كيف تُحسّن من تركيزك على المدى البعيد؟

يقول "ألبرت آينشتاين": إن كنت تريد حياةً سعيدة، فعليك ربطُها بالأهداف وليس بالأشخاص أو الأشياء.

يعمل الكثير من الباحثين العلميين يوماً بعد يوم سعياً وراء الأهداف التي قد يستغرق تحقيقها سنوات أو عقود أو حتى أجيال، وغالباً ما يكون التقدم الذي يحرزونه بطيئاً وبشق الأنفُس، حيث أنّهم وعلى الأرجح يحصلون على القليل فقط من التغذية الراجعة، ويعرفون حقّ المعرفة أنّ النجاح غير مضمون. لكن مع ذلك وعلى الرّغم من الصّعاب، فهم يجدون ما يكفي من الدافع والمعنى ليستمروا بالعمل على تحقيق أهدافهم. وذلك بسبب تركيزهم على المدى الطويل، فجميعنا استفدنا من التقدم العلمي والذي ينقذ حياتنا في مختلف المجالات كاللقاحات والفحص بالأشعة المقطعية "CT" والمضادات الحيوية المطوّرة وغيرها الكثير.



فمن الواضح إذاً أنّه بإمكان الأشخاص الذين يركزون على الأهداف البعيدة المدى تحقيق أشياء أكبر بكثير ممّا يحقّقه أولئك الذين يقفزون من فكرة لأخرى، أو الذين يستسلمون بعد أصغر نكسة تعترض سبيلهم. إذاً كيف باستطاعتك التركيزك على الأهداف البعيدة المدى خاصة عندما يتعين عليك مواجهة الإلهاءات اليومية والمهام الأخرى المُستعجلة؟

ماهو التركيز؟

هو القدرة على وضع انتباهك وطاقتك على مهمّة مُحددة أو على هدف مُحدد أو نشاط معين ولفترة طويلة من الزمن.

غالباً ما يكون التركيز على المهام والأهداف القصيرة المدى أمراً بسيطاً للغاية، لأنّك تحصد النتائج بسرعة، وهذا الأمر يساعد في بقائك مُحفّزاً. في حين أنّه من الصعب جداً التركيز على الأهداف التي قد يستغرق تحقيقها أشهراً أو سنوات أو عقود.

هنالك سبب واحد وراء ذلك وهو أنّك قد تفقد الرؤية الأساسية للأشياء التي تودُّ تحقيقها، وقد تفقد حتى سبب قيامك بها.

قد يكون من الصّعب معرفة التقدم الذي تحرزه وقياسه في حالة الأهداف البعيدة المدى وخاصة في المراحل الأخيرة. ما يعني أنّه من السّهل أن تتشتّت بسبب الأولويات القصيرة المدى والمشاريع الأخرى التي قد تبدو لك أكثر إثارة، لكن ومع ذلك فإنّ القدرة على التركيز وعلى المدى البعيد هي المهارة الأساسية التي يحتاجها أي شخص يريد النجاح. والتي تعتبر هامّةٌ على وجه الخصوص بالنسبة للقادة الذين يودون إلهام فرق عملهم من أجل تحقيق الرؤية البعيدة المدى.

كيفية تحسين التركيز على المدى الطويل والحفاظ عليه:

استخدم الاستراتيجيات التالية لتبني الإصرار والتحفيز اللذان تحتاجهما في تحقيق أهدافك البعيدة المدى:

1- حدّد أهدافاً بعيدة المدى وذات معنى:

قد تحتاج سنواتٍ لإتمام أهدافك بعيدة المدى، فهل تستطيع تخيُّل تخصيص كلّ ذلك الوقت والجُّهد للقيام بشيء لا يثير حماستك؟ ولهذا السبب فمن المهم أن تربط أهدافك البعيدة المدى بأحلامك وقِيمك، حيث عليك أولاً وضع أهداف مُحددة وبعيدة المدى للمجالات الهامة في حياتك، كالصعيد المهني والأُسري والمالي والتعليمي. ثمّ فكّر ملياً بهذه الأهداف، هل تشعر بالإثارة لمجرد التفكير بها؟ هل تشعر بما يكفي من القوة للسعي وراءها للأشهر أو السنوات القادمة؟ وهل تجد أنّ طبيعة العمل المتعلق بها هو ممتعٌ بحدّ ذاته؟

إن لم يكن كذلك، امسح هذه الأهداف من القائمة، أو قم بتعديلها بحيث تجعلها تدفعك لتحقيق شيء ما يهمك بالفعل. حيث أنّ البقاء مركزاً على الأهداف البعيدة المدى يتطلّب منك الشعور بالشغف والقوّة تجاهها، لذا تأكّد من أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار قبل أن تبدأ.

اقرأ أيضاً: 5 قواعد ذهبية مثبتة علميًا في تحديد الأهداف

2- اكتب أهدافك:

حالما تُقرّر ماهي أهدافك بعيدة المدى، اكتبها مُعبراً عنها بطريقة تفسر من خلالها سبب أهميتها بالنسبة لك، وضعها في مكان يتيح لك رؤيتها بشكل منتظم.

بإمكانك مثلاً كتابتها على بطاقات صغيرة ووضعها في محفظتك أو حقيبتك، أو بإمكانك طباعتها على ورقة وتعليقها عل مكتبك.

ومن ثمّ قُم بضبط جهاز تذكير لتنظر يومياً بضعة دقائق في النظر إلى أهدافك، بحيث تبقى مركزاً عليها. بإمكانك أيضاً رسم "خريطة الكنز" التي تمثل أهدافك بشكل مرئي، أو تصور لك طبيعة حياتك عند تحقيقك لهذه الأهداف.

3- عزّز من تنظيمك الذاتي:

ذكر الباحثان "توماس بايتمان" و"بروس باري" في دراسة قاما بها عام 2012 والتي كانت بعنوان "أسياد المدى البعيد" أنّ التنظيم الذاتي (الذي هو قدرتك على السيطرة على مشاعرك ودوافعك) هو العامل الوحيد والأكثر أهمية في تحقيق الأهداف البعيدة المدى.   

ولتحسين التنظيم الذاتي اعمل على تحسين انضباطك الذاتي، وهي السمة التي تساعدك على الاستمرار في التقدُّم والعمل بجد حتى عنما لا تكون في مزاجٍ جيد للقيام بذلك، قد يبدو هدفك صعب المنال في أوقات معينة، أو قد تودُّ الاستسلام، وفي حالاتٍ كهذه يدفعك التنظيم الذاتي إلى الاستمرار رغم الصعاب.

اقرأ أيضاً: 9 نصائح مهمة لتنظيم الذات

هناك عنصر آخر مهم في التنظيم الذاتي ألا وهو الكفاءة الذاتية. والتي هي إيمانك بقدرتك على تحقيق أهدافك. ولتحسين ذلك، اعمل على تنمية ثقتك بنفسك وتعلّم كيفية تحسين السيطرة الداخلية لديك. حيث يعتقدُ الأشخاص الذين يملكون سيطرة داخلية على أنفسهم بأنّهم مسؤولون عن نجاحهم.

4- خصّص وقتاً للأهداف البعيدة المدى:

من أجل تحقيقك للأهدافك البعيدة المدى وبقائك مُركزاً، تحتاجُ إلى العمل عليها بشكل منتظم. لكن كيف لك أن تحقق التوازن بينها وبين أهدافك قصيرة المدى وبين مهامك المُستعجَلة؟

استخدم أولاً أدواتٍ كمصفوفة الأعمال الهامة والمُستعجَلة لتحدد أي المهام يجب أن تعمل عليها، وأيُّها بإمكانك تفويضها للآخرين أو التوقف عن القيام بها. فعندما تُحلّل مهامك بهذه الطريقة، سيكون بإمكانك تحرير بعض الوقت من أجل التركيز على النشاطات التي تساهم في تحقيق أهدافك البعيدة المدى. ثمّ تعلّم كيف تُدير عملك مستخدماً برنامج العمل. والذي يساعدك على دمج العمل على الأهداف البعيدة والقصيرة الأمد، الأمر الذي يمكنك من المضي قدُماً بكليهما وبثقة تامة.  ومن ثمّ ابدأ بتحسين العادات التي تحتاجها لتجعل أهدافك حقيقة. والتي قد تتضمن الاستيقاظ باكراً وقراءة الكتب المتعلقة بالأعمال أو تكريس الوقت يومياً للعمل على النشاطات المتعلقة بأهدافك. وتحتاج أيضاً التغلب على العادات السيئة، كالإفراط في مشاهدة التلفاز أو تصفح الانترنت بلاهدف واضح.

إن وجدت مهامك المُستعجلة والمقاطعات الأخرى تمنعك من العمل على أهدافك البعيدة المدى، خصص وقتاً للعمل على أهدافك في الأوقات التي قد لا تتعرض خلالها للمقاطعة، كأن تبدأ بها في الصباح مثلاً.

5- ابقى على المسار:

كم مرةً شرعت في العمل على هدف بعيد المدى عاقداً العزم على ذلك، لتجد نفسك فاقداً للتركيز فيما بعد، وذلك لأنّك قمت بالعمل على هدفٍ جديد؟

لتجنّب أمرٍ كهذا، سجّل الأفكار الجديدة حالما تُراودك، لكن لا تقم حالاً بأي إجراء يخصها. ثُمّ اسأل نفسك عندما تراجع أهدافك الحالية عمّا إذا كانت هذه الأفكار تساهم في تحقيق أهدافك بعيدة المدى. فإن كانت كذلك قم بإضافتها إلى قائمتك كأهداف فرعية. وإن لم تكن كذلك، احتفظ بها كملاحظة، بحيث يكون بإمكانك تحليلها بشكل صحيح عندما تضع أهدافاً جديدة. هذا الأمر يجنّبك التسرُّع في تغيير وجهتك في العمل.

من المهم أيضاً أن تحسّن مرونتك وأن تكون إيجابياً، بحيث يكون بإمكانك البقاء على المسار الصحيح عند تعرضك للنكسات.

6- لاحظ التقدّم الذي أحرزته:

قد تستغرق سنوات أو حتى عقوداً لتحقق أهدافك بعيدة المدى. ولهذا السبب من المهم بمكان أن تلاحظ الخطوات الصغيرة التي قمت بها على طول الطريق وأن تحتفل بها أيضاً.

خذ بضعة دقائق يومياً للنظر في التقدم الذي حققته باتجاه هدفك، وهنّئ نفسك على ما قمت به من عمل، حتى ولو لم تكُن النتائج مُجدية.

وفي الإنجازات الكبيرة كافئ نفسك بشيء كبير كتناول الغداء مع زوجتك أو اصطحابها في نزهة للتسوق. سيكون من السهل حفاظك على تركيزك البعيد المدى عندما تخصص وقتاً لتُدرك هذه الإنجازات.

تظهر الأبحاث أيضاً أنّك لكي تبقى مُحفزاً فمن الأسهل أن ترى أهدافك كفرصة لتعلُّم شيء جديد، بدلاً من أن تراها وسيلة للقيام بشيء ما. ولكي تستخدم هذا الأمر لصالحك عندما تستعرض التقدم الذي أحرزته، فكّر فيما تعلّمته بدلاً من التفكير فيما أنجزته.

النقاط الرئيسة:

التركيز هو قدرتك على وضع انتباهك وطاقتك على مَهمة أو هدف أو نشاط معين لمدة طويلة من الزمن، وهو يتيح لك الابتعاد عن الإلهاءات، بحيث يصبح بمقدورك العمل بشكل مستمر لتحقق غاية أو هدف معين.

لكي تُحسّن من تركيزك بعيد المدى ضع أهدافاً ذات معنى، تهمُّك بالفعل وتستمتع بالعمل عليها، واكتبها. وعزّز كذلك من انضباطك الذاتي وحسّن العادات الجيدة التي تحتاجها للمضي قدُماً باتجاه أهدافك خلال الأشهر أو السنوات القادمة.

وابقَ على المسار الصحيح من خلال عدم التهوّر في العمل على الأفكار الجديدة، وتعلّم التعرُّف والاحتفال بالتقدم الذي تحققه يوماً بعد يوم.

المصدر: هنا




مقالات مرتبطة