كيف تكون سعيداً وناجحاً وتحافظ على صحتك؟

فكِّر في المشكلات الأكثر شيوعاً التي نتعامل معها في حياتنا، كالكسل، وقلة التمرين، والحميات غير الصحية، والتسويف وما إلى ذلك، ففي معظم الحالات، لا تنتج مثل هذه المشكلات عن مرض جسدي، بل بسبب ضعف في العقل، وهو ضعف يحثُّنا على تجنب الانزعاج وعدم الراحة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Mark Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن النجاح والسعادة والبقاء بصحة جيدة.

عدم الراحة هو شكل من أشكال الألم، لكنَّه ليس ألماً عميقاً، بل ألم سطحي، فهو الشعور الذي ينتابك عندما تكون خارج منطقة راحتك؛ إذ تسبِّب فكرة ممارسة الرياضة في أذهان كثير من الناس، على سبيل المثال، عدم الراحة؛ لذلك لا يمارسونها، وينطبق الأمر ذاته على تناول الخضروات أو ممارسة التأمل، أو التركيز على مهمة صعبة، أو قول لا للآخرين.

هذه مجرد أمثلة، لأنَّ البشر مختلفون ويشعرون بعدم الراحة في أشياء مختلفة، فإنَّ معظمنا لا يريد أن يكون إلَّا مرتاحاً؛ لذلك نحن نهرب من الانزعاج باستمرار، وتكمن المشكلة في هذا، في أنَّه من خلال الهروب من الشعور بعدم الراحة، فإنَّنا مقيَّدون بممارسة الأنشطة واتخاذ الفرص المتوفرة داخل نطاق منطقة راحتنا، ونظراً لأنَّ مناطق الراحة لدينا صغيرة نسبياً؛ فإنَّنا نفقد معظم تجارب الحياة الأكثر صحة، ونعلق في دوامة الإنهاك، دعونا نستخدم النظام الغذائي والتمارين الرياضية كمثال:

  1. في البداية، تتدهور صحتنا لأنَّ تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة أمر غير مريح؛ لذلك نختار الطعام غير الصحي المريح ومشاهدة التلفاز طوال الوقت بدلاً من ذلك.
  2. لكن بعد ذلك، كون انعدام الصحة أمر غير مريح أيضاً؛ فنسعى إلى تشتيت أنفسنا عن حقيقة أجسادنا غير الصحية من خلال تناول مزيد من الأطعمة غير الصحية، ومشاهدة مزيد من برامج الترفيه غير الصحية، والذهاب إلى التسوق لشراء أشياء لا نريدها أو نحتاج إليها حقاً، ويزداد الوضع سوءاً.

إذ إنَّ الفعل البسيط المتمثِّل في تحمُّل القليل من عدم الراحة كل يوم، واتخاذ خطوة صغيرة واحدة في كل مرة، يمكن أن يحل معظم مشكلاتنا المشتركة، ويجعل عقولنا أكثر سعادة وصحة وأقوى على الأمد الطويل.

تقوية العقل من خلال القيام بخطوة صغيرة وصعبة في كل مرة:

منذ سنوات، عندما كنت مهووساً في التدرب على رفع الأثقال وتدريب القوة البدنية، تعلَّمت تدريجياً أنَّه لا يمكنك الالتزام حقاً بأي هدف إذا كان لديك عقل ضعيف لا يرغب في الشعور بعدم الراحة، ولمكافحة هذا، كتبت سؤالين بسيطين على ورقتين ووضعت إحداهما على مرآة الحمَّام والأخرى داخل خزانتي في النادي الرياضي:

  1. كم عدد التمارين التي فوَّتها لأنَّ عقلك وليس جسدك أخبرك أنَّك متعب جداً؟
  2. كم عدد التمارين التي تخطيتها لأنَّ عقلك وليس جسدك أخبرك أنَّك لا تحتاج إليها؟

ربما تكون الإجابة عن السؤالين "مئات المرات" بالنسبة إلى معظم الأشخاص، بمن فيهم أنا، فضعف العقل هو قاتل حقيقي للأحلام، والطريقة الوحيدة لإصلاح هذا الضعف هي الممارسة اليومية، ففي كثير من الأحيان نعتقد أنَّ القوة العقلية تقتصر على كيفية استجابتنا للظروف الشديدة، كأدائنا في خطاب رسمي، أو قدرتنا على استعادة عافيتنا العاطفية بعد تعرضنا للخيانة، أو استعادة صحتنا بعد تعرضنا لحادث أليم.

لا يوجد شك في أنَّ الظروف الشديدة تختبر شجاعتنا وتصميمنا وقوتنا العقلية، لكن ماذا عن الظروف اليومية العادية؟ تماماً مثل كل عضلة في الجسم، يحتاج العقل إلى التمرين لاكتساب القوة، ويحتاج إلى العمل باستمرار لينمو ويتطور مع مرور الوقت.

لذا؛ إذا لم تدفع نفسك بمئات الطرائق الصغيرة مع مرور الوقت، ستنهار في اليوم الذي تصبح فيه الأمور صعبة حقاً، لكن لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو، اختر الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية عندما يكون النوم أكثر راحة، وأداء التمرين العاشر عندما يكون التوقف عند التمرين التاسع أكثر راحة، ورفع يدك وطرح سؤال إضافي عندما يكون الصمت أكثر راحة.

أثبت لنفسك، بمئات الطرائق الصغيرة أنَّ لديك الشجاعة لتصارع الحياة؛ إذ تُبنى القوة العقلية من خلال كثير من الانتصارات اليومية الصغيرة، كما أنَّ الخيارات الفردية التي نتخذها يومياً هي التي تبني قوتنا الذهنية، فكلنا نريد هذا النوع من القوة، لكن لا يمكننا امتلاكها، فإذا كنت ترغب في ذلك، عليك أن تفعل شيئاً حيال ذلك بطريقة روتينية؛ فروتينك اليومي الإيجابي هو الذي يثبت ثباتك الذهني على الأمد الطويل.

عندما تصبح الأمور صعبة بالنسبة إلى معظم الناس، فإنَّهم يجدون شيئاً أكثر راحة للقيام به، وعندما تصبح الأمور صعبة على الأشخاص الأقوياء عقلياً، فإنَّهم يجدون طريقة للبقاء على المسار الصحيح مع روتينهم اليومي الإيجابي.

شاهد بالفيديو: 20 قيمة في الحياة تقودك إلى السعادة والنجاح

كيف تتقبَّل الشعور بعدم الارتياح؟

قد تبدو فكرة بناء قوة عقلية كافية للتعامل بأريحية مع شعور عدم الراحة أمراً شاقاً، لكنَّها في الحقيقة ليست كذلك، فهو سهل نسبياً عندما تخطو خطوة واحدة في كل مرة، فهذا ما اكتشفناه أنا وزوجتي ونفذناه عندما كنَّا نمرُّ في فترة صعبة جداً ونحاول إعادة حياتنا إلى المسار الصحيح؛ إذ بدأنا نتقبَّل مزيداً من الشعور بعدم الراحة، من خلال محاولة العيش بممتلكات مادية أقل وديون أقل، لكنَّنا كرهنا شعور عدم القدرة على شراء الأشياء عندما أردناها، ففي البداية، كان من غير المريح حقاً مقاومة هذه الرغبة القوية.

لكن، قاومتها عقولنا، وحاولنا الهروب من هذا الشعور بعدم الراحة، واختلاق جميع أنواع الأعذار لشراء أشياء لم نكن نحتاج إليها، لكنَّنا تعلَّمنا أن نكون أشخاصاً نتحمَّل عدم الراحة، ونواصل المسار من خلال تقليل الإنفاق كل أسبوع، فعندما فعلنا ذلك، تدريجياً، أصبح الإنفاق أقل أسهل، ولم ينته عالمنا، بل أصبح أفضل؛ إذ كنَّا غير مرتاحين قليلاً لبعض الوقت، ثمَّ لم نعد كذلك.

ثمَّ شهدتُ نفس العملية تحدث مع نظام تماريني اليومي، فلم أكن أرغب في رفع الأثقال؛ لأنَّه كان صعباً جداً، فاختلق عقلي أعذاراً كثيرة، ووجدت طرائق لتجنُّب الذهاب إلى الصالة الرياضية، لكن بعد ذلك راقبت نفسي، واستسلمت للانزعاج، تدريجياً، ولم يكن الأمر صعباً كما كنت أتخيَّل.

لقد رفعت الأثقال وأحببتها، ثمَّ رأت زوجتي تقدمي، وبدأت في التمرين أيضاً، كرَّرنا أنا وهي هذه العملية لتحسين نظامنا الغذائي، ومحاربة التسويف، وتخطي الصعاب، وغيرها؛ إذ إنَّ تقبُّل الانزعاج، وبناء قوتنا العقلية تدريجياً، كان بسهولة أكبر مفتاح لسعادتنا ونجاحنا على الأمد الطويل، فإذا تمكَّنت من تعلُّم كيفية الشعور بالراحة مع الانزعاج، ستختفي العقبات من حياتك وتزداد الفرص فيها.

إقرأ أيضاً: أهمية النجاح في الحياة وأهم الطرق لتحقيقه

إليك بعض النصائح لتساعدك على البدء:

  • حاول أن تتقبَّل الشعور بعدم الراحة على دفعات صغيرة، من خلال بناء روتين يومي إيجابي لدعم أهدافك، فإذا كنت لا ترغب في ممارسة الرياضة، على سبيل المثال، يمكنك المشي لمدة 5 دقائق حتى نهاية الحي الذي تسكن فيه والعودة كل صباح قبل الإفطار، لا تفرط في التفكير؛ فقط ارتد حذاءك وانطلق، ربما لن يعجبك الأمر كثيراً في البداية، ولا بأس بذلك، فليس عليك أن تحبه حتى تشعر بالرضى عن إنجازه.
  • انتبه لميلك لتجنب الانزعاج، فما هي المهام أو الأهداف أو المشكلات التي كنت تتجنبها لمجرد أنَّها تجعلك تشعر بعدم الارتياح إلى حدٍّ ما؟ وما هي الأفكار الجيدة التي كنت ترفضها؟ وما هي المشكلات التي لديك والتي تنبع مباشرة من عدم الرغبة في قبول بعض الانزعاج؟ وما الذي سمحت لعقلك بتقديم الأعذار عنه؟ أدرِك عدم قدرتك على تحمل انعدام الراحة، واكتشف ما إذا كان في إمكانك البدء في اتخاذ خطوات صغيرة إلى الأمام واحدة تلو الأخرى.
  • ركِّز على مشاعرك عندما تشعر بعدم الارتياح، فهل أنت غاضب أم خائف أم قلق أم حزين؟ بدلاً من تجاهل تلك المشاعر، واجهها وتقبَّلها وافهمها.

على سبيل المثال، إذا وجدت نفسك تسوِّف في مهمة صعبة، تخلَّص من المشتِّتات، واجلس لإنجاز المهمة، ولا تنتقل إلى شيء آخر، وتقبَّل الشعور غير المريح الذي يترافق مع التعامل مع المهمة الصعبة التي بين يديك، كيف تشعر بها؟ وهل تشعر بألم عميق؟ أم أنَّك حقاً بخير؟ خذ نفساً عميقاً، ثمَّ اتخذ الخطوة التالية الصغيرة.

  • ضع نفسك في مواجهة تحديات صغيرة غير مريحة، فما عليك سوى القيام بأشياء غير مريحة قليلاً على فترات منتظمة: ألقِ التحية على الغرباء، وتحدَّث بعاطفية، وأخبر شخصاً ما عن مدى أهميته لك، وقل لا للناس عندما تعلم أنَّه يجب عليك ذلك، واذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، وتناول الطعام الصحي.
إقرأ أيضاً: 6 خطوات سهلة للحصول على السعادة الأبدية

في الختام:

اتبع النصائح أعلاه، وستتعلَّم تدريجياً أنَّ الانزعاج يمكن أن يكون شيئاً جيداً للغاية، فعندما تكون غير مرتاح، تحاول القيام بأشياء جديدة، وتتعلَّم، وتوسِّع آفاقك، وتصبح أكثر ممَّا كنت عليه في أي وقت مضى قبل؛ إذ يعدُّ الشعور بعدم الراحة في معظم الحالات، علامة على أنَّ عقلك وجسدك على حدٍّ سواء يزدادان قوة، وتقترب من أن تصبح الشخص الذي طالما حلمت أن تكونه.




مقالات مرتبطة