كيف تتنفس بصورة أفضل؟

لا تعلمون متى ستلتقون بشخص سيغير مسار حياتكم. وبالنسبة إليَّ، حصل الأمر منذ نحو خمس سنوات، ومن دون أن أعلم ما ينتظرني؛ إذ سجلتُ بدورةٍ تدريبية يديرها "فيم هوف" (Wim Hof)، الملقب برجل الثلج؛ بسبب قدرته الهائلة على تحمُّل درجات الحرارة المنخفضة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "مارتن بيتروس" (Martin Petrus)، والذي يُحدِّثنا فيه عن طرائق للتحكم بالتنفس وتأثيره في حياتنا من جوانب مختلفة.

"هوف" مدرس غير اعتيادي، اشتُهر بأرقامه القياسية في قدرته على التحمل، كاحتفاظه سابقاً بلقب أخذ أطول حمام جليدي على الإطلاق، والجري نصف ماراثون حافي القدمين في الدائرة القطبية، وتسلُّق معظم جبل "إيفريست" مرتدياً سروالاً قصيراً.

وإنَّ واحدةً من أهم عناصر طريقته في جعل الناس يُغرَمون بالحرارة المنخفضة هي ما يُطلَق عليه اسم "التنفس الواعي"؛ فمن خلال تحكُّمه بالتنفس، يُغيِّر تجربة الوجود في ماء متجمد، التي تكون بطبيعة الحال صراعاً من أجل الحياة، لهدف تأمليٍ عميق.

حينما قابلتُ "هوف" سابقاً، كانت حياتي عبارةً عن صراعٍ مستمر. كنتُ أمرض دائماً، وأشعر بالحزن والاكتئاب عموماً. وكنتُ أبحث عن طرائق لتحسين جهازي المناعي وزيادة مستويات الطاقة لدي. ولم أكن أعلم حينها أنَّ الإجابة عن جميع أسئلتي ستكون بهذا الوضوح: تنفَّس فحسب.

يؤثر التنفس في العديد من العمليات في أجسادنا التي لديها تأثير مباشر في صحتنا الجسدية والعقلية. كل يوم، نقوم باستنشاق نحو 20.000 نفس؛ لذا فهي تتراكم خلال السنين. ومع كل استنشاق، يتسارع معدل ضربات قلبنا ويتباطأ مع كل زفير.

إنَّ جهازنا العصبي حساس لمعدلات التنفس بشكلٍ خاص. فمن خلال تنفسنا، نستطيع تغيير حالتنا من التوتر إلى الاسترخاء، أو من الشعور بالكسل إلى الشعور بالحيوية.

وعلى الأمد الطويل، ومن خلال أن نكون أكثر انتباهاً إلى الطريقة التي نتنفس بها، فيمكننا إفادة صحتنا والمساهمة في طول عمرنا؛ بالمختصر، بإمكاننا تغيير تنفسنا متى ما نشاء؛ وهذا يمكن أن يسمح لنا بالوصول إلى باقي أعضائنا الحيوية. لقد ألهمني كثيراً وغيَّرني ما تعلمته من "هوف" والآخرين؛ إذ شعرتُ بأنَّه ليس لدي خيار سوى نقله للآخرين، واليوم، أعمل كوتشاً لتمرينات تنفس.

ما هي تمرينات التنفس؟ يمكن وصفها بأنَّها "التنفس الواعي"؛ ففي كل مرةٍ ننتبه لأنفاسنا أو نغير نمط تنفسنا لتحقيق نتيجة محدَّدة، فنحن نقوم بممارسة تمرين التنفس.

تُعَدُّ تمرينات التنفس في يومنا هذا نوعاً جديداً من اليوغا. فيمكن العثور عليها في كل مكان من الجلسات العلاجية ووصولاً إلى الدورات الرياضية، ولكن وعلى الرغم من رواجها حالياً، إلا أنَّها بعيدةٌ عن كونها جديدة.

من الصعب تحديد اللحظة الأولى التي قرر فيها البشر التنفس بشكل متعمَّد، ولكن بإمكاننا العثور على مؤشرات مُبكرة على التنفس الواعي في كل التقاليد والثقافات تقريباً: في الأساطير والفلسفة والممارسات الروحية والدينية وفنون الدفاع عن النفس والتأمل. وبالنسبة إلى العديد من الناس، يُعَدُّ التنفس شيئاً أكثر بكثيرٍ من مجرد حركة الهواء الفيزيائية. وغالباً ما يوصف بأنَّه الطاقة، وقوة الحياة، وجوهر الروح.

في اليوغا، لا يُعَدُّ التنفس طريق التطور الروحي فقط؛ بل طريقةً سهلة للبقاء بصحة جيدة أيضاً. لم يكن لدى معظم ممارسي الطب السائدين أيُّ اهتمام بتمرينات التنفس ولوقتٍ طويل، لكنَّ هذا كله بدأ يتغير في الخمسينيات؛ فعلى سبيل المثال، بعد بحثه في الطرائق التي يؤثر بها معدل التنفُّس في الصحة، ابتكر الطبيب "كونستانتين بوتيكو" (Konstantin Buteyko) تقنيةً للتعامل مع اضطرابات التنفس كالربو، وضيق التنفس العام، والتهاب الأنف، وتُستعمَل أيضاً لعلاج ارتفاع ضغط الدم، وجرى استعمال طريقته في كل مستشفيات "روسيا".

وفي يومنا هذا، تُستعمَل "طريقة بوتيكو" في جميع أنحاء العالم لعلاج اضطرابات التنفس. وعموماً، أعتقد أنَّ فهمنا الحديث للجهاز العصبي والدراسات العلمية يؤكد أنَّ ممارسات التنفس على طريقة اليوغا لها تأثيرها. فنحن نعيد اكتشاف ما عرفوه ممارسو اليوغا منذ زمن بعيد.

يهتم رياضيو هذه الأيام بالتنفس أيضاً؛ ففي الرياضات، الأمر عبارة عن سباق دائماً. فمن يجدون طريقةً جديدةً لتحسين تنفسهم بفارقٍ ضئيلٍ يمكن أن يكون لهم ميزة كبيرة على منافسيهم. وإنَّ الرياضيين قد تحولوا إلى ممارسة تمرينات اليوغا التقليدية للتحكم بالتنفس كوسيلة لتكييف الجسم وتقوية الجهاز التنفسي بحيث يمكن لبعض تمرينات التنفس أن تُحسِّن من مدى كفاءة استعمال الجسد للأوكسجين.

إنَّ تمرين التنفس يرتبط ارتباطاً وثيقاً برياضات التحمل. وتقترح "طريقة بوتيكو" أنَّ التنفس الأنفي وتقييد تدفُّق النفس يمكن أن يساعدا في زيادة تحمُّل الجسم لثاني أوكسيد الكربون (CO2). وتم أيضاً اختبار طرائق كتم النفس على نطاقٍ واسعٍ كطريقةٍ لزيادة الحمل على الجسد وخلق تكيفات مفيدة طويلة الأمد.

مع ذلك، وعلى الرغم من أهمية التنفس وتزايد شعبية تمرين التنفس، فإنَّ الكثير من الناس لا يبدون أي اهتمامٍ بهذا الجانب الأساسي من الحياة. ولولا نظامنا العصبي اللاإرادي، قد يموت الكثير منا على الأرجح من مجرد نسيان التنفس في أثناء قراءة بريد إلكتروني.

وفي هذا المقال، سأريكم بعض تقنيات تمرينات التنفس الأساسية. فسواء كنتم رياضيين على المستوى الأولمبي أم مجرد أشخاص عاديين، فأنتم تتنفسون على أي حال، فلماذا لا تبدؤون باستعمال أنفاسكم لمنفعتكم؟ حتى بعد العمل مع العديد من الأشخاص، فما زالت تدهشني إمكانات تمرين التنفس الذي هو أداة متاحة لنا جميعاً.

قد يكون شيئاً سهلاً مثل تعلُّم روتين استرخاء لمدة ثلاث دقائق، أو يمكن أن يكون بداية رحلة العمر في تطوير الذات.

ما الذي يجب فعله؟

1. التدرب على التنفس من الأنف:

إن كنتم مشغولين للغاية ولا تشعرون أنَّ لديكم الوقت الكافي للتمرن على التنفس، لكنَّكم ترغبون في العمل على تنفسكم لتحسين صحتكم وعافيتكم، فأنا أقترح أن تحاولوا تنفيذ أحد أسهل المبادئ: تدرَّبوا على التنفس من أنفكم بدلاً من التنفس من فمكم. هذا شيء يمكنكم القيام به طوال اليوم والليل.

وفيما يأتي بعض فوائد التنفس من الأنف:

  • يبطئ تدفق الهواء الوارد؛ وهذا له تأثير مهدِّى في الجهاز العصبي (فهو ينشط الجهاز العصبي السمبتاوي على وجه الخصوص، الذي يساعد على تعزيز الهدوء والاسترخاء).
  • يتحرك الهواء بشكلٍ أبطأ ويبقى لتفرةٍ أطول في الحويصلات الهوائية؛ حيث يحدثُ تبادل الغازات؛ وهذا يعطي للأوكسجين مزيداً من الوقت للانتشار في مجرى الدم، الذي قد ينتجُ عنه امتصاصٌ أكبر للأوكسجين بنسبة 10-20%.
  • يعمل أنفكم كمرشح لمسببات الأمراض، كالبكتيريا والفيروسات.
  • يتم تكييف الهواء الداخل إلى الرئتين ليناسب الجسم بشكلٍ أفضل، مدفِّئاً أو مبرِّداً إياه بناءً على البيئة الخارجية.
  • عن طريق التنفس من خلال الأنف، فإنَّكم تطردون ما يصل إلى 40% أقل من الماء خارج جسدكم؛ (وهذا يعني أنَّكم أقل عرضةً للجفاف).
  • إنَّه يجنب المشكلات المرتبطة بالتنفس الفموي المفرط وعلى الأمد الطويل، كمشكلات الأسنان، والتهاب الشعب الهوائية العلوية، وحتى التغييرات في شكل الفك.

ماذا لو كان أنفكم مسدوداً؟ عليكم أن تفعلوا ما بوسعكم لفتحه. وفي بعض الأحيان تكون الحالة عبارةً عن التغلب على الانزعاج من ضيق التنفس. وقد تكونون معتادين على التنفس الفموي بحيث ستشعرون بأنَّ التنفس الأنفي غير طبيعي في البداية.

لكن وكلما تنفستم من أنفكم أكثر، يصبح الأمر أسهل. وإن كنتم تعانون كثيراً، فستساعدكم موسعات الأنف، أو اللصقات أو البخاخات (لتنظيف فتحات الأنف) في الأيام والأسابيع الأولى. وإن كنتم تعانون من انحراف الوتيرة (اختلال في العظام والغضاريف التي تفصل بين فتحتي الأنف)، التي تؤثر في التنفس الأنفي، فعليكم التفكير في التحدث إلى طبيبكم للقيام بعملية لتصحيح الانحراف.

وإن كانت فتحاتكم الأنفية مسدودةً بشكلٍ طفيف، فيمكنكم المساعدة عبر تنظيفها باستعمال تمرينٍ سهل: ازفروا قليلاً، واضغطوا على أنفكم مع كتم النفس. فخلال ذروة حبس أنفاسكم، سيتراكم ثاني أوكسيد الكربون وأوكسيد النيتريك، وكلاهما موسعات للأوعية؛ وهذا يساعدُ الممرات على أن تُفتَح.

متى يجب عليكم أن تتنفسوا من أنفكم؟ من الجيد التفكير بالأمر على ثلاث مراحل:

  1. التنفس من الأنف كلياً.
  2. الشهيق عبر الأنف، والزفير عبر الفم.
  3. التنفس من الفم كلياً.

في حالة الراحة والشدة المنخفضة، بإمكانكم أن تكونوا في المرحلة الأولى طوال الوقت. فحينما تبدؤون بالحركة أو رفع الأشياء الثقيلة، يمكنكم محاولة البقاء في هذه المرحلة لأطول فترة ممكنة. وفي النقطة التي يصبح فيها الجهد صعباً للغاية، انتقلوا إلى المرحلة الثانية. وإن قمتم بزيادة الحمل أكثر من ذلك، واقتربتم من السعة القصوى، فحينها ستكون المرحلة الثالثة ضرورية؛ وبمجرد ما ينخفض الجهد، يمكنكم العودة إلى المرحلتين الثانية والأولى، على التوالي.

شاهد: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء

2. التدرب على التنفس البطني:

إنَّ الخطوة الأساسية الأخرى التي يمكنكم اتخاذها في حياتكم لتحسين تنفسكم هي الانتباه لوضعية أجسادكم. فالوضعية السيئة ستقيد تنفسكم، ويمكن لأنماط التنفس المتقطعة أن تؤثر سلباً في جهازكم العضلي.

ولإدارة وضعياتنا إدارة أفضل، علينا إلقاء نظرةٍ عن كثب على الحجاب الحاجز، الذي يؤدي دوراً أساسياً في استقرار مركز الجسد. فهو عضلةٌ كبيرةٌ تقع تحت أضلاعنا وتقسم ما بين الصدر وتجاويف البطن.

فعندما تقومون بالشهيق، يتحرك الحجاب الحاجز للأسفل لإنشاء فرق في الضغط في رئتيكم لسحب الهواء. وحينما تسترخون، يرتفع الحجاب الحاجز ويخرج الهواء؛ وهنا يكمن توجيه التنفس الطبيعي. ينشط الشهيق، ساحباً الهواء للداخل ويكون الزفير سلبياً، حينما تسترخون فقط ولا تضطرون لدفع الهواء بعيداً.

ولتطوير نمط تنفس بطني صحي، جرِّبوا التمرين الآتي:

  1. استلقوا على ظهركم أو اجلسوا جلسةً مريحة على الأرض أو على كرسي. ويمكنكم وضع أيديكم على أجسادكم للحصول على ردود فعل حسية.
  2. ركِّزوا انتباهكم على الشهيق، وستلاحظون أنَّ بطنكم يتسع بينما يتمُّ سحب الهواء إلى رئتيكم. وبينما يحدثُ هذا، يجب أن يظلَّ الجزء العلوي من الصدر والكتفين ثابتاً.
  3. كل زفير هو سلبي. فقط استرخوا وسيخرج الهواء؛ فلا حاجة لكم إلى دفعه للخارج.
  4. ادخلوا بإيقاعٍ ثابتٍ من الاستنشاق النشط والزفير المريح.
  5. بعد فترةٍ وجيزة، وبمجرد أن يصبح الأمر سهلاً، صبوا انتباهكم على جوانب منطقة البطن حول الضلوع السفلية. فيجب أن تتوسع مع كل شهيق إلى الجانبين قليلاً. وستكون هذه حركةً أكثر دقة مما كانت عليه في الأمام.
  6. بعد قضاء بضع دقائق أخرى في هذه الحالة، ركزوا على أسفل ظهركم. وتخيلوا أنَّه ومع كل شهيق، يكون أسفل الظهر مشدوداً قليلاً، ومع كل زفيرٍ يرتاح.
  7. مع مرور الوقت، ستتمكَّنون من الجمع بين هذه المناطق الثلاث دون عناء (الأمام والجوانب والخلف) بحيث تشعرون بالتمدد في أثناء الشهيق حول أجسادكم وليس في مقدمة البطن فحسب.
  8. إن لم تشعروا في البداية بأيِّ نشاطٍ في ضلوعكم أو أسفل ظهركم، فلا تقلقوا، وامنحوا الأمر بعض الوقت.
  9. اقضوا بضع دقائق يومياً بالتدرب على هذا وتنفسوا بشكلٍ طبيعي فقط لبقية الوقت. فحتى حينما لا تكونون مركزين على تنفسكم، ستجدون مع مرور الوقت أنَّه يصبح أكثر امتلاءً وأكثر استرخاءً.

بالمقارنة مع التنفس الصدري الضئيل، فإنَّ التنفس البطني له فوائد مختلفة. فهو أكثر استرخاءً ويجعل من عملية تبادل الغازات أكثر كفاءة. ويمكن تخفيف الإجهاد التأكسدي الناجم عن الإجهاد العقلي والجسدي عن طريق التنفس الإيجابي.

كثيراً ما نسمع أنَّ التنفس بإمكانه أن يُحسِّن جهازنا المناعي، وهناك بعض الحقيقة في ذلك. فالتنفس البطني يساعد على تحريك اللمف (السائل الذي يتدفق من الجهاز اللمفاوي)، ومن ثمَّ نقلُ مسببات الأمراض عبر الغدد اللمفاوية فيمكن علاجها بخلايا لمفاوية محدَّدة. ومن الفوائد الأخرى هي زيادة تدفق الدم إلى القلب. وأخيراً، وإن قمتم بتقوية الحجاب الحاجز كعضلة (من خلال التنفس البطني المنتظم)، فستزيدون من قدرتكم على التحمل البدني.

3. التدرب على التنفس المنتظم:

من خلال الممارسة، يمكن أن يساعد تمرين التنفس على منحكم درجةً من التحكُّم باستجابتكم للضغط.

فنظراً لأنَّ أجسادكم تخضع للإيقاعات، فإنَّ جهازكم العصبي يلتقط التدفق المستمر للهواء على أنَّه إشارة على السلامة ويقوم بضبط العمليات الجسدية الأخرى وفقاً لذلك؛ وهذا يمكنكم استعماله لصالحكم.

إحدى الطرائق هي من خلال تمرينٍ شائعٍ في اليوغا؛ إذ نقوم بالشهيق والزفير مع العد. والهدف هو إيجاد طول نفس مريح وحين يصبح الأمرُ سهلاً، يمكن إبطاء الإيقاع.

عادةً، وبعد بضع دقائق من التنفس المنتظم، ستشعرون بالتحول إلى جهازكم العصبي السمبتاوي، وهو فرعٌ من الجهاز العصبي اللاإرادي الذي لا يساعد أجسامنا على الإصلاح والتعافي فحسب؛ بل يُحسِّن أيضاً من ارتباطنا الاجتماعي.

كما أظهر التنفس المنتظم أيضاً نتائج واعدة للمساعدة في علاج الاكتئاب والقلق، وإليكم كيفية القيام بذلك:

  1. أوجدوا وضعيةً مريحة، جالسين أو مستلقين. أغلقوا أعينكم وتنفسوا من أنفكم.
  2. ركِّزوا على التنفس البطني.
  3. أبطئوا تنفسكم بحيث تتبعون نمط الشهيق لـ 6 ثوانٍ والزفير لـ 6 ثوان.
  4. إن كان هذا صعباً جداً، فاختاروا وقتاً أقصر كـ 3 أو 4 ثواني شهيق، ومثلهم في أثناء الزفير.
  5. حافظوا على هذا الإيقاع لبضع دقائق، مع البقاء في حالة استرخاءٍ وتركيز.
  6. حينما يصبح إيقاع لـ 6 ثوانٍ سهلاً، يمكنكم محاولة تمديد طول النفس إلى 8 ثوانٍ أو 10 ثوانٍ، أو أطول حتى. وأيضاً، ومن أجل تأثير استرخاءٍ أكبر، يمكنكم تجربة الزفير لمرتين طالما تتنفسون شهيقاً.

إنْ قضيتم وقتاً في التمرن على هذا النوع من التنفس حينما يكون كل شيء على ما يرام، فستجدون أنَّه أكثر فاعليةً حين تستعملونه لتهدئة أنفسكم خلال لحظات عدم الارتياح.

4. تعزيز قدرة التحمل لثاني أوكسيد الكربون:

من أهم الأشياء التي يمكنكم القيام بها من أجل عملياتكم العقلية هي إدخال الكمية المناسبة من الأوكسجين إلى عقولكم وأعضائكم الحيوية. ومعدل التنفس هو المفتاح لذلك. وما تبحثون عنه هو التنفس البطيء واللطيف. فحين يكون تنفسنا سريعاً وسطحياً، فغالباً نحرك الهواء في "مساحة ميتة"، الذي هو كمية من الهواء الذي لا علاقة له في عملية تبادل الغازات (أي لا يستعملها الجسم). ولهذا السبب نحتاج التنفس البطيء والعميق الذي يمنحنا تبادل غازاتٍ أفضل بكثير.

إنَّ ثاني أوكسيد الكربون (CO2) هو الغاز الموجود في الهواء الذي يؤدي إلى معدل تنفس أسرع - بحيث لدينا غريزةٌ طبيعية لطرده من نظامنا - لذلك فإنَّ إحدى طرائق إبطاء تنفسنا هي الاعتياد أكثر على ثاني أوكسيد الكربون.

كثيراً ما نظنُّ بثاني أوكسيد الكربون بأنَّه شيء سلبي؛ أي منتج ثانوي علينا التخلص منه؛ ومع ذلك، فإنَّه يؤدي دوراً هاماً جداً في الجسم بِعَدِّه موسعاً للأوعية الدموية، ويساعد أيضاً على إطلاق الأوكسجين من الدم، الذي يُعرَف بـ "تأثير بوهر" (Bohr Effect)؛ ولهذا، فإنَّ زيادة تحمُّل أجسادكم لثاني أوكسيد الكربون يمكن أن يكون مفيداً، لمساعدة خلاياكم على امتصاص الأوكسجين.

عندما تقومون بالزفير من خلال الأنف، فإنَّكم تحتفظون بثاني أوكسيد الكربون أكثر مما تفعلون حينما تقومون بالزفير من خلال الفم؛ لذا فإنَّ التمرن على التنفس الأنفي أكثر ما يمكن هو الخطوة الأولى.

ولكي تكونوا أكثر سيطرةً على أنفاسكم، سواء كنتم تتعاملون مع الربو أم كنتم تُحسِّنون من أدائكم الرياضي، فيجب أن تركزوا على تحسين تحمُّلكم لثاني أوكسيد الكربون.

إنَّ تمرين "التنفس الخفيف" على طريقة "بوتيكو" (Buteyko) التي أتيتُ على ذكرها آنفاً مثاليٌّ لهذا (لضمان سلامتكم، استشيروا الطبيب قبل تجربة هذا التمرين):

  1. ابدؤوا بوضعية جلوس مريحة، وأبقوا أعينكم مفتوحة أو إن كان الأمر يساعدكم على التركيز أكثر على التنفس، فأبقوها مغلقة.
  2. في أثناء التنفس برفقٍ من خلال الأنف، لاحظوا حجم الهواء الذي تتنفسونه شهيقاً وزفيراً.
  3. ابدؤوا بتقليل عمق أنفاسكم بنحو 20-30%، وصولاً إلى النقطة التي تبدؤون بها بالشعور بالحاجة إلى الهواء (يجب أن يبقى معدل تنفسكم كما هو، في مستوى الراحة المعتاد).

إن قمتم بتقليل عمق التنفس أكثر من اللازم، وصولاً إلى نقطة الانزعاج منه بشكلٍ كبير، فعودوا إلى التنفس الطبيعي، وابدؤوا بالتقليل مرةً ثانية.

  1. أوجدوا توازناً بحيث يمكنكم الشعور بحاجةٍ طفيفةٍ للهواء، ولكن يمكنكم الاستمرار بالتنفس هكذا لمدة 5-10 دقائق.

احرصوا دائماً وفي أثناء التمرن على أن يكون جسدكم كله مسترخياً. وإن كنتم جديدين على تمرين التنفس، فابدؤوا ببطءٍ ولطف، ولا تتقدموا إلا عندما تشعرون بالراحة. وبمجرد أن تتعلموا هذا، يمكنكم التدرب عليه بشكل يومي.

تبعاً لطريقة "بوتيكو"، فكلما زادت قدرتكم على تحمُّل ثاني أوكسيد الكربون، يصبح تنفسكم أخفَّ وأكثر سهولةً، ويتباطأ معدل تنفسكم الاعتيادي.

ويقترح ممارسو هذه الطريقة أيضاً أنَّ هذه العملية تسهِّل إطلاق الأوكسجين إلى الخلايا، بالإضافة إلى المساعدة على تحسين الدورة الدموية.

إن كان أسلوب حياتكم نشطاً، فهي طريقةٌ رائعةٌ لزيادة قدرتكم على التحمُّل وتقليل حالة الإعياء.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تحرمك من النوم المريح خلال الليل

5. التدرب على حبس النفس (مع مدرب مؤهل):

تم استعمال ممارسة حبس النفس في اليوغا لمئات السنين. وقد أشار العديد من الأساتذة إلى حقيقة أنَّ التمرن على حبس النفس المنتظم لا يؤدي إلى صحة أفضل فقط؛ بل وإلى تعزيز القدرة على التحمل.

تقدِّم النتائج العلمية الحديثة دعماً مؤقتاً لهذا؛ وهذا يدلُّ على أنَّ القليل من حبس النفس يمكن أن ينشط العديد من الآليات التي تساعدنا على البقاء دون هواء لمدةٍ أطول.

ففي أثناء حبس النفس، ينقبض الطحال، مطلِقاً دماً غنياً جداً بخلايا الدم الحمراء الغنية بالأوكسجين. وتختبر أجسادنا أيضاً إفرازاً لهرمون الإريثروبويتين، الذي لا يؤدي إلى زيادة عدد خلايا الدم الحمراء فقط، ولكنَّه يزيد أيضاً من كفاءة الميتوكندريون (mitochondria).

وفي أثناء العمل مع الأشخاص النشطين، طُرِح عليَّ السؤال الآتي مرات عدَّة:

"كيف أستطيع زيادة أدائي البدني من خلال التنفس؟"؛ إذ اتضح أنَّ حبس النفس الواعي يمكن له أن يكون أحد أقوى الأدوات المتاحة لهذا الغرض. الأداء الرياضي يرتبط بمقدار الأوكسجين الذي يمكن نقله واستعماله، ويمكن للتمرن على حبس النفس أن يبني هذه القدرة.

يعتمد استعمال التدريب على المرتفعات في الرياضة لتحسين الأداء البدني على مبادئ مماثلة. فإنَّ الوجود في حالة "نقص الأكسجة" يجبر أجسادنا على التكيف، بحيث يمكننا الاستمتاع بعد العودة إلى مستوى سطح البحر، بفوائد الأداء المتزايد.

يمكن لهذه اللحظات القليلة من نقص الأكسجة أن تصبح ميزةً مفيدة، كجزءٍ من برنامجٍ تدريبي. وبما أنَّ حبس النفس هو تقنيةٌ معقدة، فأوصي دائماً بضرورة تعلُّمه مع مدرب مؤهَّل. فسيوضح المعلم كيفية أداء أقصى حدٍّ من حبس النفس بعد زفيرٍ خفيف (بترك 30-40% من الهواء في رئتيكم)؛ وللحصول على تدريبٍ آمنٍ وفعال، يجب على معلمكم استعمال مقياس التأكسج النبضي لمراقبة مستويات الأوكسجين لديكم.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة