كيف تهرب من فخ الذنب الذي يتبع السعادة؟

ستجد أموراً تدفعك إلى القلق والغضب من أصغر القضايا إلى أكبرها عندما تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو تشاهد الأخبار، حيث إنَّ العالم يعجُّ بالظلم والمعاناة، حيث أثبتَت هذه الجائحة ذلك، حتى لأكثر الناس الغافلين عن واقع الأمور منا.



ورغم ذلك، لا نستطيع عدَّ هذه المعاناة واحدةً بين الناس جميعاً، مما يثير شعوراً بالذنب في نفوس مَن هم أفضل حالاً من غيرهم، فيظنون أنَّ الرضا عن الحياة أمرٌ يُظهِر انعدام إحساسهم بالمسؤولية، وأنَّهم لا يلقون بالاً لمشكلات العالم؛ ولذا ينصرف بعض الناس إلى الحزن أو الغضب لإظهار اهتمامهم.

إلا أنَّ الدراسات تُظهِر أنَّ تلك التصرفات ما هي إلا طريقة سريعة لتتحول إلى شخص غير راضٍ عن الحياة بحق، فمن خلال إظهار كآبتك، لن تستطيع أن تخفِّف معاناة الآخرين؛ بل ينبغي أن تسعى إلى تحقيق السعادة حتى عندما تظهر مخاوفك حول الأخطاء التي يجب أن تُصحَّح، بل وإنَّ سعادتك ستكون أكثر فاعليةً في جعل العالم مكاناً أفضل.

وجميعنا على دراية بظاهرة "الضحك من الخارج والبكاء من الداخل"، وقد لقي ذلك بعض الاهتمام من الباحثين الذين يجدون عموماً أنَّ التصرف بسعادة أكبر يؤدي إلى مزيد من العافية، وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ التصرف بسعادة قسراً قد يخلِّف عواقب وخيمة، بدءاً من الاكتئاب إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، إذاً ما يجب فعله واضح إلى حد ما: أن تتصرف وفقاً للطريقة التي تريد أن تشعر بها دون أن تطلب من الآخرين أن يتصرفوا وفقاً للطريقة التي تريدهم أن يشعروا بها.

وقد يكون للظاهرة المعاكسة؛ أي "البكاء من الخارج والضحك من الداخل" بعض الفوائد المحدودة، وهناك بعض الأدلة على أنَّ إظهار العواطف السلبية مثل: الحزن والغضب والملل يمكِن أن يساعدنا في الحصول على المزيد من التعاطف من الآخرين، بل ويجعلنا أكثر جاذبيةً، ولكن من المؤكد تقريباً لن تجعلنا أكثر سعادة.

إذا وجدتَ نفسك تُظهِر الحزن أكثر مما تشعر به في الواقع، فقد تعاني من الخوف من السعادة وهي حالة تُدعى رهاب السعادة أو "تشيروفوبيا" (Cherophobia)، وطبقاً للبحث فإنَّ رهاب السعادة ينبع من الاعتقاد بأنَّ السعادة ستجلب سوء الحظ، وأنَّ التعبير عن السعادة أو السعي إليها أمرٌ سيءٌ بالنسبة إليك، أو أن تكون سعيداً يجعلك شخصاً سيئاً، وهناك أدلة على أنَّ ذلك ينتشر أكثر في المجتمعات المتديِّنة.

يجعلك الإحساس بالسعادة شخصاً سيئاً أو على الأقل شخصاً غير متعاطف بشكل مروع، حيث قد يكون ذا صلة خاصة بالثقافة السياسية المعاصرة، ففي حين لم تكن هناك حتى الآن دراسات تتضمن العلاقة بين رهاب السعادة والنشاط السياسي، فمن السهل أن تخشى استنكار الجميع لعدم إظهار الجدية الكافية في التعامل مع أمر سلبي في بيئة تسعى إلى الاحتجاج.

هناك مشكلتان كبيرتان في هذه التصورات؛ فأولاً، يؤدي التصرف بحزن إلى التعاسة الحقيقية، ولقد أظهر الباحثون أنَّ وصف النفس بالاكتئاب من شأنه أن يدفع الناس، وخاصة الشباب، إلى التفكير سلباً في أنفسهم وتعرُّضهم للاكتئاب، وبالمثل: فإنَّ التصرف بغضب يمكِن أن يجعلك أكثر غضباً، ويرتبط رهاب السعادة بحد ذاته بانخفاض نسبة الرضا عن الحياة.

ثانياً، إنَّ التعاسة أو الغضب أو الاكتئاب بشأن مشكلات العالم لن يجعل العالم أفضل؛ بل على العكس من ذلك، فقد وجدَت الأبحاث منذ أمد بعيد أنَّ تعابير وجوهنا ومشاعرنا، بما فيها السلبية منها معديةٌ للغاية، وقد يكون رهاب السعادة ينبع من التعاطف، ولكن لن يفيد ذلك في شيء سوى مضاعفة بؤس الذين يعانون بالفعل.

شاهد بالفيديو: 7 حكم تساعدك على إيجاد السعادة

وينبغي ألا يتعارض الاهتمام بمشكلات العالم مع رغبتنا في أن نكون سعداء، وإليك بعض النصائح لموازنة الاثنين:

1. انظر في الأمور التي تجعلك تعيساً:

إذا كنتَ تجد نفسك منزعجاً دائماً أو تشتكي باستمرار من العالم، فقد تكون في الواقع غير راضٍ عن جوانب من حياتك، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي العمل على فهم مشاعرك من خلال تقبُّلها، وإذا لزم الأمر معالجتها، أو على الأقل نتعلم المزيد عنها، فالأمر الذي قد يعود بفوائد هائلة.

ولكن يجب أن تسأل نفسك أيضاً إذا كنتَ تعزز الجوانب السلبية من الحياة، وتقلل الإيجابيات، فهل من الممكن أنَّك تعاني من رهاب السعادة؟ فإذا كان الأمر كذلك، تذكَّر أنَّك تخاطر بأن تصبح شخصاً غير سعيد دون أن يفيد ذلك الحزن الآخرين.

إقرأ أيضاً: 5 عادات خاطئة يجب أن تبتعد عنها لتتخلص من التعاسة

2. فكِّر بطريقة إيجابية:

إذا كانت لديك وجهات نظر قوية بشأن موضوع ما، فربما تريد تغيير الطريقة التي يفكر بها الآخرون؛ لذا اسأل نفسك: ما هو الأكثر إقناعاً: الغضب والكآبة أم الفرح ومشاعر الدفء؟ يفهم الإيجابيون هذا المبدأ جيداً وهذا هو السبب أنَّه مهما كانت رؤيتهم تزعجك، فهُم دائمي التبسم.

عليك تبنِّي روح المفعمين بالإيجابية، وتتذكر أنَّ قضيتك هي هدية للآخرين؛ لذا قدِّمها لهم دون كراهية أو احتقار أو خوف؛ حتى لو كنتَ غاضباً من الحاضر، فابتسِم عندما ترى المستقبل أفضل.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

3. استدعاء رائد الأعمال الكامن في داخلك:

تخيَّل أنَّك تلقَّيتَ فرصةً كبيرةً في عالم ريادة الأعمال، فقد ترغب في أن تبدو متحمِّساً قدر الإمكان أمام المستثمرين المحتملين؛ لأنَّك إذا تصرفتَ بغضب ومرارة لأنَّ أحداً لم ينتهز الفرصة بعد، فلا أحد سيرغب في الاستثمار معك.

إذا كنتَ تعتقد أنَّ هناك فرصة لجعل الأمور أفضل من خلال التغيير الاجتماعي، فمن المحتمل أن تُحقِّقها حينما تكون متَّقداً بالحماس.

ليس عليك أن تتظاهر بأنَّ الوضع الراهن على ما يرام، ولكنَّ التفاؤل بالتغيير الإيجابي هو أفضل طريقة لجعل الناس يرغبون بأن يكونوا جزءاً من ذلك التغيير؛ وبدلاً من التفكير في أنَّ القضايا التي تثير قلقك هي مشكلات غير قابلة للحل أو مصدر للبؤس المستمر، تعامَل معه كمشروع، وإذا شعرتَ بأنَّه أمر مُضنٍ، فقسِّم الهدف النهائي الخاص بك إلى خطوات صغيرة أكثر قابلية للتحقيق، واسمح للجهد الذي تبذله بتنشيطك، ودع الآخرين يرون تلك الطاقة.

في الختام:

لا حاجة لقمع أو دفن سعادتك تحت أنقاض التذمر والغضب؛ بل إنَّ إظهار الفرح في قلوبنا ومشاركته مع الآخرين سيحسن حياتنا.

المصدر




مقالات مرتبطة