كيف يمكن أن يكون للتعلم والتطوير تأثيرٌ أكبر في الأعمال؟

هذا المقال مأخوذٌ عن قائدة التعلُّم الخبيرة "تينا وويتا" (Tina Woita)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها حول التعلُّم والتطوير. يمكن أن ينتج عن تطوير القيادة بعض السلوكات المفاجئة؛ إذ كنت قد واجهتُ هذه الظاهرة منذ سنواتٍ عدة، عندما كنت نائبة الرئيس في قسم التعليم لشركةٍ متناميةٍ في مجال البرمجيات كخدمة (SaaS)؛ إذ قمنا ببناء برنامجٍ لتطوير القيادة لأبناء جيل الألفية بهدف تقليل تكاليف دوران العمالة.



كانت الفكرة زيادة الولاء للشركة من خلال زيادة معدلات الترقية. بعد أن اجتازت المجموعات الثلاث الأولى البرنامج، بحثنا في البيانات متوقعين أن نرى أنَّ زيادة الترقيات تدفع عجلة الاحتفاظ بالموظفين، لكن لم يكن ذلك ما حدث.

اكتشفنا أنَّه بينما كان المشاركون في البرنامج يقضون وقتاً أطول مع الشركة، لم يكونوا بالضرورة ينتقلون إلى مناصب عليا أكثر في كثيرٍ من الأحيان. كان هناك شيءٌ آخر غير الترقيات يمنعهم من التفكير في المغادرة.

لذلك بحثنا أكثر، ووجدنا أنَّ مكوناً معيَّناً من محتوى برنامج تنمية المهارات القيادية، الذي كان يركز على تقنيات التأثير في الآخرين، كان يحفز سلوكاً معيَّناً.

بدلاً من الصعود نحو الأعلى، كان المشاركون في البرنامج يتحركون ضمن الشركة في مناصب يمكن لهم من خلالها أن يحدثوا تأثيراً أكبر في الأعمال. اتَّضح أنَّ الترقيات لم تشكل دافعاً قوياً للاحتفاظ بالموظفين كما توقعنا.

مع هذه الرؤية الجديدة، قمنا بتغيير محتوى التعلُّم لتقوية عنصر "التأثير في الآخرين". بهذه الطريقة، يمكننا تجنب إنفاق الأموال على تعلُّم المحتوى الذي لا يعود على الشركة بأيِّ عائد.

لم يُرضِ هذا حاجة المديرين التنفيذيين إلى الاحتفاظ بالموظفين فحسب؛ بل سمح لنا أيضاً بتوجيه التسويق نحو جمهورٍ أوسع ودعم تطويره.

بدأنا أيضاً رؤية بعض التأثيرات الإيجابية في التعاون بين الوظائف المتعددة ضمن نتائج استطلاع مشاركة الموظفين.

تحسين الاحتفاظ بالموظفين باستعمال القيادة والتطوير (L&D)

إنَّ ما توضحه هذه القصة هو أنَّه عندما يكون هناك هدفٌ محددٌ في الحسبان، يمكن للقيادة والتطوير (L&D) صقل البرنامج لتحسين الإنفاق، والعمل في المجالات التي تهم العمل حقاً، بالإضافة إلى إنتاج بعض الفوائد الجانبية الهامة أيضاً.

بالطبع، لا تخدم كل برامج القيادة الغرض نفسه؛ إذ إنَّ بعضها يكون موجهاً أكثر نحو تلبية أهداف التخطيط لاستبدال الموظفين، بينما تُصَمَّم أخرى لضمان تمتع الموظفين بالمهارات اللازمة لتحقيق رؤية عملٍ محددة.

ولكن بالنسبة إلى العديد من قادة التعلُّم الذين يتطلعون إلى تحقيق تأثيرٍ أكبر في الأعمال، يجب أن يكون دفع عجلة الاحتفاظ بالموظفين أولويةً رئيسة.

يرتفع تعلُّم الاستثمار عاماً بعد عام، وبطبيعة الحال، تخضع القيادة والتطوير (L&D) لمزيدٍ من التدقيق من قِبل الشركة التي تدير العمل. يتوقع المسؤولون التنفيذيون أكثر فأكثر أن يقوم قادة التعلُّم بالتنفيذ في المجالات التي تتطلب سهر الليالي، وبحيث يكون الاحتفاظ بالموظفين على رأس القائمة.

إذا كنت تعاني من مشكلةٍ في معدل دوران العمالة، فأنت تعاني من مشكلةٍ في الأرباح؛ فعندما تؤخذ في الحسبان التكاليف المباشرة لاستبدال الموظف، والتخفيض المؤقت في تكاليف العمالة، وتكاليف الإنتاجية المفقودة، فإنَّ التكلفة الإجمالية للدوران الطوعي تبلغ 109,676 دولاراً لكل موظفٍ يغادر منظمةً أمريكيةً متوسطة؛ وذلك وفقاً لبحث المؤلف "بيرسين" (Bersin) من شركة "ديلويت"(Deloitte).

في نهاية المطاف، يُعَدُّ الربط بين تطوير القيادة والاحتفاظ باليد العاملة إحدى الطرائق العديدة التي يمكن لقادة التعلُّم من خلالها إثبات قيمة العمل في كلٍّ من قياس وتصميم برامج التعلُّم.

ومع ذلك، لا يمكن تحقيق ذلك باستعمال بعض المقاييس المعزولة، مثل إكمال التعلُّم أو درجات رضى المتعلم. بدلاً من ذلك، يتطلب الأمر تحليلاً عميقاً لبيانات الأعمال والتعلُّم والأشخاص، جنباً إلى جنب مع التركيز على أهداف العمل.

اتبع هذه الخطوات لإنشاء برنامجٍ يحفز على الاحتفاظ بالموظفين:

الخطوة الأولى: فهم أهداف عملك

ابدأ بالتواصل مع مجالاتٍ أخرى من العمل لفهم كيفية جني المنظمة للأموال وكيفية إنفاقها. سيمنحك ذلك السياق الذي تحتاج إليه لتحديد كيفية تأثير معدل الدوران في الدخل الصافي.

ضع في حسبانك أيضاً، أهداف العمل الأوسع نطاقاً لمدة عامٍ وثلاثة أعوام وحتى خمسة أعوامٍ في المستقبل. على سبيل المثال، إذا كانت هناك صفقة اندماج واستحواذٍ (M&A) تلوح في الأفق، فستحتاج إلى التفكير في كيفية تأثير الصفقة في الاحتفاظ بالموظفين، وما إذا كانت برامج التعلُّم يمكن أن تساعد.

شاهد: كيف تحدد أهدافك في العمل لتطور مهاراتك المهنية

يُعَدُّ فهم أهداف عملك - وليس أهدافك الوظيفية فحسب - خطوةً ضروريةً ستؤهلك للنجاح في المستقبل. قال المؤلف والبروفيسور "ديف أولريش" (Dave Ulrich)، الذي يوصف بالأب الروحي للموارد البشرية الحديثة، ذات مرة: "إنَّ الشركة لا تطبق الكثير من الضغط على الموارد البشرية التي تبدأ بالعمل".

الخطوة الثانية: إنفاق النقود في المواضع التي تُحدِث التأثير الأكبر

يمثل المعدل المرتفع لدوران المواهب في الأدوار الحاسمة أكبر المخاطر المتعلقة بالأعمال؛ لذا قبل تصميم أيِّ نوعٍ من برامج الاحتفاظ بالموظفين، سواء كان يحتوي على مكونٍ قويٍّ لتطوير القيادة أم لا، من الهام فهم مستويات الدوران عبر المناصب والأدوار والفِرق والمناطق الجغرافية.

على سبيل المثال، اكتشف فريق تحليلات الأشخاص في الامتياز المصرفي الأمريكي "ب.ب.ف.أ كومباس" (BBVA Compass) أنَّ معدل الدوران كان أعلى لدورٍ معيَّنٍ واحدٍ مدرٍّ للدخل. ثم باستعمال النظام الأساسي لاستراتيجية الموظفين في شركة "فيزير" (Visier)، اكتشفوا بسرعةٍ أنَّه في بعض الفروع كان معدل الدوران في هذا الدور أعلى بكثير؛ إذ مثَّل 70 فرعاً (نحو 10% من جميع الفروع) 41% من إجمالي الدوران.

من خلال عرضٍ دقيقٍ لمكان حدوث الدوران، يمكنك بعد ذلك البحث في سبب المشكلة، لفهم ما إذا كان برنامج التعلُّم سيكون الحل الصحيح.

سيكشف التحليل العنقودي في البيانات ما هو الشائع بين الأشخاص الذين يغادرون، سواء كان ذلك بسبب الأوقات الطويلة التي يقضيها الموظف في التنقل وصولاً إلى عمله أم أنَّ الموضوع له علاقة بمديرين محددين.

إقرأ أيضاً: فن القيادة ومهارات القائد الناجح

إذا كانت فرص النمو المحدودة تؤثر بالفعل في الاحتفاظ بالموظفين، فقد يكون الأشخاص ضمن هذه الفئة من السكان مرشحين جيدين للاستثمارات في تنمية القيادة.

لا يمكن تنفيذ هذا النوع من التحليل بسهولة بواسطة الاستعلام عن أنظمة الموارد البشرية المختلفة. يمكن للحل التكنولوجي الذي يحدد ويرتب في الوقت الفعلي جميع العوامل المساهمة في الاستقالات، أن يساعدك على تصميم برامج تعليمية لتقليل المعدلات والاحتفاظ بالموظفين الهامين أو ذوي الأداء العالي.

الخطوة الثالثة: رصد النزعات لإظهار السببية

قد يكون من الصعب تحديد ما إذا كان برنامج تطوير القيادة الخاص بك هو الشيء الرئيس الذي يؤثر في الاحتفاظ بالموظفين. ولكن عندما تكشف عن وجود نزعةٍ وليس مجرد مقاييسٍ زمنية، فمن الممكن التوصل إلى فهم الأسباب.

على سبيل المثال، إنَّ رسماً بيانياً بخطٍّ أزرق يوضح النسبة المئوية لخسارة اليد العاملة في إجمالي عدد السكان، وخطٍّ أحمر يوضح معدل خسارة اليد العاملة بين المشاركين في البرنامج، سيساعدك في الحصول على صورةٍ واضحةٍ عمَّا إذا كان البرنامج يعمل أم لا. يمكنك بعد ذلك التعمق في البيانات وتحسين المحتوى التعليمي للتركيز على ما هو هام حقاً للعمل.

بالنسبة إلى الكثيرين، فإنَّ الحصول على هذا المستوى من البصيرة في الوقت المناسب ليس بالأمر الممكن؛ إذ إنَّه يتطلب قدراً مذهلاً من الوقت لتجميع بيانات الموظف والتعلُّم والمشاركة والأداء والبيانات المالية والتجارية كلها معاً. مع الحل الذي قدمته التكنولوجيا والذي يسمح بالتفاعل الديناميكي مع البيانات، يمكنك إنشاء مخططاتٍ سريعةٍ تكشف عن النزعات الرئيسة.

يمكن استعمال هذه النزعات ليس لإعلام عملية بناء البرنامج فحسب؛ بل للإبلاغ عن النتائج إلى أصحاب المصلحة الرئيسين أيضاً.

يقول بعضهم إنَّ قيادتهم لا تهتم لهذا النوع من البيانات، ولكن إذا استطعت أن تعرض بوضوح كيف يؤثر تطوير القيادة في الربحية، فسوف يولون اهتماماً أكبر؛ وهذا يسهل كسب تأييدهم في البرامج المستقبلية.

في الختام:

يمكنك إثبات قيمة  التعلُّم

غالباً ما يُوصَف التعلُّم والتطوير على أنَّه تخصُّصٌ شخصي، لا سيَّما عندما يركز على بناء المهارات الشخصية من خلال برامج تنمية المهارات القيادية. ولكن مع اتباع نهجٍ شاملٍ للبيانات، يمكن أن تصبح المؤسسة خاليةً من الافتراضات المُقيِّدة، ويمكن بعد ذلك أن يصبح قياس التعلُّم وتصميم البرامج متجذراً في  الواقع.

يتيح ذلك لقادة التعلُّم متابعة ما كان في يوم من الأيام إنجازاً مستحيلاً، مع إظهار التأثير الحقيقي لأعمال استثمارات التعلُّم.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة