كيف تقتل الإبداع في مؤسستك؟

تقول البروفيسورة "تريزا أمابايل" (Teresa Amabile): "عندما أفكِّر في جميع المنظمات التي دَرّسْتها وعملت معها على مدى السنوات الـ 22 الماضية، فلا شكّ في أنَّ الإبداع يُقتَل في كثيرٍ من الأحيان، ويُدعَم في مناسباتٍ قليلةٍ جداً".



لنبدأ القصة من البداية: ليس لدى القادة ثأرٌ ضد الإبداع، بل على العكس يؤمن معظمهم بقيمة الأفكار الجديدة والمفيدة، وبأهمية الإبداع في مؤسساتهم. ومع ذلك، يُقوَّض الإبداع بشكلٍ غير مقصودٍ كلَّ يومٍ في بيئات العمل التي تتطلَّب الإبداع والابتكار من أجل زيادة متطلَّبات العمل، مثل: التنسيق، والإنتاجيَّة، والتحكُّم.

فالإبداع: القوَّة الدافعة وراء العديد من المنتجات والخدمات والشركات الجديدة حول العالم، حيث يخلق حلولاً لمشاكل قديمةٍ، ويقدِّم طرائقَ جديدةً للعيش في حياتنا اليوميَّة. ولكن على الرغم من الطبيعة التي لا غنى عنها للابتكار، فإنَّ العديد من الشركات لا تُعزِّز الإبداع تماماً في مكان العمل، بل إنَّها تعمل -في بعض الأحيان- ضدَّه. وسواءً أدركوا ذلك أم لا، فهناك العديد من الطرائق التي تقتل بها الشركات الإبداع يومياً، وهذا ليس سيئاً لتلك العقول المبدعة فحسب، بل وأيضاً للمؤسسة ككل. إذاً، ما الذي يمكن عمله؟

بطبيعة الحال، لا يمكن توقُّع أن يتجاهل القادة متطلَّبات الأعمال؛ وفي خضمّ توجيه الأعمال نحو هذه الضرورات، قد يتسبَّبون -عن غير قصد- بسحق الإبداع بشكلٍ منهجيٍّ ومنظَّم. تُظهِر الأبحاث أنَّه من الممكن تطوير كلا التوجهين:

  • بناء منظماتٍ تُلبَّى فيها متطلَّبات الأعمال.
  • ويزدهر فيها الإبداع في الوقت ذاته.

لكنَّ بناء مثل هذه المنظمات يتطلَّب منا أن نفهم بدقةٍ أنواع الممارسات القياديَّة التي تُعزِّز الإبداع وتلك التي تقتل الإبداع.

ماذا نقصد بالإبداع في مجال الأعمال؟

بالإبداع في مجال الأعمال

نميل عادةً إلى ربط الإبداع بالفنون، والتفكير فيه على أنَّه تعبيرٌ عن أفكار أصليَّةٍ للغاية فيما يُعرَف بالإبداع الشخصي (Small C). فمثلاً: قيام بابلو بيكاسو بإعادة اختراع اصطلاحات الرسم، أو قيام ويليام فولكنر بإعادة تعريف الخيال؛ كلاهما نوعان من أصالة الفكرة. في عالم الأعمال، الأصالة ليست كافية؛ ولكي تكون مبدعاً، يجب أن تكون الفكرة مناسبةً ومفيدةً وقابلةً للتنفيذ، كما يجب أن تؤثِّر -بطريقةٍ أو بأخرى- في طريقة إنجاز الأعمال. مثلاً: تحسين المنتجات، إيجاد طريقةٍ جديدةٍ للتعامل، بناء نموذجٍ مبتكرٍ في تقديم الخدمة، تقديم عروضٍ ترويجيَّةٍ مبدعةٍ (package promotion).

غالباً ما يؤدِّي الربط بين الإبداع والفنون إلى الارتباك، بحيث يبدو أن لا مكان للمبدعين في عالم الأعمال، فهم ينتمون إلى عالمٍ آخر. سُئِل مجموعةٌ من المديرين السؤال التالي: ما هو المكان الذي لا يرغبون فيه برؤية الإبداع في مؤسساتهم؟ -والسؤال هنا موجَّه إليك أيُّها القائد أيضاً- فماذا تتوقَّع الإجابة؟ أجاب حوالي 80٪ من المديرين: "إدارة المحاسبة". على ما يبدو أنَّهم يعتقدون أنَّ الإبداع مكانه فقط في إداراتٍ مثل: التسويق، والبحث والتطوير (R & D)؛ ولكنَّ الحقيقة: أنَّ الإبداع يفيد كلَّ وظيفةٍ من وظائف المنظَّمة، وحتَّى أنشطة إدارة المحاسبة -فهي قائمةٌ على إبداعاتٍ سابقةٍ- وكان تأثيره على الأعمال إيجابياً وعميقاً.

إلى جانب الخوف من الإبداع في إدارات المحاسبة، يخاف معظم القادة من تسرُّب الإبداع إلى الإدارات التي تتطلَّب عمليَّاتٍ منهجيَّةً أو لوائح قانونيَّة؛ ولعلَّ ذلك يرجع إلى النظرة الضيقة في فهم القادة للعملية الإبداعية. يبدو أنَّ الإبداع يرتبط في أذهان بعض القادة بالاختراعات، أو بحلِّ المشكلات بطرائق مبتكرةٍ، أو بإحداث تغييرٍ جذريٍّ في بيئة العمل. ولكنَّ الإبداع لديه خمسة أوجهٍ مختلفة سنتطرَّق إليها في مقالنا (مدارس التفكير الإبداعي ودور القيادة). أضف إلى ذلك، هناك جزءان آخران ضروريان لتكتمل صورة الإبداع في عالم الأعمال، وهما: الخبرة والتحفيز.

1. الخبرة:

تشمل الخبرة كلَّ ما يعرفه الشخص ويمكنه القيام به في المجال الواسع لعمله. خذ -على سبيل المثال- مهندساً يعمل في مجال هندسة الغاز، تشمل خبرته مجموع المعارف والمهارات الفنيَّة الأساسيَّة في مجاله، بالإضافة إلى المعارف والقدرات التقنيَّة التي تمتلكها مجالاتٌ أخرى مرتبطةٌ بمجال عمله، مثل: الكيمياء، والفيزياء، وهندسة البترول، والميكانيكا. لا يهمُّ كيف اكتسب هذه الخبرة، سواءً من خلال التعليم الرسمي الجامعي، أم الخبرة العملية، أم التفاعل مع المهنيين الآخرين، أم قراءاتٍ، أم ندواتٍ علمية، أم مؤتمراتٍ عالمية، أم حتَّى دورساً منهجيةً عبر منصَّاتٍ إلكترونيةٍ، مثل: اليوتيوب. وبغض النظر عن ذلك، فإنَّ خبرته تُشكِّل "شبكة التجوال المحتملة" -كما أَطلَق عليها الحائز على جائزة نوبل، والاقتصادي، وعالم النفس: هيرب سيمون (Herbert Simon)- وهي المساحة الفكريَّة التي يتحرَّك فيها المبدع، ويستخدمها لاستكشاف وحلِّ المشكلات؛ وكلَّما كبرت هذه المساحة، كان ذلك أفضل للمبدع من أجل إيجاد حلولٍ أكثر.

إحدى تعريفات التفكير الإبداعي أنَّه: كيفية تعامل الناس مع المشكلات والحلول. بمعنىً آخر: قدرتهم على تجميع الأفكار الحاليَّة معاً، وتقديمها في صورةٍ جديدة.

تعتمد المهارة نفسها -إلى حدٍّ ما- على الشخصية، وكذلك على كيفيَّة تفكير الشخص وعمله. وهنا ينبغي أن يُسمَح للمبدع بارتكاب الأخطاء؛ فالخبرة ما هي إلا مجموع أخطائنا، كما عبَّر عنها دينيس ويتلي: "تؤلمنا الأخطاء حين نقع فيها، لكن بعدها بسنوات، يصبح مجموع أخطائك ما نسميه (الخبرة)"، وعندما سُئِل مؤسِّس علي بابا عن الخبرة، قال: "أنا أفضِّل دراسة الأسباب الكامنة وراء فشل الأعمال، بدلاً من دراسة أسباب نجاحها؛ يقول الناس أنَّ قيادة (جاك ما) هي السبَّب في استمرار شركة علي بابا، وهذا غير صحيح؛ لأنَّني لست بذلك الذكاء، ولكنَّني أتعلَّم من الخبرة"، (من كتاب "لا تستسلم أبداً"، "جاك ما" مؤسس مجموعة "علي بابا").

إقرأ أيضاً: ما هي الوصفة السرية لتحقيق النجاح لكل من جاك ما، ودلاي لاما، وجيف وينر

2. التحفيز:

تعدُّ الخبرة والتفكير الإبداعي المواد الخام للأفراد لكي يبدعوا، وهي بمثابة مواردهم الطبيعية. لكنَّ العامل الثالث -التحفيز- يحدِّد ما سيفعله الناس في الواقع العملي. يمكن للباحث أو العالم الحصول على أرقى الشهادات العلميَّة من جامعاتٍ عالميةٍ متميِّزة؛ ولكن إذا كان يفتقر إلى التحفيز للقيام بتطبيق ذلك في عمله، فقدْ فقَدَ قدرته على توظيف موارده الطبيعية من الخبرة والتفكير الإبداعي في حياته. ولكن هل الحديث هنا عن التحفيز الداخلي أم الخارجي؟

تُظهر الدراسات أنَّه ليس لكليهما نفس التأثير على الإبداع، فالتحفيز الداخليّ أكثر أهميَّةً للإبداع. لكن دعنا نستكشف العوامل الخارجيَّة أولاً؛ لأنَّه غالباً ما يكون في صميم مشاكل الإبداع في الأعمال.

يأتي الدافع الخارجيُّ من خارج الشخص -سواءً كان الدافع الجزرة أم العصا- فإذا حُفِّز الشخص إمَّا بمكافأةٍ ماليةٍ مثلاً، أو تهديدٍ بالفصل من العمل، أو بالمنع من الترقيَّة؛ فسيكون لديه الدافع بالتأكيد لإيجاد حلول. لكنَّ هذا النوع من الدوافع يجعل الشخص يقوم بعمله من أجل الحصول على شيءٍ مرغوبٍ به، أو تجنُّب شيءٍ مؤلم.

من الواضح أنَّ المال هو الأكثر شيوعاً للتحفيز الخارجي، والذي لا يمنع الناس بالضرورة من الإبداع. ولكن في العديد من المواقف، لا يساعد المال، وخاصةً عندما يقود الناس إلى الشعور بأنَّهم يتلقَّون رشوةً، أو يُسيطَر عليهم أو يُستعبَدون تحت طائلة المكافآت المالية. الأهمُّ من ذلك، أنَّ المال في حدّ ذاته لا يجعل الموظَّفين متحمسين لوظائفهم، إذ لا يمكن للمكافأة النقدية أن تدفع الناس بطريقةٍ سحريَّةٍ إلى إيجاد عملٍ مثيرٍ للاهتمام؛ إذا كانوا يشعرون في ذواتهم بأنَّه مملٌ أو باهت. لا يمنع المال بالضرورة الناس من الإبداع؛ ولكن في العديد من المواقف، لا يساعد المال في إيجاد الحلول المناسبة.

لكنَّ التحفيز الداخلي المليء بالشغف والاهتمام، هو ما يدور حوله الإبداع. على سبيل المثال: سيكون الموظَّف شغوفاً بالعطاء، إن كان لديه إحساسٌ  بالتحدي، أو دافعٌ للتغلُّب على مشكلةٍ لم يتمكَّن أيُّ شخصٍ آخر من حلِّها. عندما يكون الناس متحفِّزين داخلياً، فإنَّهم ينخرطون في عملهم من أجل التحدّي والاستمتاع به (قد يكون العمل نفسه محفِّزاً).

في الواقع، هناك الكثير من الأدلة التي تؤكِّد مبدأ التحفيز الداخلي للإبداع. سيكون الناس أكثر إبداعاً عندما يشعرون بالدافع الداخلي في المقام الأول، متمَّثلاً بِـ: الاهتمام، والرضا الوظيفي، والتحديَّات الممتعة؛ وليس الضغوط الخارجية.

إقرأ أيضاً: التحفيز في القرن 21: تحفيز موظفيك في عالم متغير ومتجدد ومتسارع

دور القادة في تشجيع الإبداع في المؤسسات:

يمكن للقادة التأثير في جميع مكوِّنات الإبداع الثلاثة: الخبرة، ومهارات التفكير الإبداعي، والتحفيز. لكنَّ الحقيقة: أن المكوِّنين الأوليين أكثر صعوبةً، ويستغرقان وقتاً في التأثير أكثر من الثالث.

قد تتشكَّل الخبرة من خلال الندوات العلمية، والمؤتمرات المهنية المنتظمة، وقراءة الكتب والمراجع والمجلَّات العلمية المتخصِّصة. بينما التفكير الإبداعي -وخاصةً التفكير الجانبي (lateral Thinking)- يمكن تحسينه من خلال التدريب الاحترافي، والتركيز على العصف الذهني، وحلِّ المشكلات، والأدوات المتجدِّدة التي يمكنه استخدامها في بيئة العمل. وهذا يتطلَّب الكثير من الوقت والمال والجهد الذاتي في سبيل اكتساب الخبرة، وتطوير مهارات التفكير الإبداعي لدى الأشخاص. وهي عمليةٌ مستمرةٌ ومحفوفةٌ بالإحباطات؛ فليس لدى الجميع القدرة على تشرُّب الخبرة وتوظيف المهارات بشكلٍ صحيح.

على النقيض من ذلك، تُظهِر الأبحاث الميدانية أنَّ الحافز الداخلي يمكن زيادته بشكلٍ كبيرٍ من خلال تغييراتٍ طفيفةٍ في بيئة المؤسسة. هذا لا يعني أنَّ القادة يجب أن يتخلَّوا عن تحسين الخبرة ومهارات التفكير الإبداعي، ولكن يجب أن يدركوا أنَّ تلك التي تؤثِّر على الدافع الداخلي ستؤدِّي إلى نتائج فوريَّةٍ أكثر.

إذا كانت هذه الممارسات الواضحة هي من تحرِّك الإبداع لدى موظفينا؛ فما الذي يقتل هذا الإبداع؟

لقد ناقشت العديد من الدراسات هذا الموضوع؛ وإليك أهمَّ الممارسات التي قد تقتل الإبداع من حيث لا ندري:

1. الابتعاد عن المخاطرة:

واحدةٌ من أهمِّ الممارسات: رفض الأفكار الجديدة على بيئة المؤسسة؛ لأنَّها مختلفةٌ عن الطريقة التي تعوَّدنا على القيام بها. قد تبدو الحُجّة منطقيةً، ولكن عندما نفكّر في الأمر يصبح من الواضح على الفور أنَّ هذا يتعارض تماماً مع غايات التفكير الإبداعي. فالإبداع الحقيقي نوعٌ من الدخول في منطقة المخاطرة، وفتح آفاقٍ جديدة، والخروج من دائرة الأمان، وتقديم أشياء جديدةً ومبتكرة.

إذا قمت بتحجيم الموظفين في نطاق عملهم الضيق والإبداع ضمن الحدود الحالية، فأنت بذلك تخلق بيئةً سيئةً للغاية للإبداع.

2. تقييد الحريَّات الفكرية:

يحتاج الموظفون إلى بعض التوجيه والتنظيم الإداري؛ لكي يزدهروا ويصبحوا مبدعين حقاً، بينما تقييد الحرية بوضع كمٍّ ضخمٍ من السياسات والإجراءات (Policy and Procedures)، إحدى الطرائق لقتل الروح الإبداعية بسرعةٍ كبيرة.

تتمثَّل إحدى الطرائق الشائعة في حدوث ذلك بـِ: التوضيح للموظفين أنَّ الأساليب الجديدة لفعل الأشياء غير مرحبٍ بها، أو إجبارهم على العمل في حدودٍ ضيقةٍ ومحكمةٍ؛ للوصول إلى أهدافهم. عوضاً عن ذلك، ينبغي للقائد أن يوضِّح أنَّ هناك العديد من الطرائق للوصول إلى النتيجة المرجوة، ومنح الموظفين بعض الحرية في أن يكونوا مبدعين وفقاً لشروطهم الخاصة.

3. تقنين الموارد:

يمكن للإبداع أن يزدهر في معظم الحالات، وحتَّى الصعبة منها، فالحاجة أمُّ الاختراع. ولكن بشكلٍ عامٍّ، يستغرق الأمر موارد مستمرةً من: الوقت، والمال، والعنصر البشري، والإمكانيات؛ فالإبداع في ظلِّ موارد قليلة أو معدومة، وفي إطارٍ زمنيٍّ قصيرٍ جداً؛ يُصبح بمثابة أماني العاجزين.

تثبط هذه الممارسات الموظفين بسرعةٍ كبيرةٍ، وتتركهم مستائين وكارهين لوظائفهم، وقد يغادرون المؤسسة في نهاية المطاف. دور القائد هنا أساسيٌّ لتعزيز البيئة الإبداعية، من خلال توفير ما يكفي من الوقت والموارد للقيام بعملهم بفعاليَّة.

4. الإدارة الدقيقة (Micro-managing):

تُعدُّ محاولة القيادة التحكُّمَ بأيِّ شيءٍ وكلِّ شيءٍ في العمل اليومي، وصولاً إلى التفاصيل الصغيرة - إعداماً بطيئاً للإبداع في بيئة العمل.

في الواقع، تنتهي هذه الممارسات بالإدارة إلى التخلُّص من أفضل المواهب الإبداعية، والإبقاء على أولئك الأقلّ قدرةً ومهارةً والذين ربَّما يحتاجون إلى إشرافٍ مكثَّفٍ ومستمر؛ من قبل ما يُعرَف بـ: التنفيذيين. يولِّد هذا النوع من الإدارة الدقيقة مزيداً من: الإحباط، وتضييع الوقت، وقتل الروح المعنوية. وفي نهاية المطاف، يشعر الموظفون أنَّ القيادة لا تثق بهم ولا بإنجازاتهم.

نصيحة للقائد: إن كنت تريد حقاً تعزيز بيئةٍ إبداعيةٍ في مكان العمل؛ فعليك أن: تبتعد قليلاً، وتترك التفاصيل، وتقدِّم توجيهات عامَّة، وترسم خطوط الاستراتيجية، وتدع الأمر للمبدعين لتنفيذها.

5. تشكيل فرق عملٍ متآلفة:

قد نستغرب هذه الممارسة والتي تبدو مطلوبةً لنجاح الأعمال. عادةً، يتآلف الأشخاص المتشابهون فكرياً بشكلٍ جيدٍ "فالطيور على أشكالها تقع"، لكنَّ هذا ليس شيئاً رائعاً دائماً عندما يتعلَّق الأمر بالإبداع؛ إذ يدفعهم التشابه الفكري إلى التفكير في الحلول والأدوات نفسها، ولن يكون لديهم خلافاتٌ ترفع من مستوى التحدي في الفريق وتدفعه إلى القيام بشيءٍ استثنائِيٍّ.

يجب أن تتكوَّن الفرق من أشخاصٍ ذوي مهاراتٍ وقدراتٍ ووجهات نظرٍ، وحتَّى خلفياتٍ - مختلفة، حتَّى يتمكَّنوا من جلب عددٍ من الأساليب المختلفة إلى الطاولة عند محاولة حلِّ مشكلةٍ، أو تقديم أفكارٍ إبداعيةٍ، أو الخروج من عباءة التقليد. قد تشهد هذه الفرق الكثير من العواصف والصدامات، وتسبِّب الجلبة في أروقة المؤسسات، ولكنَّ النتائج -عادةً- تكون استثنائيَّة.

إقرأ أيضاً: ما الذي يرفع من أداء فريق العمل إلى مستويات عالية؟

6. التوظيف الخاطئ للطاقات:

نستحضر هنا الحكمة الإدارية القائلة: "الشخص المناسب في المكان المناسب"؛ فعدم تطابق الدور مع إمكانيات الشخص هو إحدى الطرائق الرئيسة التي يمكن للشركات من خلالها وضع عائقٍ أمام الإبداع. فعند إعطاء المهام، أو التكليف بالمشاريع، أو التوظيف للأشخاص الذين لا تتناسب قدراتهم مع المهام التي يُطلب منهم إنجازها؛ فإنَّنا نصنع عائقاً للإبداع. من الناحية المثالية، يجب أن يشعر الموظف كما لو أنَّه يواجه تحدياً في وظيفته -بشرط أن تكون في حدود قدراته- مع مراعاة الوقت المحدَّد، والجودة العالية. إذا لم تُستَوفى هذه الشروط؛ فسوف يعاني الإبداع، وكذلك الشركة.

7. عدم وضوح التغذية الراجعة:

من الصعب معرفة ما إذا كنت تحصل على النتائج التي تريدها الشركة، إذا لم يتم تزويدك بأيِّ ملاحظاتٍ بخصوص أفكارك الإبداعية؛ ومن المحتمل أن يجعلك هذا -مستقبلاً- أكثر تردداً في عملك، وأقلَّ ثقةً بنفسك أيضاً.

تحتاج الشركات والقادة إلى السماح لموظفيهم المبدعين بمعرفة متى يكون شيءٌ ما ناجحاً، أو متى يمكن أن يكون شيئٌ ما أفضل؛ لأنَّ التغذية الراجعة جزءٌ أساسيٌّ من العمليَّة الإبداعية، وبدونه يشعر الموظفون بالضياع، وعدم التقدير، وربما حتَّى الارتباك بشأن أهداف الشركة ودورهم في تحقيقها تلك الأهداف.

8. توقَّع نتائج مبهرة وسريعة للأفكار الإبداعية:

السنن الكونية لا تتغيَّر؛ إذ يستغرق الإبداع وقتاً لكي يحقِّق نتائجه المرجوة، وقد تعشِّش الأفكار في عقول مبدعيها لأيامٍ أو شهورٍ ولا تحقِّق عائداً مباشراً، حتَّى لو كانت الفكرة جيدة. إنَّ تحميل المبدعين ما لا يستطيعون تحمُّله؛ قد يأتي بنتائج عكسية، فقد يُطلب منهم أن يأتوا بأفكارٍ جيَّدة، مع التنبؤ بكيف ومتى تستفيد منها المؤسسة بشكلٍ معقول. هذا النوع من التحدي يجعل المبدعين أكثر تردداً في مشاركة أفكارهم.

حقيقةٌ هامَّةٌ يجب أن يتذكَّرها كلُّ من يشغل منصبَ قيادي: "لا يجب أن تكون كلُّ فكرةٍ منجمَ ذهبٍ لتكون جيدةً أو مفيدةً للمنظمة".

9. نمطية بيئة العمل:

نفكر كلُّنا بشكلٍ مختلف، ونستخدم أساليباً مختلفةً للتوصُّل إلى الأفكار، فلماذا يجب على جميع الموظفين أن يعملوا بنفس الطريقة؟ قد يكون البعض أكثر نشاطاً وحيويةً في الصباح؛ بينما قد يرغب الآخرون بالبقاء في المكتب لفترة طويلةٍ بعد مغادرة الجميع؛ بحيث أنَّ الهدوء والخلوة قد تلهمهم أكثر.

إذا كان الموظفون ينجزون المهمة في الوقت المحدد، وبدون إزعاج زملاء العمل، وينتجون عملاً جيداً؛ فلا يوجد سببٌ لكي تُملَى عليهم الطريقة التي يصلون بها إلى هذا الهدف النهائي. ولنا في بيئة العمل في شركاتٍ عالميةٍ (مثل جوجل) عبرة.

إقرأ أيضاً: 8 طرق تجعل شركتك بيئة عمل مريحة

10. عدم الإصغاء:

الإصغاء سِرُّ تميُّزِ القادة؛ فكم عدد المرات التي توصَّل فيها الناس إلى أفكارٍ مذهلةٍ، ثمَّ تجاهلتها أو رفضتها قياداتٌ لم ترغب بالإصغاء؟ للأسف، هذا هو المألوف، وقد نُقِلَ العديد من هذه الأفكار العظيمة إلى مكانٍ آخر بنجاحٍ كبيرٍ؛ لأنَّ القادة لم يكونوا على استعدادٍ لتخصيص دقائق للاستماع إلى مرؤوسيهم.

لا تدفع الأشخاص المبدعين بعيداً عن مؤسستك، حتَّى إذا كانت فكرتهم تتطلَّب تغييراتٍ في طريقة العمل الحالية. إذا لم تستمع، فلن تحصل أبداً على نوع الأفكار الإبداعية التي تحتاجها لإبقاء مؤسستك في المقدمة، وسيتعلَّم الناس أن يتماشوا مع كلِّ ما يريده القادة فقط؛ لأنَّهم سيجدون صعوبةً كبيرةً في القيام بخلاف ذلك.

11. غياب الحافز:

لا يجب أن تكون الحوافز نقديَّةً أو ماليَّةً دائماً. في بعض الأحيان، يريد الموظفون فقط معرفة أنَّهم قاموا بعملٍ جيدٍ، ولعبوا دوراً محوريَّاً في الفريق؛ من خلال كلماتٍ إيجابيَّةٍ، أو تعابيرٍ، أو حتَّى إيماءات.

بالطبع، يمكن أن تساعد الحوافز المادية في رفع الروح المعنوية، وإعطاء الموظفين شعوراً بأنَّهم الأصول الحقيقيَّة للشركة، ومستقبلها المثمر أيضاً. إنَّ الموظفين الذين يشعرون باهتمامٍ راسخٍ من القادة، ويرون أنَّ مصالحهم الخاصَّة مرتبطةٌ بمصالح الشركة؛ هم أكثر احتمالاً لأن يقدِّموا أفكاراً عظيمةً، ونتائجَ عالية الجودة. وإنَّ البيئات التي تفتقر إلى هذه الأنواع من الحوافز ستقتل الروح المعنوية والإبداع في نهاية المطاف؛ حيث لا يوجد سببٌ يدفع الموظفين إلى العمل بجدٍ وإنجاز.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لتحفيز الموظفين من دون اللجوء إلى المال

تذكَّر أنَّ التشجيع من المشرف المباشر للموظَّف يُعزِّز الإبداع بالتأكيد، ولكنَّ الإبداع يُعزَّز بالفعل عندما تدعمه المنظَّمة بأكملها. مثل هذا الدعم هو وظيفة قادة المنظمة، الذين يجب أن يضعوا أنظمةً أو إجراءاتٍ مناسبةً، والتأكيد على القيم التي توضِّح أنَّ الجهود الإبداعية هي أولويةٌ قصوى. على سبيل المثال: تُكافَئ المنظَّمات الداعمة للإبداع باستمرار.

في الوقت نفسه، فإنَّ عدم تقديم ما يكفي من الاعتراف والمكافآت للإبداع يمكن أن يولِّد مشاعرَ سلبيةً داخل المنظَّمة. يمكن أن يشعر الموظفون بأنَّهم مستخدمون، أو أن يشعروا -على الأقل- بعدم التقدير لجهودهم الإبداعية. ومن النادر أن تجد الشغف والحافز الداخلي المقترن بالاستياء والتذمُّر.

الأهمُّ من ذلك، يمكن لقادة المنظمة دعم الإبداع من خلال: تفويض مشاركة المعلومات، والتعاون، وضمان عدم تفاقم المشاكل السياسية بين الموظفين. إذ تدعم مشاركة المعلومات والتعاون كافة مكونات الإبداع الثلاثة. خذ الخبرة مثلاً: كلَّما تبادل الناس الأفكار والبيانات من خلال العمل معاً، زادت معرفتهم وخبرتهم. يمكن قول نفس الأمر عن التفكير الإبداعي.

في الواقع: إحدى الطرائق لتعزيز التفكير الإبداعي للموظفين: تعريضهم إلى مختلف الأساليب لحلِّ المشكلات. وإنَّ تبادل المعلومات والتعاون يزيدان من تمتع الناس بالعمل، ومن دافعهم الجوهري.

 

المصادر:  1، 2، 3




مقالات مرتبطة