كيف تعرف مقدار النوم الذي يناسبك؟

ازداد انتشار الحرمان من النوم ازدياداً كبيراً في السنوات القليلة الماضية؛ فهل حكمت علينا الحفلات الليلية والدراسة حتَّى وقتٍ متأخر من الليل بالسهر إلى الأبد؟ وهل يمكننا استعادة نومنا الصحي الآن؟ وكم من الوقتِ سيتطلَّب ذلك؟ شهراً أم سنة؟ أم أنَّنا لن ننعم بنومٍ هانئٍ أبداً؟ وما مقدار النوم الكافي لنا؟ وهل يختلف ذلك من شخصٍ إلى آخر؟



لقد أثبت العلم العديد من الآثار السلبية طويلة الأمد للحرمان الطويل من النوم على الصحة والعافية عموماً؛ بدءاً من مشكلات الذاكرة وتقلبات المزاج، إلى ارتفاع ضغط الدم وضعف جهاز المناعة.

يعني الحرمان من النوم ببساطةٍ أنَّك تحصل على مقدارٍ -أو جودة- أقلَّ ممَّا يحتاجه جسمك من النوم؛ وإنَّك بذلك لا تسمح لجسمك بالراحة، واستعادة طاقته، وإصلاح نفسه مجدداً.

قد تعتقد أنَّ 8 ساعاتٍ من النوم تفي بالغرض؛ ولكن كيف تشعر في اليوم التالي؟ إذا كنت تعاني من صعوبة في الاستيقاظ صباحاً، ولا تشعر بالنشاط حتى تشرب عدة أكوابٍ من القهوة؛ فقد يكون ذلك علامةً على الحرمان من النوم.

إنَّ النوم حاجةٌ بشريةٌ أساسية، ويعني الحصول على مقدارٍ كافٍ منه إمدادك بالطاقة التي تحتاجها للعمل بأفضل ما لديك.

دورات النوم:

يتراوح الوقت الموصَى به للبالغين عموماً من 7 إلى 9 ساعات من النوم الجيِّد في الليلة، حيث يمرُّ الجسم خلالَ ذلك بخمسِ مراحلَ مختلفة هي:

  1. النعاس.
  2. النوم الخفيف.
  3. النوم المتوسط إلى العميق.
  4. النوم العميق.
  5. الأحلام والنوم مع حركات العين السريعة "نوم الريم" (REM)، ودون حركات العين السريعة (non-REM) بالتناوب.

يعدُّ النوم في أول مرحلتين النوم الأخف، ويتحضر جسمك فيهما للنوم بشكلٍ أعمق والراحة، وذلك من خلال: خفضِ درجة حرارة الجسم، وتقليل حركة الموجات الدماغية.

بينما تعدُّ المرحلتان الثالثة والرابعة مرحلتا النوم الأعمق، ويُحاول جسمك فيهما إصلاح نفسه والتعافي؛ إذ يحرِّر دماغك هرموناتٍ هامةً لتحسين جميع وظائف الجسم.

في حين تحدث الأحلام وحركات العين السريعة (REM) خلال المرحلة الخامسة.

يجب مراعاة جميع مراحل النوم عند السؤال عن مقدار النوم الكافي، حيث يقضي كلُّ شخصٍ فترات مختلفة من الوقت في كلِّ مرحلةٍ ممَّا سبق.

بناءً عليه: كيف يمكنك معرفة حاجتك الفعلية من النوم؟

إقرأ أيضاً: النّوم الطبيعي.. مراحلهُ، معوّقاته وطرق الوقاية منها

التعرف على طبيعة نومك:

تكشف إحدى الدراسات العلاقة بين سماتٍ معينة للشخصية وجودة النوم؛ فقد اتَّضح أنَّ شخصيتك قد تحمل أدلةً حول نومك.

وفقاً للبحث: يحظى الأشخاص المنفتحون والذين لا يعانون من الكرب أو الضيق أو العواطف السلبية بنومٍ أفضل بشكل عام؛ بينما يواجه الانطوائيون الذين يفتقرون إلى الانضباط والتنظيم الذاتي تحدياتٍ كبيرةً تتعلق بالنوم.

لذا قد تساعدك معرفة المزيد عن أنماط نومك على فهم سبب معاناتك من صعوبة الاستيقاظ صباحاً، وشعورك بالإنهاك في منتصف النهار.

إليكَ بعض الطرائق السهلة للقيام بذلك:

1. تعرَّف على رتم نومك:

أسهل طريقةٍ لمعرفة رتم نومك هي من خلال مراقبته؛ لذا احتفظ بدفتر ملاحظات بالقرب من سريرك، ودوِّن الإجابات عن أسئلةٍ مثل:

  • كيف تشعر عندما تستلقي على سريرك؟ هل تشعر بالنعاس أم باليقظة التامة؟
  • ماذا عن جسدك؟ هل أنت مُتألمٌ ومنزعج، أم مرتاحٌ ومسترخٍ؟
  • متى تناولت وجبتك الأخيرة هذا اليوم؟
  • متى تذهب إلى السرير؟

وافعل الشيء نفسه عندما تستيقظ:

  • ماذا تتذكر عن نوعية نومك؟
  • هل غفوت بسهولة، أم تقلَّبت كثيراً؟
  • هل راودتك الكثير من الأفكار قبل أن تغفو؟
  • هل استيقظت كثيراً في الليل؟
  • هل حلمت؟ وما نوع الأحلام التي رأيتها؟
  • ما الذي أيقظك الآن؟ هل تشعر بالإرهاق أم بالانتعاش؟

ستوضِّحُ لك الإجابة عن هذه الأسئلة -باستمرار لعدَّة أيام متتالية- أنماط نومك.

2. احسب أوقات نومك:

يمكن أن يساعدك حساب وقت نومك الفعليِّ كلَّ ليلة، والوقت الذي تقضيه في كلِّ مرحلةٍ من مراحل النوم؛ في اكتساب معرفةٍ حولَ ما يحدثُ لكَ عندما تغلق عينيك.

تتضمَّن التفاصيل الهامة التي يجب ملاحظتها عند حساب أوقات نومك ما يأتي:

  • وقت الاستيقاظ.
  • معرفة قدرتك على إتمام خمس إلى ست دورات نوم، أو أنَّ هذه الدورات لا تكتمل؛ حيث تستغرق كل دورة نومٍ حوالي 90 دقيقة.
  • الوقت الذي تغفو فيه، والمدَّة التي تستغرقها منذ اللحظة التي تخلدُ فيها إلى السرير.

إذا أكملتَ خمس أو ست دورات نومٍ كاملة، سيستغرق نومك حوالي 7.5 إلى 9 ساعات؛ وإذا كنت تنام أقل من ذلك، فيعني هذا أنَّك قد استيقظت في منتصف إحدى دورات النوم.

3. استفِد من التكنولوجيا لتتبع دورات النوم:

تجعل بعض الأجهزة القابلة للارتداء تتبع نومك سهلاً، حيث تسجل هذه الأجهزة تغيرات سرعة القلب، ومستويات النشاط، وحتى مقدارَ الوقت الذي تقضيه في كُلِّ مرحلة من مراحل النوم.

يمكنك الاطلاعُ على متتبعاتٍ للنوم مثل:

  • "خاتم أورا" (Oura Ring) الذي يتتبَّع الإشارات الرئيسة الصادرة عن جسمك في أثناء النوم.
  • عصابة اليد "ووب" (Whoop) المُصمَّمة لتتبع النوم للحصول على أعلى أداءٍ ممكن.
  • كما يُمكنُ لساعة آبل الذكيّة (Apple Watch) و"فيت بيت" (Fitbit) أن تُساعدَك في مراقبة نومك.

4. استخدم مستشعرَ النوم:

إنَّ حصائر مستشعر النوم خيارٌ آخر لتتبُّع دورات النوم، إذ يمكن أن تساعدك علاماتٌ تجاريةٌ مثل (Withings) في تقييم جودة نومك وإجراء تحسينات صغيرة، مثل: إطفاء الأضواء قبل النوم، أو تعديل درجة حرارة الغرفة لتُصبحَ مناسبةً لك.

تُعرَض كلُّ التفاصيلِ بدقة في تطبيقِ (Health Mate)، حيث يمكنكَ التحقق من معدل نومك والعمل على تحسينه.

هُناكَ خيارٌ آخر لمستشعرات النوم هو "لونا" (Luna)؛ وهي سجادةُ نومٍ تُراقبُ معدل النبض والتنفس، وتُغيِّر درجة حرارة سريرك كي تتوافقَ مع وقت النوم، ويُمكنُ توصيلها أيضاً مع الأجهزة الأخرى، مثل أجهزة تتبِّع الأنشطة.

إذا كانت بياناتك جيدةً ولكنَّك لا تزال تشعر بالتعب عندما تستيقظ، فقد يكون هذا وقتاً مناسباً لاستشارةِ اختصاصيٍّ حول الموضوع، حيثُ يمكن لطبيبك إجراءُ بعضِ الاختبارات المناسبة لاستبعادِ أيِّ مشكلات خطيرة، والمساعدة في إعادة نومك إلى مساره الصحيح.

النوم حسب العمر:

يستخفُّ الكثيرون بأهمية النوم ولا يولونه اهتماماً كافياً، فيتصرفون بناءً على قاعدةٍ تقول بأنَّنا "سننامُ نوماً كافياً عندما نموت!!"؛ لكنَّ الخبراء يعارضون ذلكَ تماماً.

تختلف احتياجات النوم حسب العمر:

  • الأطفال حتى 12 شهراً: من 14 إلى 17 ساعة.
  • الأطفال حتى 5 سنوات: من 10 إلى 14 ساعة.
  • الأطفال حتى سن 12 سنة: 9 إلى 11 ساعة.
  • سن المراهقة: من 8 إلى 10 ساعات.
  • البالغون: 7 إلى 9 ساعات.
  • كبار السن: 7 إلى 8 ساعات.

هذه إرشادات عامة بالتأكيد؛ إذ تختلف احتياجات النوم لكلِّ شخص بناءً على صحته ونمط حياته، وعواملَ أخرى عديدة.

إقرأ أيضاً: 6 معلومات مدهشة قد لاتعرفها عن النوم

بعض الحالات الطبية التي تؤثر على النوم:

بالإضافةِ إلى العمرِ والشخصية، قد تؤثِّرُ حالاتٌ طبيةٌ معينة في مدة نومك واحتياجاتك إليه.

1. الاكتئاب والقلق:

إذا كنتَ تُعاني من الاكتئاب، فقد تُعاني من مشكلاتٍ في النوم أيضاً، حيث رُبِط الاكتئاب ببعضها مثل:

  • الأرق.
  • توقف التنفس في أثناء النوم.
  • متلازمة تململ الساقين.
  • فرط النوم.

وبالمقابل، يُمكن لمشكلات النوم هذه زيادةُ خطر الإصابةِ بالاكتئاب.

يرتبط القلقُ غالباً بحالةٍ تُسمَّى "غياب النوم"، وهي حالة عصبية تمنع الجسم من الانخراط في وضعية "النوم العميق" الضرورية للإصلاح والتجديد.

قد يؤدي الحصول على مقدارٍ كافٍ من النوم وتنظيم عادات النوم، إلى تحسين الصحة النفسية بشكلٍ مُمتاز.

جرب هذا: جرِّب التأمل لمساعدتك على تحقيق استرخاء جهازك العصبي وتهدئة نفسك للنوم، إذ هناك تقنياتُ تأملٍ مُصمَّمة خصيصاً لمساعدتك على النوم بسرعة.

2. أمراض القلب والأوعية الدموية:

ترتبطُ أمراض القلب أيضاً بقلَّةِ النوم، حيثُ يساعدُ النومُ على استرخاء القلب، ويحمي من تصلُّبِ الشرايين "التصلب العصيدي"؛ كما وُجِد أنَّ مُدَّة النومِ مؤشرٌ هامٌّ على صحَّة القلب والأوعية الدموية.

جرب هذا: قد تؤثر عوامل نمط الحياة في كُلٍّ من نومك وصحة قلبك؛ لذا حاول ممارسة الرياضة، وتعديل أوقاتِ الطعام ونوعيته، وتجنُّب الكافئين والكحول؛ وذلك لمساعدتك على النوم بعمقٍ وبشكلٍ سليم.

3. حالات الألم المزمن:

يُبلِغ الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن غالباً عن مشكلاتٍ مثل: الأرق، وصعوبة الاستمرار في النوم (النوم المتقطِّع)؛ وفي المقابل، قد تجعلُ اضطراباتُ النوم الألمَ أكثرَ سوءاً.

إنَّ كسر حلقةِ اضطرابِ النوم هامٌّ كي يتمكَّنَ الجسم من التعافي وإصلاح نفسه.

جرِّب هذا: إذا كان ألمك يبقيك مستيقظاً، فجرِّب تقنيةَ استرخاء العضلات التدريجي، أو ناقِش طبيبك حول تناولِ مُكمِّل المغنزيوم.

وفقاً للأكاديمية الأمريكية لطب النوم، يُعدُّ العلاجُ السلوكي المعرفي طريقةً فعَّالةً للتغلُّب على الأرق؛ فإذا كنت لا تزال تعاني من صعوباتٍ في النوم بعد إجراء التعديلات المذكورة أعلاه، فربَّما عليك التحدُّث إلى خبيرِ نومٍ لمُساعدتك في هذا الأمر.

الخلاصة:

يختلفُ مقدار النوم الذي نحتاجه في أثناء الليل من شخصٍ إلى آخر؛ ولكن بالنسبة إلى معظم البالغين، تتراوح المدة المثالية له بين 7 و9 ساعات يومياً.

يمنحكَ النومُ الجيدُ مكافآتٍ صحيةً طويلة الأجل، كونه يرتبطُ مع العديد من العمليات الحيوية في جسم الإنسان، ويُمكنكَ من خلال إجراءِ تعديلات بسيطةٍ في نومكَ أو استخدام تقنيةٍ تُساعدكَ على النوم -أو كليهما- تحسينُ نومك، بحيثُ يكونُ كافياً لتلبية احتياجاتك من الراحة واستعادة الطاقة لتنعمَ بصحةٍ أفضل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة