كيف تتوقف عن اتباع العادات السلبية؟

أصغى استشاري نفساني إلى عميل يتحدث عن مشكلاته؛ فتحدَّث العميل مطولاً عن الأحداث التي جعلته بائساً، وقد انتظر الاستشاري حتى انتهى العميل من الكلام؛ ومن ثمَّ سأله: "وهل أنت راضٍ عمَّا يحدث معك؟"، هزَّ العميل رأسه بصفته تعبيراً عن النفي، فقال له الاستشاري: "إذاً لمَ لا تتوقف عن القيام بما تقوم به؟"، فدُهش العميل ممَّا قاله الاستشاري وحدَّق مستغرباً، وقال: "حسناً"، فتوقفَ فوراً ودون تردَّد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن أخصائية تطوير الذات "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتقدِّم لنا فيه إحدى تقنيات البرمجة اللغوية العصبية التي تساعد على التخلُّص من العادات والأنماط السلوكية السلبية.

يعتمد هذا المقال على سؤال بسيط: "هل أنت راضٍ عمَّا تقوم به؟" إذا كان جوابك: "لا"، إذن توقف عمَّا تقوم به، وقم بشيء آخر.

إليك كيف تستطيع القيام بذلك:

عملت في مجال علم النفس المعرفي لـ 20 عاماً، وعملت بصفتي "كوتش ميتا"؛ وهو نوع من الكوتشينغ يستنبط فيه الكوتش مشكلات العميل من خلال فهم ما وراء كلامه من معانٍ وقيم ومفاهيم؛ وذلك لخدمة الهدف الذي يرغب في تحقيقه لـ 6 سنوات وأعلم كيف يستهجن الجميع هذا الطرح لبساطته، والحق أنَّه لو كان الأمر بهذه البساطة، لكان أي شخص قادراً على اتخاذ قرار بالتوقف عن القيام بما يفعل وإجراء التغيير.

بالطبع ليس الأمر بهذه البساطة؛ لكنَّه ليس مستحيلاً أيضاً وتستطيع تحقيقه، ولا أرغب في أن أجادل هذه الفرضية؛ لذلك سأعيد صياغة الفكرة على النحو الآتي: يستطيع كل الأشخاص تقريباً إجراء تغييرات سريعة وفاعلة؛ بل وتغييرات فورية حتى، لكنَّ ما يعوقهم هو أنَّهم يجهلون كيفية القيام بذلك، ولا يؤمنون بإمكانية تحقيقه.

لذلك سأستفيض قليلاً في شرح وجهة نظري، وسيشعر بعضكم بالدهشة، في حين سيشعر آخرون بالتفاؤل، أما البقية فسيفهمون الحقيقة الكامنة فيما أقوله.

تقييم البيئة (ecology check):

لنبدأ بالفكرة الأولى، وهي أنَّنا لاحظنا وجود عادة، أو نمط سلوكي لا يؤدي إلى النتائج التي نرغب فيها، إليك حقيقة صادمة، أنت تسعى في بعض الحالات فعلياً إلى ممارسة عادة سيئة؛ فدائماً ما توجِّهنا قيمنا الأساسية في الحياة، لكن ما يحدث أنَّك لا تعترف بالأمر؛ فمن غير المقبول بالنسبة إليك أن تعترف بأنَّك تفضِّل ما تقوم به على التغيير الذي تدَّعي أنَّك تسعى إليه.

لا أعني بذلك أنَّك شخص كاذب، أو غير طموح؛ وإنَّما أوضِّح حقيقة أنَّنا نسعى إلى ما نعدُّه في أعماقنا الشيء الأكثر أهميةً، سواء اعترفت بذلك لنفسك أم لا، فإذا كان ما ترغب فيه هو النوم بدلاً من ممارسة الرياضة، أو الوجبات السريعة بدلاً من الفاكهة والخضار، أو عدم النزاهة بدلاً من النزاهة، فذلك ما ستحصل عليه في حياتك.

بمجرد أن تمتلك الشجاعة للاعتراف بهذه الحقيقة، فستكون قادراً على التفكير مُجدداً، وتسأل نفسك ما إذا كان ما تقوم به يحقق لك ما تدَّعي أنَّك ترغب في الحصول عليه، ويُعرَف هذا في مجال البرمجة اللغوية العصبية بتقييم البيئة (ecology check)، وهو نشاط طبيعي يقوم به الشخص قبل أن يُنشئ سلوكاً جديداً، لكن يمكن استخدامه بالفاعلية نفسها لتقييم سلوكات موجودة فعلاً.

إذاً فكَّر بالسؤال الآتي مع الأخذ في الحسبان عاداتك أو سلوكاتك: "هل يساعدني نمط تفكيري ومشاعري وسلوكي على تحقيق ما أدَّعي أنَّني أرغب في تحقيقه؟"، والسؤال الأكثر جرأةً: "كيف يؤثِّر (حالياً)، أو كيف أثَّر هذا النمط في التفكير في الجوانب الآتية:

شاهد بالفديو: 7 عادات إيجابيّة تقودك نحو الأفضل

  • احترامي لنفسي؟
  • قدرتي على السيطرة على أفكاري ومشاعري وكلامي وأفعالي؟
  • علاقاتي بالآخرين؟
  • المغزى من حياتي؟
  • قدرتي على التعلُّم؟

قيِّم إجاباتك عن هذه الأسئلة، فهل تكشف إجاباتك عن مجموعة من الآثار السلبية التي جهلتها من قبل، أو تنكرها إلى الآن؟

إذا لم يكن الأمر كذلك فهذا جيد، وإذا كان كذلك فهو رائع؛ لأنَّك الآن تمتلك أسباباً تدفعك إلى التغيير، وهو جزء أساسي من عملية "الميتا كوتشينغ".

لنمضي شوطاً أبعد في الأسئلة، واطرح على نفسك السؤال الآتي: "إذا واظبت على هذا السلوك أو التفكير أو الشعور، فكيف ستكون العواقب بعد عام؟ أو بعد 5 أو 10 أعوام؟ وهل أنا مُهيأ لأتقبَّل هذه العواقب؟".

إذا لم تكن لديك مشكلة في هذه العواقب، فواظب على ما تقوم به، ولا داعي لأية محاولة للتغيير؛ لأنَّك لا ترغب في ذلك حقيقةً؛ بل تظن أنَّك ترغب فيه، أما إذا وجدت نفسك تعيساً عند تخيُّل هذه العواقب، فأنت تمهد للتغيير؛ لأنَّ أي عملية تغيير تتطلب رغبة في التخلص من حالة معيَّنة، ودافعاً إلى الوصول إلى حالة مختلفة، وإذا عرفت بعض مهارات البرمجة اللغوية العصبية أو قرأت كتاب "القوة المطلقة" (Unlimited Power) للكاتب "أنتوني روبنز" (Anthony Robbins)، فقد تكون قادراً على فهم دوافع أفكارك وسلوكاتك حتى تمتلك نمطاً جديداً من السلوك يساعدك على التغيير، وتتم هذه العملية من خلال سلسلة من الأسئلة على النحو الآتي:

  • ما هو الدافع وراء نمط التفكير أو السلوك هذا؟
  • ما الذي يحدث بعد ذلك؟ (يستمر هذا السؤال حتى تصل إلى النتيجة النهائية).
  • كيف تعرف أنَّك أصبحت قادراً على التخلي عن هذا النمط من السلوك أو التفكير؟

لكن بمجرد أن تُدرك سلوكك، ومتى وأين تتَّبعه، تصبح مستعداً لتسأل نفسك السؤال الأهم:

لماذا لا أتوقف عن هذا السلوك إذاً؟

سيقتنع بعضكم فوراً، وسيتخذ قراراً واعياً بالتوقف عن هذا السلوك، لكن بالنسبة إلي استغرقت 20 عاماً حتى أصبحت قادرة على إجبار نفسي على التوقف، والسبب أنَّني لم أؤمن بقدرتي على التوقف عن سلوك معيَّن.

نحن نظن أنَّ الظروف الخارجية هي ما تجبرنا على القيام بشيء ما، ونظن أنَّ عواطفنا قوية جداً، وأنَّ أفكارنا تسيطر علينا؛ ولذلك نجد أنَّه من المستحيل أن نكون قادرين على إجبار أنفسنا على التوقف عن فعل شيء ما؛ لكنَّه ليس شيئاً مستحيلاً، فقد قمت به أنا وإليك كيف:

إقرأ أيضاً: نصائح هامة للتخلص من العادات السيئة

نمط المسؤولية:

من الإجراءات التي ساعدتني جداً هي ما يُسمى بـِ "نمط المسؤولية" (The Ownership Pattern) وهي مستمدة من تقنية حديثة تُدعى "الدلالات العصبية" (Neurosemantics)، فقد أمضيت سنوات طويلة في تعلُّم هذا المجال بمساعدة الدكتور "مايكل هول" (Michael Hall)، وتتضمن هذه التقنية وضع صيغ تفكير عليا تتحكم في صيغ التفكير الأدنى التي تؤدي إلى السلوك، وتُعدُّ تقنية ثورية على صعيد تطوير الذات.

يساعدك "نمط المسؤولية" على التحكم في مخرجات وعيك من أفكار وعواطف وكلمات وأفعال من خلال شعور قوي بالسيطرة، وقد منحتني تقنيات البرمجة اللغوية العصبية الثقة في قدرتي على التحكم بأفكاري في معظم الحالات.

شاهد بالفديو: 6 عادات مسائية يقوم بها الشخص الناجح يوميّاً

عملت إضافة إلى ذلك على فكرة أنَّني المسؤولة الوحيدة عن أفكاري بدءاً من قراري في التحكُّم بهذه الأفكار، وعدم رغبتي في أن أكون موضع سخرية لدى الآخرين، وفي نهاية المطاف، شكَّلت هذه الأفكار مجتمعة نمطاً من التفكير جعلني المتحكمة الوحيدة في أفكاري.

تستطيع تحقيق ذلك أيضاً وإليك شيء تستطيع القيام به حالاً، فإذا أردت التغيير؛ لكنَّك تشعر بأنَّ شعوراً ما لديك يقاوم هذه الرغبة، فتستطيع أن تتخيل هذا الشعور بصفتك شخصاً آخر وتتحدث إليه، اطرح على هذا الشعور السؤال الآتي: "إذا كنت قادراً على الكلام، فما الذي تريده مني حتى أكون قادراً على القيام بكذا؟".

ستحصل أحياناً على إجابة واضحة، نوع من الموافقة على إجراء التغيير وسيتم التغيير فوراً، ويبدو هذا الشعور وكأنَّه يعوقك في كثير من الأحيان، لكن خذ بعض الوقت واسأل نفسك هذا السؤال: "كيف أصبح شعور ما يتحكم فيك لدرجة أنَّه يمنعك من القيام بشيء ما رغم أنَّك أنت من يملكه وينتجه؟".

أنت من منحته هذه السلطة، لقد منحته القوة لعصيان أوامرك؛ لكنَّك نسيت أنَّك قمت بذلك؛ لذا كن واثقاً أنَّه لا يمكن لشعور ما أن يرفض رغباتك رغماً عنك لأنَّك المسؤول عن جميع الآليات النفسية التي تؤدي إلى الرفض.

بالطبع لا أشك أنَّك تشعر بأنَّك عاجز، وغير قادر وما إلى ذلك من مشاعر، لكن إليك فكرة هامة جداً، وهي أنَّك عندما تقوم بشيء ما لفترة طويلة جداً فإنَّه يبدو لك سلوكاً مُريحاً، وطبيعياً وصحيحاً ومألوفاً، لكن لا تنخدع، إذا مضيت بسعادة في مسار حياة يؤدي إلى التعاسة في النهاية، فلا يهم إلى أي مدى تشعر بالسعادة الآن؛ لأنَّك عاجلاً أم آجلاً ستُصاب بالتعاسة.

يُعلَّم الطيارون أن يثقوا بأجهزة الطائرة وليس بأحاسيسهم في حالات عدم اليقين؛ لأنَّ أحاسيسنا تخدعنا أحياناً، وقد تظنُّ أنَّ المشاعر تعبِّر بصدق عن حالة ما؛ لكنَّها ليست كذلك، فإذا فهمت هذه الفكرة وتغلبت على مشاعرك بطريقة تكون فيها قادراً على القيام بالصواب رغم أنَّه غير مريح، فعلى الأرجح أن تكون قادراً على تحقيق نجاح باهر.

يقول الملياردير "بيتر دانييلز" (Peter Daniels) إنَّ استعداده وقدرته على تحمُّل الألم والشقاء في سعيه إلى تحقيق ما يريد ساعده على أن يصبح واحداً من بين 400 أغنى شخص في العالم، ولم يكن لينجح لو أنَّه تصرف بناءً على ما تمليه عليه مشاعره؛ إنَّما بناءً على ما آمن هو بأنَّه صائب، فأحياناً يكون طريق الصواب هو نفسه طريق الصعاب، إنَّها حقيقة مرَّة؛ لكنَّها صائبة.

إقرأ أيضاً: 9 طرق مثبتة علميَّاً للتخلص من العادات السيئة

في الختام:

بصرف النظر عن مدى الراحة التي تمنحك إيَّاها عادة من العادات، لكن توقف عنها لبعض الوقت واسأل نفسك: "هل تقدم لي هذه العادة أية فائدة؟"، فإذا كانت الإجابة "لا"، فقد حان وقت التغيير، الأمر بهذه البساطة ذكِّر نفسك أنَّ المشاعر ما هي إلا تعبير عمَّا يعجبك، سواء أكان ذلك نتيجة لتجاربك الشخصية أم شيئاً تعلَّمته من الآخرين، وتذكَّر هذه الحقيقة، وتأمل فيها فسوف تغيَّر حياتك.




مقالات مرتبطة