كيف يعزز اهتمام القادة بمشاعر الموظفين الثقة بهم؟

أثار الاعتراف بالعواطف (emotional acknowledgment) اهتمام العالمة أليسا يو (Alissa Yu) أول مرة في أثناء إجراء المقابلات مع الممرضات اللواتي يعملن في وحدة العناية المركزة للأطفال في مستشفى لوسيل باكارد للأطفال (Lucile Packard Children's Hospital) في ستانفورد؛ حيث أخبرنَها أنَّ الإقرار بصحة المخاوف التي يواجهها مرضاهم الصغار وتوترهم أدى إلى تعزيز ثقتهم بهن.



الأمر الذي مكنهنّ من أداء عملهن على نحوٍ أكثر فعالية، تقول يو، الطالبة المرشحة لنَيل شهادة الدكتوراه في السلوك التنظيمي من كلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد (Stanford Graduate School of Business): "منذ ذلك الحين بدأت أرى الإقرار بالعواطف في كل مكان". 

إنَّ هذا الإقرار هو الذي دفع يو إلى التعاون مع جاستن بيرغ (Justin Berg)، الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي في جامعة ستانفورد، وجوليان زلاتيف (Julian Zlatev)، الأستاذ المساعد في إدارة الأعمال لدى كلية الأعمال بجامعة هارفارد (Harvard Business School)، لإجراء سلسلة من الدراسات الهادفة إلى الكشف عن آثار الإقرار بصحة عواطف الآخرين في مكان العمل؛ حيث إنَّ النتائج التي توصلوا إليها، والمنشورة في شهر أيار في مجلة أورغنايزيشنال بيهايفيور آند هيومان ديسيشين بروسيسز (Organizational Behavior and Human Decision Processes)، سلطت الضوء على تقنية بسيطة إلا أنَّها فعالة، يمكن للقادة توظيفها في بناء الثقة بينهم وبين موظفيهم.

الاعتراف بصحة العواطف هو فعل بسيط يتمثل في ملاحظة الإشارات العاطفية غير اللفظية، مثل التجهم أو الابتسامة والتعبير عن ذلك، بشكل سؤال أو عبارة مثل "تبدو مستاءً" أو "تبدو متحمساً".

يستعير المؤلفون من نظرية الإشارات المكلفة (Costly Signaling Theory)، مفهوماً اقترحه علماء الأحياء في السبعينيات، يشير إلى إمكان أن يكون لهذا الفعل البسيط أثر قوي؛ وذلك لأنَّه بمنزلة تعبير عن النوايا الصادقة.

على سبيل المثال، ذكرت النظرية أنَّه عندما يفرد الطاووس ذيله لجذب شريكه، فإنَّ ذلك بمنزلة إشارة للتعبير الصادق عن قدرته الإنجابية؛ وذلك لأنَّ ألوان الذيل الباهية تجذب الحيوانات المفترسة أيضاً، وهو ما يشكِّل خطراً مهدِّداً لحياة الطاووس.

تذكُر يو وزملاؤها الذين شاركوا في إعداد الدراسة؛ أنَّ إظهار المشرف قلقه حيال حالة الموظفين العاطفية في بيئة العمل، يشير إلى استعداده للانخراط في موقف من المحتمل كونه فوضوياً، تقول يو: "يمكن للقائد اكتشاف أنَّ أحداً ما يمر بمحنة ويختار تجاهل ذلك ببساطة"؛ لكن فقط القائد الخيِّر حقاً والذي يهتم بموظفيه، هو من يخاطر بالانخراط في المشكلات من خلال التعبير الطوعي عن ملاحظته للحالة العاطفية التي يمرون بها، ومن ثمَّ من الممكن أن يُعدُّ الموظفين ذلك إشارة على إمكان ائتمان قائدهم على عافيتهم.

شاهد بالفديو: 8 طرق لبناء الثقة في العلاقات

المسألة أكثر من مجرد إحساس:

هذا ما اكتشفه تحديداً كل من يو وبيرغ وزلاتيف في بحثهم الذي شمل ست دراسات، والذي تضمَّن دراسة ميدانية لموظفي المشفى، وتجارب عُرِض فيها مقاطع مرئية على المشتركين، تُظهر ممثلَين يمارسان الإقرار بالعواطف في غرفة الاستراحة بمكان العمل.

خلال الدراسات، أعرب المشاركون عن مستويات أعلى من الثقة بالأشخاص الذين يمارسون التعبير والإقرار بالعواطف مقارنة بمن هم ليسوا كذلك.

تقول يو: "إنَّ حجم تأثير الإقرار بالعواطف على مستويات الثقة كان كبيراً؛ إذ كانت مستويات الثقة ترتفع عندما يبدي المعبرون عن عواطفهم عواطف إيجابية، وكانت ترتفع أكثر عندما كان يُظهر المعبُّرون عواطف سلبية".

النتيجة الأخيرة ليست مفاجئة عند النظر إليها من خلال نظرية الإشارات المكلفة؛ حيث إنَّ سؤال شخص يبدو مستاءً عن حالته العاطفية، يُولِّد مستويات عالية من الثقة، لكونه أكثر خطورة وينطوي على تعبير أكثر عن الاستعداد لمنح الاهتمام والوقت والجهد، مقارنة فيما لو كان السؤال موجهاً لشخص يبدو بحالة جيدة.

إحدى نتائج الدراسات غير المتوقعة، أنَّ سؤال الموظف عن حالته العاطفية له أثر أقوى من سؤاله عن الموقف الذي وَلَّد لديه تلك الحالة؛ إذ تبين - حسبما تقول يو - أنَّ قول شيء من قبيل "بدوت مستاءً بعد الاجتماع، كيف تشعر حياله؟" سيكون أفضل بكثير من قول "يبدو أنَّ الاجتماع لم يكن مثمراً، بماذا تفكر حياله؟".

يثق الناس بالشخص الذي يهتم بالسؤال مباشرة عن الحالة العاطفية أكثر ممن يركز على معرفة الموقف الذي أدى إليها، هنالك أمر مميز وفريد فيما يخص المشاعر؛ حيث إنَّها متأصلة بتجربة الإنسان الداخلية وإحساسه بذاته.

لذا فإنَّنا بملاحظة الحالة العاطفية لأحدهم، نعترف بإنسانيته ووجوده.

إقرأ أيضاً: كيف تستخدم استراتيجيات الإصغاء إلى الموظفين لدعم سلامتهم؟

أن تكون على خطأ أفضل من بقائك صامتاً:

في نتيجة أخرى غير متوقعة، أظهر فريق البحث بأنَّ أثر بناء الثقة المتعلق بسؤال الآخرين عن حالتهم العاطفية لا يعتمد دائماً على التفسير الصحيح للمشاعر، ولاسيما عندما يُساء فهم المشاعر الإيجابية.

تقول يو: "أعتقد أنَّ هناك نظرية مفادها أنَّ التفسير غير الدقيق للمشاعر يترتب عليه عواقب؛ حيث توصلنا إلى أنَّه إذا كانت تنتابك حالة عاطفية سيئة، وأخبرك أحدهم أنَّك تبدو سعيداً؛ فإنَّ ذلك يؤثر سلباً في الثقة بينكما، ولكن إن كنت تشعر بحال جيدة وأخبرك أحدهم أنَّك تبدو مستاءً، فلن يترتب على ذلك أية عواقب تقريباً، ويعود ذلك إلى أنَّه على الرغم من عدم حاجتك إلى مساعدته، إلا أنَّه أعرب عن رغبته في الحديث معك عن حالتك العاطفية التي اعتقد أنَّها سيئة، مما يشير إلى استعداده لتوفير الدعم لك".

إنَّ المنافع المترتبة على الإقرار بالعواطف، قد تنبع جزئياً من حقيقة أنَّها ليست ممارسة شائعة لدى القادة؛ حيث يتوتر القادة بسبب كونهم مسؤولين عن تنظيم إسناد المهام وكذلك توجيه الموظفين؛ إذ يتوجب عليهم إنجاز الأمور العالقة، كما أظهرت بعض الأبحاث بحسب يو أنَّ المديرين يجدون أنَّ الدعم العاطفي خارج نطاق مسؤولياتهم الوظيفية الرسمية.

ومن ثمَّ هنالك أدلة تشير إلى أنَّ القادة لا يمارسون الإقرار بالعواطف كما يجب، ولوحظ ميلهم لتطبيقه عندما يكون الأمر متعلقاً بالمشاعر الإيجابية والحالة النفسية الجيدة، ويعود ذلك إلى كونه أسهل مما هو عليه في حال كان الأمر مرتبطاً بمشاعر الألم والاستياء.

تعتقد يو أنَّ الوقت قد حان لتبنِّي القادة أسلوب الإقرار بصحة الحالة العاطفية لموظفيهم على نحو منتظم؛ حيث إنَّ مشاعر الموظفين مهمة، ولاسيما في الوقت الحالي، وما زال العديد من الناس يواجهون صعوبة في إعادة حياتهم المهنية إلى وضع التوازن، بعد مرور ما يزيد عن سنة من الانقطاعات الناجمة عن تداعيات الجائحة، إضافة إلى أنَّه سيكون من الصعب على أولئك الذين يعملون عن بعد العودة إلى أماكن عملهم والتأقلم مع مستقبل مجهول المعالم.

تقول يو: "إنَّ أسوأ ما قد يفعله القادة عندما يجدون الموظفين بحال سيئة هو عدم فعلهم شيئاً، فإذا أراد القادة الإعراب عن استعدادهم لتوفير الرعاية وبناء الثقة بينهم وبين موظفيهم، لا بد من تلبية حاجات موظفيهم"، ويقترح البحث إحدى الطرائق للقيام بذلك وهي المبادرة إلى الإقرار بصحة حالة الآخرين العاطفية، الأمر الذي من شأنه منح مساحة للموظفين تمكنهم من التعبير عما يعتريهم من مشاعر.

المصدر




مقالات مرتبطة