كيف تحسن قدرتك على التكيف؟

في أوقاتنا العصيبة، تُعَدُّ القدرة على التكيف - والتي تُعرَّف على أنَّها "مقدار تفاعل الشخص مع حتمية التغيير"، وفقاً للتعريف الذي قدمَته المستثمرة والكاتبة "ناتالي فراتو" (Natalie Fratto) - سمة لا غنى عنها.



تريد المنظمات توظيف أعضاء فريق يمكنهم تحمُّل مسؤوليات جديدة واكتساب مهارات جديدة حسب الحاجة التي يتطلبها عالمٌ يتسم بعدم الاستقرار؛ حيث إنَّ القدرة على التكيف ليست فقط ميزة يجب أن تتعلم كيف تكتشفها حتى تتمكن من توظيف الأشخاص المناسبين والاحتفاظ بهم، ولكنَّها أيضاً ميزة يجب أن تطورها في نفسك حتى يظل بوسعك أن تبقى شخصاً لا غنى عنه وقابلاً للتوظيف.

تلتقي "فراتو" خلال السنة العادية مع المئات من مؤسسي الشركات الناشئة وعليها أن تحدد خلال محادثة قصيرة تُجريها معهم ما إذا كانت تريد الاستثمار فيهم وفي شركتهم؛ حيث إنَّ القدرة على التكيف وفقاً لـ "فراتو" هي خاصيةٌ تُميِّز العديد من أولئك الذين يواصلون النجاح.

القدرة على التكيف ليست مفيدة فقط في عالم التكنولوجيا؛ بل إنَّها مفيدة للجميع أيضاً، وتشير "فراتو" إلى أنَّ "كل واحد منا، كأفراد وجماعات ومؤسسات وحتى حكومات، مُجبَرٌ على مواجهة المزيد من التغييرات أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية"، وهناك أخبار سارة في المستقبل؛ "حيث إنَّ القدرة على التكيف أمرٌ غير ثابت" كما تضيف "فراتو"، وتشير إلى أنَّ كل شخص لديه القدرة على القياس والاختبار وتحسين قدرته على التكيف مع الظروف الجديدة.

وإليك بعض نصائحها عن كيفية تقييم القدرة على التكيف مع الآخرين وكيف يمكن تعزيزها في نفسك:

1. اطرح أسئلة "ماذا لو" عند إجراء المقابلات مع الأشخاص:

تقول "فراتو": "إنَّ طرح هذا النوع من الأسئلة يجبر الشخص على تصور العديد من الأمور المحتمل حدوثها في المستقبل واتخاذ قراراته وفقاً لذلك".

وقد تكون بعض الأمثلة عن هذه الأسئلة "ماذا لو فُقِدَ مصدر إيرادات الدخل الرئيس بين عشية وضحاها؟"، أو "ماذا لو منعَت موجة الحر العملاء من زيارة متجرك؟"، تشعر "فراتو" فيما إذا كان المرشح للوظيفة قادراً على التكيف بناءً على عدد السيناريوهات التي يمكنه تصورها ومقدار قوة رؤيته.

تقول "فراتو" في مقابلة أجرَتها عبر "منصة تيد": "غالباً ما يطرح الناس الكثير من الأسئلة في المقابلة، لكن من الأفضل طرح أربعة أسئلة رئيسة ثم التعمق في مناقشة التفاصيل ومن ثمَّ طرح أسئلة إضافية".

أحد الأمثلة عن الأسئلة الرئيسة التي يمكن طرحها هو "صف تغييراً صعباً مررتَ به مؤخراً في العمل" وقد تكون الأسئلة الإضافية الطبيعية: "ماذا كان سيحدث إذا حدث (تغيير مختلف) بدلاً من ذلك؟"، يجبر هذا الشخص الذي تُجري المقابلة معه على التفكير في الماضي والمستقبل بطريقة أُخرى.

"أخبرني عن وقت كنتَ مخطئاً فيه" هو سؤال آخر في المقابلة، يمكن أن يسفر عن رؤى وأفكار جديدة.

يمكنك متابعة هذا السؤال الرئيس بـ طرح السؤال الآتي: "ما هي أقوى حجة قدمها أولئك الذين اختلفوا معك بالرأي؟" تقول "فراتو": "إنَّه يمكنك في الكثير من الأحيان معرفة ما إذا كان الناس على استعداد لتغيير رأيهم - ومن ثمَّ يكونون أكثر قابلية للتكيف - من خلال مطالبتهم بمشاركة الوقت الذي اعتقدوا فيه أنَّهم على خطأ، وليس عندما أدرك الآخرون أنَّهم كانوا على خطأ".

شاهد بالفديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

2. ابحث عن علامات "عدم التعلم" بدلاً من التعلم:

يُعَدُّ "عدم التعلُّم" وفقاً لـ "فراتو" علامة هامة أخرى على القدرة على التكيف؛ حيث تقول: "يسعى الأشخاص غير المتعلمين النشطين إلى تحدي ما يفترضون أنَّهم يعرفونه مسبقاً؛ وبذلك يستبدلون معلوماتهم الخاطئة بمعلومات جديدة".

يمكن العثور على أحد الأمثلة المادية التي تشير إلى عدم التعلُّم على منحدرات التزلج؛ حيث يُعلَّم المتزلجون المبتدئون على المنحدرات طريقة "البيتزا"، فعندما تكونون على قمة تل، فإنَّكم توجهون زلاجاتكم بعضها نحو بعض، مثل طرف شريحة من البيتزا، وبهذا الشكل لن ينزلق أحد نحو الأسفل، ولكن كلما شعرتَ بالمزيد من الراحة، لا يمكنك أن تصبح متزلجاً رائعاً باستخدام طريقة البيتزا؛ لذا يجب عليك التخلص منها واستخدامها لفترة قصيرة فقط حتى تشعر بالراحة الكافية لتحمُّل المخاطر.

في حين أنَّه من الصعب التخلي عن مهارات معينة غُرِسَت في أدمغتنا، إلا أنَّه من الممكن القيام بذلك، ومن الممكن أن نتبنى التغيير أيضاً؛ حيث تقول "فراتو": "يمكن لأي شخص أيضاً أن يتوقف عن تعلُّم شيء ما من خلال اتخاذ وجهة نظر جديدة أو تبنِّي منظور آخر"؛ حيث إنَّ القدرة على تعلُّم أمور إضافية يمكن أن يُظهِر قدرة الشخص على التكيف، وتضيف "فراتو": "محاولة تعلُّم الأمور التي لستَ خبيراً فيها يمكن أن تبني مجموعة جديدة من المهارات التي تشكل عنصراً أساسياً في بناء هذه المهارات".

هذه العقلية مفيدة خاصةً للأشخاص الذين يبحثون عن وظيفة جديدة، وإذا كنتَ تسعى إلى تغيير مجالات عملك، فيمكنك تبنِّي عملية إلغاء التعلم أو اتباع التعلم المجاور للعثور على وظيفة جديدة في مجال مختلف، ويمكنك معرفة أين يمكن أن تطبِّق مهاراتك في بيئة مختلفة من خلال النظر إلى المتطلبات والمهارات الفردية لوظيفتك بدلاً من التفكير في اللقب أو المنصب، ثمَّ اسأل نفسك "ما هو مجال العمل الذي لا يستفيد من هذه المهارة كما يجب؟"، ويمكنك التقدم بجلب خبراتك الفردية معك.

إقرأ أيضاً: كيف يؤثر تعلّمك لشيء جديد كل يوم في تحقيق النجاح؟

3. ابحث عن علامات الاستكشاف:

يمكن أن تسفر العقلية التي تسعى إلى الاستكشاف عن فوائد واضحة، على سبيل المثال: تقول "فراتو" بعد انتقالها إلى حي جديد: إنَّها كانت بحاجة إلى إيجاد محل بقالة، فخرجَت من شقتها، واستدارت إلى جهة اليسار بالصدفة، ووجدَت متجراً على بعد بضع بنايات وبدأَت تتردد عليه لشراء ما تحتاجه، وبعد بضعة أشهر، استدارت إلى جهة اليمين ووجدت محل بقالة آخر أقرب من ذلك المحل وفيه قسم أفضل للمنتجات الغذائية، وبسبب عدم محاولة الاستكشاف، تمسَّكَت بالمتجر القديم نفسه، وفوَّتَت على نفسها شيئاً أفضل.

كم مرة تفعل ذلك في حياتك الخاصة؟

تقول "فراتو": "يصبح اختيار المسار الذي سوف تسلكه أكثر متعة عندما تُتاح أمامك خيارات عدة؛ لذا من الأفضل استكشاف وإيجاد طرائق للتخلُّص من العادات التي كانت لديك بالفعل، سواء كان ذلك محاولة مشاهدة فيلم بلغة مختلفة، أم طهي طبخة مختلفة، أم السير في طريق مختلف عن الذي اعتدتَ اتباعه"؛ حيث إنَّ هذه التغييرات التي تبدو بسيطة تسمح بحدوث تغييرات هامة في وجهة النظر وتخلق القدرة على تغيير العادات القديمة.

4. حسِّن قابلية الشخص للتكيف:

تقول "فراتو": "أعتقد أنَّنا جميعاً نملك قدرة متأصلة قوية على التفاعل مع التغيير بشكل مختلف، ومع ذلك يجب أن تكون القدرة على التكيف استباقية لا تفاعلية؛ لذا علينا أن نبحث عنها، ونمارسها ونتدرب عليها مثلما ندرِّب عضلات جسدنا".

إذاً، كيف يمكننا أن نصبح أكثر قدرة على التكيف؟

1. تعلُّم الأمور التي لستَ خبيراً بها:

لنفترض أنَّك خبير في مجال التسويق، على سبيل المثال، لكن إذا كنت تستطيع أيضاً أن تزيد معرفتك بالمدونات الصوتية، فيمكنك أن تصبح الوسيط بين هذه الفِرق؛ لذا ابحث عن الفرص لسد الفجوات الموجودة في مؤسستك.

2. أداء دور الشخص الذي لا يوافق الآخرين في الرأي في العمل:

في بعض المواقف - ابتعد عن الحالات التي تنطوي على مخاطر كبيرة - قد تتبنى موقف المخالف المحترم؛ حيث سيسمح لك ذلك ولرئيسك في العمل ولزملائك في الفريق برؤية الأشياء من الجانب الآخر، كما يمكن أن تساعدك هذه الاستراتيجية أيضاً على عدم التشبث الشديد بأفكارك ووجهات نظرك الشخصية.

تقول "فراتو" في عالم التكنولوجيا، هناك شعار متكرر كثيراً: "أنا أحب القادة الذين لديهم آراء قوية، غير متمسكين بها"؛ حيث إنَّ أحد المكونات الهامة للقدرة على التكيف تتمثل في امتلاك القدرة على تكوين رأي قوي والتخلي عنه في حال ظهور معلومات جديدة تثبت عدم صحته.

إقرأ أيضاً: مهارة القدرة على الاستعداد

3. الاحتفاظ بسيرة ذاتية أو سجل لكتابة المواقف التي تفشل فيها:

تقول "فراتو": "من المفيد تدوين الأوقات التي كنتَ فيها مخطئاً، أو غيَّرتَ رأيك، أو ارتكبتَ أخطاء"، في حين ينظر الكثير منا إلى هذه الأشياء من مبدأ الخجل أو الإحراج، إلا أنَّه يمكنك رؤيتها من منظور إيجابي - على أنَّها خطوات اتخذَتها في رحلتك المهنية - والتعلُّم منها بدلاً من ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة