من دافع المتعلم ويشجِّع المتعلمين على الاستمرار في مواجهة التحديات.
  • يوفر الواقع الافتراضي والمعزز (VRوAR) أيضاً فرصاً مثيرة للتعلم الذاتي، وتوفر محاكاة الواقع الافتراضي والواقع المعزز تجارب تعليمية تستطيع تعزيز التعلم والحفظ، على سبيل المثال يمكن لطلاب الطب استخدام الواقع الافتراضي لدراسة الجراحة وممارستها أو علم التشريح، ويمكن لطلاب الهندسة استخدام الواقع المعزز لتصور الأنظمة المعقدة ومعالجتها.

تحديات التعلم الذاتي ومخاطره:

يتمتع التعلم الذاتي بمزايا عديدة، لكن توجد أيضاً بعض التحديات والمخاطر التي يجب أن يكون المتعلمون على دراية بها، وقد تؤثِّر هذه التحديات والمخاطر في جودة التعلم وتعوق تحقيق أهداف التعلم، وهذه التحديات هي:

1. الافتقار إلى البنية والتوجيه:

بخلاف الوجود في الفصل الدراسي التقليدي، ويتطلب التعلم الذاتي من المتعلمين إدارة عملية التعلم وتحديد أهداف التعلم الخاصة بهم، وقد يكون هذا أمراً مُربِكاً لبعض المتعلمين، وخاصة أولئك الجدد في التعلم الذاتي.

2. الافتقار إلى المساءلة:

يكون المتعلمون في الفصول الدراسية التقليدية، مسؤولين أمام معلميهم عن تقدم تعلمهم، وفي التعلم الذاتي، يكون المتعلمون مسؤولين أمام أنفسهم، وهذا قد يؤدي إلى التسويف ونقص الحافز.

3. قد تشكِّل وفرة المعلومات والموارد على الإنترنت تحدياً أيضاً:

وقد يكون من الصعب على المتعلمين التنقل في الكم الهائل من المعلومات المتاحة والتمييز بين المصادر الموثوقة والمصادر غير الموثوقة؛ لذا قد يؤدي هذا إلى الوصول إلى معلومات مُضلِّلة وضعف جودة التعلم.

4. عدم وجود تفاعل اجتماعي:

قد يكون التعلم في عزلة غيرَ فاعل ويؤدي إلى نقص التغذية الراجعة والدعم، ويمكن أن يؤثِّر ذلك في جودة التعلم ويؤدي إلى نقص الحافز والمشاركة.

5. قد تشكِّل التكنولوجيا أيضاً مخاطر على التعلم الذاتي:

ربما تكون التكنولوجيا مصدر إلهاء، وهذا يدفع المتعلمين إلى قضاء بعض الوقت في نشاطات غير تعليمية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو التسوق عبر الإنترنت، ويوجد أيضاً خطر الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وهذا قد يؤدي إلى نقص التفكير النقدي ومهارات حل المشكلات.

6. يشكِّل الافتقار إلى الشهادة والاعتراف خطراً على التعلم الذاتي:

في حين أنَّ التعلم الذاتي قد يكون وسيلة فاعلة لتطوير المهارات والمعرفة، فقد لا يعترف به أرباب العمل أو المؤسسات التعليمية، وهذا يمكن أن يحد من فرص العمل ويعوق التقدم في التعليم العالي.

شاهد بالفديو: 13 طريقة لتطوير التعلم الذاتي والتعلم بسرعة

استراتيجيات التعلم الذاتي الناجح:

قد يمثل التعلم الذاتي تحدياً، لكن توجد استراتيجيات يمكن للمتعلمين استخدامها لتحقيق أقصى استفادة من تجربة التعلم الذاتي، ويمكن لهذه الاستراتيجيات مساعدة المتعلمين على البقاء متحمسين وإدارة وقتهم بفاعلية وتحقيق أهدافهم التعليمية، ومن هذه الاستراتيجيات:

1. تحديد أهداف واضحة:

يجب على المتعلمين تحديد ما يريدون تحقيقه من خلال التعلم الذاتي، ووضع أهداف واقعية ومُحدَّدة تتوافق مع اهتماماتهم واحتياجاتهم التعليمية، ويوفر تحديد أهداف واضحة للمتعلمين التوجيه والتركيز، ويساعدهم على البقاء متحمسين طوال عملية التعلم.

2. الإدارة الفاعلة للوقت:

يتطلب التعلم الذاتي من المتعلمين إدارة وقتهم وتحديد أولويات نشاطات التعلم الخاصة بهم، ويجب عليهم إنشاء جدول يسمح لهم بموازنة نشاطات التعلم الخاصة بهم مع المسؤوليات والالتزامات الأخرى، وقد تساعدهم الإدارة الفاعلة للوقت على تجنب التسويف والبقاء على المسار الصحيح وتحقيق أهدافهم التعليمية.

3. التعلم النشط:

هو استراتيجية أخرى قد تُعزِّز تجربة التعلم الذاتي، ويتضمن التعلم النشط الانخراط في المواد التعليمية بطرائق عدة، مثل تدوين الملاحظات والتلخيص ومناقشة المادة مع الآخرين، ويمكن أن يحسِّن التعلم النشط الاحتفاظ بالمواد وفهمها، ويزيد من مشاركة المتعلم وتحفيزه.

إقرأ أيضاً: استخدام التعلم النشط في التعليم

4. طلب الآراء والدعم:

يجب على المتعلمين السعي إلى الحصول على تعليقات بشأن تقدمهم من الزملاء أو الموجهين أو المدربين، واستخدام هذه التعليقات لتحسين تعلمهم، ويمكن أن يوفر الدعم من الزملاء أو مجتمع المتعلمين أيضاً الدافع والمساءلة، ويتيح فرصاً للتعاون والتعلم من الآخرين.

5. استخدام مجموعة متنوعة من الموارد وطرائق التعلم:

يؤدي استخدام مجموعة متنوعة من الموارد وطرائق التعلم إلى تعزيز تجربة التعلم الذاتي؛ لذا يجب على المتعلمين استكشاف الموارد وطرائق التعلم المختلفة، مثل الدورات عبر الإنترنت أو الكتب أو البودكاست أو مقاطع الفيديو، للعثور على تلك التي تناسب احتياجاتهم التعليمية وتفضيلاتهم، وقد يعزِّز ذلك جودة التعلم ويزود المتعلمين بمجموعة متنوعة من وجهات النظر والنهج.

في الختام:

يُعدُّ التعلم الذاتي أداة قوية للتطوير الشخصي والمهني، وقد أصبح التعلم الذاتي أكثر سهولة من أي وقت مضى بمساعدة الإنترنت والتكنولوجيا، وقد تؤدي قدرة الفرد على التعلم بالسرعة الخاصة به وبالشروط الخاصة به إلى تجربة تعليمية أكثر إرضاءً وإنتاجية.

مع ذلك، يأتي التعلم الذاتي أيضاً مع تحديات ومخاطر يجب أن يكون المتعلمون على دراية بها، ويُعدُّ الافتقار إلى الهيكل والتوجيه والمساءلة والتفاعل الاجتماعي والمعلومات الموثوقة بعض التحديات التي قد يواجهها المتعلمون الذاتيون، كما قد تشكِّل التكنولوجيا أيضاً عوامل إلهاء ومخاطر للتعلم.

مع وجود هذه التحديات، توجد استراتيجيات يمكن للمتعلمين استخدامها لتحقيق أقصى استفادة من تجربة التعلم الذاتي، ويُعدُّ تحديد أهداف واضحة، وإدارة الوقت إدارة فاعلة، والانخراط في التعلم النشط، والسعي إلى الحصول على التغذية الراجعة والدعم، واستخدام مجموعة متنوعة من الموارد وطرائق التعلم بعضاً من الاستراتيجيات التي يمكن أن تعزز جودة التعلم الذاتي.

يمتلك التعلم الذاتي القدرة على تغيير الطريقة التي نتعلم بها ونطوِّر مهارات ومعارف جديدة، وبتبني الفرص التي توفرها التكنولوجيا والإنترنت، وباعتماد استراتيجيات تعلم فاعلة، يمكن للمتعلمين إطلاق العنان لإمكاناتهم الكاملة وتحقيق أهدافهم التعليمية.




مقالات مرتبطة