كيف تحافظ على استمرار نجاح شركتك؟

يمتلئ عالمنا الحالي بالعديد من الشركات والمؤسسات؛ الأمر الذي جعلَ سوق العمل سوقاً شديدة التنافسية لا مكان فيها للضعفاء؛ ولذا فإنَّ البدء بأي مشروع دون أسس صحيحة مصيره الفشل دون أدنى شك.



سر نجاح الشركات:

يقول زياد ريِّس صاحب كتاب "تجربتي لحياة أفضل": بأنَّه ومنذ قرابة ثلاث سنوات حضر إليِّ أحد الإخوة الأفاضل ممَّن يُشهَدُ له ولوالده بالاستقامة والصلاح، وعرضَ عليَّ فكرة مشروع صناعي غذائي صغير؛ حيث يعمل على تجميع محفظة استثمارية لغرض إنشاء المصنع.

ربَّما مصادفة أنَّه من خلال طبيعة عملي الوظيفي لعشرات السنين سبق وأن عملتُ على إنشاء مصنع لنفس المُنتَج وأشرفتُ على إدارته؛ ولذا فأنا مُطَّلِع تماماً على الموضوع، وهذا استدعى أن أسأله مجموعة من الأسئلة الأساسيَّة التي بَنَى عليها الجدوى الاقتصاديَّة للمصنع، وتبيَّنَ لي عدم جدوى الموضوع كليًّا، ونصحته بذلك، ولكنَّه أَوحَى لي بأنَّه عازم على المضي به، وبأنَّه "يخاف الله وأنَّ الله معه".

اعتذرتُ عن المشاركة، وانتهى اللقاء، لكنْ منذ عدَّة أشهر تواصل معي وأفاد بأنَّه مؤخراً تمَّ الانتهاء من إنشاء المصنع، لكنْ يُواجه صعوبات فنيَّة في التَّشغيل، ويطلب الاستشارة من الفريق الفني الذي يعمل معي، وكان الأمر أن جعلته يتواصل معهم، لكنْ منذ أيام علمتُ أنَّ المصنع عملَ بشكل متقطِّع لمدة ثلاثة أشهر، والآن توقَّف العمل وعُرِضَ المصنع للبيع.

الحقيقةُ أنَّني أحببتُ عرض هذه القصة هنا؛ لأنَّه بين الحين والآخر تمرُّ عليَّ قصص خلافيَّة كثيرة، وسببها الأخذ بفكرة "الأمين" دون الانتباه إلى فكرة "القوي".

إذ إنَّ كثيراً من المشاركات التي تقوم على طرف أول "صاحب المال أو محفظة ماليَّة"، وطرفٍ ثانٍ "صاحب الفكرة والمنفِّذ"، وتكون الشَّراكة بينهما مبنيَّة على حجم الثِّقة في الطرف الثاني، وعلى كلِّ الأمورِ المتعلِّقة بـ "الأمين" لما عرف عنه من استقامة وأمانة وصدق.. إلخ، ويُغفِلُ الطرف الأول المُقوِّمات اللازمة التي تعود إلى فكرة "القوي"، والتي تندرج ضمنها عناصر كثيرة منها:

  1. المعرفة الأكاديميَّة والإداريَّة بالعموم، وبطبيعة المشروع على وجه الخصوص.
  2. المعرفة بالسُّوق التي يقوم عليها المشروع والقوانين المحيطة بطبيعة عمل المشروع ومكانه.
  3. المعرفة والإدراك والاستعانة بالإدارات الماليَّة اللازمة، وتطبيق المعايير الدوليَّة في التقارير.
  4. إدراك واستحضار أهميَّة وضرورة تأمين رأس المال الكافي للأصول والتشغيل للمشروع إلى وقت الاستقلال المالي الذَّاتي.
  5. المقدرة على استيعاب الآخرين والتَّعامُل معهم، والصَّبر، والإصرار والالتزام، والشَّغف.
  6. المقدرة على مُواكَبة التقنيَّة الحديثة وقابليَّة التَّجديد المستمر مع المُتغيِّرات التقنيَّة والسُّوقيَّة المحيطة.
  7. وجود ممارسة عمليَّة وتجارب سابقة، ولا يكفي التَّعليم الأكاديمي.

هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى تتبع طبيعة المشروع.

هنا أودُّ أن ألفتَ الانتباه إلى أنَّ المسؤوليَّة تبقى مشتركة بين الطَّرفين ومنذ البداية، وهي اختيار الشَّريك بشقَّيهِ "القوي الأمين" وليس أحدهما فقط.

شاهد بالفديو: 8 أسباب وراء فشل المشاريع التجارية

صفات الشخص الناجح في المجتمع والعمل:

لكي تكون ناجحاً في مجتمعك أو العمل الذي أنتَ فيه لا بدَّ أن تحمل بعض الصفات والخصال الرئيسة؛ من أهمها قدرتك على التَّعامُل مع الآخرين.

يتبع ذلك صفات كثيرة منها ما هو مُكتَسَب، ومنها ما يعود إلى إرث حضاري ثقافي والتزام بقيَم ومبادئ ذات جذور أيديولوجيَّة، ومن أهمَّها: النَّزاهة والأمانة والشَّفافية؛ حيث يُوجَدُ الكثيرون في مواقع مُتقدِّمة في العمل أو في المجتمع؛ وذلك ليس لتحصيلهم الأكاديمي ولا لخبرتهم العمليَّة؛ وإنَّما لِما يحملون من الصفات الأخرى التي ذُكِرَت أعلاه.

إقرأ أيضاً: الشركات الناشئة: تعريفها، وأهم أسباب نجاحها وفشلها

التُّفاح الأخضر والسَّنابل السبع:

أَذكُر هنا في هذا السياق حادثة التفاح الأخضر:

"منذ أكثر من عشر سنوات كنَّا قد قدَّمنا على مُناقصة لإحدى بعثات الحج الرسميَّة لغرض توريد وجبة إعاشة ليومي عرفات ومزدلفة، وذلك لعدد قرابة ٦٠ ألف من الحُجَّاج، ورسَت المناقصة علينا في ذلك الوقت، وكان من بين المُكوِّنات "تُفاح أخضر" بمقاس محدد، وعند تعبئة الشَّاحنة الأخيرة حضَر المشرف وقال: بأنَّه يُوجَدُ نقص في عدد مُحدَّد من الوجبات لهذا النوع من التفاح، ولم نحصل عليه في كل شركات البلد، ولا حتى من المقاس الأكبر؛ وإنَّما المتوفِّر من المقاس الأصغر الذي ليس من السَّهل تمييزه بالعين عن المقاس المطلوب.

رغم كل الإصرار والجهود لم نحصل على المقاس، لكنْ تمَّ شراء كميَّات التفاح بالمقاس المتوفر، وتمَّت تعبئة الوجبات الناقصة، ثمَّ تمَّ شراء كميَّات من صناديق التفاح الإضافيَّة تعادل الكميَّة الناقصة بالقيمة، ووُضِعَتْ كما هي في آخر شاحنة، وأُرسِلَ خطابٌ بالحادثة للبعثة بما حدث وتفاصيل الإجراء الذي تمَّ عمله لتتمة إكمال التفاح المطلوب.

الذي حصل بعدها أنَّ البعثة قد استمرَّت بتعميدنا بالشكل المباشر لسنوات، وبتكليف دون الدخول بأيَّة مُنافسة مع الآخرين، والحقيقة منذ أيَّام عندما كنتُ أقرأ الآيَّة: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[سورة البقرة: 261]؛ تذكرتُ الحادثة، واتَّصلتُ مع الذي كان مسؤولاً في ذلك الوقت عن الموضوع، وسألته كم سنة استمرَّت البعثة في التعميد المباشر؟ فقال: سبع سنوات، بعدها تغيَّر المسؤولون في البعثة نفسها، وتوقَّف الأمر.

الشَّاهد هنا أنَّ الذي جعل الخير يستمرُّ سبع سنوات هو الالتزام بالنَّزاهة والصِّدق والأمانة والشَّفافية مع الآخرين، وليس قوَّة الشَّركة أو مظهرها أو الشَّهادات التي تحملها، وهذا هو الجزء الأهمُّ للاستمرار والنَّجاح. 

إقرأ أيضاً: ما هو السبب الحقيقي وراء فشل معظم الشركات؟ وكيف تحل هذه المشكلة؟

بالعودة إلى كل ما سبق نجد أنَّ تحقيق النجاح في عالم الأعمال مقترن بشكل وثيق بموضوع الأخذ بالأسباب الصحيحة من ناحية وضع الافتراضات ودراسة السوق والاطِّلاع على المنافسين، وغيرها من المعايير والقرارات اللازمة لبدء العمل وضمان استمراره ونجاحه، إضافةً إلى معيار هام جداً وهو التزام الصدق والشفافية في التعامل مع العملاء، ودون تلك المعايير فمن المستحيل أن يستمرَّ أي مشروع في العمل وسيكون الفشل مصيره.




مقالات مرتبطة