كيف تتغلب على القلق؟

مع استمرار انتشار متحور دلتا، أصبح القلق مُلازماً للكثيرين؛ وذلك لأنَّ ما بدا لنا وكأنَّه سباق سريع للشفاء، تحوَّل إلى منافسة في التحمُّل والكثير من الأشخاص يكافحون ليشعروا بالتفاؤل بشأن المستقبل.



في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان العالم ينتظر بفارغ الصبر طرح الدفعة الأولى من اللقاحات، وكنا نظنُّ أنَّه بمجرد أخذ اللقاحات ستعود الأمور إلى طبيعتها، لكن من الواضح أنَّ شعورنا بالأمان قد انخفض كثيراً بسبب العواقب غير المتوقعة، وفجأة بتنا نشعر بالحذر من الأمل ونواصل حياتنا اليومية بحذر ونترقب حدوث كارثة حتمية، ونطرح على أنفسنا أسئلة تعكس مشاعرنا مثل:

  • هل سيكون هناكمتحور آخر قريباً؟
  • هل سيتوجب علينا العودة إلى الإغلاق؟
  • هل سيكون علينا مجدداً ارتداء الكمامة وأخذ اللقاحات؟
  • هل ستُغلَق المدارس مجدداً؟
  • هل سنتمكن من العودة إلى حياتنا الطبيعية؟

في حين أنَّ هذه الأسئلة مشروعة ومنطقية ومفهومة إذا ما أخذنا في الحسبان ما طرأ خلال العام ونصف العام الماضي، ولكنَّ الشعور بأنَّ الوضع مجهول، يمكن أن يكون مُرهِقاً ومقلِقاً للكثيرين، فوفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إنَّ عدد الأشخاص الذين أبلغوا عن أعراض قلق، قد تضاعفَ ثلاث مرات منذ بداية الجائحة مع ارتفاع معدلات الاكتئاب والتفكير في الانتحار أيضاً.

وكحلٍّ لحالة القلق الشديد الذي نعيشه، فقد اكتسب العديد من الأشخاص نوعاً من الإحساس بالأمن المرتبط بالقلق، وهو وسيلة عقلية غير قادرة على التكيف، تهدف إلى حمايتنا من الأذى أو خيبة الأمل في المستقبل، وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص الذين يعانون من القلق، فإنَّ التحكم بعواطفنا أو توقعاتنا، يوفر شعوراً زائفاً بالأمان، فنحن نفكر في أنَّنا إذا امتنعنا عن الشعور بالسعادة حيال شيء ما الآن، فإنَّنا نكون مستعدين لتلقِّي الصدمة أو الألم إذا حدث خطأ ما في المستقبل.

علاوة على أنَّ منع أنفسنا من الشعور بالسعادة هو أمر صعب، فإنَّنا أيضاً عاجزون عن التنبؤ بالمستقبل أو التحكم به، وكل ما نفعله عندما نتبع هذه الآلية لنشعر بالأمن هو أنَّنا نحرم أنفسنا من الشعور بالبهجة، وهذا لا يُقلِّل من الألم في المستقبل، لكنَّه يحرمنا من الفرح في الوقت الحاضر، وهذه ليست طريقة صحيحة للعيش.

الحقيقة هي أنَّه من الممكن تهيئة أنفسنا للتركيز على الإيجابيات والشعور بالسعادة على الرغم من قلقنا حيال المستقبل؛ وذلك عن طريق السماح لأنفسنا بالشعور بالسعادة وتبنِّي التفكير الإيجابي بجرأة.

تبنِّي الإيجابية دون خوف:

عندما نشعر باضطراب المشاعر ينتابنا إحساسٌ بأنَّه يستحيل تقريباً العثور على بارقة أمل، لكن في الواقع يبقى الأمل موجوداً وما علينا سوى أن نتبنَّى العقلية الإيجابية، وتبنِّي العقلية الإيجابية الخالية من الخوف لا يعني تجاهل المخاطر أو المخاوف التي تنتابنا؛ بل يعني التمتع بمرونة عقلية والقدرة على توجيه تركيزنا بدلاً من أن تُوجهنا مشاعرنا.

في الواقع تتلقى أدمغتنا في كل ثانية 11 مليون معلومة، لكنَّ أدمغتنا تعالج منها 50 معلومة فقط؛ وهذا يعني أنَّه بدلاً من التركيز على 50 معلومة سلبية، يمكننا التركيز على ملايين أخرى من المعلومات التي تكون إيجابية، وتدعم إحساسنا بالعافية والسلامة.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتدريب العقل على التحلي بمزيدٍ من الإيجابية

لا تعني الإيجابية الخالية من الخوف غض النظر تماماً عن السلبية والخوف؛ بل هي قرار واعٍ في النظر إلى العالم بواقعية وإعطاء الأولوية للأمور الإيجابية؛ وبذلك نتمكن من المضي قدماً شاعرين بالأمل وقد تخلصنا من الخوف الذي كان يعوقنا، وهذه الاستراتيجيات الأربع ستساعدنا على تغيير تفكيرنا لرؤية العالم؛ وذلك من خلال إطار أكثر إيجابية وهي:

1. الترويح عن النفس:

عندما تبدأ الأفكار السلبية السيطرة عليك، امنح نفسك استراحة؛ إذ إنَّ تجاهل مشاعرنا من أجل الاستمرار في أداء مهامنا اليومية، يؤدي إلى تفاقم هذه المشاعر، ويقود إلى نوبات الغضب أو الانهيار؛ لذلك عندما تشعر بأنَّ الخوف أو المشاعر السلبية تجتاح عقلك، خصِّص لنفسك بعض الوقت واخرج من المنزل، أو اقصد غرفة هادئة وتنفَّس بعمق؛ حيث تساعدك هذه الطريقة على رؤية الأمور بوضوح والتحكم بمشاعرك.

2. إعادة صياغة الأفكار:

بمجرد أن تهدأ قليلاً، تذكَّر أنَّ أفكارك ومخاوفك ليست نبوءة حتمية الحدوث، وأنَّ مجرد الخوف من حدوث شيء تخشاه لا يعني أنَّه سيحدث فعلاً، وتذكَّر أنَّك في هذه اللحظة بأمان، وأنَّ مصدر التهديد الوحيد هو أفكارك، ومن ثم ركِّز على أنفاسك واستخدِم حواسك لتشعر بالبيئة المحيطة بك، وحالما يعود إليك الإحساس بالأمان، ردِّد عبارات التحفيز.

إقرأ أيضاً: كيف تسيطر على ما لا يمكنك السيطرة عليه في الحياة؟

3. ترديد عبارات التحفيز:

عبارات التحفيز اليومية قد تبدو سخيفة في البداية، لكنَّها تساعد فعلاً على إعادة صياغة أفكارك، فإذا كان الخوف يشكل نوعاً من الضغط على حياتك، فحاول كتابة عبارة تحفيزية مثل "قررتُ أن أتغلَّب على الخوف؛ وذلك لأنَّ سعادتي ووظيفتي وعائلتي تهمني أكثر من هذه المخاوف"، واكتب العبارة التحفيزية مراراً وتكراراً حتى تبدأ بتصديقها وتشعر بتحول في نمط تفكيرك.

4. مشاركة المخاوف مع الآخرين:

أخيراً لا تخف من التحدث عن مخاوفك، فجميعنا مررنا بثمانية عشر شهراً مرهقاً جداً، ومن ثم مرَّ أصدقاؤك وعائلتك بمشاعر قلق مماثلة، ومن خلال التحدث بصراحة عن مخاوفك، فإنَّك تتخلص من الضغوط التي تسببها هذه المشاعر، وربما تتمكن من مساعدة صديق على تجاوز القلق، وصحيح أنَّ الحفاظ على التفاؤل في ظل هذا الوضع المجهول يمثل تحدياً، لكنَّ استخدام هذه الاستراتيجيات يُحسِّن من قدرتنا على التكيف، ويسمح لنا بإعادة صياغة وضعنا بإيجابية أكثر.

المصدر




مقالات مرتبطة