كيف تعزز أحلام اليقظة صحتنا؟

لطالما نظر الناس نظرة سلبية إلى أحلام اليقظة، فقد قيل لنا عندما كنَّا أطفالاً: "انتبهوا ولا تعيشوا في عالم الخيال"؛ وفي سن الرشد، أخبرتنا الدراسات الحديثة أنَّ شرود الذهن يجعلنا تعيسين؛ وذلك لأنَّه عادةً ما يؤدي إلى اجترار أفكار سلبية؛ إلا أنَّ مجموعة من الباحثين يكشفون أهمية أحلام اليقظة ويصرون على أنَّنا جميعاً بحاجة إلى تعلُّم كيفية القيام بذلك أكثر.



وخلافاً للرأي الشائع، فإنَّ أحلام اليقظة هي في الواقع نشاط مهم في الدماغ، ولأحلام اليقظة أو "التفكير بهدف المتعة" فوائد صحية مهمة؛ حيث تقول أستاذة علم النفس ومؤلفة الدراسة إيرين ويستجيت (Erin Westgate) في بيان صحفي: "هذا جزء من مجموعة أدواتنا المعرفية التي لا يعي الناس أهميتها، وهو أمر يحزننا نوعاً ما".

كتب المؤلفون، في الدراسة التي نُشِرت في مجلة إيموشن (Emotion): "لا يختار الناس تلقائياً التفكير في أمور تشعرهم بالمتعة عندما يُمنَحون حرية الاختيار؛ وعندما يُطلب منهم القيام بذلك، يواجهون صعوبة في التركيز بنجاح، علاوة على ذلك، يجد الناس أنَّ الأمر ممل إلى حد ما وأقل متعة بكثير من الأنشطة الانفرادية الأُخرى"؛ إلا أنَّ مؤلفي الدراسة يعتقدون أنَّ الناس ببساطة لا يعرفون ما الذي يجب أن يفكروا فيه من أجل المتعة أو أحلام اليقظة.

إنَّ عدم قدرة البالغين على معرفة كيفية الاستمتاع بالتفكير هو الذي دفع الباحثين في علم النفس الإيجابي إلى تقديم  نصيحة حديثة، مفادها أن نبقى مركزين على الوقت الحاضر وأن نتجنَّب شرود الذهن؛ هذا لأنَّ بعض الأبحاث أظهرت أنَّ شرود الذهن غالباً ما يؤدي إلى اجترار الأفكار، وأنَّ الهوس بالسلبيات ليس مفيداً لنا بالتأكيد؛ لكنَّ شرود الذهن ليس مثل اجترار الأفكار، وتقضي أدمغتنا في الواقع حوالي 50% من الوقت في القيام بذلك؛ كما وجدت الأبحاث الحديثة أنَّ أدمغتنا تفعل ذلك؛ لأنَّها تساعدنا على إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات؛ لذا ربما يكون لأحلام اليقظة جانباً إيجابياً أيضاً.

تُعرَّفُ أحلام اليقظة بأنَّها نشاط إدراكي مختلف تماماً عن شرود الذهن أو اجترار الأفكار؛ ووفقاً لويستجيت (Westgate) وزملائها، فإنَّ أحلام اليقظة هي "التفكير بهدف المتعة"، وهي أصعب مما نتصور؛ وقد يكون هذا السبب الذي جعل العلماء يكتشفون سابقاً أنَّ أحلام اليقظة في العمل يمكن أن تجعلنا أكثر إبداعاً.

تقول ويستجيت (Westgate) أنَّه كي تمارس أحلام اليقظة، "عليك أن تكون كاتب حلمك الواعي ومخرجه والممثل الذي يؤدي فيه والجمهور الذي يشاهده، وعلى الرغم من أنَّه يبدو أنَّك لا تفعل شيئاً، إلا أنَّه يرهق ذهنك"، لكنَّ الأمر يستحق العناء؛ وذلك لأنَّ أحلام اليقظة لها فوائد صحية إيجابية مثل زيادة العافية أو تحسين تحمُّل الألم.

إقرأ أيضاً: 8 أسئلة وأجوبة تَعرّف من خلالها على أحلام اليقظة

أحلام اليقظة هي مهارة:

لتحديد ما إذا كان في إمكان الناس استعادة مهارة أحلام اليقظة التي كانت لديهم في طفولتهم، بدأ الباحثون بتدريبهم على التفكير في "أفكار ذات معنى"، وكان الأمر متعباً؛ حيث لم يقتصر الأمر على أنَّ المشاركين في الدراسة لم يحصلوا على التجربة المجزية التي أرادها الباحثون، إنَّما اعتقدوا أنَّ أفكارهم غير الموجَّهة كانت أكثر سروراً.

قالت ويستجيت قبل أن تستطلع آراء المشاركين بشأن ما كانوا يفكرون فيه: "لقد كنت في حيرة من أمري؛ كان هناك أشياء يصعب تخيلها؛ حيث لم يخطر في بالهم أنَّ بوسعهم استثمار الوقت للتمتُّع بأفكارهم الخاصة"، ومن ناحية أُخرى، إنَّ دفع المشاركين في الدراسة إلى التفكير في أمور ممتعة، جعلهم يفكرون في بعض أنواع الحلويات، ولم يختبروا الشعور العميق بأحلام اليقظة.

ثم اكتشف الباحثون خدعة أحلام اليقظة؛ حيث قدمت ويستجيت للمشاركين في الدراسة أمثلة عن الموضوعات التي يجب التفكير فيها، والتي كانت ممتعة وذات معنى على حد سواء، وسرعان ما أفاد المشاركون أنَّهم استمتعوا بنسبة 50% أكثر مما فعلوا عندما طُلِب منهم التفكير في أي شيء يحبونه.

إقرأ أيضاً: أحلام اليقظة: تعريفها وأنواعها

كانت ويتجيست سعيدة، فإنَّها تعتقد أنَّ أحلام اليقظة "شيء يميزنا؛ حيث إنَّها تحدد إنسانيتنا وتسمح لنا بتصُّور حقائق جديدة"، لكنَّ هذا لا يجعل الأمر سهلاً؛ حيث تقول ويستجيت: "هذا شيء صعب على الجميع، فليس هناك دليلٌ كافٍ على أنَّ بعض الأشخاص هم ببساطة يفكرون في طريقة أفضل من غيرهم، فأنا أسوأ شخص في العالم في هذا المجال، لكنَّ معرفة سبب صعوبة الأمر وما يجعله أسهل يُحدثُ فارقاً حقاً، فالجزءُ المشجِّع هو أنَّه يمكننا جميعاً أن نصبح أفضل في هذا الجانب".

تعتقد ويتجست أنَّ أحلام اليقظة شيءٌ يتطلَّب الممارسة، لكنَّها تفيد أيضاً أنَّ الجهد يستحق كل هذا العناء؛ وذلك لأنَّ أحلام اليقظة يمكن أن تعيد تشكيل مشاعرنا وتجعلنا أكثر سعادة، ويمكن أن يستفيد حالمو اليقظة المتمرسون من مهارتهم، عندما يكونون تحت الضغط.

كيف تحصل على أحلام يقظة ممتعة؟

تعلم ويتجسيت أنَّه قد يكون من الصعب تدريب عقولنا على أحلام اليقظة؛ حيث تقول: "نحن جاهلون إلى حدٍ ما"؛ فلا يبدو أنَّنا نعرف ما يجب أن نفكر فيه للحصول على تجربة إيجابية".

لكنَّ ويتجيست تشيرُ أيضاً إلى أنَّ "هذا شيء يمكننا جميعاً القيام به بمجرد أن نعي المفهوم؛ حيث نعطي الأطفال في سن 4 و5 هذه التعليمات، وهذا أمرٌ منطقي بالنسبة إليهم".

 إليك بعض النصائح لبدء ممارسة أحلام اليقظة:

  1. صدِّق أنَّ أحلام اليقظة هي مهارةٌ يمكنكَ بناءها بالممارسة.
  2. ذكِّر نفسكَ أنَّ هذا ليس الوقت المناسب لعرض قائمة مهامك أو التخطيط لقضاء إجازة.
  3. جربها عندما تفعل شيئاً شائقاً مثل طي الغسيل أو الاستحمام، فعندما نُشغِلُ تفكيرنا في أمرٍ ما، فإنَّنا أكثر عرضة لأحلام اليقظة؛ حيثُ تقول ويتجسيت: "جرب ممارسة أحلام اليقظة في المرة القادمة التي تمشي فيها، بدلاً من الانشغال في هاتفك".
  4. الأهم من ذلك، أخبر نفسكَ أنَّ أحلام اليقظة يمكن أن تكون رائعة إذا حفَّزت أفكارك نحو تخيُّل موضوعات تستمتع بها.

المصدر




مقالات مرتبطة