كيف تحدد مدى جودة شركات الترجمة التي تتعامل معها؟

لا شكَّ أنَّ مجال الترجمة ضخم، وتزداد ضخامته كل عام، ثم إنَّه مجال يدرُّ الكثير من الأموال؛ الأمر الذي يجذب مقدمي الخدمة المحترفين، فضلاً عن عديمي الضمير الذين لا يتورعون عن غش العملاء لجني المال، فقد يجد العميل عروض أسعار تتراوح بين السعر المنخفض للغاية إلى السعر المرتفع غير المبرَّر؛ الأمر الذي يصيبه بالحيرة؛ فكيف يختلف سعر المهمة نفسها على هذا النحو الكبير؟



ما هي الترجمة؟

قبل أن تعرف تكلفة الترجمة، يجب أن تفهم ما الترجمة، يعتقد الجميع أنَّهم يعرفون الإجابة عن هذا السؤال، ولكن فكِّر في الأمر مدة دقيقة: هل تُعدُّ ترجمة "جوجل" (Google) ترجمة حقاً؟ وإذا ترجم طالب يدرس اللغة شيئاً ما كجزء من واجباته المدرسية، فهل يستحق لقب مترجم محترف؟

في الواقع، لا يوجد تعريف موحَّد للترجمة، ومن طبيعة أيِّ عمل إبداعي أن تكون هناك مناقشات دائمة حول ما هو جيد بما فيه الكفاية، وما هو ليس كذلك، والخبر السار أنَّه ثمَّة ممارسات جيدة مُتَّبعة على نطاق واسع في هذا المجال، والتي تسير على النحو الآتي:

1. مرحلة ما قبل الترجمة:

جمع الملفات، وتحديد ما يجب وما لا يجب ترجمته، فضلاً عن تجميع المواد المرجعية مثل ذاكرات الترجمة، وقواعد المصطلحات، وأدلة الأسلوب، وما إلى ذلك، ومن ثم الحصول على عروض الأسعار، وتحديد من سيقوم بالعمل.

2. مرحلة الترجمة:

في هذه المرحلة، يقوم مترجم ذو تعليم عالٍ، بإدخال كلمات اللغة الجديدة التي تعكس النص الأصلي بطريقة دقيقة وجميلة. ثمَّة ثلاثة أشياء قد تحدث بعد ذلك:

  • إعلان المترجم بأنَّ النص جاهز للتسليم، وهذا ما يُعرف باسم "المراجعة الذاتية".
  • إرسال النص إلى مدقق الترجمة لفحص العمل كلمة بكلمة، والمعروف أيضاً باسم "المحرِّر"، والذي يضيف 33% إلى 40% إلى السعر.
  • إرسال النص إلى مدقق لغوي لفحص اللغة المستهدفة فحسب، والذي يضيف 15% إلى 20% إلى السعر.
  • وأخيراً، في معظم الأحيان، ستُجرى فحوصات آلية لضمان جودة المحتوى والبحث عن المشكلات التي يصعب على العين البشرية ملاحظتها، مثل المسافات المزدوجة أو علامات الترقيم المفقودة، ويمكن إجراء هذه الفحوصات بواسطة المترجم أو المحرر أو الشركة.

3. مرحلة ما بعد الترجمة:

في هذه المرحلة، يُسلَّم النص المترجَم إلى العميل بعد تنسيق المستند، فإذا كان المستند منسقاً في ملفات مثل "دوكس" (docx) أو "بي بي تي إكس" (pptx)، فيجب عليك استبدال النص الأصلي بالترجمة، وإجراء بعض التعديلات الإضافية على التنسيق وفصل الأسطر والخطوط، لجعلها تبدو جيدة، وإذا كان النص من برنامج أو موقع ويب، قد تصبح الأمور أكثر تعقيداً، وقد تكون هناك حاجة إلى قدر كبير من العمل لتنسيقه تنسيقاً صحيحاً.

إن كنت تريد ترجمة شيء ما، فيمكنك القيام بذلك بطرائق عدة مختلفة، بدءاً من الأبسط إلى الأكثر تعقيداً:

  1. ترجم النص بنفسك إذا كنت تتحدث اللغة المستهدَفة.
  2. استخدم "ترجمة جوجل" (Google Translate) أو أداة ترجمة آلية أخرى مجانية عبر الإنترنت.
  3. اطلب من موظف أو صديق القيام بذلك مجاناً أو بسعر رخيص.
  4. ابحث عن مترجم مستقل.
  5. حمِّل ملفاتك إلى موقع ترجمة جماعي عبر الإنترنت.
  6. سلِّم النص المطلوب ترجمته إلى شركة ترجمة.
  7. عيِّن موظفاً يتحدَّث لغات متعددة.
  8. أنشئ قسم ترجمة متكامل الخدمات في شركتك.
إقرأ أيضاً: شرح خدمة "جرامرلي" (Grammarly) أفضل مدقق نحوي مساعد للمترجمين والكتاب

كم تكلفة الترجمة؟

يُعدُّ سوق الترجمة مفتوحاً؛ لذا يسعِّر كل شخص كما يريد، اعتماداً على كيفية تقديره لعمله، وتكاليف معيشته، وما إذا كان قد بدأ عمله للتو ويرغب في الحصول على خبرة، أو إذا كان محترفاً محنَّكاً عَمِل في المجال فترة طويلة، ولكن ثمَّة متوسطات ثابتة عندما يتعلق الأمر بالترجمة الاحترافية، وإحدى طرائق العثور عليها هي من خلال موقع "بروز. كوم" (Proz.com)؛ إنَّه سوق ضخم على الإنترنت؛ حيث يعلن المترجمون عن خدماتهم وينشر المشترون وظائفهم، وبناءً على المعدلات التي أدخلها آلاف المترجمين في ملفاتهم الشخصية، ينشر موقع "بروز" (Proz) جدولاً بمتوسطات الأسعار.

تذكَّر أنَّ هذه الأسعار يتقاضاها المترجمون الأفراد، مع مراعاة النقاط التالية:

  • تُقدِّم الوكالات عادةً، خدمة الترجمة مع التحرير أو التدقيق اللغوي بواسطة مترجم آخر؛ ممَّا يزيد التكلفة.
  • يُقدِّم العديد من مقدمي الخدمات سعراً مخفضاً للكلمات المتكررة بفضل تقنية ذاكرة الترجمة.
  • قد تقوم الوكالات بأعمال أخرى بالإضافة إلى الترجمة نفسها، مثل: إنشاء أدلة الأسلوب وقواعد المصطلحات، والهندسة المحلية، والنشر المكتبي، والاختبار، وما إلى ذلك.
  • تتطلب النصوص القصيرة والعاجلة والتقنية أو الإبداعية أسعاراً أعلى في العادة، في حين تكون النصوص البسيطة والطويلة وغير العاجلة أقل سعراً.
  • الوكالات شركاتُ أعمال تجارية؛ لذا فهي تضيف هامش ربح إلى الأسعار التي تدفعها للمترجمين.

بأخذ ما ورد آنفاً في الحسبان، تُعدُّ الأسعار التي يتقاضاها المترجمون الأفراد، هي الأساس الذي تحسب الشركات بناءً عليه أسعارها للعملاء النهائيين.

ليست كل الشركات متشابهة:

يفضِّل بعض العملاء العمل مع المترجمين المستقلين مباشرة؛ ذلك لأنَّهم أقل تكلفة، لا سيما عند ترجمة النصوص إلى لغة أو لغتين، ولكن عندما تتوسَّع المشاريع، تُضاف لغات جديدة، وقد تكون تنسيقات الملفات غير مباشرة؛ ممَّا يدفعك إلى التعامل مع شركة ترجمة من أجل إنجاز كل العمل الإضافي، وبالإضافة إلى ذلك، يعني العمل مع مستقلين مختلفين أو أسواق إلكترونية طوال الوقت، أنَّه لن يكون هناك اتساق بين المشاريع، بينما تحتفظ الوكالات عادةً بمواد مرجعية مثل ذاكرات الترجمة وقواعد المصطلحات وأدلة الأسلوب، والتي تساعد على الحفاظ على الاتِّساق مع مرور الوقت.

كما تبحث الوكالات عن طرائق لخفض تكاليفها، وتقديم أسعار أرخص للعملاء، لتكون قادرة على المنافسة، وبعض هذه الطرائق جيدة، وبعضها الآخر عديم الضمير أو حتى غير قانوني؛ لذا دعنا نلقي نظرة على الأمر:

1. ما يتضمنه السعر:

على الرغم من أنَّ معظم الشركات تدرك أنَّ تقديم الترجمة من دون أي تحرير أو تصحيح لغوي أو مراقبة الجودة، يُعدُّ أمراً خطيراً، إلَّا أنَّها تفعل ذلك من أجل خفض أسعارها قدر الإمكان؛ لذا عند مقارنة الأسعار بين الشركات، احرص على معرفة ما يتضمنه السعر، واعرف إذا كان هذا سعر الترجمة فقط، أم الترجمة مع التحرير، أم مع التدقيق اللغوي، وما خطوات ضمان الجودة المتبعة، وهل يتقاضون رسوماً مقابل تسليم الملفات، وقواعد المصطلحات، وأوراق الأنماط، وما إلى ذلك.

2. الاستفادة من العامل الجغرافي:

من المعروف أنَّ تكاليف المعيشة وإدارة الأعمال التجارية أقل في بعض البلدان، ولقد أصبحت المنافسة تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص في مختلف بلدان العالم منذ فترة طويلة، ولم تعد الاستعانة بمصادر خارجية أو نقل المكاتب إلى مناطق أقل تكلفة تثير الجدل كما في السابق، وهذا ما تفعله شركات الترجمة أيضاً.

في حين أنَّ المترجمين أنفسهم عادة ما يعيشون ويعملون في بلدانهم الأصلية، تقدم شركات الترجمة النشر المكتبي والتسجيل الصوتي وإدارة المشاريع، والتي يمكن القيام بها بشكل أرخص في أي مكان آخر؛ لذا تفتح بعض الشركات فروعاً في بلدان مختلفة، فإذا أردت معرفة المكان الذي سيُنجَز فيه عملك فعلياً، فاسأل مُقدِّم الخدمة.

لنضرب مثالاً على المتحدثين الأصليين للنرويجية، الذين يعيشون عادة في النرويج حيث تكون تكاليف المعيشة مرتفعة؛ ممَّا يجعلها واحدة من أغلى اللغات للترجمة، ولكن لو بحثنا عن متحدثين باللغة النرويجية في دولة أخرى، ربما سنجد شخصاً يعيش وفقاً لتكاليف معيشية منخفضة، مثل الهند أو روسيا، ومن ثمَّ سيوافق بالتأكيد على أسعار أقل ممَّن يعيشون في النرويج، ولكن، هل النرويجية هي لغتهم الأم؟ وإذا كانوا متحدثين أصليين ويعيشون في الخارج، فهل معرفتهم باللغة تتساوى مع المواطنين القاطنين في النرويج؟ قد يكون الأمر كذلك إذا بذلوا جهداً للبقاء على تواصل مع ثقافاتهم الأصلية، ومعرفة كيفية استخدام اللغة.

3. المترجمون المؤهلون وغير المؤهلين:

بالإضافة إلى كون المترجم متحدثاً أصلياً، ما الذي يجعله مؤهلاً للترجمة؟ في الواقع، لا توجد إجابة واضحة عن هذا السؤال، وبينما تمتلك بعض البلدان شهادات رسمية وجمعيات واختبارات للمترجمين، قد لا تمتلك البلدان الأخرى أيَّاً ممَّا ذُكر، فضلاً عن أنَّه لا يوجد معيار دولي ثابت؛ ما يعنيه ذلك، أنَّه يمكن للشركة أن تطلق لقب "مترجم مؤهل" على من تريد، بما في ذلك الطلاب، والذين لا يتمتعون بالخبرة، والذين يترجمون إلى لغة غير لغتهم الأم، وفي حين أنَّ النتائج قد تكون مقبولة للمحتوى البسيط، لكنَّ هذا لا يمنع أن تكون هناك شفافية حول من سيقوم بالعمل.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح تسهل عليك تعلّم اللغة الإنكليزية

4. الاستعانة بالمصادر الخارجية:

تعمل العديد من أكبر شركات الترجمة كوكلاء بين العملاء والمترجمين، ولكنَّهم يضيفون أيضاً خيار الاستعانة بمصادر خارجية، وعندما تكون اللغة المطلوب ترجمتها أو مادة الموضوع المترجم خارج نطاق عملهم، فإنَّهم يوظفون بائعين أصغر للقيام بالعمل، ومع ذلك، فإنَّ كل مستوى إضافي، يزيد من خطر سوء الفهم والتأخير، ويؤثِّر في السعر النهائي.

5. السمعة:

إذا أعلنت إحدى الشركات أنَّها تعيِّن فحسب محترفين يتحدثون اللغة المستهدفة كلغة أم، وذوي كفاءة عالية، فماذا تفعل إن راودتك الشكوك حول ادعائهم؟ يحتفظ موقع "بروز" (Proz) بقاعدة بيانات لمقدمي الترجمة مع تقييمات المترجمين لهم؛ لذا يجب عليك البحث عن الشركة التي تتحدث معها ومعرفة أدائها، فإذا لم تُكن مدرجة في القائمة، أو لا تمتلك أي تقييمات تقريباً، فمن المحتمل أنَّهم لا يعملون مع مترجمين محترفين، أو لم يزاولوا عملهم إلا مؤخراً، وإذا كانت التقييمات منخفضة، فيعني هذا أنَّهم لا يعاملون مترجميهم جيداً، كما يخزن موقع "جلاس دور" (GlassDoor) التعليقات من موظفي الشركة والموظفين السابقين.

6. ما هي رسوم إدارة المشاريع (PM)؟

ستفرض معظم الشركات رسماً يسمى إدارة المشروع أو رسوم (PM)، ويتراوح عادةً بين 1 إلى 10% من الإجمالي، ويغطي عمل مدير المشروع الذي يتولى عملك؛ حيث سيؤدي إخراج رسوم إدارة المشروع من معدل الكلمة الواحدة إلى انخفاض سعر الكلمة، ولكن ستُضاف الرسوم في وقت لاحق؛ لذا تفرض بعض الشركات أيضاً أنواعاً أخرى من الرسوم، مثل رسوم التأسيس وبدء التشغيل وغيرها؛ فعند مقارنة عروض الأسعار بين الشركات، تحقَّق من النسبة المئوية التي تتقاضاها كل شركة، وأدرِج ذلك في المقارنة.

7. جودة الصوت:

تقدِّم العديد من الشركات خدمات صوتية بلغات مختلفة؛ حيث تمتلك بعضها استوديوهات تسجيل خاصة مُصمَّمة وفقاً لمعايير الصناعة، قادرة على إنتاج بث إذاعي عالي الجودة، بينما قد تطلب بعض الشركات الأخرى من المتحدثين باللغة، تسجيل البرامج النصية في المنزل باستخدام حواسيبهم، أو حتى هواتفهم المحمولة.

8. فخ التبديل:

قد تقدم بعض الوكالات سيرة ذاتية رائعة للمترجمين الذين يعملون معهم، وتقدِّم أعمالهم بأسعار منخفضة، في حين أنَّهم ليسوا الأشخاص أنفسهم الذين يقومون بهذا العمل؛ أي قد تكون السير الذاتية حقيقية، لكنَّ من يُترجم هم زملاؤهم الأقل خبرة، وفي الواقع، ثمَّة بعض الخدع التي تقوم بها شركات الترجمة، مثل:

  1. الإعلان عن أفضل السير الذاتية من اللغويين.
  2. الإعلان عن أسعار رخيصة لمترجمين هواة.
  3. تبديل معلومات الاتصال في السير الذاتية لتتواصل مع أشخاص آخرين.
  4. الإعلان عن أسعار لا تقبل المنافسة مع إظهار السِيَر الذاتية الرائعة للغويين الجيدين.
  5. تقديم الترجمة بواسطة المترجمين الهواة.
  6. طلب دفعة مقدمة إن أمكن أو 50% على الأقل باستخدام "باي بال" (PayPal).
  7. استغلال شكوى العميل من الجودة، كحجة من قبل الشركة لرفض الدفع للمترجمين الهواة.
إقرأ أيضاً: ماهي اللغات الأكثر استخداماً في العالم؟

9. التركيز على ما يُقال:

سيبذل بعض مقدمي الخدمة جهوداً كبيرة لترك انطباع جيد، وسيقولون إنَّهم يعملون مع آلاف المترجمين ليجعلوا أنفسهم يبدون كشركات كبيرة، لكنَّهم في الواقع مترجمون مستقلون وليس لديهم شركات؛ لذا حاول أن تبحث عن شهادة معايير المنظمة الدولية (ISO) أو أي شهادة أخرى، ولكن اعلم أنَّ هذا يُطبَّق على عملية التوظيف وليس له أي علاقة بجودة الترجمة.

كما ستحاول بعض الشركات إظهار مواقعها على أنَّها منتشرة في جميع أنحاء العالم، غير أنَّ بعضها تكون مكاتب افتراضية من دون موظفين في الموقع، كما تتحدَّث العديد من الشركات أيضاً عن الجودة التي لا تشوبها شائبة، والآلاف من العملاء الراضين، غير أنَّها لا تقدم شهادات حقيقية بالأسماء ومعلومات الاتصال.

في الختام:

نأمل أن يوضح هذا المقال بعض الأساليب التي تستخدمها شركات الترجمة، وأن تكون قد أدركت أنَّه ما دام العمل تجارياً وغير قانوني، يمكن للشركة أن تفعل ما تريد، ومع ذلك، إن كان لديك عمل تريد ترجمته، فعليك البحث والتحري عن وكالة الترجمة قبل التعاقد معها.

المصدر




مقالات مرتبطة