كيف تحدد الشخصيات الفرعية الخاصة بك، وكيف تستثمر وجودها؟

إنَّ الشخصيات الفرعية هي ليست ظاهرة جديدة، ففي علم نفس الشخصية، الشخصية الفرعية هي "وضع شخصي ينشط أو يظهر على أساس مؤقت، للسماح للشخص بالتعامل مع أنواع معينة من المواقف النفسية والاجتماعية".



لقد اتخذت أغلب القرارات الهامة في حياتي عندما تولى أقوى جانب مني - إحدى شخصياتي الفرعية - زمام الأمور أو لكي أكون أكثر دقة، عندما اخترقت إحدى تلك الشخصيات شخصيتي، وأزالت الأصوات الأخرى جميعها الموجودة في رأسي من ترك الوظائف إلى ترك زواجي، لم تكن هذه القرارات مبنية على العقل؛ بل على احتياجات أحد الأطفال العديدين الموجودين في داخلي.

تتطور الشخصيات الفرعية بوصفها نتيجة لبيئتنا، وعلى سبيل المثال: إذا نشأنا مع والدين ينتقدوننا انتقاداً مفرطاً، سننتقد أنفسنا بشدة، والذي سيطور بمرور الوقت صوت والدينا لدرجة أنَّنا سنتعرض للتوبيخ باستمرار من قبل والدينا دون أن نراهم، أو إذا لم نتلقَّ كثيراً من الحب أو الاهتمام بوصفنا أطفالاً أو أشخاصاً بالغين، فمن المحتمل أن نتحمل الأغلاط من أجل الحصول على التقدير من الآخرين، أو للبحث عن الحب، والقَبول بحثاً يعرضنا للخطر أحياناً.

أو إذا كنا مهووسين بالمخاطرة، فمن المحتمل أن تحاول شخصيتنا الفرعية تجاوز ما يحدث في الوقت الحاضر، والقائمة لا حصر لها.

ماذا سيحدث عندما تطغى هذه الأجزاء على حياتنا، وتخرجنا عن مسارنا؟

تعيش في داخلنا جميع الطاقات الرقيقة، والحساسة للطفل الموجود بداخلنا، والذي يراقب العالم عن كثب، ويتأذى بسهولة، ويُدمر هذا الجانب منا عندما تقرر شخصية فرعية بداخلنا تنفيذ الشيء الذي يبدو أنَّه "الأكثر أماناً"، والحل الأكثر منطقية لمشكلة ما.

إذا أخذنا النقد الداخلي، على سبيل المثال: يصبح ساخراً، ومريباً ريبة علنية، ممَّا يقضي على قدرتنا على التعاطف، وتقديم الحب دون قيد أو شرط، وفي مثل هذه الحالة ندفن جوانب هامة ولطيفة من أنفسنا، والتي تُدفن بعمق لدرجة أنَّ اختفاءها غالباً يضر بوجودنا.

كُتِبَت عدة كتب عن هذا الموضوع؛ فقد دعا الناقد هال ستون (Hal Stone) على تقبل النقد الداخلي، وقد عمل هال عملاً رائعاً في شرح التشتت الذي قد نواجهه عندما نصبح مراهقين، ثم بالغين؛ إذ يؤكِّد معظم علماء نفس الشخصية وغيرهم أهمية ممارسة التخليق النفسي، وهو تمرين نفسي بين المعالج والمريض، يهدف إلى دمج الشخصيات المختلفة في كيان هادئ وعملي، لكن كيف يمكننا تحديد تلك الشخصيات الفرعية التي تسيطر على حياتنا أحياناً؟

أولاً، يجب أن نحلل ما نشعر به بشجاعة وصراحة؛ فإذا شعرنا بالفرح أو الحزن شعوراً مفرطاً، وإذا شعرنا بالتقلبات بوتيرة كبيرة في غياب الاضطراب المزاجي المشخص، فمن المحتمل أن نكون تحت رحمة الأطفال الموجودين في داخلنا تماماً، مثل نوبات الغضب التي كانت تنتابنا عندما لم نحصل على ما نريده عندما كنا أطفالاً، ونفرح بعد دقائق عندما نحصل على شيء بديل، أمَّا الآن بوصفنا بالغين نشعر بالاستياء شعوراً غير منطقي لما قاله أو فعله شخص ما، ثم نجد المشتتات في أشياء أخرى للهروب من الإحباط، والغضب الذي نشعر به تجاه "الجاني".

إقرأ أيضاً: 19 طريقة لبناء ثقتك بنفسك

مثال على ذلك: قد يشعر الشخص الانطوائي بالضيق والقلق عندما يكون في مجموعة كبيرة من الناس، ومع ذلك يكره أولئك الذين يتصرفون ببرود في أثناء الحفلات الصاخبة، لقد تبرأ هذا الشخص بشكل أو بآخر من بعض أجزائه، وسمح للنقد الداخلي بالانتصار، وهذا الصوت القاسي لا يساعده على التقدم إلى الأمام، ولكنَّه يلبي احتياجات الشخصيات الفرعية الأخرى (مثل الطفل الموجود بداخله)، وفي هذه الحالة يفقد هذا الشخص نقطة تركيزه لمصلحة صوت أقوى أو أعلى.

بعد ذلك يجب أن ندرك أنَّه خلف بيئة الثرثرة العقلية هذه يوجد جو من السلام والوفرة والعافية؛ إنَّه يتجاوز الطريقة التي نشأنا بها، والشخصيات التي أُجبرنا على تطويرها من أجل التأقلم، والتحديات التي نواجهها في وقتنا الحالي، وفي هذا الفضاء من القناعة نتواصل مع ذاتنا العليا، ونتمكن من الشعور بالقوة والحيوية الموجودة دائماً على الرَّغم من الفوضى والظلام والمشاعر الجنونية كلِّها التي قد نشعر بها داخلياً، وفي هذا الفضاء يمكننا أيضاً مراقبة أجزائنا في العمل، والبدء في اتخاذ قرارات منطقية وحساسة وآمنة حقاً.

تحقيق التوازن:

من أجل تحقيق التوازن عندما تشعر بأنَّك بدأت في الانحراف عن مسارك، جرب ما يأتي:

  • أغمض عينيك، وخذ أنفاساً عميقة، خذ أنفاساً فقط، وهذا كلُّ شيء.
  • عند إغماض عينيك، حدِّد الأصوات المختلفة، ستلاحظ في البداية أنَّه غالباً ما يكون هناك معركة من الآراء، وستلاحظ أيضاً أنَّ أحد هذه الأجزاء سينتصر ريثما تعثر على نقطة أفضل أو أسوأ تركز اهتمامك عليها، أي أعثر عليها إن أمكن.
  • اكتشف العقوبات والمزايا كلَّها للانحياز إلى جانب على حساب الآخر.
  • الآن، تخيل أنَّك تشاهد هذا النقاش من بعيد، ثم أدرك في هذا الفضاء من الوضوح والعقل أنَّك أنت الوحيد المسؤول.
  • ثم اتخذ قراراً من هنا، وأخبر الجميع أنَّك بحاجة إلى الذهاب في اتجاه مختلف.

شاهد بالفديو: 12 سبباً وراء أهمية تطوير الذات

في الختام:

كما هو الحال مع جميع الممارسات ستجد بمرور الوقت أنَّه من الأسهل سماع أصوات الشخصيات الفرعية الخاصة بك مثلما هي؛ إنَّها عبارة عن أغاني تملك القدرة على إيقافها مؤقتاً أو إيقاف تشغيلها، ويمكنك تجاهلها للأبد.

المصدر




مقالات مرتبطة