كيف تتقبل النقد البناء بروح رياضية؟

ينزعج الكثيرون من توجيه الآخرين النقد البنَّاء لهم، لأنَّهم يرون فيه إهانة واستخفافاً بالعمل الذي أنجزوه، وهذا ردُّ فعلٍ متوقَّع لأنَّ الكثيرين يكرهون أن يخبرهم أحد بالأخطاء التي يرتكبونها أو يملي عليهم كيفية أداء عملهم؛ فنحن نحب أن نشعر أنَّنا ماهرون في الأشياء التي نختار القيام بها - ما لم نحاول بالطبع فِعل شيء جديد - ونفتخر إلى حد ما بكيفية أدائنا لوظائفنا المختلفة، ولا نُحبِّذ أن يشير أحدهم إلى وجود قصور فيه.



دعونا نلقي نظرةً على ماهية النقد البنَّاء وكيف يمكِننا توظيفه لمساعدتنا على التحسن في العمل أو في أيِّ مجال نريده، وكيفية الاستفادة منه لمصلحتنا كيلا ننفعل مجدداً في كلِّ مرة يوجِّه أحدهم إلينا الانتقاد.

ما هو النقد البنَّاء؟

بادئاً ذي بدء، علينا أن نفهم جيداً ما هو النقد البنَّاء؛ فعادةً ما تقفز أذهاننا إلى التفكير السلبي والعدائي عند سماع كلمة "نقد"، ونتذكر كيف كان يراقبنا أحدهم في أثناء قيامنا بعمل ما ويخبرنا أنَّنا نقوم به بطريقة خاطئة، فيكون أسلوبه انتقادياً.

ومع ذلك، ليس هذا هو القصد من النقد البنَّاء؛ بل هو في الحقيقة وسيلة مفيدة لتقديم التغذية الراجعة التي تعطي اقتراحات محدَّدة وقابلة للتنفيذ. فبدلاً من التصرف كمدير يعطي أحد أعضاء الفريق نصيحة عامة غير واضحة، يمنح النقد البنَّاء نصائح محدَّدة لكيفية القيام بالإجراءات المناسبة تبعاً للموقف، وإن أُعطِي النقد بصورة صحيحة، فستمنح توصيات محدَّدة وواضحة حول كيفية إجراء التغييرات والتحسينات التي من شأنها أن تعطي نتيجة أكثر إيجابية تبعاً للحالة.

تقبُّل النقد البنَّاء:

كما قرأنا للتو، يُعطى النقد البنَّاء لمساعدة شخص ما على التحسن بطريقة أو بأخرى، وهو ليس ملاحظات عامة سلبية أو شكوى؛ بل مساهمات محدَّدة قابلة للتنفيذ ومقدَّمة بقصد مساعدة الشخص على تحسين أدائه كي يحقق مزيداً من النتائج المرجوة في المرة القادمة.

هكذا يجب أن يكون النقد البنَّاء لكي يتقبله الآخرون، فالغرض منه مساعدتهم على التحسن؛ لذا يجب على أيِّ شخص مهتم بالتحسن والتفوق في وظيفته أو مهنته أن يتقبله بصدر رحب.

عُد في ذاكرتك إلى الوقت الذي حققتَ فيه نجاحاً باهراً في العمل، أو كنتَ جزءاً من فريق أحرز فوزاً عظيماً، ألم يغمرك شعور رائع؟ فكِّر الآن في الوقت الذي فشل فيه مشروع كبير بعد أن احترقتَ وظيفياً في محاولة إتمامه، أو أفلتَ من يدك عميلاً جديداً هام، أو لعبَ فريقك لعباً سيئاً وخسر مباراة مفصلية، ألم تشعر بالمرارة حينها؟

تشبه تماماً الطريقة التي تتعامل بها مع هذه الخسائر وتتعلم منها لكي تتحسن وتُحقِّق المزيد من "النجاحات" تلقِّي النقد البنَّاء. فخُذ العِبر من أخطاء الماضي لتصحيح مسار الأمور.

إقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع النّقد، قبول الملاحظات بصدر رحب

كيف تتعامل مع النقد البنَّاء؟

الآن، بعد أن تكوَّنَت لدينا فكرة واضحة عن ماهية النقد البنَّاء، دعونا نلقي نظرةً على أفضل الطرائق للتعامل معه.

1. تجنُّب رد الفعل الأولي:

كن واعياً في استجابتك عندما تشعر أنَّ أحدهم سيوجه لك الانتقادات، وتخيَّل ما يمكِن أن يَحدث، وسيطِر على انفعالاتك. تكمن الحيلة في منعِ أيِّ نوع من ردود الفعل التي ستقوم بها عندما يدرك ذهنك ما سيحدث؛ لكنَّ الصعوبة تتمثَّل في أنَّ رد فعلنا الأولي لا يكون جيداً عموماً؛ لذا حاوِل ألا يظهر رد فعلك الأولي كموقف دفاعي أو مشحون بالغضب.

2. عدم أخذِ الأمر على محمل شخصي:

تبنَّ هذه العقلية وآمِن بها، فمن الهام أن تتذكر أنَّ نقد الآخرين لك لا يمسُّك شخصياً؛ بل هم في الحقيقة يشاركون تجربتهم الشخصية ومعلوماتهم مما تعلَّموه واختبروه. فلا يعني هذا بالضرورة أن يكون ما ينصحونك به صحيحاً تماماً؛ لكنَّها ببساطة الطريقة التي نجحَت معهم؛ فلدينا جميعاً تجارب مختلفة تجعل كلَّ وجهة من وجهات نظرنا فريدة من نوعها، ولا يتعلق الأمر بك؛ بل بالمواقف، لذا لا تأخذ الأمر على محمل شخصي.

3. تذكُّر الفوائد التي يعود عليك النقد البنَّاء بها:

تُعدُّ هذه نصيحة جيدة عندما تفكر أن يكون ردُّ فعلك الأولي النفي؛ لذا اعلم أنَّ تلقِّي النقد البنَّاء هو وسيلة لمساعدة نفسك على التحسن، وتذكَّر أنَّك لستَ مضطراً لتقبُّل كلِّ اقتراح وتنفيذه بحذافيره، واعمل بالنصائح المناسبة لك، واستخدِمها في المرة القادمة التي تصادف فيها موقفاً مشابهاً؛ فهذه هي الطريقة التي نتعلم بها وننمو.

4. الإصغاء بقصد الفهم:

الإصغاء الفاعل هام جداً عند تلقِّي النقد؛ لذا احرِص على أن تُولي اهتماماً كاملاً لكلمات المتحدث ولغة جسده، وحاوِل أن تفهم تماماً حتى تتمكن من التعامل مع التغذية الراجعة والاستفادة منها في المستقبل، وأعِر كامل انتباهك وكن واعياً عند تلقِّي التغذية الراجعة.

5. الامتنان:

ليس من السهل أن تكون ممتناً لشخص يقترح عليك إنجاز الأمر بطريقة أفضل؛ حيث يَظهر وعيك هنا كشخص راشد عندما تقول له: "شكراً لك على تخصيص الوقت لمنحي التغذية الراجعة".

إذا فكرتَ في الأمر، فستجد أنَّه على الأرجح يريد لك الخير، وإلا ما الذي يدفعه لتضييع الوقت لعرض أفكاره ومساهماته عليك؟ وافرض أنَّه لا يهتم لأمرك أو يريد تشجيعك، فلم يهدر وقته عليك؟ الجواب واضح: لأنَّ أمرك يهمُّه، وتذكَّر هذا عندما تشكره.

شاهد بالفديو: نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

6. طرح أسئلة لاكتساب فهم أكبر:

يجب أن تطرح أسئلة استيضاحية للتأكد من أنَّك تفهم تماماً ما يقوله الشخص الآخر، واحرِص على أن تكونوا على وفاق بخصوص الأشياء التي يقولها؛ أما إن لم تأخذ الوقت الكافي لطرح الأسئلة لفك أيِّ التباس حاصل، فستكون هذه التغذية الراجعة غير مفيدة لك على الأمد البعيد.

إقرأ أيضاً: التعامل مع النقد

الاستفادة من النقد للتحسن:

دعنا الآن نلقي نظرةً على قدرة النقد البنَّاء على مساعدتنا في التحسن؛ فمراجعة الأمور عندما لا تسير على ما يرام وتحليل أسباب عدم سيرها سيراً صحيح، تساعدنا في اكتشاف طرائق لتغيير كيفية فعلنا للأمور لتحقيق أفضل النتائج في المرة القادمة.

1. الاستفادة من التغذية الراجعة:

إنَّ الاعتراف بأنَّ التغذية الراجعة مفيدة دائماً هي الطريقة الأولى التي يمكِنك من خلالها توظيف النقد البنَّاء لتحسين نفسك. فلا يعني هذا بالضرورة أن تكون جميع التغذيات الراجعة مفيدة لك؛ بل يعني فقط أنَّها قد تساعدك.

قد لا توافق تماماً على بعض من التغذيات الراجعة التي تتلقاها، ولا بأس في ذلك طالما أنَّك موقن من فائدتها. ويساعدك جمعُ المعلومات ومراجعتها والإصغاء إلى الآخرين في رؤية المواقف من منظور مختلف عن منظورك.

2. الاطلاع على وجهة نظر الآخرين:

يكمن الأمر العظيم في تقديم شخص النقد البنَّاء إليك في الحصول على وجهة نظر أخرى. وفي كثير من الأحيان نستند في أفعالنا التي نظنها صحيحة إلى تصوراتنا الخاصة لشيء ما فحسب؛ فإن لم تنظر إلى الأمور بموضوعية، فقد لا تقوم بها بصورة صحيحة.

تصوَّر جدلاً رساماً ينغلق على نفسه رافضاً أيَّ نقد، ثمَّ أخطأ في بعض التفاصيل، أليس بالأحرى به لو أنَّه يتقبل النقد لتحسين لوحته؟ فربما يشير الآخرون إلى أشياء لم يلحظها أو يفكر فيها، وينطبق هذا المثال أيضاً على مختلف جوانب الحياة.

3. منحِكَ قيمة كبيرة:

عندما يكرس شخص ما الوقت الكافي لتقديم النقد البنَّاء إليك، فهذا يدل على أنَّه يهتم ويشعر أنَّك تستحق الاهتمام؛ فهو لن يضيع وقته على أحد لا يثير اهتمامه أو يعتقد أنَّه غير جدير بوقته، وتذكَّر هذا الأمر في المرة القادمة التي يقدِّم فيها مديرك بعض الأفكار أو النصائح.

4. مساعدتك على التحسن:

يساعدك إصغاؤك باهتمام إلى النقد البنَّاء على التحسن بصورة ملحوظة؛ لذا تقبَّل هذه التغذية الراجعة بصدر رحب. 

اعلم أنَّ هذا الشخص الذي يقدِّم إليك التغذية الراجعة هو عضو في فريقك، سواء كان ذلك فريقاً رياضياً أم فريق عمل، فأنتم تعملون على تحقيق الهدف نفسه، واسأل نفسك: ما الذي يمكِنني فعلُه بصورة أفضل لمساعدتنا على الفوز كفريق؟ من المفيد أن تؤمِن بأنَّك تجيد ما تفعله، واعلم أيضاً أنَّه يمكِنك دائماً التحسن. فساعِد الآخرين ليساعدوك، وهكذا يتساعد الجميع.

إقرأ أيضاً: ناقد.. غير ناقد!

5. إلهامك:

يمكِن للنقد البنَّاء أن يلهمك. وفي بعض الأحيان، سيلفت الشخص الذي يُقدِّم إليك التغذية الراجعة نظرك لأشياء لم تدرك أنَّك تمتلكها من قبل، وهنا تظهر القيمة العظيمة لوجهات النظر المختلفة من الآخرين؛ فقد تكون تنويرية، وقد تكون أحياناً واحدة من تلك اللحظات التي تتجلى فيها أمامنا الحقائق.

الخلاصة:

لقد تعمقنا في ماهية النقد البنَّاء وكيفية قبوله، ورأينا الفائدة التي نكسبها عندما نتقبل التغذية الراجعة في نمونا وتطويرنا، واكتشفنا كيف يمكِن أن يساعدنا النقد البنَّاء على تحسين ما نقوم به، وكيف نتعامل مع هذا النقد بروح رياضية.

تذكَّر أنَّ الحصول على تغدية راجعة من الآخرين أمر بالغ الأهمية لنموك في العديد من مجالات حياتك، واستخدِم النقد البنَّاء لتحسين نفسك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة