كيف تخفف من حدة التوتر الوظيفي بعد العمل؟

يحملُ الكثيرُ منَّا هموم عملهم إلى منازلهم دون أن يُدركوا ذلك، إذ إنَّنا غالباً ما نترك ضغوط العمل تتسرب إلى أوقات راحتنا -التي من المفترض أن تمتد من اللحظة التي نغادر فيها المكتب حتَّى صباح اليوم التالي عندما نعود إليه- بدلاً من تحقيق أقصى استفادة من هذا الوقت.



هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نفعل ذلك، ولكنَّ هناك أسبابٌ أكثر أهمية تدفعنا كي نتعلَّم كيف نتوقف عن فعله؛ لذا تابع قراءة المقال لتفهم كيفَ يضخم الأشخاص الأذكياء ضغط العمل عن غير قصد، وكيف يمكنك ترك مشكلات العمل في العمل قدر الإمكان، والتقليل من مستويات توترك، وزيادة سعادتك بشكلٍ عام.

كيف نأخُذ العمل إلى المنزل؟

نحن نفكر في ذلك في أثناء تنقلاتنا:

قد يكون الانتقال من العمل إلى المنزل وقتاً للاستمتاع بحرية التواجد خارج مكان العمل، أو وقتاً للتأمل في ضغوطات اليوم واسترجاع الإحباطات في ذهنك والتفكير في كلِّ ما يُثقِل كاهلك بينما تتصارع مع الطريق حتَّى تصل إلى المنزل.

يختار الناس الخيار الأخير في أغلب الأحيان، مع أنَّ الأول أكثر فائدة؛ ذلك لأنَّ طريق العودة إلى المنزل قد يكونُ فرصةً للتحرر من قيود العمل.

تكمن المشكلة في أنَّ هذا قد يزيد مستويات التوتر بعد العودة إلى المنزل لتصير أعلى ممَّا كانت عليه في نهاية ساعات العمل؛ فإذا كان هذا حالك، فقد حان الوقت للتغلُّب على ذلك، وجعل رحلتك وقتاً للتخلص من ضغوطات العمل؛ وإذا لم تكن على علمٍ بها بالفعل، فحاول في الأسبوع المُقبل ملاحظة أفكارك وعاداتك في أثناء عودتك إلى المنزل.

نحن ننفِّس عن ضغوط العمل لأحبَّائنا:

إنَّ الشكوى من العمل لشخصٍ عزيزٍ هوايةٌ شائعةٌ للأشخاص الذين لديهم وظائف مرهقة، وقد يضفي هذا شعوراً جيداً في الوقت الحالي، ولكن قد يكون له أثره مع مرور الوقت.

رغم أنَّ كبتَ مشاعرنا ليس تصرفاً مثالياً، إلا أنَّنا عندما نقضي وقتنا في التركيز على ضغوط العمل بدلَ الاستمتاع بوجود أحبائنا، نفقد مزيداً من وقتنا في التوتر الوظيفي دون جدوى؛ في حين أنَّنا عندما نُقلِّل من الشكوى حول العمل، يُمكننا التركيز على أمور تجلب لنا السعادة. لذا حاول ملاحظة مقدار الوقت الذي تقضيه في الشكوى من العمل، واستبداله بأنشطةٍ مُمتعةٍ لكَ وللآخرين.

نحن نفكِّرُ كثيراً في زملاء العمل الصعبين:

إنَّه لمن الطبيعي جداً طلب الدعم العاطفي عند التعامل مع زملاء العمل الصعبين؛ ومع ذلك، وكما هو الحال مع التنفيس عن ضغوط العمل بشكل عام، يمكن للتركيز أكثر من اللازم على الضغط الناجم عن زملاء العمل الصعبين أن يسلبنا فرحة حياتنا خارج العمل؛ فإذا وجدت نفسك تقضي ساعاتٍ خارج العمل مشغولَ البال ومهووساً في التفكير بالضغط الذي يُسببه زملاؤك في العمل، فقد حان الوقت لتقييم ما إذا كانت هذه أفضل طريقة لقضاء وقتك، وتحديد كيفية التوقف عن القيام بذلك.

إقرأ أيضاً: 9 شخصيات يَصعُب السيطرة عليها في العمل

نحن نقلقُ بشأن العمل بدلاً من الاسترخاء:

إذا كنت تواجه عبئاً ثقيلاً من الضغط في العمل، أو لديك نوع من العمل الذي يتطلب استكشاف الأخطاء وإصلاحها بشكلٍ كبير؛ فقد يكون من الصعب إيقاف العصف الذهني الذي يحدث في عقلك عند مغادرة العمل، وينطبق هذا خصوصاً على أولئك الذين يعملون من المنزل.

إذا كان إيجاد الحلول أمراً ممتعاً لك ولا يؤثر في حياتك الشخصية كثيراً، فقد لا يكون هناك مشكلة؛ بل قد يكون التفكير في أفكار جديدة لعملك هوايةً ممتعة، خاصة عندما تُحبُّ عملكَ ولا تعتبره مُجرد وظيفة. ومع ذلك، إذا وجدت نفسك تشعر بالضغط أو تفكر في مشكلات العمل كثيراً، فمن الأفضل ترك هذا العبء في مكان عملك.

وفوق كلِّ ذلك نلوم أنفسنا:

إذا كان ما سبق يبدو مألوفاً بعض الشيء، فلا تدعه يضغط عليك، ولا تلُم نفسكَ مطلقاً؛ إذ إنَّه لمن الشائع الشعور بالتوتر من العمل في أوقاتِ الراحة. لذا ركز بدلاً من ذلك على كيفية التخلص من التوتر والاستمتاع بحياتك عندما لا تكون في العمل.

كيف نترك ضغوط العمل في مكان العمل؟

أنهِ الأمور المُعلَّقة قبل أن تغادر:

واحدةٌ من أولى وأفضل الطرائق التي يمكنك من خلالها ترك ضغوط العمل في الوظيفة: إعداد نفسك قبل المغادرة.

أعدَّ قائمة مهام لنفسك عندما تعود في اليوم التالي لتقليل استكشاف الأخطاء وإصلاحها بعد ساعات العمل، فقد يسمح لك ذلك بالانخراط والشعور بالتركيز، كما يسمح لك بالمغادرة والشعور بأنَّ الأمور قد أُنجِزت كما يجب حتَّى صباح الغد.

إذا كنت عرضةً إلى التوتر بسبب المشكلات التي لم تُحَل عندما تصل إلى المنزل، يمكنك أن تخطو خطوة أخرى إلى الأمام وتنشئ قائمة بالحلول الممكنة لأيِّ مشكلات تعتقد أنَّها قد تتبعك إلى المنزل؛ ثمَّ تذكير نفسك أنَّك فكرت في الأمر بقدرِ ما تستطيع، وأنَّك الآن بحاجةٍ إلى إراحةِ ذهنك من كلِّ هذه الأمور وتأجيلها إلى وقتٍ آخر.

يجعل هذا الأمور أكثر وضوحاً عندما تبدأ العمل مرة أخرى، ويُمكِّنك من ترك مشكلات العمل في مكان العمل دون جلبها إلى حياتكَ الشخصية.

إنشاء طقوس ما بعد العمل:

تماماً مثلَ طقوس النوم التي تساعد الأطفال على الاسترخاء، فإنَّ ممارسة طقوس ما بعد العمل طريقة رائعة لمساعدة نفسك على الاسترخاء بعد يوم عملٍ مرهق، وخلق عاداتٍ نفسية تساعد على تصفية ذهنك والتخلص من ضغوط العمل بعد يومٍ طويل.

يُمكنكَ ممارسةُ روتينٍ بسيطٍ مثل: الذهاب في نزهةٍ وأخذ نفسٍ عميقٍ في الهواء الطلقِ، وتذكير نفسكَ بأنَّكَ قد غادرتَ العمل جسدياً وذهنياً أيضاً؛ حيث يوصي أحد أساتذة فنون الدفاع عن النفس بأخذ نفسٍ عميق، وهز أطرافك، وترك أعبائك العقلية خارجاً.

أيضاً، يمكن أن ينطوي ذلك على التفكير مليَّاً في ما تتطلع إليه في بقية اليوم، مثل: إرسال رسالة نصية إلى أحد أفراد أسرتك، أو تركيز انتباهك على حياتك.

جرب واختر ما يناسبك؛ وأيَّاً كان ذلك، اجعله عادةً تستمرَّ في القيام بها.

إقرأ أيضاً: ما هي طقوس الانتهاء من العمل؟ وكيف يستفيد العاملون عن بُعد منها؟

استمتع بتنقلاتك إلى المنزل:

قد تكون رحلة العودةِ إلى المنزل مرهقةً إذا واصلتَ التفكير بضغوط العمل دون توقف، أو تركتَ زحمة السير تُجهدكَ أكثر؛ ولكن يمكنك مع بعض التخطيط جعل رحلتك إلى المنزل تجربةً تتطلع إليها بدل أن تكون عقبة أخرى يجب التغلب عليها قبل أن تتمكَّن من الاسترخاء.

تتمثل إحدى طرائق الاستمتاع بوقت التنقل في الاستماع إلى الكتب والمدونات الصوتية، سواءً أكانت خيالية (من أجل المتعة)، أم غير خيالية (متعلقة بمجال تريد التطور فيه).

يعدُّ الاستماع إلى الموسيقى استراتيجيةً بسيطةً لتخفيف التوتر، والتي يُمكنكَ القيامُ بها عند جلوسكَ في حيّزٍ مغلق، أو بوضعِ سماعات الأذن؛ ويُمكنكَ كذلك أن تُحصيَ الأمور الرائعةَ في حياتكَ، إذ سيجعلُ هذا الوقتَ يمضي بسرعةٍ، ويجعلك في إطارٍ ذهنيٍّ أكثر إيجابية لتُقدِّرَ أحبائك أكثر عندما تصل إليهم.

ماذا عليك أن تفعل عندما تصل إلى المنزل؟

1- أنشئ بيئة منزلية هادئة:

نظراً إلى أنَّنا نقضي الكثير من ساعات العمل خارج المنزل، فإنَّه لمن الهام أن يكون لديك بيئة منزلية تهدِّئ توترك بدلاً من بيئة تجعلك تشعر بالتوتر والإرهاق أكثر ممَّا ينبغي؛ ونظراً إلى أنَّ الفوضى لها تأثير خفي وحقيقي جداً في مستويات إجهادنا، فتأكَّد أنَّ ترتيب المنزلِ بانتظامٍ يستحقُّ بعض العناء، ويجعلُ المنزل ملاذاً للتخلص من ضغوط العمل حالما تصلُ إليه.

2- متِّع نفسك:

املأ يومكَ بالأمور الصغيرةِ التي تجعلكَ تبتسم، إذ يُمكنُ لمُعززات السعادة هذه -أو المُتَع كما يُطلِقُ عليها علماءُ النفس- أن تُعدِّل مزاجكَ للأفضل، وتُقلِّل التوتر أيضاً.

قد تكون الأمور التي تجعلكَ سعيداً أبسطَ ممَّا تتوقع، مثل: كوبٍ من الشاي، أو مشاهدة برنامجٍ كوميدي، أو نزهةٍ مع شخصٍ تُحبّهُ، أو حمامٍ دافئ؛ ويمكنك مزجُ هذه الأمورِ كي تحصلَ على قدرٍ أكبرَ من السعادة، فأنت تستحقُّ ذلك.

3- نمِّ الوعي الذهني:

تُظهِر الأبحاث أنَّ أولئك الذين لديهم منظورٌ واعٍ للأمور أكثر قدرةً على التركيز على اللحظة الحالية، وتحويل تركيزهم بعيداً عن ضغوط الماضي أو القلق بشأن المستقبل؛ وهذا يُترجَم إلى قدرةٍ أكبر على ترك الإجهاد الوظيفي في العمل، والاستمتاع بالوقت الذي لديك كلَّ مساء وفي عطلة نهاية الأسبوع.

يمكن لممارسة تمرينات اليقظة الذهنية أن تزيد من قدرتك على الحفاظ على هذا المنظور الحالي؛ ولذلك يُوصَى بها بشدة لتخفيف الضغط بعد العمل وبناء القدرة على تحمُّل الضغوطات.

4- اطلب الدعم:

إذا كنت بحاجةٍ إلى التحدث عن الأشياء التي تجهدك في العمل قبل أن تتمكَّن من التخلي عنها، فمن المفيد أن يكون لديك شخصٌ داعم يصغي إليكَ ويساعدك على التخلص من التوتر.

قد يكون هذا شخصاً يؤكد صحة مشاعرك ويساعدك على إعادة التركيز، أو يساعدك على العصف الذهني واستكشاف الأخطاء وإصلاحها، أو يتيح لك التنفيس وتحويل إحباطاتك إلى سعادة؛ ويذكرك بإعادة تركيز أفكارك وطاقتك إذا بدأت في الانغماس بأفكار العمل المُجهدة.

إذا كنت تشعر بالإرهاق بسبب الإجهاد الوظيفي، فإنَّ هذه المساعدة تتمثلُ في التحدث مع طبيبك حول الإجهاد، أو إيجاد معالجٍ جيد يمكنه مساعدتك في وضع استراتيجيات للتكيف مع وضعكَ، أو وضع خطة جديدة.

5- استثمر وقتك خارج العمل:

أخيراً، واحدةٌ من أكثر الطرائقِ الممتعة والفعَّالة لترك ضغط العمل في العمل: التركيز حقاً على جعل بقية حياتك شيئاً يستحق انتباهك ومشاركتك بما يكفي لإبعادِ نفسك عن التوتر؛ ويعني هذا خلق توازن كافٍ في حياتك ليشملَ وقت الفراغ والهوايات، وتنمية علاقات صحية لمساعدتك على الشعور بالرضا وإراحةِ عقلك من التوتر، وخلق عادات صحية لتخفيف القلق، وتحديد الأهداف التي تطمحُ إليها؛ أو يعني ببساطة الاستمتاع باللحظة الحالية مهما كانت.

 

المصدر




مقالات مرتبطة