كيف تجري حواراً مع شخص لا يتواصل معك بصرياً؟

غالباً ما يشيد خبراء التواصل بالتواصل البصري الجيد عند الحديث مع الناس، وقالت "إميليا ريجستاد" (Amelia Reigstad)، مستشارة التواصل والكوتشينغ لموقع "هفبوست" (HuffPost): "يُعَدُّ التواصل البصري أداةً فعالةً بشكلٍ لا يصدق في المحادثات؛ حيث يظهر التفهم والاحترام والاعتراف بأنَّك تصغي إلى الشخص الذي يتحدث إليك. إذا كنتَ الشخص الذي يتحدث، فإنَّ التواصل البصري مع مَن تخاطبه يُظهر أنَّك واثقٌ مما تقوله وأنَّك تريد بناء علاقة".



ولكن لا يستطيع الجميع إجراء التواصل البصري في أثناء حديثهم، وهناك مَن يرون الأمر حميمياً أو مزعجاً أن تتواصل بالعين مع الآخرين، والعديد من الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد يجدونها صعبة أو مزعجة بسبب مشكلات الاستيعاب أو الإفراط في التحفيز.

قالت المعالجة النفسية "أنيت نونيز" (Annette Nunez): "نحن نركز كثيراً في التواصل البصري، وبالأخص في الثقافة الأمريكية، ولكن يمكنك امتلاك مهارات علاقات قوية وعدم إجراء اتصال بالعين، فهو ليس بالطريقة الوحيدة؛ حيث إنَّ معاملة الناس بلطف واحترام أكثر أهمية من النظر مباشرة في عيني شخص ما".

إن كنت تُجرِي حواراً مع شخص لا يتواصل معك بصرياً، فلا تقلق، وتشارك "ريجستاد" و"نونيز" وخبراء آخرون نصائحهم للتعامل مع هذا الموقف وتعزيز التفاعل الإيجابي:

1. لا تأخذ الأمر على محمل شخصي:

حاول ألَّا تشعر بالإهانة إن كان الشخص لا ينظر إليك في أثناء التواصل معك، وتوجد العديد من الأسباب المحتملة لقلة التواصل البصري، والتي لا علاقة لها بالوقاحة.

قالت "ديان جوتسمان" (Diane Gottsman)، خبيرة آداب السلوك ومؤسِّسة مدرسة "البروتوكول في تكساس" (The Protocol School of Texas): "لكل حالة إجابة مختلفة، مثل عدم الأمان أو الملل، أو الشعور بأنَّ الشخص ليس لديه ما يقدمه للمحادثة ويحاول تجنب أن يُطرَح عليه سؤال".

وأضافت: "من الهام أن تدرك أنَّ قلة التواصل البصري قد تكون بسببك أو قد لا يكون لك علاقة بها على الإطلاق، فقد يشعر الشخص المعني بعدم الارتياح أو الخجل أو الخوف أو الوعي الذاتي أو عدم الأمان، وقد يعطيك أيضاً رسالة واضحة بأنَّه غير مهتم بالتحدُّث إليك، أو أنَّه يشعر بالملل من المحادثة، أو لا يتفق مع ما تقوله؛ لذا يجب النظر إلى كل موقف في سياقه".

قد يتجنب شخصٌ ما أيضاً التواصل البصري؛ وذلك لأنَّه شارد الذهن بسبب شيء ما في حياته لا علاقة له بالمحادثة الحالية، أو يمكن أن يكون الأمر مجرد مسألة أشخاص مختلفين يتمتعون بمستويات متفاوتة من الراحة حول التواصل البصري مع شخص ما.

وقالت "ديبرا فاين" (Debra Fine)، مؤلفة كتاب "فن الحوار القصير: كيف تبدأ محادثة، وتستمر فيها وتكتسب مهارات التواصل، وتترك انطباعاً إيجابياً" (The Fine Art of Small Talk: How to Start a Conversation، Keep it Going، Build Networking Skills and Leave a Positive Impression): "هذا السلوك قد يكون أيضاً غير واعٍ تماماً".

وأشارت إلى أنَّه: "مثلما لا يعي الكثير منا لغة جسدنا، فإنَّ الكثير من الناس لا يدركون أنَّهم لا يتواصلون بالعين، وأنا أميل إلى إرخاء ظهري؛ لذلك عليَّ أن أُذكِّر نفسي بالوقوف بشكل مستقيم، أو قد يعاني بعض الأشخاص من إعاقات، فقد يعانون من إعاقة بصرية ولا يمكنهم التواصل البصري مع أي شخص".

2. عزز الوعي الثقافي حول التواصل البصري:

قالت "جينيفر كاميير" (Jennifer Kammeyer) كوتش التواصل، والتي تُدرِّس التواصل القيادي في "جامعة ولاية سان فرانسيسكو": "لا تملك الثقافات كلها المعايير نفسها حول التواصل البصري؛ لذا من الهام أن تكون منفتحاً بشأن سبب عدم اتصال الشخص بالعين".

وأضافت: "في العديد من الثقافات الآسيوية، لا يُعَدُّ التواصل البصري أمراً لائقاً؛ بل عليك الإصغاء وإبقاء رأسك منخفضاً قليلاً والإيماء بشكل طفيف للغاية، وكذلك لا ينظر مهندسو التكنولوجيا وبعض العلماء في أمريكا إلى التواصل البصري على أنَّه ضروري".

إذا كنتَ على علمٍ بأنَّك ستتواصل مع أشخاص ينتمون إلى ثقافات مختلفة في حدث اجتماعي، فخصص بعض الوقت لإجراء بحث حول القواعد المتعلقة بالتواصل البصري والجوانب الأخرى للتواصل؛ حيث أشارت "جوتسمان" إلى أنَّ هذه ستكون "لفتة محترمة ومدروسة".

وأضافت أنَّه إذا كنتَ تشك في أنَّ شخصاً ما لا يقوم بالتواصل البصري لأسباب ثقافية ولكن لم تتح لك الفرصة لإجراء بحث، فاستخدم الحنكة واحذو حذوه.

إقرأ أيضاً: وفقَاً لعلم النفس: ماذا يقول التواصل البصري عن شخصيتك؟

3. تصرف بتعاطف ولطف:

"بغض النظر عن السبب، فإنَّ أفضل نهج عندما تكون في محادثة مع شخص لا يقوم بالتواصل البصري هو التصرف دائماً بتعاطف ولطف؛ مما قد يعني تجاهل الأمر ومتابعة المحادثة، وقد يعني ذلك تغيير سلوكك، أو الإشارة إلى هذا الأمر باحترام، وقال "نيك لايتون" (Nick Leighton)، خبير آداب السلوك والمضيف المشارك للمدونة الصوتية: "هل ربتك الذئاب؟" (Were You Raised by Wolves؟).

نظراً لتعدُّد المتغيرات، لا توجد إجابة واحدة؛ لذا استخدم حكمتك لتحديد النهج المناسب، ولكن من الأفضل دائماً أن تدع التعاطف يقود أفعالك.

قال "نونيز": "حاول ألَّا تستاء من نفسك ولا تجعل إحباطك يقودك إلى إيقاف الحديث معه"، وإذا كان الشخص صديقاً أو فرداً من العائلة، فقد تشعر بالراحة الكافية للتعامل مع المشكلة وجهاً لوجه.

وتقترح "جوتسمان": يمكنك أن تقول: "أشعر بوجود خلل في التواصل، هل هناك شيء يدور في ذهنك؟" أو "هل قلتُ شيئاً أزعجك؟" أو "هل هناك أي شيء تريد مشاركته؟ ربما يمكنني مساعدتك"، "لا تهاجمهم؛ حيث لا ينبغي أن يكون أسلوبك هجومياً؛ وإنَّما تعامل معهم بطريقة رحيمة أو متفهمة".

4. استوعب أسلوبهم:

إذا لم تكن قريباً من الشخص الآخر، فقد لا تتمكن من تحديد السبب وراء افتقاره إلى التواصل البصري.

قالت "كاميير": "إذا لم تكن هذه قضية اختلاف ثقافات، فهي عادة ما تكون قضية تمكين عندما لا يُمكَّن الشخص الذي لا يتواصل بالعين في الوقت الحالي، وفي كلتا الحالتين؛ فإنَّ استراتيجية التواصل الحكيمة ليست إرغام الطرف الآخر؛ وإنَّما بالأحرى استيعاب الأسلوب، وإذا كان شخص ما لا يتواصل بالعين، فاستخدم تقنيات أخرى لتقدير ما إذا كان متفاعلاً ويفهم ما تشاركه".

يمكنك السؤال عما إذا كانت لديه أيَّة أسئلة أو بحاجة إلى توضيحٍ بشأن أي شيء تقوله، وخلافاً لذلك، استمر في المحادثة كما تفعل فيما لو كان يتواصل بالعين، فاستمع له، وتحقق من صحة ما يقوله وابتسم؛ حيث قالت "ريجستاد": "يمكن أن تفعل الابتسامة المستحيل".

تتمثل فلسفة "فاين" التوجيهية في "تحمُّل عبء راحة الآخرين في المحادثة"؛ بمعنى أنَّه يجب أن تكون الشخص الذي يعدل أسلوبك لتسهيل محادثة جيدة، بدلاً من توقُّع توافق الآخرين مع ما تقول.

وأوضحت: "بدلاً من ترك عدم وجود اتصال بالعين يجعلني غير مرتاحة، قد أرى ما إذا كان هناك أي شيء يمكنني القيام به لتغيير المحادثة بطريقة ما لجعلها أكثر راحة".

إقرأ أيضاً: الاتصال المؤكد: استيعاب وفهم الآخرين

5. بدِّل محيط المحادثة:

تتمثل إحدى طرائق تحويل المحادثة دون تواصل بالعين، أو التخلص من التركيز في التواصل البصري، في تغيير المكان أو الديناميكية الجسدية.

تقترح "كاميير": "الانتقال إلى الجانب نفسه الذي يجلس عليه الطرف المقابل من الطاولة وتركيز الانتباه في مستند أو شاشة؛ إذ إنَّ ما هو أساسي هو التبديل من التحدث وجهاً إلى وجه، إلى التحدُّث جنباً إلى جنب؛ لذلك فإنَّ الاتصال بالعين لا يكون ذا أهمية".

تقول "فاين": "قد أقول: هل تريد الجلوس حتى نتمكن من مراجعة هذه التفاصيل؟ أو يمكنك محاولة اصطحاب شخص ما إلى مكان بإضاءة أفضل أو مكان أكثر راحة بالنسبة إليه، لكنَّه قد يقول: "لا، أنا بخير"، وفي هذه الحالة لا يوجد شيء آخر يمكنك القيام به".

6. تأكَّد من أنَّها ليست محادثة من جانب واحد:

أوضحت "جوتسمان": "بصفتي متحدثة، أحرصُ على مراقبة الغرفة لتدوين ملاحظة ذهنية عن كيفية استجابة الناس إلى ما يجب أن أقوله".

"عندما تجد شخصاً لا يُجرِي تواصلاً معك بالعين في مجموعة صغيرة أو لوحده؛ فقد يكون السبب شيئاً تقوله، أو ربما تقول الكثير ولا تمنح الشخص الآخر فرصة للتحدث وهو يشعر بالإحباط أو يفقد الاهتمام".

إذا شعرتَ بأنَّك تحتكر المحادثة، فحاول طرح أسئلة لمنح الشخص الآخر المزيد من الفرص للتحدث.

نصحت "كاميير" بطرح الأسئلة التي ليس لها إجابة بـ "نعم" أو "لا"؛ وذلك لمساعدة الشخص الذي تتحدث إليه على التفاعل بشكل أكبر في المناقشة، وأشارت إلى أنَّ "الأسئلة التي تبدأ بـ "ماذا" أو "كيف" هي أسئلة جيدة لهذا الغرض".

ما رأيك في هذه الفكرة؟ سؤال فعال لأنَّه سؤال مفتوح ويمكن أن يجيب الشخص دون أن يكون مخطئاً، ولكنَّ سؤال "هل تحب هذه الفكرة؟" ليس مجدياً؛ لأنَّه يمكن الإجابة عنه في كلمة واحدة وهذا لا يمنحك الكثير من المعلومات الجديدة.

7. أجرِ محادثة تعريفية:

اقترحت "كاميير" إجراء "محادثة تعريفية" حول الموضوع الذي تريد مناقشته.

قالت: "محادثات التعريف هي مناقشات حول التواصل، فاسأل الشخص عن طريقة التواصل المفضلة لديه لتحقيق الهدف المطروح، وربما لا يعتقد أنَّ الموضوع يحتاج حتى إلى محادثة ويفضل مشاركة ما يعرفه عبر البريد الإلكتروني أو "سلاك" (Slack)، وربما يشعر بأنَّك تقاطعه عندما تظن أنَّك تجري محادثة تفاعلية؛ حيث يمنحك الطلب المباشر مزيداً من المعلومات للعمل من أجل التفاعلات المستقبلية".

مع هذا النهج، حاول استخدام نبرة لطيفة لتتجنب إثارة التوتر.

شاهد بالفديو: التواصل الجيد مع الآخرين من خلال لغة الجسد

8. امنحهم فرصة ترك المحادثة:

إذا كنتَ تشك في أنَّ الشخص الآخر لا يقوم بالتواصل البصري بسبب عدم رغبته في التفاعل أو بسبب تشتته، فامنحه الفرصة للخروج من المحادثة دبلوماسياً.

وأشارت "جوتسمان" إلى أنَّه: "إذا كان شخصاً قابلتَه في أثناء التواصل من أجل العمل أو في حدث اجتماعي، ولكن ليس لديك اتصال به ويبدو أنَّه مشتت الانتباه وينظر وراء كتفك؛ فهذا مؤشر على أنَّه مهتم بالمغادرة، وقد يكون وقته ضيقاً أو قد يحتاج إلى مقابلة بعض الأشخاص قبل مغادرته".

وتنصح بإنهاء المحادثة بأدبٍ بقول شيء مثل: "كان من الجيد التحدث إليك، وأتطلع إلى التواصل معك في وقت آخر".

وتوصي "جوتسمان": "أجرِ المحادثة في وقت آخر إذا كنتَ لا تزال مهتماً ببناء علاقة، ففي بعض الأحيان لا نبدأ بثقة عندما نلتقي بشخص ما؛ إذ إنَّنا قد نتجنب التواصل البصري، خاصةً وأنَّ تحياتنا أصبحت غريبة الآن؛ لأنَّنا لا نتصافح أو نحتضن بعضنا؛ لذلك توجد قائمة كاملة بالأشياء التي يمكن أن تحدث، وهذا لا يعني أنَّ التواصل محكوم بالفشل، فقد يكون الأمر فقط أنَّها ليست اللحظة المناسبة".

لقد مررنا جميعاً بهذا، وبطريقة ما، وجدتَ نفسك في محادثة مع شخص دون وجود قاسم مشترك بينكما، أو شخص تشعر بالرهبة حياله، أو شخص لن يتوقف عن الشكوى؛ حيث يمكن أن تكون هذه الأنواع من التفاعلات غير مريحة على أقل تقدير.

المصدر




مقالات مرتبطة