كيف نصبح أشخاصاً جديرين بالثقة؟

كوني زوجاً وأباً، فمن أكثر الأمور التي أتوق إليها في حياتي هي أن يثق بي أحبائي؛ فهو أمر أرغب في تحقيقه مع فريقي وقُرَّائي وعملائي الذين أقدم لهم الكوتشينغ؛ فقد عملتُ بجد على مر السنين لأصبح أكثر أهلاً بالثقة، إنَّه لأمر مذهل للغاية عندما يبدأ الناس الوثوق بك؛ فحينما تثق بك زوجتك وأطفالك، يذوب قلبك من حلاوة ذلك الشعور؛ إذ ينعمون بالراحة ويشعرون باهتمامك بهم، وعندما يثق بك عملاؤك، يمكنك التعمق أكثر معهم في شؤونهم، وأما عندما تثق بنفسك، يمكنك الاستمتاع أكثر في أي نشاط تمارسه؛ إذ إنَّ لاستحقاق الثقة سحراً من نوعٍ خاص.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "ليو بابوتا" (Leo Babauta)، والذي يُحدِّثُنا فيها عن تجربته في أن يكون أكثر جدارة بالثقة.

في هذا المقال أودُّ مشاركة بعض ما تعلمتُه، ولكن لأكون واضحاً؛ أنا لست شخصاً مثالياً ولا أفعل كل شيء دائماً على أكمل وجه؛ إذ لا يتعلق الأمر بالكمال بقدر ما يتعلق بكونك شخصاً يمكن للناس الاعتماد عليه، بما في ذلك تحمُّل مسؤولية تقصيرك فيما كانوا يتوقعونه منك.

إنَّ الزواج مثال رائع عن الطريقة التي يمكن أن يغير فيها سحر الثقة الأمور؛ إذ يتوق أحد الشريكين إلى نيلِ حب شريكه المتقد، ولكنَّه لا يستطيع منح هذا المستوى حبه كاملاً ما لم يشعر بالراحة، ولن يتمكن من ذلك طالما ينتابه القلق دوماً بشأن ما إذا سيتولى الاهتمام بأمور حياتهما، أو ما إذا كانت حياته آمنة معه، أو ما إذا كان سيفي بما وعد أن يفعله؛ إذ عملتُ مع عدد كبير من الرجال الذين قالوا إنَّ هذه إحدى أكثر الأمور التي تشتكي منها زوجاتهم.

عندما لا يثق بنا شريكنا ويشكو من أنَّنا لا نلتزم بما نقول إنَّنا سنفعله، نَعُدُّ ذلك نقداً، فنتساءل في سرنا: "لماذا يشتكي مني دائماً؟"؛ ولكنَّ ما نغفل عنه هو فهم ما يعايشه بالضبط؛ إذ يقلق بشأن أمور ليس مضطراً لأن يقلق بشأنها؛ فهو في حالة توتر دائم ولا يستطيع الشعور بالراحة الكافية ليمنح شريكه عاطفته كاملةً.

عندما يتمكن من التنعم بالراحة، ويتأكد من أنَّ شريكه يهتم بالأمور التي يتعيَّن عليه الاهتمام بها، يستطيع منحه حبه بوفرة وسهولة أكبر، وهو ما نتوق إليه جميعاً، وهنا يكمن سحر ثقة أحبائنا بنا؛ إذ يشعرون فجأة براحة أكبر ويتدفق حبهم بسهولة وغزارة أكثر.

لقد تبين أنَّ هذه هي الطريقة التي تنجح من خلالها جميع العلاقات غالباً، بما في ذلك العلاقات المهنية؛ فحينما يثق الآخرون بنا ويشعرون بالراحة حولنا، تتعمق علاقتنا بهم أكثر.

كيف تصبح أكثر جدارة بالثقة؟

عندما نفهم كيف ينجح كل ما ذكرناه آنفاً، يبقى أن نسأل: "كيف نصبح أكثر جدارة بالثقة؟" وإجابتي هي أنَّ ذلك لا يحدث بين عشية وضحاها؛ فهي عملية لا تعرف الانتهاء مثل أي أمر ترغب في إتقانه، ولكن من الممكن أن تنمو بصورة هائلة، وإليك النصائح الآتية لتحقيق ذلك:

1. ابذل قصارى جهدك للالتزام بما تقوله:

يعني هذا أنَّه حينما تقول إنَّك ستفعل شيئاً ما، فعليك حقاً الالتزام بتحقيقه حتى لو تطلب ذلك أحياناً التضحية ببعض راحتك؛ إذ عليك أن تعطي الأولوية لذلك وتأخذ الأمر على محمل الجد.

2. اعترف بالأمر عندما لا تتمكن من الوفاء بما وعدت به:

أَخبِر الآخرين مسبقاً بأنَّك لن تتمكن من القيام بما وعدتَهم به، وأما إذا أخطأت، فتحمَّل مسؤولية ذلك وقدم اعتذارك وأخبرهم بما ستفعله في المستقبل لتجنُّب تكرار الخطأ ذاته، ثم افعل ما عليك القيام به لإصلاح الأمر.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لبناء علاقات إيجابيّة مع الآخرين

3. تنفَّس بعمق وبطء:

حينما نشعر بالتوتر والقلق، سيشعر الآخرون بذلك أيضاً، ولكن عندما نقف بثبات ونتنفس بعمق ونتريث، فيشعرون بأنَّنا أكثر صلابة وأهلاً بالثقة؛ إذ إنَّه عبارة عن عملية تعلُّم في نهاية الأمر؛ حيث سنمر بلحظات من القلق، ولكن يمكنك تعلُّم التنفس بعمق حتى حينها، كما ستمر عليك لحظات من التململ والتوتر، ولكن تستطيع تعلُّم الإبطاء من وتيرتك حتى عندما يراودك هذا الشعور؛ وذلك من خلال الممارسة.

4. أَنشِئ نظاماً لنفسك وللآخرين:

عندما تلتزم بإنجاز أمور معيَّنة؛ كالاعتناء بالسيارة وشراء الحاجيات ودفع الفواتير، سيساعدك إنشاء نظام مثل جدول مواعيد مع تذكيرات، وقد تضطر إلى تغيير نظامك في حال ظهر أمر طارئ، ولكنَّ وجود نظام يساعدك والآخرين على التأكُّد من أنَّك تهتم بجميع الأمور، فحاول وضع نظام للآخرين إذا كان الأمر يخدمهم، ودون إجبارهم على ذلك؛ إذ يمكنك اقتراح خطة أو جدول زمني أو اتخاذ قرار واضح أو اتفاق.

5. أصغِ إلى الآخرين حينما يشتكون من شيء لم تفعله:

أفسح لهم المجال للتعبير عن شكواهم، وانظر ما إذا كانت هناك طريقة يمكنك من خلالها مساعدتهم بدلاً من أخذ الأمر على محمل شخصي، ولكن احرص على الإصغاء إليهم أولاً وفهمهم، ومن ثم فكِّر فيما يمكنك القيام به لإصلاح الأمر، وضَع خطةً كي يثقوا بأنَّك ستنجز ما عليك إنجازه لإصلاح أيَّة فوضى أحدثتَها عن طريق الخطأ؛ إذ لستَ مضطراً إلى الشعور بالذنب أو الخجل؛ بل يكفي أن تفهمهم فحسب.

6. خذ الأمور على محمل الجد:

خذ الأمور على محمل الجد، ولكن لا تبالغ في ذلك؛ إذ لا ضير في التمتع بروح الدعابة، ولكن إذا تجاهلتَ مخاوفهم أو أخبرتَهم بألا يقلقوا، فسيقلقون بالتأكيد؛ إذ إنَّهم لن يثقوا بأنَّك ستبذل قصارى جهدك لإنجاز الأمور؛ لذا أصغِ إلى ما يثير قلقهم، ودعهم يرون أنَّك ستتولى الأمر.

7. تحمَّل المسؤولية التامة:

تحمَّل المسؤولية - لا سيما حينما تهمُّ بإلقاء اللوم على الآخرين - وانظر إلى ما قد فعلتَه لتتسبب بحدوث الأمر بدلاً من ذلك؛ فلربما لم توضِّح كلامك، أو لم تتوصل إلى اتفاق حول الأمر، أو لم تقدِّر ما فعله الآخرون من أجلك، أو لم تكن تهتم بالأمور؛ فعندما تعتقد أنَّك لست مضطراً إلى تحمُّل المسؤولية، فهذا هو الوقت الذي يتعيَّن عليك فيه تحمُّل المزيد.

إقرأ أيضاً: كيف تميز الفارق بين اللوم والمسؤولية؟

8. اعتنِ بنفسك:

إذا كنت لا تستطيع الاعتناء بنفسك، فكيف يمكن أن يثق بك الآخرون لتعتني بهم؛ إذ يشمل ذلك ترتيب الفوضى التي تُحدِثها والاعتناء بنظافتك الشخصية والاهتمام بمشاعرك وإراحة نفسك عندما تشعر بالتوتر أو الإرهاق، فأن تكون جديراً بالثقة لا يعني أنَّه عليك تحمُّل الكثير؛ وهذا يؤدي إلى إرهاقك.

9. ابحث دائماً عن طرائق لتكون أكثر جدارة بالثقة:

ما هو السبب الذي أدى إلى فقدان الآخرين الثقة بك؟ وهل هناك ما يمكنك فعله لتسترد تلك الثقة؟ وما هو الأمر الذي تجنَّبتَ تحمُّل مسؤوليته؟ لديك مجال واسع لتحقيق النمو في الأمور هذه كلها؛ إذ ليس عليك أن تكون مثالياً، ولكن يمكنك الاستمرار في النمو دوماً.

إذا طبَّقتَ بعض النصائح هذه، فأراهن على أنَّ الأمور ستتغير إلى الأفضل في جميع علاقاتك؛ فالشعور الذي ينتابك حينما يثق الناس بك رائع للغاية.

المصدر




مقالات مرتبطة