كيف تجهِّز بيئة عملك لتخدم أهدافك بالشكل الأمثل؟

ما الذي يتطلَّبه العمل لتحقيق الهدف؟ هل يتعلَّق الأمر بامتلاك الدافع والحافز، وجود خطةٍ أسبوعيةٍ تحدِّد المهام الأساسية التي يجب القيام بها؟ أم أنَّ هنالك جزءاً آخرَ من الأحجية؟ كما ترون، نودُّ أن نعتقد بأنَّنا نسيطر على ما نقوم به، وبأنَّنا في حال ركَّزنا على إنجاز مهمَّةٍ ما، يمكننا الوصول إلى حيث نرغب. لكنَّ الحقيقة هي أنَّ عقولنا تتأثَّر بسهولةٍ بالعوامل الخارجية؛ لأنَّنا أبناء بيئتنا، شئنا أم أبينا. اسمحوا لنا بأن نوضح هذا بمشاركتكم قصةً تدور حول متجرٍ لبيع مكعَّبات روبيك.



لغز مكعَّب روبيك:

لو كنت تدير متجراً لبيع التجزئة، في أيِّ قسمٍ كنت ستضع كتاباً عن حلِّ لغز مكعَّبات روبيك؟

طلب مالك متجرٍ مجموعةً من مكعَّبات روبيك، ووضعها في قسم الألعاب في المتجر. نجحت هذه الألعاب نجاحاً باهراً مع الزبائن، وبعد فترة وجيزة، ظنَّ المالك أنَّ الأشخاص الذين اشتروا مكعَّبات روبيك قد يودُّون قراءة كتبٍ تتعلَّق بكيفيَّة حلِّ الألغاز، لذلك طلب الحصول على كتب أدلةٍ عن المكعبات. وبالتأكيد، قام بوضع هذه الكتب في قسم الكتب.

بعد مرور أشهرٍ، جُرِدت مبيعات الكتاب، والتي كانت لا بأس بها؛ لكنَّها لم تقترب أبداً من أرقام مبيعات لعبة مكعَّب روبيك. حيَّر نقص مبيعات الكتب مالك المتجر، فقد كان يظنُّ أنَّ نسبةً أكبر من الناس الذين يشترون المكعَّبات، يرغبون كذلك في شراء الكتاب.

في نهاية المطاف، اقترح أحد الموظفين بأنَّه قد يكون من الأفضل نقل الكتاب من قسم الكتب إلى قسم الألعاب، حيث يمكن وضعه بجانب المكعَّبات.

في البداية، كان الشيء المنطقي أن يوضع الكتاب في قسم الكتب، لكن من المنظور التجاري، فإنَّ وضع مكعَّبات روبيك جنباً إلى جنبٍ مع الكتب أكثر منطقية. قال الموظف أنَّ الناس سوف يشترون الكتاب إذا رأوه بجانب المكعبات. وبعد تفكير، قرَّر المالك الموافقة على تجربة هذا المقترح.

كانت النتيجة فورية، حيث ارتفعت نسبة مبيعات الكتب على الفور؛ ببساطةٍ لأنَّ الكتاب وُضع في مكانٍ أكثر ملاءَمةً للعملاء.

تؤثِّر بيئتك فيك:

نواجه كلَّ يومٍ وابلاً من الخيارات، تبدأ من الوقت الذي علينا فيه مغادرة السرير، وما علينا القيام به بعد ذلك. بعضها صعب، ويتطلَّب بعضها الآخر الصبر والتفاني، ويوجد أيضاً الخيارات المغرية التي نحاول مقاومتها.

يمكنها أن تتسلَّل إلينا دون أن ندرك ذلك، وحين ندرك يكون الوقت قد تأخَّر جداً. لكن وبسبب الإشارات البيئية المحيطة بنا، ومثل أيِّ قصةٍ من القصص التعليمية، ينتهي بنا الأمر بالوقوع فريسةً لخياراتٍ محدَّدة.

الإشارات البيئية هي الأشياء التي تحيط بنا، وتثير فينا أفكاراً ورغباتٍ معينة، وتجعلنا نتصرَّف على نحوٍّ محدَّد.

تتأثَّر قراراتك إلى حدٍّ كبيرٍ بما حولك:

  • عملك بعيدٌ جداً عن مكتبك، ممَّا يتسبَّب بتأجيل البدء به.
  • الأطباق التي تستخدمها لتناول العشاء واسعة، لذلك تملؤها بأكثر ممَّا تحتاج من الطعام.
  • تتصفَّح موقع ويب وترى مقالةً مقترحةً أو فيديو، فيدفعك فضولك إلى فتحهم.

لذلك، حتَّى وإن شرعت في إكمال عملٍ ما بتصميمٍ كبير، فليس هنالك فائدةٌ إذا قرَّرت بيئتك خلاف ذلك؛ لأنَّه من طبيعتنا أن يتشتَّت تفكيرنا بسهولة.

ننظر حولنا إلى أشخاصٍ وأشياءٍ أخرى، وإلى الطريقة التي يعمل بها محيطنا؛ لتحديد الكيفية التي يجب أن نتصرَّف بها. إنَّهم بمثابة مرجعياتٍ لنا حول كيفية التصرُّف والاستجابة، والسبب الذي يكمن وراء هذا السلوك هو أنَّ البشر بطبيعة الحال بخلاء معرفيَّاً.

لأنَّنا نقدِّر موارد المعالجة العقلية لدينا، نحاول إيجاد طرائق أسهل للتنقُّل حول عالمنا، فنحن نملك مقداراً محدوداً من قوة الإرادة التي تمكِّننا من اتخاذ القرارات قبل نفادها؛ ذلك لأنَّ  أدمغتنا يصيبها الإنهاك والارباك.

ونتيجةً لذلك، يشكِّل الروتين معظم أيامنا، فنحن نمارس أنشطةً معينةً مراراً وتكراراً، مثل: تنظيف أسناننا، وإغلاق الباب الأمامي للمنزل.

يتطلَّب القيام بشيءٍ غير اعتيادي، أو بذل جهدٍّ إضافي ليس له فائدةٌ فورية؛ الكثير من قوة إرادتنا، إذ يوجد الكثير من الخيارات التي يمكن معالجتها قبل أن تنفد طاقتنا العقلية.

لذلك نميل، معظم الوقت، إلى اختيار الطرائق التي تحتاج إلى مجهودٍ أقلَّ للسير فيها، وهذا ما يدفعنا إلى البحث عن الاختصارات لتوفير الوقت والجهد.

وفي حال وجدنا أنَّ ما نرغب بالقيام به بعيد المنال، فغالباً ما نستبدله بشيءٍ أكثر ملاءمةً للوقت الراهن، خاصةً إذا كانت هذه المهمَّة صعبةً وتتطلَّب بذل الكثير من الجهد.

إقرأ أيضاً: لِمَ لا نَسلُك الطريق السّهل؟

قم بتكوين المحيط الذي يضمن القيام بخيارات أفضل:

كثيراً ما نعتقد أنَّ إنجاز مهمَّةٍ ما يتلَّخص بالوصول إليها والقيام بها، كما ونعتقد أنَّ وجود الإرادة يمكِّننا من إيجاد الطريق إلى هدفنا. لكنَّ محيطنا يملي علينا ما نختار القيام به، حتَّى لو كان ذلك عكس ما نرغب بفعله، حيث يصبح من الصعب اتخاذ القرارات الصحيحة حين يوجد حولك خياراتٌ تشتِّت الانتباه أو تؤدِّي إلى نتائج غير مرغوبة.

سيحدُّ عدم وجود سوى الخيارات المرغوب بها في محيطك من قدرتك على القيام بالأشياء الهامَّة بالنسبة إليك. لذلك إذا كنت ترغب بالعمل على تحسين عاداتك، ألقِ نظرةً على ما حولك وفكِّر كيف تستطيع جعله أكثر ملاءَمةً للقيام بذلك.

يمكنك استخدام الإشارات البيئية للوصول إلى نتيجةٍ أسرع وأسهل. ويمكن تطبيق ذلك في جوانب الحياة المختلفة:

إنَّ رغبتك بفعل شيءٍ ما لا تكفي لإنجازه. فإذا كنت تريد نتيجةً معينة، فأنت بحاجةٍ إلى بيئةٍ تُقرِّبك نحوها.

إقرأ أيضاً: هل تُلحِق مصادر الإلهاء الرقمية الضرر بالإنتاجية في العمل؟

يبدأ تغيير نفسك بتغيير محيطك:

إنَّ إجراء التغييرات على بيئتك يجعل القيام بالأمور الصحيحة أكثر سهولةً، ويجعلك أكثر راحةً طوال الوقت. إذا أعددت البيئة المحيطة بحيث يصبح اتخاذ القرارات أكثر سهولة، فيمكنك بعد ذلك أن تستعدَّ لممارسة عاداتٍ أفضل.

غالباً ما نعتقد أنَّ التغيير ينبع من الداخل، وأنَّ علينا تغيير أنفسنا وطريقة تفكيرنا من أجل تحقيق الهدف، لكنَّنا نهمل حقيقة أنَّ تحسين بيئتنا من أجل الوصول إلى القدرة على اتخاذ خياراتٍ أفضل، يمكن أن يكون له تأثيرٌ كبيرٌ على أفعالنا.

قد تبدو التغيُّرات التي نقوم بها بسيطةً في البداية. على سبيل المثال: قد لا يبدو نقل كتابٍ تودّ أن تقرأه من الرفّ إلى مكتبك أمراً عظيماً. لكن عندما تقوم بتحسيناتٍ تدريجيةٍ على بيئتك، يغدو القيام بما هو صوابٌ أكثر سهولة؛ فوجود خيارٍ أفضل متاح، يجعله الخيار الافتراضي.

 

المصدر




مقالات مرتبطة