كيف تتوقف عن الصراخ في وجه أطفالك؟

على الأغلب مررت بهذه المواقف مع أطفالك؛ إذ يصرخ طفلك في وجهك ويطلب منك تركه وشأنه، وابنك المراهق يستجيب لنصيحتك حسنة النية بلا مبالاة، وتمرُّ طفلتك الصغيرة بنوبة غضب لأنَّها لم تستطع الفوز بلعبتها المفضلة؛ لتؤدي بك هذه المواقف إلى أن تفقد أعصابك، وتنفعل كما يفعلون تماماً. أنت تريد أن يتغيروا بطريقة ما، أليس كذلك؟ إذاً أنت لست وحدك، إذ يحدث ذلك مع جميع الأهالي.

 



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الاختصاصية في تربية وسلوك الأطفال "بوني هاريس" (Bonnie Harris)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في التوقف عن الصراخ في وجه الأطفال.

يعني رد فعلك الغاضب أنَّك قد وصلت إلى أقصى حدودك من التحمُّل؛ فما قاله طفلك أو فعله لا يتوافق مع توقعاتك لما يجب أن يقوله أو يفعله. وقد تقول كلمات لا تريد أن تقولها لأطفالك، وربما تعلم أنَّك ستحصل على نتائج أفضل إذا تمكَّنت من السيطرة على مشاعرك.

عندما يشعر الأطفال بالتهديد، فلن يكونوا قادرين على التفكير بوضوح، ولن تكون قادراً أيضاً؛ ولذلك، تريد بشدة أن تهدأ. ولكن ماذا لو لم تستطع؟ يمكن لبعض الناس أن يقرروا تغيير سلوك ما والقيام بذلك بسهولة، في حين أنَّ بعضهم الآخر، قد يحتاجون جداً إلى التغيير؛ ولكنَّهم يجدون صعوبة أكبر في القيام بذلك، وربما تشعر أنَّ ردود أفعالك خارجة عن إرادتك. ولكنَّها ليست كذلك.

هل يمكنك تعلُّم التحكم بعواطفك وردود أفعالك؟

لا يمكنك التحكم بعواطف أطفالك وردود أفعالهم، ولكن يمكنك تعلُّم التحكم بعواطفك وردود أفعالك؛ وذلك حتى تتمكن من التجاوب مع المشكلة، بدلاً من الانفعال، وتصبح الوالد الذي تريد أن تكونه. من الممكن أن نغضب جميعنا، ولكن ما يدفع شخص ما إلى الغضب والانفعال قد يكون عادياً بالنسبة إلى شخص آخر، ويمكن أن يكون انفعالك متعلقاً بحادثة قديمة.

وربما تطوَّر الاعتقاد لديك بأنَّه عليك أن تفعل ما قيل لك أو غير ذلك؛ وهذا يحرِّضك على الانفعال تجاه طفلك كقولك: كيف تجرؤ على قول ذلك؟ لم أكن أجرؤ أنا على الإطلاق على قوله. وهذا بدوره يغذِّي غضبك وتهديداتك.

يمكن ربط معتقدات مثل هذه بما كان متوقعاً منك عندما كنت طفلاً، وما قاله وفعله الأشخاص ممن يمتلكون قدراً معيناً من السلطة، وكما فسره عقلك غير الناضج في ذلك الوقت. بفهم كلماتهم ونبرة صوتهم بأنانية، ربما تكون قد كوَّنت حقائق حددتها بنفسك، كالشعور بخيبة الأمل والعاطفة الشديدة، وأنَّ رأيك غير هام.

يمكن أن تصبح هذه المعتقدات سبب غضبك من طفلك، ويبدو أنَّنا نغضب عندما نتعرض فقط لضغوطات ظرفية وجدول أعمال ممتلئ والضغوطات اليومية، فإنَّ درجة غضبنا ومن ثمَّ قدرتنا على السيطرة على أنفسنا لها علاقة كبيرة بمعتقداتنا العميقة، التي تؤدي دوراً في توجيه سلوكنا.

مثل "كاتي" (Katie)، والدة "ليام" (Liam) البالغ من العمر 13 عاماً، الذي يجادلها ويصرخ بكلمات نابية ويرفض فعل ما تطلبه. أثار سلوك "ليام" غضب "كاتي"، وتأثَّرت علاقتهما بحلقة من التغذية الراجعة السلبية. فقُوبِل أسلوب "كاتي" السلبي في توقُّع مقاومة ابنها بتجاهله لها، أو ردود أفعال مثل: "لا أستطيع أن أتحمَّل كوني في هذه العائلة. اتركيني وحدي. لست مضطراً إلى فعل أي شيء تقولينه".

كانت تصرخ "كاتي" قائلة إنَّه غير محترم وتهدد بأخذ هاتفه. لحل المشكلة، تحتاج "كاتي" إلى التفكير في أيام طفولتها؛ إذ كانت طفلة قوية وتعرضت للضرب من قبل والدها، وكانت تصفعها والدتها عندما كانت تغضبهم. فشعرت بالخوف واتخذت وضعاً دفاعياً، وطوَّرت في وقت مبكر اعتقاداً عن نفسها بأنَّ كل شيء كان دائماً خطؤها. وفي حال حدوث شيء سيئ، فإنَّها تتحمل اللوم؛ لأنَّها كانت فتاة سيئة.

وبصفتها شخصاً بالغاً، كانت "كاتي" تعاني من مشكلة الكمال والحاجة إلى إثبات أنَّها على حق. ويبدو أنَّ الاعتقاد الراسخ في سوء تصرفاتها يُعوَّض من خلال سعيها إلى ضمان السيطرة حتى لا يكتشف أحد حقيقتها.

ولكن بصفتها أُمَّاً، عليها أن تكون على حق في تربيتها لولدها "ليام"؛ وذلك على حساب علاقتها معه. فأصبحت الحياة مرهِقة جداً، ولكن من خلال عملنا معاً، اكتسبت "كاتي" علاقة جديدة مع ابنها. وعادت ثقة "ليام" بها؛ إذ إنَّه أصبح أكثر تعاوناً. وبدأ الأمر بتحمُّل "كاتي" المسؤولية عن دورها في هذه الحلقة المفرغة من الأفعال وردود الأفعال. ورأت أنَّ "ليام" لم يكن قاصداً عدم الاحترام ولكنَّه كان يحمي نفسه من رفضها، على غرار الطريقة التي حمت بها نفسها من والدها.

يمكن أن يكون الوعي وفهم مراحل نمو الطفل وتحمُّل المسؤولية عن عواطف الفرد وسلوكه، كافياً للكثيرين لتغيير العادات القديمة. وبالنسبة إلى الآباء الآخرين، يتطلب الأمر الكشف عن معتقدات متجذرة في الماضي. وطوال 30 عاماً من العمل مع الأهالي، تمكَّنت من توجيههم من خلال فهم جديد لأنفسهم بمساعدتهم على فهم أوضح لتجاربهم السابقة من وجهة نظر البالغين.

تأتي القدرة على ممارسة التعاطف والرحمة بدلاً من أن تكون مدفوعة بردود فعل عاطفية. وفي هذا المقال، أُشارِك بعض التغييرات في نظرة الأهل والتقنيات التي ساعدت على تحقيق هذا التغيير:

1. فهم أهمية افتراضاتك:

طوَّر عالِم النفس "ألبرت إليس" (Albert Ellis)، مؤسِّس العلاج المعرفي، "نموذج أ ب ت" (ABC model) لكيفية تفاعُل الناس مع التجارب السلبية. وعبَّر عن (أ) بالشدائد، و(ت) تمثِّل العواقب، من حيث العواطف والسلوك. والأهم من ذلك، اقترح "إليس" أنَّ بينهما (ب) وهي معتقداتك وأفكارك عن هذه الشدائد، التي بدورها تسبب العواقب.

ولقد استعملتُ نموذج "إليس" لتوضيح ما أسمِّيه "رد الفعل العاطفي المتسلسل": كيف أنَّ الافتراضات التي تضعها عن نفسك وعن أطفالك تثير عواطفك، وتغذِّي ردود أفعالك؛ إذ إنَّ الافتراضات التي تقوم بها بسرعة هي الخطوة الحاسمة، وعادة ما تُتجاهَل. ويمكن أن تتضمن أفكاراً أو مخاوفَ أو تصوراتٍ أو أحكاماً. فعلى سبيل المثال، إذا قال طفلك إنَّك غبي، وهذا يغضبك، فإليك ما يحدث:

  • تسمع الكلمة "أنت غبي".
  • يصبح لديك استجابة عاطفية سلبية، وتشعر بالإهانة.
  • ويكون رد فعلك التهديدات الغاضبة والعقاب.

وخلال الوقت الذي يمضي بين سماع الكلمات والشعور بالعواطف، فإنَّك تفترض أنَّه فظ وغير محترم، أو لا يمكنني السماح له بالتحدث معي بهذه الطريقة، أو لقد ربَّيتُ شقياً طائشاً، وتشعر بالفشل بسبب ذلك. وهذه الافتراضات هي التي تثير مشاعرك وتغذِّي ردود أفعالك الغاضبة.

يمكنك تغيير ردود أفعالك من خلال تغيير ما تعتقده في المقام الأول. إذا لم يكن لديك رد فعل غاضب عند وصفك بالغباء، فلن تأخذ كلام طفلك على محمل شخصي. ستفهم أنَّها تعبيرات عن إحباطه. ومن ثمَّ يمكنك الرد بهدوء لأنَّك تعلم أنَّ الأمر يتعلق بطفلك وليس بك.

وفي حالة "كاتي"، وُضِعَت افتراضات سابقة أثارت مشاعر الاستياء وعدم الاحترام. وافتراضاتها عن ابنها "ليام" (Liam):

  • إنَّه ولد فظ وغير مؤدَّب.
  • سوف يقع في مشكلة مع مديره في يوم من الأيام.
  • إذا لم أتحكم بسلوكه الآن، فلن يكون مسؤولاً عن أفعاله لاحقاً.

افتراضاتها عن نفسها:

  • أنا عاجزة تماماً.
  • سلوكه غير المحترم هو خطئي.
  • أنا لا أفعل أي شيء كما ينبغي.

تثير هذه الأحكام السلبية مشاعر وردود فعل سلبية. وقد منعت "كاتي" من التواصل مع ابنها ومساعدته على التعاون. وتوقعها مقاومة "ليام"؛ لذا فهي على استعداد لتكون في هذه الحالة.

إقرأ أيضاً: طريقتان ذكيتان تساعدانك على التحكم بعواطفك

2. وضع توقعات مناسبة عن سلوك طفلك:

تنتج الافتراضات من التوقعات التي تفكر فيها، سواء كانت معلنة أم غير معلنة. وهذه الافتراضات على الأغلب قد تربَّيت عليها. فإذا توقَّع والداك الامتنان وانتقداك إذا لم يحصلا عليه، فقد تتوقع الأمور نفسها من أطفالك.

وإذا أمضيت فترة ما بعد الظهيرة في الملعب مع طفلتك البالغة من العمر خمس سنوات، وأخذتها لتناوُل المثلجات، فستتفاجأ في ذلك المساء إذا كان رد فعلها على إخبارك لها أنَّ وقت النوم قد حان، هو الصراخ بكلمات مثل: "أنت سيئ جداً، أنت لا تدعني أفعل أي شيء أريده".

هل ستصرخ وتعاقبها أم تبقى هادئاً؟ فمن المرجح أن تفترض تلقائياً أنَّها طفلة ناكرة للجميل إذا كنت تتوقع أنَّ الأطفال يجب أن يكونوا دائماً ممتنين وشاكرين. وبافتراض أنَّها ناكرة للجميل، فمن المحتمل أن تأخذ كلماتها بالمعنى الحرفي وتتفاعل بغضب: "كيف تقولين إنَّني لا أتركك تفعلين ما تريدينه أبداً؟ ماذا فعلنا للتو بعد ظهر هذا اليوم؟ ستذهبين إلى الفراش، ولا أريد أن أسمع مزيداً عن ذلك".

إنَّ رد الفعل هذا سيثير مشاعر الخزي لدى الطفل، ولكن إذا نظرت إليها على أنَّها صغيرة في السن، وهذا يعني أنَّ لديها بعض الأنانية ومن ثمَّ تركز على الحصول على ما تريد، يمكنك تفسير كلماتها تفسيراً مختلفاً، وترى أنَّها تعبِّر عن غضبها لعدم رغبتها في الذهاب إلى الفراش.

الأمر لا يتعلق بالملعب أو المثلجات، لذا من المحتمل أن تصاب بالإحباط؛ ولكن يمكنك أن تظل هادئاً وتقول: "أعلم أنَّها مشكلة. وأحياناً يكون الذهاب للنوم صعباً عندما تريد الاستمرار في اللعب؛ لكن فلنقرر ما هي الكتب التي سنقرؤها عندما نذهب إلى الفراش".

كما أنَّه يجب علينا الاستماع للطفل واستيعابه، مع أنَّه لا يمكنه الحصول على كل ما يريد، والسؤال الذي يجب طرحه هو: هل توقعاتك محددة لطفلك أم للطفل الذي تتمنى إنجابه؟ يجب وضع التوقعات الواقعية والمناسبة عند مستوى يمكن لطفلك الوصول إليه. ففي حال كانت توقعاتك بعيدة المنال، فقد يظن طفلك أنَّه ليس جيداً بما يكفي. وللحفاظ على توقعات واقعية، من الهام مراعاة ما هو مناسب لعمره ومزاجه.

على سبيل المثال، إذا كان طفلك ما يزال صغيراً وتتمحور حياته حول نفسه، فلن يكون قادراً على وضع مشاعر أو وجهة نظر شخص آخر في الحسبان. ومن غير الواقعي أن نتوقَّع أنَّه يجب أن يفهم أنَّ أخته الصغيرة تنزعج عندما يأخذ منها شيئاً، أو أنَّ والدته مرَّت بيوم صعب وتحتاج إلى بعض الهدوء.

فإذا كان ابنك المراهق عابساً ويقضي بعض الوقت في غرفته فمن غير المناسب أن تتوقع منه أن يشاركك كل ما يحدث عندما تسأله: "لماذا أنت غاضب؟". وإذا كان لديك طفل انطوائي، فمن غير الواقعي أن تتوقع منه المشاركة في أي نشاط حتى يحدد مستوى راحته للمشاركة.

وعندما تصل إلى توقعاتك، ولا تعكس احتياجات طفلك، فمن المحتمل أن تحصل على رد فعل لا ترغب فيه من طفلك. ويمكن أن تفسِّر هذه التصرفات بوصفها نتيجة لإيصالك فكرة لطفلك بأنَّه ليس جيداً بما يكفي بنظرك.

3. التفكير المتأنِّي عند الشعور بالغضب:

في اللحظة التي تُستَفَز فيها، أهم شيء عليك فعله هو عدم قول أي شيء. وبدلاً من الاستجابة لذلك الصوت الداخلي الذي يخبرك أن تقوم بشيء حيال الأمر الذي أغضبك، يجب أن تتجاهل هذا الصوت؛ إذ إنَّه من المحتمل أن يكون أي شيء تقوله غير فعال في أحسن الأحوال، ويمكن أن يضر بعلاقتك بطفلك.

وعندما تغضب، في الأغلب يحدث شيء مادي في جسمك. فمعدتك تنقبض، وتضم يدك على شكل قبضة للضرب، وراحة يدك تتعرَّق، وحلقك يضيق. فإذا كان في إمكانك ملاحظة وتحديد أي من هذه الاستجابات، فيمكن أن تكون إشارة لك للتوقف، وعندها خذ نفساً عميقاً للتمهل.

وستساعدك ثلاثة أو أربعة أنفاس على إعادة تفكيرك العقلاني مرة أخرى. ويمكن أن يتضمن إيقاف هذا الصوت في رأسك أيضاً ترديد عبارة في كل مرة تغضب: "لا تفعل شيئاً وتنفَّس"، أو "إنَّ ابنتي تواجه مشكلة، والأمر سهل ولا يستحق كل هذا".

إقرأ أيضاً: 4 خطوات لإعادة البناء الإدراكي ومساعدتك على التفكير بوضوح

4. مراقبة ما يغضبك وفهم ردود أفعالك:

لا تتوقع أن تكون قادراً دائماً على إيقاف نفسك عند الغضب الشديد؛ إذ تحصل الكثير من الأمور في هذه الحالة، عندما يعمل "عقلك المفكر" عملاً كاملاً. فانتبه لأنواع السلوكات التي تغضبك. فهل تغضب عندما يتجاهلك طفلك أو يتحدَّث بلغة فظة أو يعبِّر عن غضبه؟

اكتب قائمة بالأمور التي تغضبك عند حدوثها. ففي النهاية ستكون قادراً على تسمية الموقف والتفكير فيه. وبعد وقوع حادثة بسبب أحد هذه الأمور التي تسبب غضبك، اكتب رد فعلك، على سبيل المثال: صرخت وهددت بسحب هاتفه، وعندها اسأل نفسك: إذا كان رد فعلك بهذه الطريقة، ما الذي كنت تشعر به؟ اكتب كل المشاعر التي شعرت بها وكن دقيقاً. وبدلاً من مجرد "الغضب"، فقد تشعر بالضيق والضعف والتجاهل والذنب والاستياء.

ومن ثم اسأل: إذا شعرت بهذه الطريقة، فما الذي كنت أفكر فيه؟ اكتب افتراضاتك عن الموقف بقدر ما تستطيع، مثل: "إنَّه لا يقدِّر أبداً أي شيء نقوم به من أجله"، أو "إنَّه متهور جداً"، أو "لقد فشلت في تعليمه الامتنان"، أو "لن يتغير أبداً".

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأطفال

5. مواجهة الافتراضات بالحقائق:

يُعَدُّ تعلُّم رؤية الموقف رؤية مختلفة عن الطريقة التي اعتدت عليها أمراً أساسياً لتغيير ردود أفعالك تجاه سلوك طفلك. فعلى سبيل المثال، يمكن للأم التي تكره ردود أفعال ابنتها الغاضبة، أن تنظر إلى وجهها، وتقول لنفسها: إنَّها تعاني من مشكلة، بدلاً من الظن بأنَّها هي المشكلة. وأن تقول إنَّها تشعر بالتعاسة بدلاً من أنَّها سيئة.

إنَّ الطريقة المعتادة هي رؤية الحكم على أنَّه حقيقة، لكن يجب عليك أن تقرَّ أنَّ افتراضاتك هي مجرد الطريقة التي ترى بها الموقف. وما تحتاج إليه حقاً هو النظر إلى الحقائق والتعاطف تجاه طفلك.

كتب عالم النفس "مارتن سليجمان" (Martin Seligman) في كتابه "الطفل المتفائل" (The Optimistic Child) عام (1995): "إذا كان هناك بعض الحقيقة في إيمانك، فلا تتجاهله، ولكن من الهام فصل جوهر الحقيقة عن قشور الكارثة".

إذ يمكن أن تؤدي مشاهدة طفل يضرب أخته إلى تفكير أحد الوالدين بأنَّ طفلهم لئيم جداً. وقد يبدو من الصعب مناقشة الأمر مع طفلك، ولكن عليك أن تناقشه. وظنُّك بأنَّ طفلك لئيم هو افتراض، وهذا الافتراض يسبب الخوف والغضب؛ وهذا بدوره يؤدي إلى الصراخ والتهديد واللوم.

لتغيير رد فعلك، يجب عليك أولاً تغيير افتراضك؛ إذ إنَّه من الممكن أن تكون أخته قد كسرت لعبته الخاصة. وبسبب ذلك كان غاضباً وفقد السيطرة، وهو افتراض واقعي جداً ويشجِّع على التفاهم؛ وهذا لا يعني أنَّ الضرب جيد؛ بل يعني أنَّك ستتعامل مع المشكلة تعاملاً أكثر فاعلية.

وفي حالة "كاتي"، عندما لم يتوقف "ليام" عن اللعب على الحاسوب في الوقت المحدد، وبَّخته، وتوقعت أن يكون رد فعله الغضب؛ إذ إنَّ "ليام" كان يلعب لعبة مع أصدقائه وقال لهم: "أمي تريدني أن أتوقف عن اللعب، يا لها من مزعجة". وعندها غضبت "كاتي" كثيراً، ولكن بعد أن قامت باستبدال حكمها الأول بملاحظة أكثر منطقية لسلوك "ليام" والظروف التي مر بها، عندها نظرت إلى الموقف من وجهة نظر مختلفة.

لقد تحوَّلت من افتراض أنَّ "ليام" يهاجمني وهو لا يحترمني احتراماً يؤدي إلى الخوف، إلى أنَّه يحفظ ماء وجهه أمام أصدقائه. ولم يرد الاعتراف بأنَّ والدته كانت تجعله يتوقف عن اللعب؛ لذلك جعلها العدو.

وعندما كانت كلماته غير مقبولة، فقد أدركَت أنَّ الأمر لا يتعلق بها بقدر ما يتعلق بحاجته إلى حماية وضعه أمام أصدقائه. وعندها اعترفت بأنَّها لم تفكر في الأمر بهذه الطريقة. وشعرت بمزيدٍ من التفهُّم، وتوصَّلت إلى فكرة جيدة لتذكير "ليام" بالتوقف عن اللعب، ولقد أحبها.

وبعد أن هدأت مشاعرهما، تمكَّنت من إخباره بهدوء بما شعرت به عندما وصفها بـ "المزعجة" أمام أصدقائه. وعندها سمعها واعتذر؛ إذ إنَّه عندما بدأت "كاتي" تسمع كلمات "ليام" وترى سلوكه بوصفه شكلاً من أشكال الدفاع عن النفس، شعرت بالتعاطف ومن ثمَّ تمكَّنت من التوقف عن الدفاع عن نفسها.

يكسر التعاطف حلقة ردود الفعل الغاضبة؛ إذ يمكن أن يساعدك السعي إلى الملاحظة والفهم بدلاً من الحكم بتسرع على إعادة صياغة افتراضاتك. ويمكنك رؤية الحكم، والتحول إلى ملاحظة واقعية. ويمكنك استبدال ملاحظة المشاعر الضمنية في الفكرة بفكرة مثل لماذا لا يستطيع الاستماع والقيام بشيء واحد أطلبه؛ أي إنَّه غارق ومنشغل فيما يفعله، أو أنَّه لا يحب ما يسمعه، أو سيفعل ما أطلبه منه عندما أعطيه الخيارات والوقت.

وبالمثل، يمكنك تحويل الافتراض الذي يركز على الذات مثل: إنَّني والد سيئ، وهو شعور ميؤوس منه، إلى: إنَّني مرهق وأحتاج إلى المساعدة، وهذا يشجع على التعاطف مع الذات.

إقرأ أيضاً: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟

النقاط الرئيسة: كيف تتوقف عن الصراخ في وجه أطفالك؟

1. عندما لا يمكنك التحكم بعواطف طفلك وردود أفعاله، يمكنك تعلُّم التحكم بعواطفك، وتصبح الوالد الذي تريده.

2. قد تكون ردود أفعالك ناتجة عن معتقدات راسخة في ذهنك. وهذه المعتقدات - على سبيل المثال، أنا لست هاماً أو مشاعري لا تهم - يمكن أن تنبع من طفولتك. ويمكن أن تصبح إحدى أسباب غضبك التي يستغلها أطفالك.

3. يجب عليك فهم أهمية افتراضاتك؛ إذ يمكن أن تثير الافتراضات التي تقوم بها رداً على سلوك طفلك - على سبيل المثال، إنَّها ناكرة للجميل جداً، أو لقد فشلت بصفتي والداً - مشاعر مثل الغضب والاستياء، وتؤدي إلى ردود فعل غاضبة.

4. وضع توقعات مناسبة عن سلوك طفلك؛ إذ يمكن للتوقعات الجيدة جداً، التي لا يمكن لطفلك أن يحققها أن تضع افتراضات سلبية للغاية بشأنه، وعدم قدرته على مجاراة توقعاتك؛ لذا ضع في حسبانك ما هو معقول بالنسبة إلى عمره ومزاجه.

5. عندما تشعر بالغضب، هدِّئ من روعك وامتنع مؤقتاً عن الكلام، وتنفس بهدوء، بدلاً من قول شيء من شأنه أن يؤدي إلى توتر علاقتك بطفلك.

6. يجب عليك أن تتحقق مما يغضبك ومن ردود أفعالك، واكتب قائمة بالسلوكات التي تسبب غضبك؛ فإذا كنت قد أفرطت في رد فعلك تجاه طفلك، فصف ما فعلته وكيف شعرت وما الذي كنت تفكر فيه. واسأل عما إذا كان تفكيرك يرتبط باعتقاد سلبي لديك. وفكر في الطريقة التي قد ترى بها الموقف رؤية مختلفة.

7. يجب عليك أن تتحدَّى افتراضاتك من خلال التمسُّك بالحقائق. وتذكَّر أنَّ افتراضاتك لا تعكس الواقع تماماً. وتتطلب إعادة صياغة افتراضاتك الرغبة في أن تكون موضوعياً بدلاً من إصدار الأحكام.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة