كيف تحمي الأم الحامل الصحة النفسية لجنينها؟

يتخذ المرء خلال سنوات حياته الكثير من القرارات المصيرية، ولكن يعدُّ قرار إنجاب طفل من أهم وأخطر القرارات على وجه الأرض؛ فعندما يقرر الأبوان المشاركة في إنجاب كائن جديد، يعني هذا التزاماً مطلقاً وعميقاً وصادقاً، وقدرة كبيرة على تحمل مسؤولية هذه الخطوة؛ فهما يرسمان مصير طفلهما، ويحددان شكل سماته المستقبلية، وهويته، وردات أفعاله، ونظرته إلى الأشياء، وقدرته على تحليل الأمور، وقوته، وهدوءه، وذكاءه، وتواصله مع الآخرين.



نعم، هما السبب الأول والأخير في كل نجاح ينجحه، وفي كل فشل يفشله، وهما من يبنيان ثقته بنفسه أو يدمرانها، ومن يعلمانه العطاء والمساعدة أو يزرعان الجشع والاستغلال في قلبه، ومن يشجعانه على الصدق والوضوح والثقة أو يشوهان بصيرته وفطرته وإيمانه.

لهذا على الأبوين التأني قبل الإقدام على خطوة كهذه؛ فهما مسؤولان أمام رب العالمين عن تربيتهما، وسيحاسبان على أي أذى جسدي أو نفسي قد يلحق بطفلهما من جراء سوء تعاطيهما معه.

يعتقد الأبوان أنَّ جنينهما يلزمه الغذاء الصحي فقط، ولا يعيران انتباهاً إلى الجانب النفسي له؛ فلا ينفكان يتشاجران أو يصرخان، ممَّا يرفع معدلات التوتر لدى كلٍّ منهما، ويؤثر سلباً على صحة الجنين النفسية، وقد يتعرض إلى الكثير من المشكلات الصحية كنتيجة لذلك الإهمال الشديد.

لذا لكي ننشئ طفلاً سليماً جسدياً ونفسياً، علينا السعي منذ اللحظة الأولى من الزواج إلى تبني مفاهيم واعية وناضجة في مجال الأسرة والطفل، وإلى البحث المستمر عن الشكل الأمثل لتربية الطفل؛ فالزواج ليس شهر عسل ولحظات رومنسية كما يعتقد الكثيرون، بل هو قرار ناضج ببناء عائلة سليمة وقابلة للتطور في كل لحظة من لحظاتها، وهو تقاطع طاقتي شخصين لخلق طاقة ثالثة مباركة بينهما وقادرة على توليد الأفكار والإبداع والاحتواء المنشود، وهو عملٌ متواصلٌ ومصحوبٌ بحب وصدق وشغف وحميمية.

لكن، ربَّما تتساءل: كيف أضمن حالة نفسية مستقرة للجنين في أثناء فترة الحمل؟ هذا ما سنجيب عنه من خلال هذا المقال؛ فتابعوا معنا.

لماذا تضطرب المرأة في أثناء الحمل؟

يُؤخَذ على المرأة حساسيتها المفرطة وعصبيتها وتقلب مزاجها خلال فترة حملها، وتُتهَم بأنَّها سريعة التأثر، وتميل إلى تضخيم الأمور والدلع الزائد؛ ولكنَّ القضية أكبر بكثير من مجرد دلع، فهي مسألة هرمونات، حيث تتعرض المرأة خلال فترة الحمل إلى تغيرات هرمونية شديدة؛ ممَّا يؤثر في حالتها النفسية، ويعرض جنينها إلى آثار سلبية عديدة إن لم تستطع تجاوز الأمر بحكمة.

يرتفع هرمون الحمل (HCG) الذي تفرزه المشيمة في جسم الأم خلال نمو وتطور الجنين، وهو المسؤول عن زيادة إفراز هرموني البروجسترون والإستروجين المسؤولان عن تثبيت الحمل.

يُفرَز هرمون البروجسترون من المشيمة والبويضة الملقحة معاً، وذلك حتى نهاية الأسبوع التاسع من الحمل، ثمَّ تتولى المشيمة بعد ذلك إفرازه حتى نهاية الحمل؛ وهو يعمل على تهيئة جدار الرحم لاستقبال البويضة الملقحة، والحفاظ على التروية الدموية في بطانة الرحم لكي تصبح ملائمة لحدوث الحمل، كما ويسهل عملية الولادة من خلال المساعدة على إرخاء عضلات الرحم.

كما يرتفع هرمون الإستروجين ارتفاعاً حاداً خلال فترة الحمل، ويساعد على تمكين الرحم والمشيمة من نقل المواد الغذائية إلى الجنين، وتوفير الدعم اللازم لنموه.

تؤدي التغيرات الهرمونية إلى ارتفاع معدلات التوتر لدى الأم، ممَّا يزيد من إفراز هرمون الكورتيزول في دمها، والذي ينتقل إلى طفلها مسبباً مشكلات عديدة له.

شاهد بالفيديو: 6 معتقدات خاطئة عن الحمل

ما هي مراحل الحمل الثلاث؟

1. المرحلة الأولى للحمل:

وهي المرحلة الممتدة من بداية الحمل وحتى نهاية الشهر الثالث، وهي فترة متعبة للأم، حيث تصبح فيها أكثر حساسية وانفعالاً، وتصاب بأعراض جسدية كالغثيان وتصلب الثديين نتيجة ارتفاع معدل الإستروجين لديها.

على الأم هنا أن تكون واعية لهذه التغيرات الفيسيولوجية في جسدها في أثناء الحمل، وتعمل على التأقلم معها؛ وكلَّما كانت الأم راغبة في الإنجاب وعلاقتها ناجحة مع شريكها، زادت قدرتها على تجاوز هذه المرحلة؛ كما يجب على الأم الابتعاد عن الرياضة خلال الأشهر الأولى للحمل؛ ذلك لأنَّها قد تعرض حملها إلى الخطر.

2. المرحلة الثانية للحمل:

وهي المرحلة الممتدة من الشهر الرابع للحمل وحتى نهاية الشهر السادس، والتي تصبح المرأة خلالها مستقرة وسعيدة أكثر، حيث يزداد تدفق الدم لديها إلى منطقة الحوض وبقية مناطق الجسم، ويقل تصلب ثدييها وشعورها بالغثيان.

3. المرحلة الثالثة للحمل:

وهي المرحلة الممتدة من بداية الشهر السابع وحتى نهاية الشهر التاسع من الحمل، وتشعر الأم فيها بتوترٍ عالٍ، حيث تزداد أفكارها القلقة عن الولادة والوضع الجسدي لطفلها بعد الولادة، كما أنَّها قد تشعر بضيق كبير في التنفس، وإحساس متكرر بالحاجة إلى التبول، بالإضافة إلى معاناتها من الإمساك؛ وذلك لأنَّ الجنين في المرحلة الأخيرة من الحمل يحتل معظم حجم البطن، فيضغط على الرئتين والمثانة والأمعاء الغليظة لدى الأم؛ وبإمكان الأم هنا ممارسة تمرينات التنفس الاسترخائي التي من شأنها أن توسع رئتيها.

من جهة أخرى، قد تعاني الأم من آلام في الظهر نتيجة الوزن الزائد المعرض إليه العمود الفقري، وتحتاج هنا إلى نوع خاص من الرياضات لتخفيف الألم عنها، وعليها في هذه المرحلة السعي إلى القيام بنشاطات تزيد من ثقتها بنفسها؛ ذلك لأنَّها تشعر بالرفض تجاه جسدها ووزنها، وعلى الزوج أن يكون الداعم الأساسي لها نفسياً، بحيث يثني على جسدها ويقدِّم لها الحب والاهتمام والدفء؛ كما عليهما أن يتشاركا التحضيرات التي تسبق عملية الولادة من شراء ألبسة للطفل، وتحضير غرفته وغيرها، والتي من شأنها أن تريح المرأة نفسياً وتخفف من توترها.

إقرأ أيضاً: 7 أشياء يتعلمها الجنين قبل أن يولد...!

كيف تؤثر مشاعر الأنثى الحامل على الصحة النفسية لجنينها؟

قد تتعرض الأم إلى الكثير من الضغوطات النفسية في أثناء فترة الحمل، بحيث تكون دائمة التوتر والقلق والحزن؛ الأمر الذي يؤدي إلى انتقال هرمونات التوتر (الكورتيزول) عبر المشيمة إلى الجنين.

تؤثر هذه الهرمونات في كمية الدم المتدفق ومعدل الأوكسجين والغذاء الواصل إلى الجنين، ممَّا يعرضه إلى الإصابة بتشوهات خَلقية، أو مشكلات في النمو، أو ولادة مبكرة.

من جهة أخرى، أثبتت الدراسات أنَّ الأم غير المستقرة نفسياً تنقل حالتها الشعورية إلى جنينها، ممَّا يزيد من معدل ضربات قلبه وحركته وركلاته لها، وتؤثر بسماته الشخصية سلباً، كأن يصبح طفلاً مشاكساً وعصبياً ومزعجاً وغير مهذب.

لا تؤثر العوامل الوراثية وحدها على صحة الجنين وبناء شخصيته، بل إنَّ للبيئة المحيطة الدور الأكبر في ذلك؛ سواءً البيئة داخل رحم الأم أم تلك التي تحيط به بعد الولادة.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن أن تقدم الدعم العاطفي والنفسي لزوجتك الحامل؟

كيف تحمي الأم الحامل الصحة النفسية لجنينها؟

يعدُّ كل شعور تشعر به الأم، وكل فعل تقوم به بمثابة رسالة إلى جنينها؛ فالجنين حساس جداً لكل شيء، ويلتقط ذبذبات والدته بطريقة عبقرية؛ لذا على الأم أن تكون في قمة الحذر في أثناء حملها؛ ذلك لأنَّ مشاعرها السلبية تؤذيه، وتمهد الطريق له ليكون شخصاً مضطرباً نفسياً وجسدياً.

كلَّما ازداد احتواء الأم لطفلها، انعكس الأمر إيجاباً على بنائه النفسي والروحي والعقلي، حيث أثبتت الدراسات أنَّ العلاقة الإيجابية التي تجمع ما بين الطفل ووالدته سببٌ أساسيٌّ في نجاحه الأكاديمي، وقدرته على التحكم بأفكاره ومشاعره.

لذا إذا حافظ كلٌّ من الأبوين على مشاعر إيجابية طيلة فترة الحمل، فمن غير المحتمل أن يصاب طفلهما بمرضٍ أو تشوه ما؛ ذلك لأنَّ الأمراض الوراثية أو التشوهات تظهر في حال وجود طاقة سلبية كبيرة.

على الأم أن تعي مرورها بمراحل الحمل الثلاث التي تسودها التغيرات الهرمونية وما يصاحبها من أعراض نفسية؛ لذلك عليها ألَّا تهدر طاقتها في التركيز على المشاعر السلبية ذات الطاقة المنخفضة من غضبٍ وحزنٍ وتوتر، بل أن تسعى إلى تقبلها وتعمل على تحويلها إلى طاقة حركية، كأن تمارس الرياضة، أو تذهب في نزهات إلى شاطئ البحر؛ كما عليها أن تجعل أشهر حملها فرصة لخلق تصورات ذهنية إيجابية، كأن تتخيل أنَّ طفلها سيكون مهذباً وهادئاً وذكياً واجتماعياً.

في المقابل، على الزوج أن يكون سنداً لزوجته، بحيث يرفع من معنوياتها على الدوام، ويستمع إلى شكواها بحب، وأن يكون هناك حوارٌ صادقٌ فيما بينهما في كلِّ شيء؛ كأن تعبر له عن مخاوفها وقلقها من الولادة بمنتهى البساطة.

نصيحة للأم الحامل:

كلَّما ازدادت مقاومتكِ لأمرٍ ما، ازداد ظهور هذا الأمر في حياتِكِ؛ لذلك لا تقاومي المشاعر السلبية في أثناء فترة حملك، بل اسعي إلى تقبلها والاعتراف بها، ومن ثمَّ عكسها بمنتهى القوة.

الخلاصة:

الطفل ملاك حقيقي؛ لذلك على الأب والأم أن يغذيا الجانب الملائكي لديه، وألَّا يعملا على تشويه عقله بأفكار ومشاعر وسلوكات لا تليق بنقائه وصفائه؛ فالزواج مسؤولية كبيرة، ويجب أن نكون على مستوى عالٍ من الوعي لنحقق معه رسالتنا في الحياة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة