كيف تجعل من غفوتك أداة للإبداع والإنتاجية؟

ما الذي تقوم به عادةً عندما تواجهك مشاكل تتطلب إيجاد حلول إبداعية؟ هل ستفكر في النَّوم عندئذٍ كوسيلةٍ تساعدك على إيجاد تلك الحلول؟ قد لا تصدق ذلك، لكن توماس أديسون وسلفادور دالي وستيفن كينغ وفاغنر، جميعهم قد قاموا بذلك من وقتٍ لآخر. فهم قد استخدموا هذه التقنية لإيجاد حلول ابداعيَّة لمشكلةٍ مستعصية. لكن مهلاً قليلاً، هل نحن نتحدث هنا عن النَّوم فعلياً؟ بمعنى أن تغطَّ في نومٍ عميق وتستيقظَ لتجد نفسك قد قضيت بضعة ساعات وأنت نائم؛ مُضيعاً على نفسك وقتاً ثميناً؟ لا، نحن لا نتحدَّث عن ذلك. وإنَّما عن القدرة على استخدام "المراحل الأولية" للنَّوم، من أجل توليد أفكار إبداعية، وحلول لمشاكل مستعصية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن مقال للمدون فيكتور ستاتشورا، الذي استقاها من كتابٍ للكاتب الكندي جيفري وارن بعنوان: "The Head Trip: Adventures on The Wheel Of Consciousness".

لعلَّ الأمر قد يبدو غير مقنعٍ بالنِّسبة لك، ولأكون صادقاً معك، هذا ما خطر لي شخصياً عندما سمعته لأوِّلِ مرة. إلى أن قرأت أنَّ العديد من أعظم علماء وفناني ومهندسي عصرنا، قد استخدموا النَّوم كوسيلة للإلهام وحلِّ المشاكل. وقد وصفوا تلك العملية بأنَّها عملية "صيدٍ وتنقيبٍ عن الأفكار في غابات ومناجم عقلنا الباطن".

لقد بتنا نعلم الآن بفضل التَّطور العلمي، أنَّ عقولنا تنشط عندما نكون نياماً، بنفس القدر الذي تنشط به عندما نكون مستيقظين. إذ يتوقف عمل بعض أجزاء المخ خلال ساعات منتصف الليل، بينما تنشط أجزاء أخرى وتأخذنا إلى أماكن بعيدة، يحدث بها ما لا يحدث على أرض الواقع.

لقد أَتْقَنَت بعض أعظم العقول في العالم هذه التقنية، وعززوا من إبداعاتهم عبر القيامِ بها. ومع القليل من المساعدة، تستطيع أنت القيام بذلك أيضاً.

لكن قبل أن نُسهِبَ بالحديث عنها، إليكَ بعضاً من تجارب أعظم مبدعي عصرنا:

  • سلفادور دالي: أطلق عبقري الفن السريالي على تقنيته تلك اسم "أخذ غفوةٍ بالاستعانة بمفتاح!". إذ كان يجلس على كرسي مع مفتاح ثقيل في يده اليسرى، ويضع لوحة على الأرض. ومن ثم يبدأ بأخذ غفوة، ويستمتع بالرؤى التي يُريه إيَّاها عقله اللاواعي، ويستيقظ عندما يسقط المفتاح على اللوحة.
  • ستيفن كينغ: يحصل عبقري الكتابة هذا أيضاً على بعضٍ من أفضل أفكاره أثناء نومه. إذ يقول أنَّ هذه الأفكار تأتيه بنفس الطريقة التي تُرسَلُ بها رسالة إلى شخص ما باستخدام أنبوبٍ هوائي.
  • توماس إديسون: كان إديسون يضع لوحين من الصُّلبِ على الأرض أسفل يديه مباشرة، والتي كانت تحمل كلٌّ منها كرةً فولاذية. وأثناء ما كان يجلس على مقعده ويدخل أرض الأحلام، تنفتح يديه لتُسْقِطَا الكرات على اللوحين، فيستيقظ عندئذٍ. ومن ثم يقوم بتدوين أي صور أو أفكار راودته أثناء "غفوته" تلك.

على الرَّغم من أنَّنا نستعرض في هذه المقالة جانباً واحداً فقط من أنماط نومنا، إلا أنَّ الرحلة التي نقوم بها أثناء النَّوم هي في حقيقتها عبارةٌ عن مغامرة رائعةٌ لاستكشاف وعينا.

من منّا مبدع؟

في حقيقة الأمر، كُلُّ شخصٍ منَّا لديه القدرة على أن يكون مبدعاً وخلاقاً، وإيَّاك أن تعتقد خلاف ذلك. طبعاً لا يتطلب الأمر منك أن تكون مثل بيكاسو أو دافينشي، لكن لدينا جميعاً جانباً إبداعياً وفنياً يمكننا استغلاله وتنميته. والسِّرُ يكمن في الحاجة والرَّغبة في المحاولة.

أنا لا أدَّعي أنَّ الأمر سهل، ولكن مع الرَّغبة في التَّعلم وبعض المثابرة؛ يمكنك أنت أيضاً أن تكون الشَّخص المبدع الذي تريد. بالنِّسبة لي، اخترت الكتابة كمتنفَّسٍ إبداعي. فأنا أستمتع بهذه المهنة، وأستمتع بخلق قصص لإيصال أفكاري. وقد عملتُ ككاتبٍ مستقلٍّ لفترةٍ قصيرةٍ، فكان الناس يسألونني: من أين تحصل على أفكارٍ لمقالاتك؟ فأجيبهم بأنَّني عادةً ما أنامُ وأصحو لأجدَ نفسي قد وجدتها، فينظرون إليَّ باستغراب.

بالنِّسبة لي، تأتيني الأفكار في أوقات مختلفة، وأبدأ في حمل دفتر ملاحظات لكي أدونها حالما تأتي. فبالإضافة إلى الحصول على بعضٍ من أفكاري أثناء قيادتي السَّيارة، فأنا أميل أيضاً إلى استقاء مواضيعِ مقالاتي أو حتى لفقراتٍ بأكملها، عندما أكون نصف نائمٍ أو شبهَ مستيقظ. وفي أحيان أخرى، أحصل على هذه الأفكار في بداية الليل عندما تبدأ عجلة الوعي لديَّ في الدوران وينتهي بي المطاف في مكان آخر.

النَّوم بمثابةِ تمرينٍ لدماغك:

هل فكرتَ يوماً كيف تغفو؟ إنَّ الأمر أكثر تعقيداً من مجرَّدِ الاستلقاء بالوضع الجنيني والاستيقاظ في الصَّباح. إذ هناك فعلياً خمس مراحل نومٍ نمرُّ بها كل ليلة. ولعلَّ مرحلة حركة العين السَّريعة، أو ما يعرف بالـ "REM sleep"، هي المرحلة الأكثر شيوعاً بينها، حيث يحدث فيها أكثر أحلامنا ضراوةً وجموحاً. إلا أنَّ المرحلة الأولى من النَّوم هي المرحلة التي نستطيع فيها أن ندرك وبسهولة، ما يحيط بنا، وننقبَّ في لاوعينا عن أفكارٍ إبداعية.

الاسم العلمي لأولى مراحل النَّوم هو "Hypnagogic"، والذي يعني الخدرَ أو السُّهاد. لكن دعنا نبتعد عن الاسم العلمي هذا، ولنصطلح على أن ندعوه في هذه المقالة باسم "البدء في النَّوم"، من باب التَّبسيط لا أكثر.

أثناء المرحلة الأولى للنوم، عندما نكون بين مرحلة الوعي ومرحلة (REM)، وبينما ندخل ببطء في مرحلة النَّوم العميق، يبدأ شيء غريبٌ بالحدوث: تبدأ الأفكار في الظهور. بعضها يكون خيالياً، والآخر عملي. ومع القليل من الممارسة، يمكنك أيضاً تسخيرَ مرحلة "البدء في النوم" للمساعدة في توليد أفكارٍ إبداعية، أو حلِّ مشاكل معقدة.

إقرأ أيضاً: 6 أمور تستطيع القيام بها من أجل النوم بشكل أسرع

وضع التقنية موضع التنفيذ:

هناك حيلتان عليك تطبيقهما من أجل أن تجعل هذه التقنية تعمل:

  1. عليك أن تمهّد لكي يقوم لاوعيك بضخ الأفكار.
  2. وأن تستيقظ قبل أن تدخل مرحلة النَّوم العميق (كي لا تنسَ الأفكار التي قد راودتك).

هل سبقَ لك وأن كنت "نصف نائم" من قبل؟ يحدث ذلك عندما تكون نائماً ولكن ليس بشكلٍ كامل؛ إذ لايزال بإمكانك سماع أشياء من حولك. إنَّه شعورٌ غريب. إذ تكونُ جالساً أو راقداً بلا حراك، وتسمع أصواتاً من حولك، ولا تزال تتمتع ببعض القدرة الإدراكية. في تلك الحالة، يبدأ عقلك في الاسترخاء، لكن ليس بما يكفي لإرسالك إلى عالم الأحلام.

هذه هي مرحلة بداية النوم، والتي بإمكانك تسخيرها لمصلحتك. فحتى لو لم تردك أي أفكار، يبقى للأمر آثار جانبية لطيفة. إذ إنَّك تحصل على قسط من الراحة وتستيقظ في حالةٍ ذهنيَّة صافية؛ وهذا ليس بالأمر السَّيء أبداً.

لذا دعني أقدم لك فيما يلي، الخطوات السَّبع لتطبيق هذه التقنية:

1. ابدأ بعقليَّة المبتدئين:

ينصُّ هذا المبدأ بشكل رئيسي على أنَّه ينبغي لنا أن نأخذ معرفتنا بالموضوع، ونضعها جانباً لفترة من الوقت، ونتعامل مع المَهمَّة بعقلية واضحة. إذ يمكن للمعرفة أحياناً أن تقف في وجه مساعينا الإبداعية. فإن كنت على قناعةٍ مسبقة بأنَّ أمراً معيناً مستحيل الحدوث، فسيكون الأمر كذلك. لكن إن لم تفكر بهذه العقلية، تصبحُ الامكانات لا حدود لها.

2. مهِّد الطريق أمام لاوعيك عبر التَّركيز على موضوعك:

عليك أن تجهِّزَ عقلك للتَّعامل مع الموضوع أو المشكلة المطروحة، ويجب أن يتمَّ ذلك قبيل البدء في النَّوم. إنَّ الأمر مشابه لما يحدث عندما تعترضك مشكلة، ويتكشف أمامك حلها أثناء الاستحمام. فحتى تلك اللحظة، يكون لاوعيك يعمل بحذرٍ على مشكلتك بينما تكون أنت مشتتاً من ضجيج الحياة اليومية.

ولكن انتبه: عليك التَّركيز بعمق على تلك المشكلة مراراً وتكراراً لفترةٍ من الوقت، من أجل دفعها إلى منطقة اللاوعي. عندها فقط، يصبح بإمكانك الوصول لاحقاً للحظة الكشف خاصتك.

3. شغِّل الموسيقى:

لقد مررت بحالة نومٍ إبداعية عدة مرات، حدث معظمها عندما استمعت إلى الموسيقى. إذ كنت إمَّا أضع سماعاتٍ لذلك، أو أترك الموسيقى تصدحُ في الخلفية. لذا أنصحُ وبشدة، أن تستمع للموسيقى قبل الخلود للنوم. وعندما تقوم بذلك، أنصحك بنوعٍ هادئٍ يساعد على الاسترخاء. لكن بمجمل الأمر، اختر نوعك المفضل من الموسيقى، فلا ضيرَ في ذلك أيضاً.

4. أرح نفسك:

لا فرق إن كنت تجلس على كرسي مريح، أم إن كنت مستلقياً على سرير؛ فكل ما يتطلبه الأمر منك هو أن تختار مكاناً تُفضِّلُه بحيث تستطيع فيه أن تحصل على قسطٍ من الراحة والاسترخاء.

صدق أو لا تصدق، كثيراً أختبر الحالة الإبداعية تلك أثناء الطيران. إذ وبمجرد الوصول إلى اللحظة التي يُسمح فيها باستخدام الأجهزة الإلكترونية، أضع سماعات الرأس وأبدأ بضخِّ الموسيقى إلى ذهني.

ومن يدري، لعلَّ ذلك المزيج من الموسيقى وحركة التَّأرجح اللطيفة للطائرة وأزيز المحركات، هو ما يجعل عقلي مستمراً بعمله. لكن أياً يكن الأمر، فبالنِّسبة لي، إنَّها وصفةٌ للنَّجاح الإبداعي.

شاهد بالفيديو: 6 عقبات تقف في طريق التفكير الإبداعي

5. فكِّر في موضوعك بينما تغفو:

بعد أن تُرِيحَ نفسك، وتركِّز على موضوعك وأنت تستمع لموسيقاك المفضلة، يصبح بإمكانك البدء في أن تغفو. وقبل مرور وقت طويل، قد تلاحظ أنَّك شبهُ نائم. إذ لا تقدر على الإتيان بأيِّ حركة، لكنَّك مع ذلك، تسمع الأصوات التي تحيط بك. مع وعيك الكامل بحالتك تلك.

6. حرِّر عقلك:

في حالتك شبه الواعية تلك، تكون على دراية بما يحدث وأين قد يقودك. لذا تعلّم كيف تمِّيز تلك الحالة الذهنية، وكيف تركِّز على فكرتك أو مشكلتك. فهذا هو المكان الذي يحدثُ فيه حل المشاكل، وتبدأ فيه عمليَّةُ توالد الأفكار.

ليس هناك من سحر لأَكتُبَ عنه هنا، إذ كل ما يتطلبه منك ذلك هو أن تجربه، لتعلمَ ما يحدث. بالنِّسبة لي، عادةً ما أبدأ في التَّفكير في موضوعٍ مناسبٍ لإحدى مقالاتي، وأبدأ في صياغة السُّطور الافتتاحية، ومقدمة للفقرة الأولى منه.

7. استيقظ وابدأ تدوينَ الملاحظات:

أستيقظ عادةً بعد فترة من الزمن، من دون أيِّ مساعدةٍ من "مفاتيحَ ثقيلة" أو "كراتٍ وألواحٍ معدنيَّة". لكنَّك قد تحتاج لشيءٍ يمنعك من الدخول في مرحلة النَّوم العميق؛ كي لا تفوِّت على نفسك فرصةً للإبداع. لذا أقترح عليكَ ضبطَ المنبه لمدة 15 - 25 دقيقة، وأن تكون جاهزاً لكي تدوِّنَ ملاحظاتك حالما تستيقظ.

وحين أستيقظ، عادةً ما أكتب السُّطور الافتتاحية أو الفقرة التي كنت أفكر فيها. إنَّه ليس بالأمر المثالي أبداً، لكنَّه مع ذلك، يعطيني معلومات كافية يمكنني أن أسلط الضَّوء عليها.

تشبه هذه العملية عمليةَ صقل الأحجار، إذ تصبح الأحجار بعد مدة ناعمةً ولامعة. فكلما أطلتَ عمليَّة صقل أيِّ شيءٍ تعمل عليه، كلما أظهرته بشكلٍ أفضل.

في الختام:

إن أراد معظمنا أن يُدخلوا أنفسهم في حالةٍ من التَّركيز، فغالباً ما تراهم يفكِّرون بعزل أنفسهم عن محيطهم في مكانٍ ما، أو بتجرِّع إحدى المواد الكيميائية؛ كالعقاقير أو مشروباتِ الطَّاقة مثلاً. وفي حين قد تعمل تلك الأساليب مع البعض، إلا أنَّها عادةً ما تؤدي إلى آثار جانبيةٍ غير مرغوبٍ بها. إلا أنَّ النَّوم لا غبار عليه، فهو يغنيكَ عنها جميعاً. إذ يُخلِّصُكَ من سموم جسمك ويجعلك تستيقظ نشيطاً، ومن دون أيِّ أضرارٍ جانبية. فما الذي قد تطلبه أكثر من ذلك؟

المصدر




مقالات مرتبطة