كيف تستفيد من بيانات معدل دوران القوى العاملة؟

قد لا نلجأ في كثير من الأحيان إلى الاقتصاديين لمساعدتنا على التفكير بشكل مختلف فيما يخص القرارات التي نتخذها بشأن الأشخاص، ولكنَّ هناك دروساً يمكن تعلُّمها منهم. يبحث الاقتصاديون عن أنماطٍ أو علاقاتٍ بين المؤشرات الاقتصادية، ويمكن أن تمنحنا العديد من هذه المؤشرات نفسها التنبُّؤ عما سيحدث مع الناس؛ كالتوظيف ودوران القوى العاملة.



من أحد المصادر الرائعة لهذه الرؤية استطلاع فرص العمل ودوران القوى العاملة (JOLTS)، والتي قُدِّمَت من قِبل مكتب إحصاءات العمل الأمريكي.

تُظهر بيانات (JOLTS) انخفاض فرص العمل في الأوقات الصعبة وبقاء الناس في وظائفهم الحالية، ويحدث العكس في الأوقات المواتية. في حين أنَّ ذلك قد يبدو بديهياً، إلَّا أنَّ ما يمكن أن تفعله هذه البيانات هو تحويل الحدس إلى حقائق وتوفير تحذيرٍ مبكر لتوجيه الإجراءات.

من الهام أن تكون لديك معايير خلال كامل دورة حياة الموظف؛ بما في ذلك النزعات التي يتجه نحوها التوظيف ودوران القوى العاملة؛ ولا سيما استعمال البيانات في الوقت الفعلي بدلاً من الاستطلاعات، ويمكن أن تمكِّنك هذه الأفكار بعد ذلك من النظر إلى النزعات بدقةٍ أكبر من بيانات (JOLTS) حتى.

على سبيل المثال، أظهرت البيانات بين الشركات التي تستعمل أحد برامج قياس البيانات انخفاض معدل دوران القوى العاملة في الأسبوع الثاني من شهر تموز/ يوليو بنسبة 56% مقارنةً بعام 2019، وهو معدل منخفض بشكل مذهل بالقيمة الظاهرية، ومع ذلك انخفضت التعيينات الخارجية أيضاً بنسبة 43%.

يتطابق هذا مع حدسنا بأنَّ الموظفين يظلون في وظائفهم جزئياً لأنَّه ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وبشكل خاص الآن عندما تُبنى خطط العمل ويُعاد بناؤها شهراً بعد شهر، فإنَّها توفر أيضاً رؤية أسبوعية لاستعمالها في التخطيط.

لقد تحدثنا بالطبع بشكل سهل للغاية عن معدل دوران القوى العاملة؛ فلا بدَّ أنَّ القارئ الفطن قد لاحظ أنَّ الاستقالات ستكون مقياساً أفضل لتسليط الضوء على ظاهرة بقاء الأشخاص في وظائفهم في فترات عدم اليقين - تشير بياناتنا إلى أنَّ الاستقالات انخفضت بنسبة 55% في منتصف شهر تموز/ يوليو - على الرغم من أنَّ معدل دوران القوى العاملة يُعَدُّ أحد أكثر مقاييس الموارد البشرية انتشاراً، إلَّا أنَّه غالباً لا يكون مؤشراً جيداً فعلاً لصحة المنظمة وخبرة الموظف، وفي الواقع يمكن أن يكون معدل دوران القوى العاملة مضللاً بشكل فعلي.

ليست الجائحة وحدها هي ما تجعل معدل دوران القوى العاملة مقياساً مضللاً؛ فلا يمكن أبداً أن يُقدِّم إحصاء واحد صورةً كاملةً لمن يغادر مؤسستك ولماذا يغادرها، أو كيف تؤثر حالات المغادرة هذه في أهداف العمل؛ وهذه المعلومات ضرورية إذا كنت ترغب في فهم الأسباب الجذرية لمشكلات دوران القوى العاملة واتخاذ إجراءات فاعلة وموجَّهة.

لإحداث تأثيرٍ ذي مغزى؛ يحتاج فريق الموارد البشرية الخاص بك إلى النظر إلى ما هو أبعد من معدل دوران القوى العاملة لرسم صورةٍ أكثر دقةٍ لمشكلاتِ القدرة على الحفاظ على الموظفين في مؤسستك، وفتح الفرصة لحلول دائمة.

4 جوانب للبحث في بيانات معدل دوران القوى العاملة:

عندما تركز فِرَق الموارد البشرية تركيزاً حصرياً في دوران القوى العاملة، فمن المرجَّح أن يقفزوا إلى حلول الإصلاح السريع، وإلى تصميم برامج للاحتفاظ بالموظفين ذات مقاسٍ واحدٍ يناسب الجميع مع عدم المساس في أهداف الموارد البشرية أو في نتائج الأعمال الأوسع، ومن خلال فهم أفضل وتحديد الموضع الذي يتسبب في دوران القوى العاملة، ولماذا يستقيل الموظفون وكيف يؤثر ذلك في مؤسستك، يمكنك البدء باتِّباع نهج أكثر استهدافاً وتقصداً.

فيما يأتي أربعة أسئلة يجب مراعاتها:

1. هل يؤثر دوران القوى العاملة سلباً في شركتك؟

ليست كل خسارة في اليد العاملة أمراً سيئاً، على سبيل المثال يمكن أن يكون تخلِّي فردٍ ضعيف الأداء عن دوره فرصة لتوظيف شخصٍ أفضل.

وعلى النقيض من ذلك، عندما يغادر أكثر موظفيك موهبةً وخبرةً، فإنَّهم يأخذون جميع معارفهم وخبراتهم معهم.

لفهم كيفية تأثير معدل دوران القوى العاملة في عملك؛ انظر عن كثب إلى مَن يغادر بالفعل. يمكن أن تُسلِّط التحليلات الضوءَ على اتجاهاتٍ أعمق: هل يجعلك معدل دوران القوى العاملة أقل تنوعاً؟ وهل تفقد معرفتك التنظيمية أو مهاراتك الحاسمة؟ وإلى أي مدى تؤثر مالياً في العمل في إنفاقك على استبدال الموظفين الذي غادروا الشركة؟ يمكن أن يساعدك فهم كل تلك العوامل على تحديد الأولويات المتعلقة بالموضِع الأهم الذي يتطلب التدخل من أجل تعزيز الاحتفاظ بالموظفين، هذا إن كان دوران القوى العاملة يمثل مشكلةً في المقام الأول.

شاهد: 8 موظفين يجب أن تعينهم لتحقق شركتك الناشئة نمواً أسرع

2. مَن يحتاج إلى مساعدةٍ في معدل دوران القوى العاملة، وهل هي المساعدة نفسها للجميع؟

نادراً ما تنجح الحلول التي تهدف إلى معالجة هذه المشكلة على مستوى المؤسسة؛ وذلك لأنَّ الأسباب الجذرية غالباً ما تكون مختلفة، على سبيل المثال شهدت إحدى مؤسسات الخدمات المالية ارتفاعاً كبيراً في معدل دوران قوَّتها العاملة، ولكن عندما نظروا عن كثب وجدوا أنَّ سبب المشكلة هو عدد صغير من موظفي مبيعات التجزئة المصرفية وضمن منطقةٍ واحدة. سيساعدك التركيز في التفاصيل الخاصة بمكان حدوث دوران القوى العاملة على صياغة حل موجَّه.

في الوقت نفسه، تأكَّد من أنَّك تستعمل الطريقة نفسها لحساب معدلات الاستقالة والتسريح والطرد في جميع الأقسام، ويُعَدُّ اختلاف هذه الأساليب مألوفاً؛ وهذا يؤدي إلى إفساد البيانات وزيادة الصعوبة في تحديد التوجهات عاماً بعد عام.

3. لماذا يغادر الموظفون؟

هذا أقوى سؤال عن دوران القوى العاملة، ولكن في كثيرٍ من الأحيان نُبلِغ فقط عن عدد الأشخاص الذين غادروا أو عن هويتهم، والشيء الجميل في دوران القوى العاملة هو ميله إلى اتباع النزعات الدارجة، حتى إنَّ هناك اسماً لذلك: "عدوى دوران القوى العاملة"؛ لذا ابحث في بيانات الموارد البشرية الخاصة بك للعثور على الارتباطات بين الموظفين الذين استقالوا، والنظر في عوامل مثل الدور والقسم والمدير ونسبة التعويض ووقت انتظار الترقية وفترة تولِّي المنصب والأداء وفرص التدريب.

من خلال تحديد الموظفين الحاليين الذين يتشاركون هذه الخصائص، يمكنك توقع مَن هم الأكثر عرضة إلى المغادرة واتخاذ إجراءات محددة لتشجيعهم على البقاء.

على سبيل المثال، إذا كان أداء الموظفين الجدد دون المستوى باستمرار في قسمٍ معيَّن مع معدل دوران مرتفع، فقد تؤدي عملية تحسين إعدادهم إلى تقليل معدل دورانهم، ويمكن اتِّخاذ إجراءات أخرى كتغيير الأجور والمزايا وتقديم فرص التعلم والتطوير أو تحسين المسار الوظيفي.

4. كم ستوفر بهذا التدخل؟

حتى بعد التركيز في مشكلة دوران القوى العاملة بالتحديد وإيجاد حل محتمل، قد يواجه فريق الموارد البشرية لديك صعوبةً في الحصول على الدعم لتغيير البرامج والسياسات.

يرغب المسؤولون التنفيذيون في التأكُّد من أنَّ تدخلات الحفاظ على الموظفين المستهدفة ستولد عائداً على الاستثمار، ويمكن أن يساعد جمع البيانات حول عائد الاستثمار المحتمل للتدخل - بالإضافة إلى تكلفة معدل دوران القوى العاملة - على التغلب على مقاومة القرارات التنفيذية.

والخبر السار هو أنَّ مبادرات الاحتفاظ بالموظفين جيدة التصميم والموجهة غالباً ما تؤتي ثمارها، على سبيل المثال في إحدى مؤسسات الرعاية الصحية؛ عانى مستشفى معيَّن لفترة طويلة من مسألة الاحتفاظ بالموظفين.

أدت الزيادة الطفيفة في الحد الأدنى للأجور في الساعة إلى انخفاض معدل خسارة اليد العاملة الطوعي في السنة الأولى بنسبة 14% بعد عام واحد، وكان تغيير الراتب أقل تكلفةً من دوران القوى العاملة عالي التكلفة، الذي كانت المستشفى تتعامل معه.

تحليلات الموارد البشرية هي محرِّك قوي للتغيير

من خلال دعم القرارات بالرؤى المستندة إلى البيانات بدلاً من الاعتماد على الحدس أو سرد الحكايات، تزداد قوة وتمكين فِرَق الموارد البشرية لتوجيه نتائج الأعمال الاستراتيجية عبر المؤسسة.

يستعمل الاقتصاديون بيانات السوق لمحاولة استباق الاتجاهات المالية، وتوجد دروس ما يزال في إمكاننا تعلُّمها لمساعدتنا على تطبيق أدوات وتقنيات تحليلية على جهود الحفاظ على الموظفين لتقليل معدل دوران القوى العاملة بطريقة مستهدفة؛ وهذا يؤدي إلى زيادة تأثير تدخلاتك في العمل زيادة قصوى، مع التحكم أيضاً بالتكاليف؛ لكنَّ كل شيء يبدأ بالنظر إلى ما وراء الإحصاءات الفردية مثل معدل دوران القوى العاملة للتمكن في النهاية من رؤية الصورة الأكبر.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة