كيف تطور مهارات التفكير النقدي وتفكر بوضوح؟

نتلقى كل يوم كماً هائلاً من المعلومات، سواء من الجرائد الصباحية أم الأخبار أم وسائل التواصل الاجتماعي التي نتابعها طوال اليوم؛ وقد لا نفكر في الأمر كثيراً، لكنَّ هذا الفيض من المعلومات قد يكون خطيراً في بعض الحالات؛ فقد تكون الأخبار مزيفة أو المعلومات غير دقيقة أو شديدة التحيز، وقد يؤثر هذا بدوره فينا وفي أفكارنا وآرائنا ومشاعرنا.



بمعنى آخر: تُفرَض المعلومات التي نستهلكها على حياتنا بالكامل؛ ونتيجة لذلك، تصبح مهارات التفكير النقدي بمثابة نعمة في حياتنا، فهي مهارة يفتقر إليها الكثير من الناس رغم أنَّها واحدة من أكثر المهارات أهمية.

أهمية مهارات التفكير النقدي:

التفكير النقدي مهارة يفتقر إليها الكثير من الناس في هذه الأيام، ويُعرَّف بأنَّه القدرة على التفكير وتقديم أدلة تثبت صحة هذه الأفكار؛ ولكن كيف يختلف هذا عن الطريقة التي نفكر فيها عادة؟

يميل معظمنا إلى الانجذاب نحو تحليلاتنا الشخصية، ونتمسك بالمعلومات والأفكار دون التحقق من صحتها، ونطوِّر تحيزاتنا الخاصة؛ فنستبعد بعض الأفكار، ونقبل فقط الأفكار والآراء التي تدعم معتقداتنا الحالية.

على سبيل المثال: نُشِرَ مقال في مجلة هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review) عن مدير تنفيذي (CEO) كان واثقاً جداً من نفسه ومعتقداً أنَّه المتحكم الأكبر في سوق العمل، إلى أن فقد أحد أكبر عملائه؛ فقد كان على يقين من أنَّ عملاءه لن يتخلوا عن فكرة العمل معه، وأنَّ المغادرة ستكون مُكلِفة؛ ولم يفكر في إمكانية مغادرتهم قط.

توجد طريقة أخرى لتعريف التفكير النقدي، وهي أنَّه طريقة تفكير تحدث وفقاً لتوجيهات ذاتية، ومراقبة ذاتية، وانضباط وتصحيح ذاتي؛ وتعود أهميته إلى عدة أسباب نذكر منها:

  • يعدُّ التفكير النقدي مهارة عالمية: بغض النظر عن المهنة التي تعمل فيها، يساعدك امتلاك مهارات التفكير النقدي كثيراً؛ ورغم أنَّ بعض الوظائف تتطلَّبُ التفكير النقدي أكثر من غيرها، لكن توجد دائماً حاجة إلى استخدام هذه المهارة متى لزم الأمر؛ لهذا السبب يُقدِّر الكثير من الناس هذه المهارة بغض النظر عن مجالات عملهم.
  • يُحسِّن التفكير النقدي مهارات اللغة والعرض التقديمي: يمكن أن يحدد التفكير النقدي أفضل طريقة لبلورة أفكارنا وتقديمها للآخرين.
  • يُعزز الإبداع: يتطلب التفكير النقدي غالباً التفكير الإبداعي؛ فسواء كان الأمر يتعلق بإيجاد أرضية مشتركة بين الأفكار المطروحة أم تقديم فكرة مباشرة، تتجلى طريقة تحقيقنا لهذا باستخدام عملية إبداعية.
  • يُحسِّن التأمل الذاتي: يتطلب التفكير النقدي تصحيحاً ذاتياً؛ فهو يتضمن مستوىً معيناً من التفكير الذاتي؛ إذ لا يمكنك تقديم الأفكار باستخدام مهارات التفكير النقدي ما لم تقضِ وقتاً في التفكير والتأمل.
  • يُسهِمُ في حلِّ المشكلات قبل أن تتفاقم: يسمح لنا التفكير النقدي بالنظر إلى المواقف واستيعابها بطرائق مختلفة، ويمكِّننا من تحديد المشكلات قبل أن تتحول إلى قضايا كبيرة.
إقرأ أيضاً: التفكير النقدي: تعريفه، أهميته، ضوابطه، وكيف نطبقه؟

أمثلة عن مهارات التفكير النقدي:

لا تقتصر مهارات التفكير النقدي على وظائف أو سيناريوهات معينة، ونقدم لك فيما يأتي أمثلة عن طريقة التفكير النقدي في العمل:

  • يأخذ المدير التغذية الراجعة للعملاء في عين الاعتبار، ويستخدم هذه المعلومات لتخصيص جلسات تدريبية للموظفين في خدمة العملاء.
  • يراجع وكيل العقارات المنازل والمنطقة المحيطة بها لتحديد أفضل طريقة لبيعها لعملائه.
  • يراقب مستثمر البورصة الأخبار باستمرار لتحديد فيما إذا كان سيبيع أسهمه أو يستثمرها في شركة أو عمل ما.
  • يراجع المحامي الأدلة لوضع استراتيجية معينة لكسب القضية، أو تحديد فيما إذا كان يجب تسوية هذه المشكلة خارج المحكمة.
  • يحلل الأطباء الحالات الطبية للمرضى لتحديد الخطط العلاجية المناسبة لكلٍّ منهم.

بالإضافة إلى ذلك، نقدم لك مثالاً رائعاً آخر عن التفكير النقدي، بحيث يمكنك القيام به متى شئت، فهو يشكل أساس مهارات التفكير النقدي:

فكر في هذا المثال في جملة أخبرك بها شخص ما مؤخراً، وأتبِع ذلك بالأسئلة التالية، حيث تتعمق الأسئلة الموجودة بين قوسين في تفاصيل كثيرة:

  • مَن قالها؟ (هل هو شخص تعرفه؟ هل هو مديرك؟ هل يهمُّ فعلاً من قالها لك؟).
  • ماذا قالوا؟ (هل كانت كلماتهم حقيقة أم مجرد رأي؟ هل قدموا كل المعلومات، أم تركوا شيئاً ما دون توضيح؟).
  • أين قالوا لك ذلك؟ (هل قالوا ذلك في مكان عام أم خاص؟).
  • متى قالوا لك ذلك؟ (هل كان التوقيت هاماً؟ هل حدث ذلك قبل حدث هام أم في أثنائه أم بعده؟).
  • لماذا قالوا لك ذلك؟ (هل شرحوا لك رأيهم؟ هل كان الهدف هو جعلك تبدو جيداً أم سيئاً؟).
  • كيف قالوا لك ذلك؟ (هل تذكر نبرة صوتهم ولهجتهم ولغة أجسادهم؟ هل كانوا سعيدين أم غير مبالين أم حزينين؟ هل يمكنك أن تتذكر كل ما قالوه؟).

هذا التمرين بسيط، ولكنَّه يوضح عملية التفكير النقدي بطريقة رائعة.

إقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع النّقد، قبول الملاحظات بصدر رحب

نصائح لتطوير مهارات التفكير النقدي:

1. اطرح أسئلة ذات مغزى:

إنَّ الأسئلة المذكورة أعلاه فعالة وهامة، لكن يمكنك التعمق أكثر؛ وقبل طرح أي سؤال، فمن الهام جداً ألَّا تأخذ كل ما تقرؤه أو تسمعه على محمل الجد، وألَّا تعدَّه حقيقة مطلقة؛ حيث يُجنِّبك ذلك التحيزات والتفضيلات الشخصية، ويساعدك على طرح بعض الأسئلة الهامة مثل:

  • ما هي المشكلة؟
  • ما هي جميع الحلول الممكنة لها؟
  • ما هي المزايا والعيوب لكل حل؟

ومع ذلك، يتعين عليك اختيار أحد الحلول والإيمان بها؛ إذ يمكنك من خلال تجنب التحيُّزات والتفضيلات وطرح تلك الأسئلة ذات المغزى أن تشعر بالثقة بشأن قراراتك.

2. انظر إلى الدوافع والأسباب:

تنطوي المعلومات والمحادثات دوماً على دوافع معينة، إذ إنَّ الناس هم من يتحكمون بهذه المعلومات، ويمتلكون أجندات وتحيزات تؤثر فيها.

لن يخبرك أحد بحقيقة دوافعه بالتأكيد، ولكن من المريح التفكير في وجود دافع معين، سواء كان ضاراً أم لم يكن؛ لكنَّ فهم دوافع الآخرين يمكن أن يكون خداعاً وينطوي على العديد من المخاطر، إذ غالباً ما تُخلَط الدوافع مع الشخصية والطابع الشخصي أو تُخفَى بالعواطف، ويعدُّ ذلك سبباً إضافياً لتقييم المعلومات بناء على مصدرها.

3. ابحث عن المعلومات:

تتطلب مهارات التفكير النقدي الحصول على المعلومات؛ فرغم أنَّ المعلومات قد تكون مرهقة في بعض الأحيان، إلَّا أنَّها أفضل أداة موجودة بين يديك، وتصبح فعالة بشكل لا يصدق عندما تقرر اتخاذ قراراتك الخاصة.

ابحث عن المعلومات اللازمة عندما تواجه مشكلة تحتاج إلى حلها أو عندما تريد اتخاذ قرار بشأن موضوع ما، واستخدم جوجل (Google) للبحث، أو اقرأ الكتب المناسبة؛ حيث سيساعدك ذلك على الإدراك والفهم، ويهيئك للمستقبل أفضل تهيئة ممكنة.

4. لا تفترض أنَّك على حق:

نحب كلُّنا أن نكون على صواب، ونعتقد أنَّنا على حق في معظم الأوقات؛ فنحن نميل بطبيعتنا إلى إظهار أنفسنا بأفضل صورة ممكنة؛ ولكن رغم أنَّ هذا الشعور جيد، إلَّا أنَّه قد يقودنا إلى مسار خاطئ؛ إذ لا يمكننا الوثوق بعقولنا طوال الوقت.

يتطلب التفكير النقدي التأمل الذاتي ومراقبة النفس، وتقبُّل أنَّنا مخطئون؛ حيث يسمح لنا ذلك بتبنِّي وجهات نظر أخرى، ويساعدنا على تطوير التعاطف وفهم الموضوع من جميع جوانبه؛ فإذا كان أسلوب تفكيرك هو مقارنة أفكارك مع أفكار شخص آخر، فأنت لا تفكر كما يجب، وتفكيرك ليس بالنقدي أبداً.

5. بسِّط الأمور:

إنَّ نصل أوكام (Occam’s razor) نظرية تُستخدَم في إثبات صحة الفرضيات العلمية، وتقترح أنَّ الفرضية التي تُقدِّم أبسط تفسير هي على الأرجح الفرضية التي تناسب جميع الحقائق، وهذا ما نطلق عليه التفسير الأكثر وضوحاً، والذي يُعدُّ بمثابة الحقيقة حتى يثبت خطؤه؛ لكنَّ المشكلة هنا أنَّ شِيفرة أوكام هي نظرية تتحيز إلى الإجابة وفق المنطق السليم؛ ومع ذلك، لها تطبيقات أخرى خارج مجال العلم.

على سبيل المثال: ربَّما تشغِّل التلفاز، فترى إعلاناً يروج لمنتج باهظ الثمن لمكافحة الشيخوخة، وهو أمر يثير اهتمام الكثيرين؛ إلَّا أنَّ الخدعة الكبيرة هي ادعاء أنَّه سيجعلك تبدو أصغر بـ 10 أو 20 عاماً.

يمكنك تحليل هذا الأمر باستخدام شِيفرة أوكام كما يأتي: هل سمعت عن هذا المنتج من قبل؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً إذا كان جديداً؟

إنَّه لمن المنطق الافتراض أنَّ الشركة المنتجة قد استأجرت عارضة صغيرة العمر للترويج لهذا المنتج، ومن المحتمل أن يكون المنتج مزيفاً ومبالغاً فيه.

أفكار أخيرة:

إنَّ تطوير مهارات التفكير النقدي ليست عملية بسيطة مثل طرح الأسئلة العادية، وإنَّما أعمق من ذلك؛ لذلك تحتاج إلى تطوير مهارات أكثر، ووضع أفكارك وآرائك جانباً.

على أي حال، يبحث الكثير من الناس عن أشخاص يمكنهم التفكير في أنفسهم، والتفكير بطرائق أكثر إبداعاً ونقداً؛ وهو ما يرغب الجميع في اتقانه.

 

المصدر




مقالات مرتبطة