كيف تصبح قائداً يحترمه الجميع؟

أطلقت أريثا فرانكلين (Aretha Franklin) أغنيتها الناجحة بعنوان ريسبكت (RESPECT) في عام 1967؛ والتي جعلتها مشهورة باتباعها استراتيجية رائعة بقولها: كل ما أطلبه هو القليل من الاحترام.



ولنكن صادقين، تخلق كلمات تلك الأغنية انطباعاً حقيقياً في قلوب مستمعيها، وكقادة، يكون مفهوم الاحترام هذا أكثر فاعلية؛ ذلك لأنَّنا نريد تعلُّم كيف نصبح قادة يحترمهم الناس.

هل تعلم أنَّ هناك نسختين من أغنية ريسبكت؟ ولكل نسخة منهما رسالة مختلفة تُظهِر ما يعد أفضل طريقة لكسب الاحترام الذي يرغبون فيه، دعونا نتوقف لحظة للإشارة إلى الاختلاف الكامل بين النسختين، حيث سنستخدمهما لتوضيح كيف تصبح قائداً يحترمه الجميع.

ما لا يجب القيام به لكسب الاحترام:

في عام 1965، ظهرت النسخة الأولى من أغنية ريسبكت؛ حيث غناها "أوتيس ريدينغ" (Otis Redding) على المسرح، وعند الاستماع إلى هذا الإصدار، يمكنك التعرف على الاختلاف الرئيس في طريقة تعريف الاحترام واكتسابه، ففي هذه النسخة يرسل "ريدينغ" نداءً من رجل يائس يمنح زوجته أي شيء تريده، متوسلاً إياها كي تمنحه الاحترام الذي يستحقه.

لا يهتم أوتيس فيما إذا كانت تعامله بطريقة غير عادلة، فهو لا يهتم بما تفعله طالما أنَّه يحظى بالاحترام عندما يكسب المال ويوفره للمنزل؛ بالنسبة لأوتيس، طالما أنَّه يوفر الحياة التي تريدها، فهو يطالِب بالاحترام مقابل ذلك؛ يمكنك معرفة ذلك من خلال الكلمات الافتتاحية لأغنيته:

  • كل ما تريدينه
  • عزيزتي، لقد حصلت عليه
  • وكل ما تحتاجينه
  • حبيبتي، لقد حصلت عليه
  • كل ما أرجوه منك مقابل ذلك هو القليل من الاحترام عندما أعود للمنزل.

للوهلة الأولى، قد تبدو هذه الكلمات غير مؤذية، فهي تعبر عن رجل يحاول كسب احترام امرأة تربطه بها علاقة معينة، ومع ذلك تشير هذه الكلمات إلى طريقتين لم تعودا صالحتان لمحاولة كسب الاحترام، لا سيما عندما تكون قائداً، وهما:

1. التوسُّل:

لا يحترم الناس الأشخاص الذين يتوسلون ويستدعون مشاعر الشفقة، فهذا النوع من الأشخاص يحاول أن يُظهِرَ بأنَّه يائس ومحتاج، ويمكن أن تثير تلك التصرفات أعصاب الناس وتكون مزعجة بعض الشيء؛ حيث يلعب التوسل على الوتر الحساس لعواطف الشخص حتى يحصل المتوسل على النتيجة المرجوة.

عندما يتوسل الناس ويستجدون الاحترام، يكون تقديرهم لذاتهم متدنياً، وربما يفقدون شعورهم بهويتهم، ويمكن أن يكون ذلك بسبب عيش حياة مليئة بالإساءة أو الرفض، وفي أغلب الأحيان ينشأ ذلك في مرحلة الطفولة، ثم يظهر الشخص في فترة البلوغ على أنَّه شخص يائس أو غير آمن أو فقير أو اتكالي.

من الصعب كسب الاحترام عندما تكون شخصاً يشعر بأنَّه مجبر على التوسل من أجل كسبه؛ يستحق هذا الشخص الاحترام بالتأكيد، فكل الناس يستحقون الحب والاحترام، لكن هناك شيء بداخلنا يرى التوسل الدائم دليلاً على النقص.

في الواقع، هناك ردَّان فقط سيتلقاهما الشخص عندما يرى الآخرون هذا السلوك منه، فعندما يرون شخصاً يتوسل، فهم إما أن يشفقوا عليه أو يديروا ظهورهم له باشمئزاز، والأمر المذهل هو أنَّ أياً من هذين الردين لا يتعلق بإظهار الاحترام للشخص؛ فإذا كنت تريد أن تتعلم كيف تصبح قائداً يحترمه الناس، فإنَّ التوسل هو أول الأشياء التي يجب تجنُّبها.

2. التفاوض:

لا يحترم الناس الأشخاص الذين يستغلونهم لإنجاز أعمالهم؛ وبينما تتعلم كيف تصبح قائداً يحترمه الناس، ننصحك بتجنب المقايضة من أجل ذلك، فعندما تتفاوض من أجل الاحترام، فأنت تحاول التفاوض على شيء لا تملكه، والمغزى من ذلك أنك تحاول جعل الشخص الآخر يحترمك بينما أنت لا تحترم نفسك.

يوجد فارق كبير بين التفاوض باحترام والتفاوض من أجل الاحترام؛ فعندما تتفاوض باحترام، فإنَّك تتفاوض بثقة؛ حيث تُظهر الاحترام المناسب لأنَّه ينبع من ثقتك بنفسك.

ونحن عندما لا نحترم أنفسنا، يصبح احترام الآخرين لنا أمراً صعباً، فبدلاً من التفاوض من أجل الاحترام، يجب أن نتفاوض باحترام، وإذا تفاوضنا كقادة من أجل الاحترام، فسوف نخسره؛ فالقائد الذي يفقد الاحترام يفقد نفوذه، مما يجعلك تفقد أي فرصة لتحقيق نتائج تعود بالمنفعة المتبادلة.

يمكن أن يكون التفاوض السليم أداة مدهشة من أدوات القادة، لكنَّ إظهار عدم احترام الذات يزيل كل الفرص التي يمكن أن يتيحها التفاوض؛ إذ يشعر القادة المحترمون بالأمان تجاه أنفسهم ويبحثون عن طرائق لخدمة الآخرين، فهم يتخلون عن القيام بأعمالهم الشخصية ويوجِّهون جهودهم للقيام بأعمال تعود بالنفع على الجميع؛ فإذا كنت تتطلَّع إلى تعلُّم كيف تصبح قائداً يحترمه الناس، فعليك التفاوض باحترام.

إقرأ أيضاً: أشهر 7 أخطاء يرتكبها القادة وكيفيّة التغلُّب عليها

ماذا تفعل لكسب الاحترام؟

هناك تناقض كبير بين نسخة "أوتيس" من أغنية "ريسبكت" (RESPECT) ونسخة "أريثا"؛ حيث تتضمن نسخة "أريثا" تصريحاً من امرأة قوية ومستقلة وواثقة من نفسها، فهي تعرف ما لديها وما هي رغباتها؛ والمرأة في الأغنية تلبي احتياجات الرجل الذي تغني عنه، ولم تعامله بطريقة غير عادلة مطلقاً، ومقابل كل هذا، كل ما تطلبه منه هو احترامه؛ حيث تقول في الأغنية:

  •  كل ما تريده، سأمنحه لك، حبيبي
  • كل ما تحتاجه، أنت تعرف أنَّني سأعطيك إيَّاه
  • كل ما أطلبه القليل من الاحترام عندما تعود إلى البيت
  • لن أفعل ما يسيء إليك عندما تذهب، ولن أفعل ما يسيء إليك عندما تعود، لأنَّني لا أريد ذلك.

تمنحنا "أريثا" لمحة عمَّا يتطلبه الأمر للحصول على الاحترام الذي تريده، على عكس "أوتيس" فهي لا تتوسل من أجل كسب ذلك، وإنَّما تطالب به.

في نسخة "أريثا"، هناك خيار حقيقي واحد فقط؛ إما أن تحترمها أو لن تكون معها، فهي مستعدة لتمنحك نفسها، لكنَّها في المقابل تتوقع تكافؤاً في التعامل؛ لا حل وسط فيما تطلبه، إما أن تحترمها على طول الطريق أو لا تحترمها على الإطلاق؛ توضح لنا نسخة أريثا أنَّ تعلم كيف تصبح قائداً محترماً يمكن رؤيتها بطريقتين:

1. التبادل المشترك:

لكسب الاحترام، يجب علينا أولاً أن نمنحه، يجب أن يكون هناك مستوى مشترك من التبادل المتكافئ، فقد يقول مبدأ التبادل المشترك: "إنَّ مستوى الاحترام الذي أطلبه منك يجب أن أمنحه لك أيضاً". لا يعد الاحترام طريقاً باتجاه واحد، فنحن عندما نطلبه، يجب أن نكون أيضاً على استعداد لتقديمه؛ ويتطلب تطبيق ذلك منا 3 أمور:

  • الوضوح: إذا كنت قائداً يريد أن يتعلم كيف يحترمه الناس، فإنَّ الوضوح هو الحل؛ حيث يجب أن تكون واضحاً بشأن هويتك، وما الذي تريده، وما الذي ترغب في السماح به في حياتك؛ فإذا لم تكن واضحاً بشأن أي من هذه الأمور، فستبدأ قدرتك على فرض الاحترام في التضاؤل؛ لذا كن قائداً واضحاً ومدركاً لذاتك حتى يحترمك الناس ويحترموا ما تريده وتمثله.
  • الثقة: إذا كان الوضوح هو الحل، فإنَّ الثقة هي الأساس؛ هل سبق لك وأن قدمت احتراماً كبيراً لشخص يفتقر إلى الثقة بنفسه؟ هناك شيء ما يتعلق بالثقة يجذبنا إليها بقوة؛ فكلما زادت ثقة الشخص بنفسه، رغبنا في التواجد بقربه أكثر، وبالنسبة إلينا، سنُظهِر الثقة سواء كنا ندرك أنَّ الشخص ضعيف أم قوي، وعلى الرغم من أنَّه قد يكون من الصعب تَقَبُّل ذلك، سيكون الاحترام من نصيب الشخص القوي.
  • الثبات: يحتاج الناس إلى الوثوق بك قبل أن يحترموك، وإذا كنت تريد أن تتعلم كيف تصبح قائداً يحترمه الناس، فعليك تطوير مستوى عالٍ من الثبات والاستمرارية؛ ويعني أن تكون قائداً يمكن للناس أن يثقوا به أن تمتلك نمطاً ثابتاً في التعامل معهم.

2. التفاهم المتبادَل:

الهدف من أي علاقة هو تعلم طريقة فهم الشخص الآخر؛ حيث يتعلق الأمر بفهم أنَّنا جميعاً نتشارك معتقدات وقيم مختلفة؛ فمن خلال هذه الاختلافات يمكننا أن نجد قواسم مشتركة ونتعلم كيف نقدِّر ونحترم بعضنا بعضاً كأفراد، فإذا أردنا أن نتعلم كيف نصبح قادة يحترمهم الناس، فعلينا أن نحقق درجة من التفاهم المتبادل.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتكسب الاحترام في العمل

حقائق القيادة الأساسية:

يوجد بعض الحقائق البسيطة التي يجب أن تكون على علم بها وأنت تسعى لتعلم كيف تصبح قائداً يحترمه الجميع.

1. الاحترام أمرٌ مكتسب:

نحن كقادة، يرغب جزء منا في الاعتقاد بأنَّ الاحترام أمر تلقائي؛ ربما كان هذا هو الحال قبل 20 عاماً، لكن ليس اليوم؛ حيث يجب أن نتبنى الاحترام والتفاهم المتبادل، فكي تكتسب الاحترام، يجب أن تمنحه للناس وتساعدهم على الانتقال إلى مستوى أعلى في نموهم وتطورهم ودفعهم ليكونوا أفضل.

هذه هي طرائق كسب الاحترام وأنت تصعد سلَّم القيادة؛ حيث يتطلب كسب الاحترام وقتاً، ولكن ببذل الجهد المستمر، يمكنك تحقيق الكثير.

2. يأتي الاحترام كنتيجة لهويتك:

أنت تمتلك الإمكانيات والقدرة على كسب الاحترام بسبب هويتك وما تقدمه للناس، ومع ذلك إذا لم يمنحك الشخص الاحترام المناسب، فلا ينبغي أن يغير ذلك من هويتك؛ حيث لا ترتبط هويتك بما يشعر به الناس تجاهك، فهي تدور حولك أنت، والاحترام هو نتيجة لطريقة تفاعلك مع الأشخاص من حولك؛ فكلما تعاملت مع الناس بشكل أفضل، زاد احترامهم لك.

3. يستغرق الاحترام وقتاً لتكتسبه وثواني لتضيعه:

يمثل هذا ضغطاً كبيراً كي لا تكون دون المستوى المطلوب؛ قد يستغرق اكتساب الاحترام سنوات، لكن خطوة واحدة خاطئة قد تؤدي إلى فقدان ثقة شخص ما.

خلال هذه العملية، لا تسمح بالحاجة للموافقة والخوف من الرفض أن يكونا سبباً في أن تكون شخصاً غير الذي كان من المفترض أن تكون عليه؛ طوِّر من نفسك لتصبح قائداً من شأنه أن يُغيِّرَ الحياة، ولكن عِش دائماً وفقاً لقيمك الشخصية، وكن قائداً يُكرِّس وقته لتطوير شخصيته، وإذا أراد شخص ما الرحيل لأنَّه يشعر بالرهبة من أفضل نسخة منك، فدعه يرحل دون تردد.

الخلاصة:

قال "جون سي ماكسويل" (John C. Maxwell) ذات مرة: "عندما يحترم الناس شخصاً ما كفرد، فإنَّهم يُعجبون بشخصيته؛ وعندما يحترمونه كصديق، فإنَّهم يحبونه، وعندما يحترمونه كقائد، فإنَّهم يتبعون خطاه".

عندما تتعلم كيف تكون قائداً يحترمه الناس، استمر في تطوير نفسك وفي العيش باستقامة؛ وفي حين قد لا تظهر نتائج ما تريده فوراً، إلا أنَّك تبني شيئاً يؤثر في الناس لأجيال قادمة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة