كيف تساعد اكتشافات علم النفس على جعل الناس أكثر سعادة؟

على الرغم من أنَّني وُلِدتُ كاثوليكياً، لكنَّني لم أهتم بالدين كثيراً عندما أصبحتُ بالغاً. ومثل العديد من العلماء افترضتُ أنَّ الأديان مبنية على آراء أو تخمينات، وحتى أمنيات غير مثبتة، ومن ثم فهي ليست ذات صلة بعملي بالنظر إلى أنَّني أُدير مختبراً لعلم النفس يركز على إيجاد طرائق لتحسين ظروف الحياة البشرية، ومستخدماً في ذلك وسائل العلم لتطوير تقنيات يمكن أن تساعد الناس على مواجهة التحديات التي تعترض حياتهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "ديفيد ديستينو" (David DeSteno)، والذي يتحدث فيه عن اكتشافات علم النفس التي تساعد على جعل الناس أكثر سعادة.

لكن في العشرين عاماً الماضية عندما بدأتُ هذا العمل، أدركتُ أنَّ الكثير مما يكتشفه علماء النفس وعلماء الأعصاب حول كيفية تغيير معتقدات الناس ومشاعرهم وسلوكاتهم، وكيفية دعمهم عندما يشعرون بالحزن ومساعدتهم على أن يكونوا أخلاقيين أكثر، وكيفية إخراجهم من العزلة وجعلهم سعداء؛ ما هو إلَّا انعكاس للأفكار والأساليب التي اتبعَتها الأديان منذ آلاف السنين.

الدين والعلم كانا غالباً على خلاف، لكن إذا استثنينا من الممارسات الدينية اليومية اللاهوت والآراء حول خلق الكون وما شابه، فإنَّ العداوة في النقاش تزول وتبقى سلسلة من الطقوس والعادات والمشاعر التي هي نتائج تجارب بشرية من نوع ما على مدى آلاف السنين، وأدَّت هذه التجارب التي أُجرِيَت في سياق عفوي إلى تصميم ما يمكن تسميته "التقنيات الروحية"؛ وهي وسائل وعمليات تهدف إلى تهدئة العقل أو تغيير القناعات.

وقد كشفت الدراسات أنَّ بعض الممارسات الدينية - حتى عند إخراجها من سياقها الروحي - قادرة على التأثير في عقول الناس بطرائق يمكن قياس تأثيرها؛ الأمر الذي يبحث عنه غالبية علماء النفس.

على سبيل المثال: وجدنا من خلال اختباراتنا أنَّ ممارسة الناس للتأمل يجعلهم أكثر لطفاً، مثلا قمنا بتجربة تتضمن مجموعة من الأشخاص، ووظفنا شخصاً ليؤدي دور عاجز ويعتمد على عكازات، وبعد ثمانية أسابيع من الدراسة برفقة معلم بوذي من رتبة اللاما، فقد كانت النتيجة أنَّ 50% من الأشخاص الذين اخترناهم عشوائياً لممارسة التأمل، قد ساعدوا هذا الشخص على الرغم من أنَّه غريب، بينما 16% فقط من الذين لم يشاركوا في التأمل قاموا بمساعدته.

إقرأ أيضاً: 6 فوائد صحية مثبتة علمياً للتأمل

لم يقتصر التغيُّر على مساعدة الغرباء فقط؛ بل أظهرت التجربة أنَّه بعد ثلاثة أسابيع من التأمل قد تراجع معظم الأشخاص عن فكرة الانتقام من أشخاص أهانوهم، وذلك على عكس معظم الأشخاص الذين لم يمارسوا التأمل، وبمجرد أن لاحظتُ أنا وفريقي هذه التأثيرات العميقة، بدأنا البحث عن روابط أخرى بين بحثنا والطقوس الدينية القائمة.

الامتنان على سبيل المثال؛ هو شيء درسناه عن كثب، وهو عنصر أساسي في الكثير من الممارسات الدينية؛ وعندما درسنا ممارسة الامتنان - حتى في سياق علماني - وجدنا أنَّه شيء يجعل الناس أكثر فضيلة.

في دراسة أجريناها؛ حيث يمكن للمشاركين الحصول على المزيد من المال عن طريق الكذب حول نتائج رمي عملة معدنية - أي الوجهين استقرَّ على الأرض - فإنَّ 53% من المشاركين لجؤوا إلى الخداع للحصول على المزيد من المال، ولكنَّ هذه النسبة انخفضت كثيراً عند الأشخاص الذين طلبنا منهم تعداد نعمهم قبل البدء بالتجربة؛ حيث كانت نسبة الأشخاص الذين كذبوا 27% فقط.

لقد وجدنا أنَّه عندما يشعر الناس بالامتنان لشخص ما أو للقدر، فإنَّهم يصبحون أكثر طيبة وكرماً وصبراً، وحتى الأعمال المتناسقة جداً مثل التحرك معاً في الوقت نفسه، يمكن أن يكون لها تأثير كبير في العقل.

نرى الحركات المتزامنة في كل دين تقريباً، فالبوذيون والهندوس يرتِّلون معاً في أثناء الصلاة، والمسيحيون والمسلمون يركعون بانتظام ويقفون في حالة انسجام تام في صلاتهم؛ حيث إنَّ هذه الحركات تخفي غرضاً عميقاً وهو تكوين الروابط.

لنفهم كيف تعمل هذه السلوكات، طلبنا من شخصين لا يعرفان بعضهما الجلوس بشكل متقابل على طاولة وارتداء سماعات أُذن، ثم النقر على جهاز استشعار موجود أمامهم في كل مرة يسمعون فيها نغمة؛ وبالنسبة إلى بعضهم كانت النغمات متزامنة؛ مما يعني أنَّهم سينقرون على الجهاز في الوقت نفسه، وبالنسبة إلى الآخرين كانت النغمات تصلهم بطريقة عشوائية؛ مما يعني أنَّه لن يكون هناك تزامن في النقر على الجهاز.

بعد ذلك نضع أحد الشريكين في مواجهة مهمة صعبة وطويلة، وكانت النتيجة أنَّ الأشخاص الذين نقروا على جهاز الاستشعار بالتزامن قد شعروا بتعاطف وارتباط مع شريكهم الذي يواجه المهمة، وعلاوة على ذلك، فقد قرر 50% منهم مساعدة شركائهم، بينما كانت النسبة 18% فقط من أولئك الذين لم تتزامن حركات أيديهم عند النقر على جهاز الاستشعار.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات توصلك إلى السعادة

تتعاضد آثار هذه السلوكات لتُغيِّر مشاعرنا ومعتقداتنا وآراءنا حول من نعتمد عليه، وتتراكم هذه التأثيرات مع مرور الوقت، وعندما تُضمَّنُ هذه السلوكات في الممارسات الدينية، أظهرت الأبحاث أنَّه من الممكن أن يكون لها خصائص وقائية من نوع ما.

إنَّ المشاركة المنتظمة في الطقوس الدينية، تقلل من القلق والاكتئاب، وتُحسِّن صحة الجسم؛ بل وتقلِّل من خطر الموت المبكر؛ حيث لا تأتي هذه الفوائد ببساطة من التواصل الاجتماعي كيفما اتفق، فهناك شيء خاص بالممارسات الروحية بحد ذاتها.

المصدر




مقالات مرتبطة