كيف تجعل الموظف الموهوب يستمر بالعمل لديك لأطول فترة ممكنة؟

يسير اقتصاد العمل الحر الذي يحدِّده الموظفون المستقلِّون والموظفون العاملون بعقود مؤقتة على قدمٍ وساق، وتتوقَّع شركة "إنتويت" (Intuit) أنَّ 40% من الموظفين الأمريكيين سيكونون موظفين مستقلين يعملون بعقودٍ مؤقتة؛ واليوم، تبلغ نسبة الموظفين المستقلين 35% من إجمالي الموظفين.



على الرَّغم من ازدياد شعبية العمل المستقل، لكن من غير المرجَّح أن يكون للموظفين المستقلِّين دور رئيس في إعادة تشكيل مستقبل العمل.

بينما يُشكِّل ظهور الموظفين المستقلين تحدياً لبعض الشركات، إلا أنَّها ليست مسألة ذات أهمية بالنسبة إلى معظمها. ويتوقَّع عدد أكبر من أرباب العمل ازدياداً في توظيف الموظفين المؤقتين، لكنَّ المشكلة الأهم هي الموظف المتسلسل (الموظف الذي يقضي 1-3 سنوات في الخدمة ثمَّ يغادر حاملاً معه خبرته ومعرفته واستثماراته).

كيف يجب على أرباب العمل أن يتحضَّروا لهذا النوع من التحوُّل في القوى العاملة؟ وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها ليتأكدوا أنَّهم يستقطبون ويحافظون على المواهب الفذَّة لأطول مدة ممكنة؟

إقرأ أيضاً: 3 أمور يحتاجها أرباب العمل لجذب الكفاءات والاحتفاظ بهم

تزايد تأثير الوظائف المتسلسلة:

القضية الأساسية حالياً هي التوجُّه المتزايد نحو التوظيف التسلسلي. وَفقاً لاستطلاع أجرته شركة "ديلويت" (Deloitte) حول جيل الألفية، يعتقد 44% من موظفي جيل الألفية أنَّهم سيغادرون الشركة التي يعملون بها حالياً، أو سيبدؤون بعمل مختلف خلال السنتين المقبلتين.

وجد بحث لموقع "آدوبس وورك إن بروغرس" (Adobe’s Work in Progress) في العام الماضي أنَّ ما يقرب من 60% من الموظفين في الشركات الأمريكية قد يتركون وظائفهم إذا عثروا على فرصة جديدة، حتى نصف الأشخاص الذين استُطلعَت آراؤهم ممَّن يحبون عملهم سيقومون بتغيير وظيفتهم.

نتائج هذه الاستطلاعات منطقية؛ لذلك من الصعب تجاهلها، فالموظفون لديهم مصلحة ذاتية بالحصول على أكبر قدر ممكن من التعلُّم والتطور في أسرع وقت ممكن، ومع تباطؤ وتيرة التطور في الوظائف، فإنَّه من الطبيعي أن ينتقل الموظف إلى الوظيفة التالية.

ليست المشكلة بالتوظيف التسلسلي بحد ذاته، فمن الطبيعي أن يطمح الموظف بتطوير نفسه. ومع ذلك، فإنَّ التوظيف التسلسلي مُكلِف بالنسبة إلى الشركات؛ أي إنَّك بصفتك ربَّ عمل ترى أنَّ الموظف الذي استثمرت أموالك للاستفادة منه يغادر شركتك بسهولة.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لإدارة فرق العمل بشكل فعال

حل مشكلة الوظائف المتسلسلة:

السؤال الهام هو ما الذي يمكن فعله لحل مشكلة الموظف المتسلسل؟ تدرك معظم الشركات أنَّ الاحتفاظ بالموظف بعد قضائه فترة 2-3 سنوات في الشركة أمر بالغ الأهمية لنجاح النشاط التجاري، والأمر لا يتعلَّق فقط بجعل الموظف يبقى في الشركة لأطول فترة ممكنة؛ بل يتعلَّق الأمر بإيجاد طريقة لإطلاق العَنان لإمكاناته في خدمة النشاط التجاري.

الحل سهل؛ يجب على الشركات تحويل الوظيفة إلى رحلة ممتعة بالنسبة إلى الموظف، بحيث توفِّر له مستويات متزايدة من التحدي وفرص التطور مع مرور الوقت. ففي شركة "آي ديو" (IDEO) تُؤخَذ في الحسبان خبرة المصمِّمين من خلال ثلاثة محاور.

يتعلق المحور الأول ببناء مهارات التصميم على مستوى عالمي، مع التأكيد على دور التكنولوجيا في تطوير هذه المهارات وَفقاً لموقع "آدوب وورك إن بروغريس".

وذكر هذا الموقع أنَّ 81% من موظفي الشركات الأمريكيين صرَّحوا بأنَّ توفُّر تكنولوجيا متقدمة في الشركة يُعَدُّ أهم عامل من عوامل الراحة، ويُعَدُّ أكثر أهمية من الطعام وغيرها من المزايا التي يحصل عليها الموظف.

ويتعلَّق المحور الثاني بقيادة الموظفين خلال العملية الإبداعية، أمَّا المحور الثالث فيتعلَّق بالاستفادة من شركة "آي ديو" كمنصة لرؤية الشخص للتصميم من منظور فردي، بحيث تكون هذه الرؤية مثيرة وتتوافق في الوقت نفسه مع رؤية واتجاه الشركة. وكل واحد من هذه المحاور الثلاثة يبني مجالاً مختلفاً في مهنة الموظف، وينطوي على التزام تجاه المنظمة، والتزام من المنظمة تجاه الموظف.

إقرأ أيضاً: 20 طريقة للاحتفاظ بالموظفين

جعل المسار الوظيفي رحلة ممتعة تُحقِّق مكاسبَ لكل من الموظفين والشركات:

تحويل وظيفة الفرد إلى رحلة ممتعة هو فقط أحد الجوانب، لكنَّ جعلها رحلة نجاح لكل موظف هو مهمة مختلفة وأكثر صعوبة؛ فمن خلال كل محور يكون الهدف هو تحقيق انسجام بين مشاعر الموظف ورغبته بالتطور مع احتياجات العملية التجارية، وكل ذلك سياق واحد متماسك ومتين ومقنع للموظف والشركة.

ما تريد تحقيقه في النهاية هو عملية تحقُّق المكاسب لكل من الموظف والشركة، فالموظف يتطوُّر بطرائق تحقِّق له الحماسة، وفي الوقت نفسه يتم تحقيق مكاسب على صعيد العملية التجارية على الأمد القريب.

وهذا يتطلَّب من المديرين أن يتحلَّوا بالنضج والثقة والشجاعة، ليسألوا الموظفين عن أهدافهم في الحياة، وليس فقط عن أهدافهم داخل الشركة، وأن يفعلوا ذلك بطريقة مريحة للموظف بحيث تكون أبعد ما يمكن عن إطلاق حكم على الموظف؛ بل تجعله يشعر بأنَّه يتلقى الدعم.

إذا كان المديرون على استعداد كي يقوموا بحوار صريح ومنفتح مع الموظف، فسيكون بمقدور الشركة عندها أن تجعل من عمل موظفيها رحلة صوب تحقيق الأداء المثالي.

قد يتَّضح في حالات معينة أنَّه من المستحيل تحقيق المكاسب لكل من الموظف والشركة، فإذا كان الوضع كذلك، فسيكون من الأفضل إدراك ذلك بأسرع وقت حتى تتمكن الشركة من التخطيط وَفقاً لهذا الوضع.

يتطلَّب جعل عمل الموظف يجري في سياق يُحقِّق المكاسب للطرفين وجود مديرين ديناميكيين وفعَّالين، وعندما لا يتوفَّر هذا النوع من المديرين، أو أنَّ مديري الشركة ما يزالون في مرحلة التطوُّر، فعندها سيكون الدور الحاسم لخبراء إدارة الموارد البشرية حتى يتم صقل هذه المهارة في المديرين، ويجب أخذ التفاني في الحسبان؛ إذ يتطلَّب الأمر وقتاً وجهداً والتزاماً عاطفياً لتحقيق هذه المهارة لدى المديرين، لكن عندما تريد أن تُراهن على المواهب، فإنَّ هذا هو الاستثمار الأفضل الذي يمكن أن تقوم به.

العمل الحر سيشكل جزءاً ممتعاً من اقتصاد المستقبل، لكنَّه لن يحل أبداً محل الطرائق التقليدية لممارسة الوظائف، وستبقى الوظائف التسلسلية التحدي الأكثر أهمية بالنسبة إلى أرباب الأعمال، وستزدهر الشركات التي تدرك هذه الحقيقة والتي تلتزم بخلق مسار وظيفي مقنع يلائم طموحات الموظف الشخصية؛ مع توفيرها لمستويات جديدة من التحديات وفرص التطور.

المصدر




مقالات مرتبطة