كيف يُظهِر المال حقيقتك؟

مثل معظم الناس، من المحتمل أن يؤدي المال دوراً محورياً في حياتنا، ويبدو أنَّنا لا نستطيع الاكتفاء منه؛ أوليست غريبةً سرعة اكتسابه وإنفاقه؟ لقد تحدثتُ في الفترة الأخيرة إلى صديقي الفنان "دافيد دي آنجلس" (Davide De Angelis)، الذي حقَّق نجاحاً مبهراً من خلال آخر تشكيلة رائعة أطلقها من منتجات "تاروت" (Tarot)، والمستلهَمَة من قصة حياة وأعمال مغني الروك البريطاني "ديفيد بوي" (David Bowie).



ما هو الدور الذي يؤديه المال في حياتك؟

دعوتُ "دافيد" لأكتب بضع كلمات لقُرَّائي تلخِّص رحلته، وكيف وصل إلى ما وصل إليه، وكان هذا ما قاله: "مرَّت أوقاتٌ كانت فيها معظم ساعات يقظتي متأثرة بالحاجة إلى المال، ووصلت إلى مرحلةٍ أصبحت فيها الأيام كالحة السواد".

في يوم من الأيام، عندما جلست أنا وزوجتي "إستر" (Esther) متجهمين في وجه أحدنا الآخر، ملتقطاً بيدي مذكرة استدعاءٍ من المحكمة بتهمة التخلف عن دفع الضرائب، و"إستر" تلوِّح لي بورقة إنذار أخير من شركة الكهرباء، أعقب ذلك عملية مصارحة صاخبة ذات أبعاد مأساوية: حقائق غير مُعلنة، وأسرار، وغضب مدفون، واستياءٌ عميق، فاضت جميعها إلى السطح كبركانٍ ثائر.

لقد جرَّبنا كل شيء؛ اقترضنا المال من العائلة والأصدقاء، وبعنا بعض المجوهرات القديمة للعائلة، حتى إنَّنا بحثنا عن وسائل لإعفائنا من الضرائب.

كان المشهد الحقيقي الذي عايشناه بأن فقدنا السقف الذي يأوينا، وقضينا شهوراً نتعرض للتهديدات والإنذارات الأخيرة وممارسات الإذلال المتعلقة بالمال؛ كلها أمورٌ جرَّدتنا من كل شيء.

لم يكن أي شيءٌ ليخفِّف من وطأة ما كنَّا نمر به، والذي كان له الدور الفعلي بتحديد شكل حياتنا. من نواحٍ كثيرة، إنَّنا ننظر إلى ما وراء ستار من الأكاذيب، يحجب خلفه ما لا نريد لأحدٍ أن يراه، حتى أنفسنا، وفي تلك اللحظة الراهنة، تتملكك رغبةٌ في أن تزيل ستار الأكاذيب، وتتحلى بالصدق، وتتخلص من كل شيء كاذب، فنحن حرفياً نهرب من قوة جذب ما افترضناه بأنفسنا.

نتجنبه كالطاعون:

أن تكون نزيهاً عندما يتعلق الأمر بالمال، أو أيِّ شيء آخر له علاقة بهذا الشأن، هو عمل شاق؛ ولهذا السبب، نتجنبه كالطاعون، لكنَّ العمل هو ما يحرِّرنا ويفتح لنا آفاقاً جديدة.

الخادع في هذا الأمر هو معرفة أنَّه لا يمكننا حتى من جوف أفكارنا الراسخة المتعلقة بالحياة، تخيُّل ما قد تكون عليه تلك الآفاق الجديدة؛ إذ لا بُدَّ لهذه الأفكار ابتداءً أن تتداعى، ومع ذلك، ما يخيفنا حقيقةً هو ذلك الشعور المرحلي بالضيق وعدم الراحة، وما زال التفكير في ذلك اليوم يدفعني إلى البكاء.

شخصان لم يتبقَّ لهما شيء ليسندهما ويستر على ضعفهما؛ هذا الأمر يدفعني إلى البكاء؛ وذلك لأنَّني وسط كل هذا اليأس اكتشفت وجود الحب بشكلٍ غير متوقع، وأظن أنَّنا كنَّا في تلك اللحظة أجمل ممَّا قد أستطيع تخيُّله، ومن دون مقدمات وبينما بدأت الدموع تنهمر على وجهينا رأيت ذلك؛ لقد أدركت أنَّه بعد أن نتخلى عن الأكاذيب التي تقوم عليها قصة علاقتنا مع بعضنا، يمكننا تقدير ومحبة بعضنا بعضاً.

المال مرآة حقيقية:

المال مرآةٌ حقيقيةٌ تعكس كثيراً من المعتقدات التي يبدو أنَّنا اعتنقناها في ظروف غامضة؛ إذ إنَّ معظمنا لديه بردود فعل مشروطة ومعتقدات بالية، لدرجة أنَّه لم يعد يوجد متَّسع لأيِّ شيء جديد، وتعكس طاقة المال الروايات والتفسيرات الكثيرة التي أوليناها للظروف التي مررنا بها؛ الأمر الذي يجعلنا - مرة أخرى - نعيد التفكير في الروايات والتفسيرات الكثيرة التي أوليناها للظروف التي مررنا بها؛ لذا يستحق هذا الكلام أن نمنحه بعض الاهتمام.

شاهد بالفيديو: 9 أفكار لكسب المال من المنزل

قدرة المال على الكشف عن أعمق مخاوفنا:

إذا سمحنا لها أن تقوم بعملها، وانتبهنا لها بدلاً من الهرب منها، ستكشف طاقة المال بانتظامٍ عن أعمق مخاوفنا في الحياة، وهي أنَّ الحياة غير آمنة بالدرجة الأولى، وأنَّ العيب فينا في الأساس، ومن الجدير بالذكر، أنَّها تقوم بعملها بصرف النظر عن مقدار المال المتبقي لديك.

إنَّ الاندفاع لتكديس الأموال - بما يفوق حاجتك إليها - يكشف عن ذات الخوف القابع تحت السطح، الذي تختبره عندما تكافح من أجل الحصول على بعضٍ منها.

يظن معظمنا أنَّ جنيَ مزيدٍ من المال سيحل مشكلاتنا، ثم نتفاجأ - وقد تتملكنا الصدمة حتى - عندما نكتشف أنَّ هموم الحياة القديمة والمزعجة نفسها ما زالت موجودة، حتى عند حصولنا على مزيد منه، فالمال أو ربما بصورةٍ أدق "فكرتنا" عن المال، تمنحنا جميعاً فرصةً لإعادة النظر في كلِّ ما عددناه حقيقياً بالنسبة إلينا؛ وبمعنى آخر، يمنحنا المال دائماً فرصة لنعرف مَن نحن بطريقة عميقة غير مألوفة؛ ذلك في حال كنَّا مستعدين لذلك.

عندما نكون قادرين على رؤية الأدلة الكاذبة التي غيرت حياتنا بهذا الشكل، تنقلب إلى حقيقة، تكون قد أُتيحت لنا فرصة للعيش بحرية أكبر بكثير.

يكمن الحل في عيش حياة أنت جزء فاعل فيها:

أنا أتذكر سماع حكمةٍ تقول: "نحن نرى العالم من منظور معتقداتنا لا بأعيننا"، وهذه العبارة رائعة؛ وذلك لأنَّها تحمل السر لعيش حياة تكون فاعلاً فيها بشكلٍ حقيقي، وأظن أنَّ هذا هو التعاطف الحقيقي؛ حين تدرك أنَّ كل ما تملكه من أفكارٍ وأحكامٍ عن نفسك وعن الآخرين ليست حقيقة ببساطة، ولا يمكن أن تكون أبداً، وتصبح حاضراً لفيض "الاكتشاف" والمعرفة.

إنَّك منفتح على الحياة بأشكالها التي لا تعد ولا تحصى، فأنت لم تعد تؤمن بتلك الروايات التي يستحضرها ذهنك.

جزء من عملية الشفاء:

ما يدعو للغرابة، أنَّه بالطريقة نفسها التي تَعُدُّ بها أعراض مرض الأنفلونزا آليات شفاء يتبعها الجسم لمحاربة الفيروس، وأنَّها ليست ناجمةً عنه بشكل مباشر، اتضح أنَّ كل تلك التهديدات والإنذارات الأخيرة وممارسات الإذلال ومذكرات الاستدعاء من المحكمة، ما هي إلا جزءٌ من عملية الشفاء؛ إذ إنَّها موجودة لتظهِر لنا نوع الحياة التي نختلقها لأنفسنا من خلال جهلنا لحقيقتنا وللحقيقة وراء معتقداتنا الخاطئة كذلك.

لقد ذكرت هذا المبدأ مراراً وتكراراً في ورش العمل وخلال جلسات التدريب، لكن في ذلك اليوم، كانت تلك المرة الأولى التي أدركت فيها معناه تماماً، فإنَّ طاقة المال التي نراها تتجلى في العالم، وقدرتها على التحكم بكل شيء، وارتباطها بالسيطرة والبقاء على قيد الحياة، هي علامة تدل على جهلنا بحقيقتنا إلى حدٍّ كبير.

نحن تعلَّمنا أن نقمع تلك الأعراض، وبذلك نتدخل في عملية الشفاء، في حين أنَّ ظهور أحد العوارض هو علامةٌ على وجود محاولاتٍ للشفاء، فهل يمكنك تخيُّل ما قد يحدث إذا تمسَّكنا بهذا المعتقد عند التعامل مع كل تلك الأمور التي نعدها مشكلات؟

جهلنا بحقيقتنا فيروس العصر:

يُعَدُّ جهلنا بحقيقتنا فيروس عصرنا، وكل المشكلات أو الأعراض التي نواجهها، كالديون المتراكمة والإدمان والعلاقات المؤذية والصحة المتردية، جميعها دلائل على حاجتنا إلى أن نتوقف برهة.

جهلنا بحقيقتنا فيروس العصر

مَن نكون نحن؟

وهكذا، نفترض الجواب مجازفين بحياتنا، فينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال وأعيننا مفتوحةٌ في الصباح مع وجود رغبةٍ حقيقية لمعرفة ذلك، ثم ندع الإجابات التي نكتشفها تكتب لنا حياة جديدة.

أظن أنَّنا جميعاً نرغب في أن نكون كريمين ومحبين، بصرف النظر عن تصرفنا خلاف ذلك، وإنَّ إحياء هذا السؤال هو نقطة البداية الصحيحة، وهو سؤال ليس بجديد؛ بل إنَّ كل تجربة تتطلب ذلك بالحقيقة؛ إنَّه سؤال حاضرٌ دائماً وبكل وضوح، لدرجة أنَّنا أغفلناه كلياً.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لادخار المال أثناء الدراسة في الجامعة

هذا هو التأمل المفعم بالحياة:

إذا لم تسأل نفسك قبلاً هذا السؤال بكل صدق، فأنا أدعوك لتفعل ذلك الآن، فهذا تأمل مفعم بالحياة، وسيأتي الجواب من تلقاء نفسه، لا حاجة إلى البحث.

  1. ما هي التساؤلات التي تطرحها علاقتك بالمال؟
  2. ما هي المعتقدات القديمة - تلك التي لم تكن على الأرجح معتقداتك في المقام الأول - التي تدعوك علاقتك بالمال إلى التساؤل حولها والتغاضي عنها؟
إقرأ أيضاً: 8 خطوات تساعد المبتدئين على تعلُّم رياضة التأمل

الطريق نحو المستقبل يبدأ من اليوم:

أؤكِّد لك أنَّ المال ليس كما تظن، وسيكون من الجيد أيضاً أن تدرك أنَّك لست نفس الشخص الذي تعرفه كذلك، فتمعَّن جيداً في علاقتك بالمال واجعل منه حليفاً لا عدواً لك؛ إذ ستجد أنَّ إحدى النتائج العرضية لعملية البحث هذه، هي تزايد الشعور بالوفرة.

المصدر.




مقالات مرتبطة