كيف تجدِّد أهدافك ولماذا يُعدُّ ذلك خطوة جوهرية لحياة أكثر صفاءً ويسراً؟

لا شيء يثقل الذهن ويعكِّر صفوه مثل تكدُّس الأفكار والأحلام والخطط التي لم تعد تنسجم مع ما هو جوهري في حياتنا، فكثيراً ما يطارد المرء ما لا يستحق المطاردة، أو يتمسَّك بأهداف ورؤى لم تعد تعكس شخصيته الحاضرة ولا ظروفه الراهنة.



يأخذ هذا المقال بيدك لِفهم آلية تجديد الأهداف، ولماذا تمثل هذه الخطوة ركيزة أساسية لمن ينشد حياة أبسط وأكثر صفاءً ووضوحاً.

وضع الأهداف

وضَعَ كثير من الناس قائمة بأهدافهم مع مطلع كل عام، في محاولة لطيِّ صفحة العام الماضي وفتح صفحة جديدة مفعمة بالأمل، وهذه الأهداف، في جوهرها، محفِّز للنمو الشخصي، ودعوة لتجربة آفاق جديدة، واستثمار الفرص التي تجود بها الحياة، بما يضمن حياة حافلة بالرضى، مهما اختلفت معايير كل فرد لمعنى الحياة الكاملة.

عبَّر الكاتب الأمريكي مارك توين (Mark Twain) عن ذلك بقوله: "من دون أحلام وأهداف، لا تكون هناك حياة؛ بل مجرد وجود، وهذا ليس سبب وجودنا في العالم."

لكنَّ شأنها شأن قرارات العام الجديد، كثيراً ما تتبخر الأهداف تحت وطأة الضغوطات اليومية، فتبهت الحماسة الأولى، ومن هنا تبرز أهمية مراجعة الأهداف وتجديدها على فترات منتظمة.

لتحقيق ذلك، يجدر بالمرء أن يطرح على نفسه أسئلة جوهرية، منها:

  • هل ما تزال هذه الأهداف تحمل قيمة ومعنى حقيقيَّين؟
  • هل ما زال تحقيقها مرغوباً؟
  • هل تحتل المكانة ذاتها في سُلَّم الأولويات؟
  • هل تدفعني إلى التطور بالقدر المناسب، أم أنَّها طموحات مبالغ فيها أو متواضعة أكثر مما ينبغي؟
  • هل استجدت في حياتي أمور أخرى أكثر أهمية تستحق الاهتمام؟

يناقش هذا المقال مجموعة من الأفكار والنصائح عن كيفية تجديد الأهداف، وما إذا كانت ما تزال ملائمة للواقع الحالي، وبيان سبب أهمية ذلك عند السعي إلى حياة أبسط وأوضح في النوايا.

شاهد بالفيديو: المبادئ 12 لتحقيق أهداف النجاح

خطوات لتجديد الأهداف

1. مراجعة الأهداف السابقة لهذا العام

إذا كنت قد وضعت أهدافك مطلع العام، فقد حان الوقت لإعادة النظر فيها بعين أكثر حياداً ونضجاً:

  • كم هدفاً تحقق بالفعل؟
  • هل هناك أهداف حُقِّقَت جزئياً؟
  • هل بقي بعضها حبراً على ورق؟

يمكن التساؤل:

  • ما أسباب النجاح في بعض الأهداف أو الإخفاق في أخرى؟ وهل تكرر نمط معيَّن في ذلك؟
  • هل كانت أهدافك واقعية، أم أنَّك بنيتها على أشخاص أو ظروف خارجة عن إرادتك؟
  • هل وضعت لها خطة عمل واضحة، أم أنَّها كانت مجرد رغبات فضفاضة لم تُقسَّم إلى خطوات صغيرة قابلة للتطبيق؟

لا يعد فهم أسباب الإخفاق أو التعثر مجرد تشخيص للماضي؛ بل هو أداة وقائية تحول دون تكرار الأخطاء في المستقبل.

2. تحديد الأولويات للتأكد من بقاء الأهداف ذات صلة

يتراجع الحافز كثيراً لتحقيق هدف ما لأنَّنا لم نعد نراه ذا قيمة حقيقية، فإذا كان هدفك "تحسين لياقتك البدنية"، ما السبب العميق خلف ذلك؟ هل تطمح للمشاركة في سباق ماراثون لجمع التبرعات لصالح جمعية خيرية تؤمن برسالتها؟ أم أنَّ غايتك ببساطة أن تلعب بحرية مع أطفالك؟

وبالمثل، إذا كان هدفك "تأسيس عمل مخصص"، فهل دافعك هو التمتع بمرونة أكبر في أوقات العمل والتفرغ لعائلتك؟ أم أنَّ الهدف تحقيق استقلال مالي أوسع؟

ينبع الحافز الأقوى من الارتباط العاطفي بالهدف، لا من صيغته الظاهرية، فالحياة متغيرة، وما كان جوهرياً في بداية العام قد يفقد بريقه لاحقاً، نتيجة تبدل المسؤوليات أو الظروف؛ لذا ينبغي أن تكون الأهداف مرنة، وقابلة للتعديل، لكي تعكس أولوياتك الراهنة، مع إمكانية العودة إليها في وقت لاحق إن اقتضى الأمر.

يمكنك لتحديد أولوياتك أن تستعين بقائمة تشمل جوانب حياتك كافة: المنزل، والصحة، والمال، والعمل، والأسرة، والأصدقاء، والترفيه، والهوايات، والعلاقات، والحياة الاجتماعية، والعاطفة، والروحانية، وبعد ذلك، حدِّد المجالات التي تحتاج إلى تطوير أو تحسين، ورتِّبها وفق أهميتها في هذه المرحلة.

3. الاكتفاء بـ 3 أهداف رئيسة محددة

بعد أن تحدد أولوياتك، اختر 3 أهداف رئيسة فقط تركز جهودك تجاهها، فالمبالغة في عدد الأهداف تجعل تحقيقها عبئاً بدل أن تكون مصدر إلهام.

صِغ الهدف بصيغة إيجابية، وحدِّد نتيجة قابلة للقياس، وضَع موعداً زمنياً واقعياً للإنجاز.

بدل أن تقول: "أريد ممارسة الرياضة"، اجعل الهدف محدداً وواضحاً: "ممارسة التمرينات الرياضية 3 مرات أسبوعياً، لمدة 3 أشهر متواصلة."

4. إعداد خطة عمل لتحقيق الأهداف الثلاثة

لكي تتحوَّل الأهداف من مجرَّد أمنيات إلى واقع ملموس، لا بد من تفكيكها إلى خطوات صغيرة عملية، فحتى الأهداف الكبيرة؛  بل وحتى البسيطة منها تصبح قابلة للتحقيق عندما تسندها خطة واضحة المعالم.

تتضمن هذه الخطة كل ما يتطلبه الهدف من موارد وأدوات وإجراءات تنفيذية، فإذا كان هدفك المشاركة في سباق ماراثون، تحتاج إلى:

  • شراء ملابس رياضية مناسبة وأحذية عالية الجودة توفر الدعم اللازم.
  • تخصيص أوقات ثابتة في جدولك اليومي للتدريب.
  • إعداد برنامج لياقة بدنية يراعي التدرُّج ويحافظ على الالتزام.
  • الاستعانة بمدرب مختص أو صديق يشاركك التدريب ويتابع تقدمك.

اكتب كل ما يتطلبه الهدف إلى جانب نصه مباشرة، وضَعْ خطة عمل تتضمن خطوات واضحة ومحددة وبسيطة، وبعد ذلك، أدرِجْ هذه الخطوات في قائمة مهامك أو جدولك الزمني، ونفِّذها خطوة خطوة، ومع إنجاز كل مرحلة، ضَعْ إشارة عليها، لتشعر بأنَّك تقترب أكثر فأكثر من خط النهاية.

تحديد الأهداف

5. اختيار كلمة تعبِّر عن الشهر أو الموسم

قد يشعر بعضهم أنَّ الالتزام الصارم بخطة محددة من النقاط والخطوات أمر جامد أو مقيد، بينما يجد آخرون في ذلك التنظيم والتحفيز المطلوبين، أمَّا لمن يفضلون أسلوباً أكثر إبداعاً أو بصرياً، فيمكن تبسيط الأمر من خلال اختيار "كلمة ملهمة" للشهر أو الموسم.

تقوم الفكرة على اختيار كلمة واحدة تعبِّر عن الأولوية أو الشعور المراد ترسيخه خلال فترة محددة. صحيح أنَّ بعض الأفراد يختارون كلمة مع بداية العام لتكون شعاراً لهم، لكن يمكن تقليص الإطار الزمني إلى موسم أو شهر أو حتى أسبوع، مما يجعل التركيز أوضح والإنجاز أقرب.

يمكن أن تكون الكلمة، مثل: "استرخاء"، أو "امتنان"، أو "بهجة"، أو "قبول"، أو "تحرير"، أو "تبسيط" أو أية كلمة أخرى تعبِّر عن الأولوية الحالية، وبعد اختيار الكلمة، يمكن صياغة أهداف مرتبطة بها؛ إذ تمثل هذه الكلمة محور العمل في تلك الفترة.

6. إنشاء لوحة رؤية (Vision Board)

بالنسبة لمحبي التعلُّم البصري، يمكن أن يكون إنشاء "لوحة رؤية" وسيلة ملهمة لتحقيق الأهداف، وبدلاً من الاكتفاء بكتابتها، يمكن جمع صور وكلمات تعبِّر عنها وصنع لوحة مجمَّعة على الورق أو على شاشة الحاسوب.

يمكن إضافة عبارات محددة للأهداف إلى جانب الصور، مع اختيار رسومات أو لقطات تعبِّر عن المشاعر والدوافع التي تحفز على الإنجاز. يعزز هذا الدمج بين الصور والكلمات الحافز العاطفي ويربط الهدف بمشاعر إيجابية تدفع للاستمرار.

7. كتابة رسالة مشجِّعة ومحفزة للنفس

إذا لم يكن أسلوب القوائم والخطط هو الأقرب لك، أو لم تكن ميولك الفنية قوية، فاكتب لنفسك رسالة شخصية، كأنَّها آتية من صديق حميم يعرفك جيداً ويؤمن بقدرتك.

صِفْ ما ترغب في تحقيقه في هذه الرسالة، وبيِّن الأسباب التي تدفعك لذلك، مستخدماً لغة دافئة ومليئة بالتشجيع. تشحن قراءة هذه الرسالة بين الحين والآخر حماسك، كما أنَّ الكتابة نفسها، ترتب الأفكار وترسخها في الذاكرة.

تضيع كثيرٌ من الأهداف ببساطة؛ لأنَّنا نغفل عنها أو لا نذكرها؛ لذا فإنَّ رسالة محفِّزة، وصادقة، ومليئة بكلمات الدعم، قد تكون رفيقك الأمين في الحفاظ على الحافز مشتعلاً حتى تبلغ غايتك.

شاهد بالفيديو: 8 أهداف تضمن لك النمو الشخصي وبلوغ النجاح والسعادة

كيفية تحديد الأهداف

بعد أن تناولنا سبل تجديد الأهداف وأهمية مراجعتها، تبقى هناك إرشادات عملية تساعدك على وضع أهداف أوضح وأكثر فاعلية، تجمع بين الواقعية والطموح:

1. الموازنة بين الأهداف الصغيرة والكبيرة

لا يشترط أن تكون جميع أهدافك ضخمة أو بعيدة الأمد، فالأهداف البسيطة ذات أثر كبير إذا كانت ذات أهمية حقيقية، فقد يبدو ترتيب وتنظيف الثلاجة والمجمِّد هدفاً متواضعاً، لكنَّه قد يسهِّل عملية إعداد الوجبات، ويجعل تخطيط قائمة المشتريات أكثر كفاءة وتنظيماً.

2. البدء بهدف سريع الإنجاز

ضَع في مقدمة قائمتك هدفاً صغيراً يمكنك تحقيقه بسرعة، أو ابدأ بخطوة ميسورة ضمن هدف أكبر، فهذا الإنجاز المبكر، مهما بدا بسيطاً، يمنحك دفعة نفسية قوية ويعزز رغبتك في المضي قدماً تجاه ما هو أكبر.

3. السير بخطوات منتظمة تجاه الهدف

اجعل العمل على أهدافك جزءاً من روتينك اليومي، حتى تصبح الممارسة عادة راسخة؛ إذ يقلِّل التكرار المنتظم من احتمالية الانحراف عن المسار، ويجعل الإنجاز مسألة وقت لا أكثر.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتشعر بالمتعة في عملية السعي إلى تحقيق الأهداف

4. الإصغاء للنفس ومواجهة الحقيقة بموضوعية

عندما تلاحظ أنَّك تؤجل العمل أو تختلق الأعذار، تذكَّر أنَّ الصدق مع الذات هو أول خطوة تجاه التصحيح، فإذا كان هدفك الاستعداد لماراثون، لكنك تتعثر باستمرار في التدريب، فاسأل نفسك:

  • هل فقدت الحافز الأساسي؟
  • أم أنَّ هناك ما يسرق وقتك، مثل الانشغال أمام شاشة التلفاز؟
  • أم أنَّ جسدك يحتاج فعلاً إلى فترة راحة لاستعادة طاقته؟

يكون أحياناً الحل في دفع الذات بقوة لإنجاز المهمة، لكن إذا تكرر هذا الدفع دائماً، فربما حان الوقت لإعادة تقييم الهدف أو أسبابه.

إقرأ أيضاً: نظرية لوك في تحديد الأهداف

في الختام

إنَّ تحديد الأهداف ليس مجرد وسيلة لإنجاز المهام؛ بل هو بوصلة توجه حياتك وتنظم مسارك. إنَّها تذكِّرك بما هو هام حقاً، وتدفعك لتجاوز منطقة الراحة، ولاغتنام الفرص التي تمرُّ من أمامك دون أن تلحظها.

لا تكمن القيمة الحقيقية للأهداف فقط في الوصول إليها؛ بل في المعرفة والخبرة والتحول الداخلي الذي تكتسبه في الرحلة.

كما قال الفيلسوف الأمريكي "هنري ديفيد ثورو" (Henry David Thoreau): "ما تحصل عليه من تحقيق أهدافك ليس بأهمية ما تصبح عليه في تحقيقها."




مقالات مرتبطة