كيف يؤثِّر التعليم الجامعي على جودة الحياة التي تعيشها؟

يُعيد الكثيرون من الناس النظر في فوائد الشهادة الجامعية؛ إذ يبدو أنَّ التكاليف في ارتفاع مستمر، وكثيراً ما يفكِّر الطلاب المقبلون على الالتحاق بالجامعة فيما إذا كانت تكاليف الدراسة الباهظة، أو أقساط القروض التي تُمنَح لهُم، أو الدراسة عوضاً عن العمل ستكون نافعةً في المستقبل.



قد يكون الالتحاق بالجامعة قراراً صعباً للغاية بالنسبة إلى الطلاب الذين ينتمون إلى أسر محدودة الدخل؛ لذلك من الأفضل التفكير فيما إذا كان الحصول على شهادة جامعية يستحق الوقت والمال، وإجراء بعض الأبحاث حول الفائدة والمردود الذي ستحصل عليه من الشهادة قبل الالتحاق بالجامعة.

1. القيمة الاقتصادية للتعليم العالي:

عادةً ما تعوِّض فوائد التعليم الجامعي الأموال التي تُنفَق للحصول على الشهادة، وعلى الرغم من أنَّ رواتب خريجي المدارس الثانوية لا تختلف في كثير من الأحيان بشكل كبير عن رواتب خريجي الجامعات قبل أن يكتسب هؤلاء الأخيرون سنوات من الخبرة العملية، فإنَّ خريجي الجامعات عادةً ما يكتسبون المزيد من المال خلال حياتهم المهنيَّة بأكملها أكثر من الأشخاص الحاصلين على شهادات الدراسة الثانوية فقط.

أفاد مكتب الإحصاء الأمريكي (The U.S. Census Bureau) أنَّ حاملي الشهادات الجامعية يكسبون ما يقرب من 2 مليون دولار، ويكسب حاملو شهادات الدبلوم ما يقرب من 1.5 مليون دولار، ويكسب حاملو شهادات الثانوية العامة ما يقرب من 1.2 مليون دولار خلال حياتهم المهنيَّة.

زيادة المداخيل طوال الحياة العملية هي فقط أحد الأسباب للحصول على شهادة جامعية. يلتحق العديد من الطلاب بعد انتهاء مرحلة التعليم الثانوي ببرامج التعليم الإضافي، وهذه البرامج لا تكلِّف الكثير من المال مثل الجامعات الحكوميَّة.

عادةً ما يدفع الطلاب الملتحقون بالكليات والجامعات الحكومية ما يزيد قليلاً عن 8000 دولار سنوياً، والتي تشمل الرسوم الدراسية والكتب ونفقات المعيشة، في حين يدفع الطلاب الملتحقون بكليات المجتمع ما يقرب من 1300 دولار سنوياً.

قد يكون الحصول على شهادة جامعية مكلفاً، ولكنَّ خريجي الجامعات عادةً يكسبون أموالاً أكثر خلال حياتهم من أولئك الذين لم ينهوا دراستهم الجامعية، ويجب النظر إلى التكاليف المرتفعة للالتحاق بالكلية على أنَّها استثمار على الأمد الطويل يحقق فوائده لاحقاً خلال الحياة.

2. العلاقة بين ارتفاع الدخل ومستوى التعليم:

بلغ متوسط دخل الأفراد الموظفين - والذين شملتهم هذه الدراسة باختلاف الفترات التي زاولوا فيها العمل والذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عاماً - 34،700 دولارٍ سنوياً. توزعت متوسطات الدخول على الشكل التالي: بلغ متوسط دخل الذين لم يكملوا مرحلة التعليم الثانوي 18،900 دولارٍ سنوياً، في حين بلغَ متوسط دخل ​​الحاصلين على شهادات الثانوية أو ما يعادلها 25900 دولارٍ سنوياً، وبلغ متوسط ​​الخريجين بدرجة البكالوريوس "الإجازة الجامعية" ما يقرب من 45400 دولار، في حين بلغ متوسط ​​الحائزين على درجة الماجستير أو الدكتوراه 99300 دولارٍ سنوياً؛ لذلك توجد علاقة بين زيادة الدخل ومستويات التعليم العالي.

عامل آخر يؤثر في الأجور هو الخبرة في العمل، وعادةً ما يحصل العاملون بدوام كامل على مدار العام على أجورٍ أعلى من العاملين بدوام جزئي أو العاملين الموسميين، وعندما أُجريَ هذا الاستطلاع كان أكثر من 70% من العمال يعملون بدوام كامل، ولكنَّ هذا الأمر أيضاً له علاقة بمستوى التعليم.

على سبيل المثال من المرجَّح أن يعمل الأشخاص الحاصلون على شهادات جامعية بدوام كامل أكثر من أولئك الحاصلين على شهادة التعليم الثانوي.

يعمل الرجالُ أكثر من النساء؛ وذلك لأنَّ العديد من النساء يبقين في المنزل ويربون الأطفال، وبغض النظر عن خبرة العامل، عادةً ما يحصل الأفراد الحاصلون على شهادة التعليم العالي على رواتب أعلى.

للحصول على فهم أكثر دقة لسوق العمل دون تحيُّزات لشريحة معينة؛ من الأفضل تقييم توقعات الأرباح المستمدة من إحصاءات العاملين بدوام كامل على مدار العام، وفي المتوسط​ كانت رواتب خريجي الجامعات أعلى بنسبة 56% مقارنةً برواتب الحائزين على شهادة التعليم الثانوي في عام 2015، بينما حصلَ خريجو المدارس الثانوية على رواتب أعلى بنسبة 40% مقارنةً بالحاصلين على شهادات أدنى.

يمكن فهم العلاقة بين الأجور ومستوى التعليم من خلال فهم الطلب المتزايد على الأيدي العاملة الماهرة في سوق العمل.

انخفضت أجور خريجي الجامعات خلال السبعينيات؛ وذلك بسبب ارتفاع أعداد الموظفين الجامعيين في سوق العمل، وعلى الرغم من ذلك فقد أدى التطور التكنولوجي خلال السنوات الأخيرة إلى ازدياد الطلب على الموظفين ذوي التعليم الأكاديمي والتخصصات الدقيقة؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع رواتب الموظفين الجامعيين.

كان الأمر على النقيض من ذلك بالنسبة إلى الموظفين الأدنى تعليماً؛ فنظراً إلى أنَّ النقابات العمالية لم تَعُد مؤثرة كما كانت في الماضي؛ أي في سبعينات القرن العشرين، فقد انخفضت أجور الموظفين الذين لم يحصلوا سوى على شهادات الثانوية العامة أو الشهادات الأدنى.

شاهد بالفديو: 5 نصائح لتحقيق التطور المهني

3. الفروقات في الرواتب وعلاقتها بالفروقات في مستوى التعليم:

يمكن النظر إلى الفروقات في الرواتب على أساس طيلة الحياة المهنية للفرد، وتوفِّر هذه النظرة صورة أوضح عن الفروقات في الرواتب بين الحاصلين على شهادات التعليم العالي وأولئك الحاصلين على الشهادة الثانوية فقط وما دونها.

من المرجَّح - وفقاً لهذا المعيار - أن يكسب الموظفون بدوام كامل والحاصلون على التعليم الثانوي ما يقارب 1.2 مليون دولار خلال 40 عاماً من العمل، بينما يكسب الموظفون الحائزون على تعليم أدنى من الثانوي على أقل من مليون دولار بقليل خلال نفس المدَّة.

من المرجَّح أن يكسب الموظف الذي حصلَ على تعليم جامعي دون أن يتخرَّج من الجامعة على ما يقارب 1.5 مليون دولار خلال 40 عاماً، بينما يكسب عادةً الخريجون الحاصلون على شهادة الدبلوم حوالي 1.6 مليون دولار خلال المدة نفسها.

أما الأجور الأعلى فهي من نصيب الذين أَتمُّوا مرحلة التعليم العالي؛ إذ يُتوقَّع أن يكسب الحائزون على الشهادة الجامعية ما يقرُب من 2.1 مليون دولار خلال 40 عاماً من العمل، في حين يكسب الحائزون على الماجستير ما يزيد قليلاً عن 2.5 مليون دولار، ويكسب الحاصلون على شهادة الدكتوراة حوالي 3.4 مليون دولار خلال حياتهم المهنية.

من المرجَّح أن يكسب المحامون أو الأطباء المحترفون "الحائزون على شهادات خبرة واختصاص إضافةً إلى شهادتهم الجامعية" ما يقارب 4.4 مليون دولار خلال 40 عاماً.

تُظهِر هذه البيانات أنَّ الموظفين ذوي المستويات التعليمية الأعلى يكسبون عادةً خلال حياتهم المهنيَّة أكثر من أقرانهم ذوي المستوى التعليمي الأقل؛ لذلك يمكن عَدُّ التعليم استثماراً يحقق عوائده في مرحلة لاحقة من الحياة.

إقرأ أيضاً: 5 أمور عن بداية الحياة المهنية

4. فوائد أُخرى للتعليم العالي:

طبعاً إلى جانب تقاضي رواتب عالية، توجد العديد من المزايا التي توفِّرها الشهادة الجامعية؛ منها مثلاً تمتُّع خريجي الجامعات عادةً بالقدرة على إيجاد عمل في منطقة سكنهم، بالإضافة إلى المزيد من الوقت للترفيه ومستوى معيشي مرتفع، ويختبر هؤلاء بعض أهم مزايا التعليم الجامعي في أثناء دراستهم الجامعية نفسها؛ ومنها فرصة التعرُّف إلى الثقافات المختلفة والمواضيع الممتعة، كما يطَّلِعون على أفكار ونظريات جديدة من المُحتمَل ألَّا يطَّلعوا عليها دون الالتحاق بالجامعة.

تُشير بعض الدراسات إلى أنَّ العديد من خريجي الجامعات يتبعون نمط حياة صحي؛ ونتيجة لذلك غالباً ما يقدِّمون لأطفالهم إرشادات عن التغذية الجيدة وأهمية ممارسة التمارين الرياضية، ويحسِّن هذا الأمر نوعيَّة حياة خريجي الجامعات ويرفع معدلات الأعمار لهم ولعائلاتهم.

5. القيمة الاجتماعية للتعليم العالي:

أَظهرَت بعض الدراسات وجود علاقة بين الالتزام بالأخلاق والتعليم الجامعي؛ على سبيل المثال وجد الباحثون أنَّ الأمهات الحائزات على شهادة تعليم عالٍ يهتممن أكثر بتعليم أطفالهن القيَم والأخلاق الحميدة، ويستفيد المجتمع ككل من الجامعيين، ومن هذه الفوائد ارتفاع الإيرادات الضريبية، وزيادة الوعي الاجتماعي حول القضايا الهامة، وانخفاض معدَّلات البطالة.

6. الفارق بين ارتياد الجامعة والتخرُّج منها:

يستنكف حوالي 600 ألف طالب دراستهم الجامعية سنوياً؛ وذلك وفقاً لدراسة حديثة، وعادةً ما يحصل أولئك الذين ارتادوا الجامعة دون نيل الشهادة على أجور أقل مقارنةً بالخريجين سواء خريجي الكليات الحكومية أم خريجي كليات المجتمع.

يحصل خريجو كليات المجتمع على فرصة لتطوير معارفهم بنفس مستوى خريجي الكليات والجامعات التقليدية، لكن يكمن الفارق عادةً في تكاليف الدراسة في كلٍّ من النوعين؛ إذ يدفع الطلاب في البرامج التابعة للجامعات التقليدية نفقات أكبر.

بالنظر إلى أنَّ المهارات في كلا النوعين من التعليم متماثلة تقريباً، ومع انخفاض تكاليف كليات المجتمع، يُنصَح الأفراد الذين لا يستطيعون إكمال دراستهم الجامعية بالالتحاق بكليات المجتمع، أمَّا الذين يلتحقون بالجامعة، فمن الأفضل لهم إكمال دراستهم حتى لا تضيع الأموال التي دفعوها والوقت الذي خصصوه للدراسة دون فائدة.

إقرأ أيضاً: نصائح للخريجين الجدد لبدء مشوارهم المهني

في الختام:

يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristotle): "يختلف المتعلمون عن غير المتعلمين كما يختلف الأحياء عن الأموات".

ما عناه أرسطو ينطبق أيضاً بشكل أوسع على عصرنا، ففي عالم اليوم المليء بالتنافس لا يمكن للفرد أن يثبت جدارته دون مهارة أكاديمية، والتعليم الجامعي هو الأسلوب الأكثر شيوعاً ودقةً ونجاعةً من حيث كسب المهارات وتطوير القدرات، ولا شكَّ أنَّ أي شخص يحتاج إليه.




مقالات مرتبطة