كيف يمكن لثلاثين يوم من عمل الخير أن تجعلك شخصاً أفضل؟

لم يسبق لي وأن عرفت اسمه، لكنّ شعره المبعثر الذي يصل إلى حدّ كتفيه يخفي سحر عينيه الزرقاوان. إنّه يومٌ دافئٌ من أيّام شهر أيلول حيث كان يجلس تحت أكوامٍ من الملابس البالية، والمناشف والبطّانيات، ممسكاً بيدٍ متراخيةٍ حبلاً ملتفاً حول عنق كلبٍ صغيرٍ أجرب بقربه. وفي اليد الأخرى يحمل زجاجة شرابٍ فارغة. كانت عيناه المشرقتان تسترقان النّظر إليّ بعيداً عن أيّ تركيزٍ أو معرفةٍ مسبقة، ولم أعرف ما الذي دفعني للتّوقف.



ملاحظة: يتحدث هذا المقال عن تجربةٍ شخصية للكاتبة والمدونة "سيسيليا مايس - Cecilia Meis"، والذي تُحدِّثُنا فيه عن أهميّة فعل الخير بالنسبة إلينا جميعاً.

في بادئ الأمر جال في ذهني أن أعطيهِ مبلغاً من المال، على الرّغم من تجاهلي للعشرة أشخاص الذين رأيتهم قبله، مدّعيةً بأنّه ليس لديَّ ما يكفيي من النّقود. وفجأةً، تذكّرت ما كانت تقوله أمّي لي: "سوف يأخذ النقود وينفقها على المخدرات والكحول".

توجّهت إلى أقرب موقفٍ واشتريت له النّقانق، ورقائق البطاطس والصودا. وعندما اقتربت منه، شعرت بالإحراج لأنّ ما قدّمته ضئيل الأهميّة، وكأنّني أعطي كاساً من الماء إلى رجلٍ عالقٍ في مبنى تحاصره النّيران. فهل تراه يفضّل الكاتشب أم الخردل؟

هذا أكثر ما أثار غضبي، ما الرّاحة التي يؤمنّها الجفاف ووجبة طعام غير مكتملة غذائيّاً لرجلٍ ينام على الإسمنت، ويقضي حياته بهذه الطّريقة على مرأى من العالم بأسره؟

لكنّه عندما رأى يد العون ابتسم، مفلتاً زجاجة الشراب والسّلسلة من بين يديه، آخذاً طعامه بكلّ رحابة صدرٍ وامتنان. لم نتبادل الكلام، لكنَّه ابتسم لي ابتسامةً طويلة.

هل بإمكان أعمال الخير تلك أن تزيد من سعادتك وتعزّزها؟

إنّه يومي السّادس من شهر التّحدي، حيث وجدت فرحةً عارمةً في مساهمتي يوميّاً في أن يعيش شخصٌ ما يوماً مميّزاً. وحتى هذه اللّحظة، لا أشعر إلّا بالإخفاق؛ وهذا لا يعزى إلى قلّة التّجارب، وإنّما إلى التساؤلات حول ما إذا كانت تلك المبادرات البسيطة هي ما تجعلني أرنو إلى ما أصبو إليه.

فهل بمقدوري فعلاً أن أجد البهجة في مساعدة المحتاجين مِن حولي؟ وهل هذه الأعمال الخيّرة تعزّز وتزيد الشّعور بالسّعادة؟

من الواضح أنّه يمكننا ذلك، لكن هناك عدّة استثناءات: كي تحقّق سعادةً دائمةً من خلال الكَرَم، يتطلّب منك ذلك كبح جماح الغرور أو ما يسمّى "الشّعور بالأنا"، ودراسة الدّوافع وانعكاس كلّ ذلك على منظورك للعالم برمّته.

إقرأ أيضاً: البخل: كيف يمكن التخلّص منه والتحلّي بصفة الكرم والجود

ما المنافع التي يقدّمها الكَرَمُ لنا؟

بالنّسبة إلى الأطفال، يقوم الوالدان بتربيتهم على تصحيح أخطائهم عبرَ الإحسان إلى شخصٍ ما.

أمّا نحن البالغين، فنساعد الأصدقاء عند انتقالهم إلى بيوتٍ جديدة؛ ونحضر وجبات الطّعام للأمّهات حديثات الولادة، أو نتبرّع بالأموال والأوقات لصالح جمعيّاتٍ خيريّة عدّة مرّاتٍ خلال السّنة.

لابدّ أنّه شعورٌ مزعجٌ أن ترى صديقاً أو حتّى (غريباً) يعاني مشكلةً ما أو بحاجةٍ للمساعدة. يمكنك تسميتها بالكارما "Karma" أو الموغو "Mogo" (كما تدين تدان)، فهي في كلّ الأحوال أعمال تقابَل بالمثل.

غالباً ما نتلقّى لقاء ذلك إعفاءاتٍ ضريبيّة وردّاً للمعروف وعبارات شكر، وهذا ما يسمّى بمبدأ "العين بالعين"؛ ولكن ماذا عن مفهوم الكرم والإيثار بلا أيّ مقابل؟

يؤكّد بعض الباحثين أنّ هذا النوع من الكرم غير موجود، لكنّني حاولت تجريب ما إذا كان بمقدوري أن أمنح من دون مقابل. لذا أعددت قوائم بمختلف أعمال الخير، ومن ثمّ علّقت مذكّرة على مرآة الحمّام، وحاسوب العمل، ولوحة القيادة في السيّارة، وقلت لنفسي: فلتجعلي من هذا اليومِ يوماً مميزاً للآخرين!

أول عملٍ لطيفٍ قمت به كان شراء كوبٍ من القهوة لامرأةٍ كانت خلفي عند نافذة البيع في مقهى ستاربكس. في الواقع، غدت أوّل أعمالي شراء أيّ شيءٍ لأيٍّ كان: الغداء لصديقٍ قديم، نسخةٌ من كتابي المفضّل لشخصٍ غريب؛ لكنّهم لم يجعلوني أشعر بالرّاحة تجاه ما فعلته لهم. لقد كانوا ممتنّين، لكن هل نجحت فعلاً بجعله يوماً خاصّاً بالنسبة لهم، وهل ساهم ذلك بتعزيز شعوري بالسّعادة؟

في نهاية كلّ يوم، كنت أراقب تأثير العطف هذا على مشاعري، بحثتُ عن دليلٍ ملموسٍ لتطوّري. لعلّ الأيّام القادمة تكون أعمق أثراً: مثل شراء شراب السّعال لولدين صادفتهما في الصيدليّة وهما يرتديان ثياب النّوم، والذي كان والدهما يفرك عظمة أنفه وكأنّ بطاقة الائتمان خاصّته ألغيت مرّة أخرى. لم أستطع معرفة إن كان مُحْرَجَاً أم ممتنّ، لكنّني أملت أن يكون قد نام مرتاح البال في تلك اللّيلة. ومن ثمّ غادرت الصّيدليّة وأنا أشعر بشعورٍ جيد.

أحصت العديد من الدراسات المنافع الجسديّة والعقليّة والاجتماعيّة النّاتجة عن السّخاء. ولكن حتّى العام 1980، لم يُعرف وقع التّأثير نسبيّاً على الشّخص المعطاء. "سونجا ليوبوميرسكي" (Songa Lyubomirsky)، أستاذة جامعيّة في علم الفلسفة في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد، وباحثة رائدة بمفهوم السّعادة، أجرت دراسةً عام 2004 لتعلم إن كان بإمكان خمسة أعمال خيّرة أن تزيد المشاعر الإيجابيّة.

بشّرت الدّراسة القصيرة الأمد بنتائج واعدة وذات مستوىً عالٍ بالنّسبة لتلك المشاعر، بشكلٍ خاصّ للمشتركين الذين أنجزوا خمسة أعمال في اليوم نفسه. كما قامت ليوبوميرسكي بتفسير ذلك، إنّ توزيع تلك الأعمال على مدار الأسبوع أدّى إلى خلق نموذج مزيّف ومكرّر يقتضي إمّا القيام بتغييرٍ في مستوى المشاعر الإيجابيّة أو تقليلها في بعض الحالات.

إنّه لمن السّهل إضاعة الوقت منهمكين بأفكار تشغل حيّزاً من تفكيرنا، مركّزين كلّ التّركيز على ما يؤثّر علينا بشكلٍ مباشر. إنّ البحث بوعيٍ تامّ عن طرائق مبتكرة ومختلفة لمنح الآخرين يوماً مميّزاً كان أصعب ممّا أتصوّر؛ فغالباً ما لا نلحظ هذه التحدّيات في الواقع الاجتماعيّ، لكن ما إن صنعت معروفاً، حتى شعرت بسعادةٍ عارمةٍ بعد قياميَ بذلك.

ربط كلٌّ من عالم النّفس الاجتماعي "جورج بارازا Jeorge A. Barraza"، وهو أستاذٌ جامعيٌّ في علم الفلسفة، وعالم الأعصاب والأستاذ الجامعيّ في علم الفلسفة "بول زاك Paul Zak" ذلك بالأوكسيتوسين، وهي مادةٌ كيميائيّةٌ تفرز في الدّماغ، وتكون مسؤولةً عن الشعور بالرّضا.

بالنّسبة للدرّاسة السّابقة، عندما يتعاطف النّاس مع بعضهم، ينتشر 47 بالمئة من الأوكسيتوسين في الحُصَيْن لديهم، وهو القسم المسؤول عن المشاعر والذّكريات. ويشعر المشاركون بدافعٍ ملحٍّ للتّصرّف بسخاء ـ بشكلٍ خاصّ تجاه الغرباء.

وكما كتب الأستاذ الجامعيّ "ماثيو ريكارد" عن السّعادة: "عندما نكون سعداء، يتلاشى التّركيزعلى الذّات شيئاً فشيئاً، ونصبح أكثر انفتاحاً على الآخرين". كما أظهرت دراساتٌ أخرى أنّ الأشخاص الذين عاشوا تجارب مضنية في الماضي، على استعدادٍ أكبر لتلبية حاجات الغرباء وقت الحاجة، حتَى وإن كان على حساب أنفسهم.

وفي عام 1980، استُخدمَ مصطلح "نشوة المساعدة" لوصف الشعور بالغبطة المترافق مع العمل التّطوعيّ. حيث يعيش النّاس الأسخياء شعور الإبداع المعزّز والمرونة والقدرة على تقبّل معلومات جديدة، متجاوزين الشّعور بالسّعادة. كما أنّهم أكثر تعاوناً في العمل؛ وقادرين على التّعامل مع المشاكل المعقّدة بكلّ سهولةٍ، ناهيك عن قدرتهم على التّأسيس لعلاقاتٍ متينةٍ لا تشوبها شائبةٌ مع الآخرين.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لتكون أكثر سعادة في الحياة

الكرم وقدرته على صرف تركيزنا عن الأنانيّة:

أكّد "ستيفن بوست" (Stephen G. Post) الأستاذ الجامعيّ في علم الفلسفة، والباحث في مفهوم السّعادة أنّ النّاس الّذين يجزلون العطاء في حياتهم، يدركون حقيقةَ أنّ في بذل النّفس يكمن الاكتشاف غير المرغوب به للذات. إذ اتّضح أنّ المسعى الأنانيّ القديم للسّعادة لا طائل منه، وخالٍ من التّطلعات والرؤى. يساهم الكرم في صرف تركيزنا عن حبّ الذّات، حتّى وإن كان لفترةٍ مؤقّتة، وبتوجيهه نحو من يحيط بنا والنّهوض بهم، والذين بدورهم سوف يساندون من حولهم.

"شون أكور" (Shawn Achor) الباحث المدرّب في جامعة هارفارد، والملقّب برجل السّعادة في النّجاح، سَمّى ذلك بالتّأثير القويّ؛ إذ تبيّن له أنَّ سلوك البشر معدٍ. كما أوضح أنَّ العادات والمواقف والأفعال، تسري ضمن شبكةٍ معقّدةٍ من الاتّصالات، لتصل إلى كلّ من يحيط بهم.

نلاحظ ذلك عندما يتزامن كلامنا مع كلام أصدقائنا متلفظّين بالعبارات نفسها، وقارئين أفكار بعضنا بعضاً. وهو ما يُفسر ما يحدث عندما تنتشر سلبية شخص ما في مكان العمل كمرضٍ معدٍ، فتصيب زملاءه وتعكّر صفوهم.

هل النّاس السّعداء أكثر عطاءً، أم أنّ العطاء يجعلنا أسعد؟ بدلاً من التّفكير بها كعلاقةِ سببٍ ونتيجة، اعتبرهم كيانات متداخلة. يقول الأستاذ الجامعيّ ماثيو ريكارد: "إنّ التّعبير عن العطف وتوليده يبدّد المعاناة ليحلّ محلّها الازدهار الدّائم، كما أنَّ الإدراك التّدريجيّ للسّعادة الحقيقيّة يتيح للعطف أن يصبح انعكاساً للبهجة الدّاخليّة".

يعزّز سلوك مساعدة الآخرين المشاعر الإيجابيّة، مما ينمّي شغف الوصول للهدف، ويضبط الجهد، ويقوّي الصّحة على المَدَيَيْن البعيد والقريب. وكلّ ذلك يصبّ في تحقيق أعلى درجات السّعادة، والشّعور بالكرم، مشكّلاً حلقةً متكاملةً من السّعادة والعطاء.

لماذا لسنا معطائين دوماً؟

أخفقت مرّتين خلال شهر التّحدّي. فسرعان ما تحوّل ما بدا أنَّه صباحٌ مفعم بالحيويّة والإيجابيّة إلى منشورٍ سلبيّ على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وزميل عملٍ يشكو لي حاله. فاستجمعت أفكاري وأنا أنوي أن يكون يومي مخصصٌ لعمل الخير، ورحت أفكر: ماذا إن استطعت أن أجعل يومه في حالٍ أفضل؟ وأريته الجانب الإيجابيّ ممّا يحدث له؟ فرحت أستمع إليه، مومئةً رأسيَ في اهتمامٍ لما يقول، وجعلت تركيزي منصباً على تعبيرات وجهي، مظهرةً التّعاطف والتّفهّم.

لم أدرك حقّاَ ما فعلت، لكن ما أعرفه هو أنّنا قد أصبحنا كلانا بحالٍ أسوأ من ذي قبل. فما الذي جرى؟

وفقاً "لبول بلوم Paul Bloom" أستاذ علم النّفس والعلوم المعرفيّة في جامعة ييل، لقد اختلطت المفاهيم لديّ بما يخصّ الشفقة والتعاطف، ممّا جعلني أشعر بالتّعاطف القويّ والإنهاك، وتَحَوَّلَ تعاطفي إلى شفقة.

يتطلّب التّعاطف الإحساس بالآخرين لتختبر الشّعور بالألم والمعاناة قدر الإمكان، لكنّ الشفقة تعني الاهتمام واللّهفة إلى مدّ يد العون دون أن تعيش معاناة الشّخص الآخر.

حين أَجرَت كلٌّ من عالمتَي النّفس "فيكي هيلجسون Vicki Helgeson" و"هايدي فريتز Heidi Fritz" استبياناً يوضّح أنّ النّساء يضعن أولويّات الآخرين قبل أولوليّاتهن غالباً، مما يقود إلى علاقات غير متناسبة، وزيادة خطر الاكتئاب والقلق. عندما نمرّ بتجربة التّعاطف القويّ، نشعر بالحياء حيال الكرم. وبينما يُتَوقّع أن نستفيد من ذلك، نتراجع خطواتٍ للوراء.

افترض الباحثون أيضاً أنّ كلّ عملِ خيرٍ يصبّ -لا شعوريّاً- في خانة منفعةٍ لنا في نهاية المطاف. وهذا المفهوم -الأنانية العامة- قدّم تفسيراتٍ أكثر قبولاً من الإيثار: والذي يعني الرّغبة في مساعدة الآخرين بعيداً عن أيّة دوافع أنانيّة.

مثالٌ على ذلك: يوجد العديد من الحالات التي تظهر على أنَّها إيثارٌ للوهلة الأولى، لكن يكون في جوهرها عمل الخيّر محكومٌ بدوافع أنانيّة. قدّم "بين دين - Ben Dean"، دكتور في الفلسفة وعالم نفس ثلاثة أمثلة على ذلك:

  1. إنّه لردّ فعلٍ طبيعيٍّ أن نشعر بعدم الارتياح عند رؤية أحدهم يعاني. لكن بدلاً من أن نساندهم لتخفيف وطأة ما يمرون به، لا نفعل ذلك إلّا تهدأةً لروعنا.
  2. في طريقنا لحماية غرورنا وسمعتنا، لا داعي لأن نظهر كأناس مجرّدين من الإحساس وبلا رحمةٍ وقُساة القلوب؛ إذ علينا مساعدة النّاس حتّى وإن لم نكن نرغب في تحسين وضعهم.
  3. نحن نلتمس منافع شخصيّة جرّاء ذلك، سواءً على الأمد القريب أم البعيد.

ويبقى السؤال: هل يوجد عمل خيرٍ خالٍ كليّاً من المنافع الشخصيّة؟ وهل يهمّ فعلاً ما هي دوافعنا؟ فالمشرّد في -حالتي- قد تناول وجبةً ساخنة، والولدين في الصّيدليّة لم يعودا يسعلان طيلة اللّيل؟ أَفَهذا ما يهمّ فعلاً؟

لسنا معطائين دوماً، وهذا يعود لعدّة أسباب. لكن بالنّسبة إلى عامة الناس، فالعدوّ الألدّ للكرم هو الخوف من الظهور بمظهر الساذج، أَفليسَ الطيبين تُستَغلُّ طيبتهم؟

وبهذه المجازفة المبتذلة، جعلني شهر العطاء أكثر سعادة. استيقاظي باكراً وتفكيري في فعل الخير دون مقابل هوّن عليّ خطواتي الصباحيّة. وابتسامة غريبٍ لي حتّى وإن كانت محيّرة عندما ناولته النّسخة المفضّلة من مذكّراتي، قد زاد طاقتي أكثر من ثلاث أكواب قهوة.

لمدّة ساعةٍ أو على نحو ذلك يوميّاً، لم يعد الخوف والقلق والتّوتّر من الحياة اليوميّة يخيّم على تفكيري. وتناسيت أصدقائي قليلاً، وهم قابلوني بالضّحك على مزاجي الغريب. وتساءلت، متى ستصبح السّعادة من غير سببٍ محور الاهتمام؟

لقد كان تعاطفي في مكانه عندما أعطيت وجبة الطّعام السّاخنة للرّجل ذو العينين الزرقاوين، لكنّ لربّما غروري سيطر على أفعالي تلك الليلة في ممر الخروج من الصّيدليّة. ولعلّني تجنّبت أن أكون كريمةً مع أصدقائي وزملائي في العمل لكونه أمراً أكثر صعوبة.

شراء القهوة لشخصٍ غريب يعدّ أمراً سهلاً ومختلفاً ويحسّن نظرة المرء إلى نفسه إلى حدٍّ ما، ولكن دفع صديقةٍ لك بلطف لتفصح عمّا يقلقها بعد أن قالت "أنا بحالٍ جيّدةٍ" ليس كذلك.

أخيراً، يتطلّب الإيثار، والصّدق والتّأمّل الذّاتيّ الكثير من الوقت والممارسة.

إقرأ أيضاً: 7 عادات صباحيّة لتكون منتجاً وسعيداً في يومك

ثلاثون يوماً من الكرم لم تجعل منّي شخصاً مختلفاً، بل شعوري بات مغايراً. فلم أبحث باهتمامٍ عن طرق لأصبح معطاءة، ولكننّي وجدت العديد من الفرص المهيّأة في كلّ الأحوال. وكبقايا المذكّرة اللّاصقة على مرآة حمّامي، لاحظت تأثيراتٍ طفيفةٍ على تطوّري كما كنت آمل على الأقل: في أثناء ساعة الذّروة، عندما أحسنت الظنّ بامرأةٍ تقطع عليَّ طريقي، وبعد يومٍ طويلٍ من العمل عندما فسحت المجال لصديقتي التي تحتاج أن تتكلّم إليّ؛ والأهمّ من ذلك كلّه، الأوقات التي نسيت نفسي بها والتمست سعادةً كبيرةً في الاهتمام بالنّاس من حولي.

 

المصدر




مقالات مرتبطة